بنكيران يوحّد إخوان المغرب بالشعوذة: لهذا خسرنا الانتخابات

بنكيران يوحّد إخوان المغرب بالشعوذة: لهذا خسرنا الانتخابات


17/01/2022

"ما عمركم جيتوا عندي وأنتم منشطين، لا في الحركة ولا في الحزب"، بتلك الجملة بدأ الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي (البيجيدي)، عبد الإله بنكيران، سرد تاريخ الفترات التي تولى فيها مناصب رئاسية في الحزب، ومن قبل في حركة التوحيد والإصلاح الإخوانية، التي انبثق عنها الحزب، مُذكّراً الحضور من قيادات الحزب بأنّهم دائماً يلجأون إليه حين يقعون في أزمة، كما هو حالهم اليوم بعد خسارة الحزب الفادحة في الانتخابات النيابية والجهوية والجماعية الأخيرة، وتراجعه عن المركز الأول إلى الثامن.

وعقب الخسارة الانتخابية، في 8 أيلول (سبتمبر) الماضي، عقد الحزب الإخواني مؤتمراً عاماً استثنائياً، نتج عنه انتخاب بنكيران أميناً عاماً للحزب، بدلاً من رئيس الحكومة السابق، سعد الدين العثماني.

اقرأ أيضاً: تقرير الحالة الدينية في المغرب: تباين أداء الإسلاموية والطرق الصوفية والمؤسسات الدينية

ومنذ عودته لرئاسة الحزب، شرع بنكيران في ترتيب البيت الداخلي، ومحاولة انقاذ الحزب من الانهيار، بعد موجة استقالات وأزمة مالية. ويعدّ لقاء بنكيران، مطلع الشهر الجاري، بالكتّاب الجهويين للحزب (قادة الفروع) أهم الخطوات لإعادة ترتيب البيت الداخلي.

العثماني وقيادات إخوانية مغربية

وخلال اللقاء عرّج بنكيران على العديد من الأحداث الحزبية والسياسية والدولية، وقدّم تشخيصاً لأسباب هزيمة الحزب الفادحة، ووصفته للخروج منها.

عظة بنكيران

وكانت بداية حديث بنكيران كاشفة للنهج الذي سار اللقاء عليه؛ وهو نهج وعظيّ باسم الدين، وذلك حين تحدث عن وباء كورونا، وأعاد سببه إلى "غضب الله" على الإنسانية، ولم يقتصر على ذلك، بل هاجم كلّ من قدم تفسيرات علمية للوباء، ووصفهم بـ "المكلخين"، وطالب بالعودة إلى الله، ليرفع البلاء.

بنكيران عن الهزيمة في الانتخابات: الله أحبط عمل الحزب بسبب التهاون في العبودية لدى أعضاء الحزب، وعلى رأس هذا التهاون التوقيع على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل

وعلى النهج الوعظيّ نفسه، تناول بنكيران قضية هزيمة الحزب الانتخابية، وأرجعها إلى غلبة المصالح الشخصية الضيقة على الرسالة التي يحملها الحزب وأعضائه؛ من الرؤية الدينية التعبدية في المجال السياسي، التي تهدف إلى تحقيق العبودية لله في الحياة الدنيا الفانية، وتحقيق الصلاح الدنيوي لخدمة العبودية.

وعن هزيمة الحزب، ذكر أنّ الله أحبط عمل الحزب بسبب التهاون في العبودية لدى أعضاء الحزب، وعلى رأس هذا التهاون التوقيع على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل. ومع ذلك لم ينسَ بنكيران تكرار حديثه عن المؤامرات التي يعقدها سائر الفاعلين في الحياة السياسية المغربية ضدّ حزب الإخوان، لكنّه، للمرة الأولى، لم يجعلها السبب الأساسي في الهزيمة؛ بل بحسب زعمه "إحباط الله لأعمال الإخوان" لتفريطهم في تعبّدهم لله.

وعلى الموال نفسه، رجع في حديثه إلى تاريخ الحزب، مُذكّراً بالعقبات التي واجهته، وكيف تفاعل معها، ليخلص إلى نتيجة، هي أنّ الله كافأ الحزب على إخلاصه بالنجاح الكبير في انتخابات 2011 و2016، لأنّ الحزب كان يتعبّد لله بالعمل السياسي، ولأنّ تلك النجاحات السابقة تحققت في عهد رئاسته، لهذا أراد بنكيران أنّ يوصل رسالة لقادة وأعضاء الحزب مفادها أنّه الوحيد المخلص لدينه وعقيدته في كبار قادة الحزب، ولهذا حين تم إبعاده عاقب الله الحزب بالهزيمة؛ لأنّ من خلفه لم يكن مخلصاً لله مثله.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: "جريمة" في مقر النهضة وتحريض في المغرب وتواطؤ في اليمن

وتناول الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عدداً من القضايا الثقافية محل الخلاف في العالم الإسلامي، وهي المثلية الجنسية والعلاقات الرضائية، دون أن تكون هناك مناسبة دافعة لذلك، سوى حديثه عن متى وكيف يُعارض الحزب الحكومات، وضرب مثلاً بهاتين القضيتين ليبين أنّه إذا حاولت الحكومة بحثهما فهذه مواقف تستوجب المعارضة.

اقرأ أيضاً: المغرب: هل تسعى "العدل والإحسان" لملء فراغ هزيمة "العدالة والتنمية"؟

وتعليقاً على اللقاء، يقول المحلل السياسي، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني، عمر الشرقاوي: "جلست قيادات حزب البيجيدي ساعة ونصف الساعة أمام بنكيران، وكأنّهم تلاميذ في فصل دراسي أمام معلم، دون أن يجرؤ واحدٌ منهم على الاعتراض، بينما بنكيران يحدّثهم حديث خرافات، ويسبّ ويذمّ قيادات سابقة، كانت بمثابة إخوان لهم".

د. عمر الشرقاوي: ما فعله بنكيران فجور في الخصومة مع الأمين العام السابق

وتابع الشرقاوي لـ "حفريات": "ما فعله بنكيران هو فجور في الخصومة مع الأمين العام السابق، سعد الدين العثماني، وكلّ من تولى قيادة الحزب بعد تنحيه، عام 2017، فضلاً عن تكرار نغمة المظلومية، وتكرار حديث المؤامرات ضدّه، والذم في خصومه السياسيين من الأحزاب الأخرى".

التلاعب بالدين 

وخلال اللقاء لم يتحدث بنكيران عن الأسباب الحقيقة لغضب الناخب المغربي على حزبه، ومنها؛ السياسات الاقتصادية التي أفقرت المواطنين، ورفض الناخب لاستغلال الدين في العمل السياسي، واستشراء الفساد، والمشاكل الداخلية التي عصفت بالحزب، خصوصاً الكولسة وموجات الاستقالات احتجاجاً على تفرد الأمانة العامة بقرار الحزب.

المحلل السياسي عمر الشرقاوي لـ "حفريات": جلست قيادات حزب البيجيدي أمام بنكيران وكأنّهم تلاميذ في فصل دراسي أمام معلم، دون أن يجرؤ واحدٌ منهم على الاعتراض      

ويقول الباحث في العلوم السياسية والكاتب الصحفي نورالدين اليزيد: "عندما يعاود بنكيران الكَرَّة لتبنّي خطاب المظلومية نفسه، إزاء السلطة، وإن كان السياق يختلف بين الأمس واليوم؛ إذ كان في السابق يحاول بمثل ذاك الخطاب الحفاظ على تموقع حزبه في تسيير دواليب الشأن العام، في شكل من أشكال الابتزاز السياسي للنظام، بينما حالياً يريد بمثل هذا الخطاب إنقاذ ما يمكن إنقاذه من البناء الحزبي الآيل للاضمحلال والتآكل من الداخل. ويبقى ذلك مجرد واحدة من الأوراق التي يراهن عليها السيد بنكيران، لعلّها تسعفه، ولو قليلاً، في تضميد ولملمة جراح الطعنة، والاستشفاء من جرح موغر تركته نتائج اقتراع 8 سبتمبر".

وعطفاً على ما سبق، قدّم بنكيران وصفة لعلاج أزمة الحزب إلى القيادات والأعضاء، والتي تتمثل في العودة إلى قراءة القرآن الكريم وتدبّره، وعقد حلقات المدارسة والتربية، والإخلاص لله في العمل السياسي، حتى ولو لم يحصل الحزب سوى على مقعد انتخابي واحد.

نور الدين اليزيد: حزب العدالة والتنمية يعاني من شبه إفلاس مالي

ورغم توجّهه بالخطاب إلى الداخل الحزبي إلا أنّه لم يشر من قريب أو بعيد إلى الفساد الداخلي في الحزب، واستبداد الأمانة العامة بالقرار بشكل تامّ، حتى في القرارات التي تتعلق باللوائح الانتخابية، والتي تجعل لوائح الحزب الداخلية مسؤوليتها على عاتق الكتابات الإقليمية.

ما هو مستقبل حزب الإخوان؟

ويحسب بنكيران أنّ نجاح حزبه الكبير في الانتخابات السابقة يعود إلى التديّن المزعوم الذي شدّد عليه، ولهذا جاء علاجه لأزمة الهزيمة الانتخابية بالعودة إلى هذا التديّن، وكأنّ الناخب المغربي مسلوب الإرادة، يُحرّك طبقاً لقرب الإخوان وبعدهم عن الله.

وما فات بنكيران أنّ أحد أسباب فوز حزبه بالصدارة، في انتخابات عامَي 2011 و2016، يعود إلى الظروف الإقليمية الواسعة عقب أحداث الربيع العربي، والتي جعلت الشعوب العربية تنفتح على تجريب حكم جماعة الإخوان المسلمين، كردّ فعل على اليأس من الوجوه الحزبية التقليدية.

اقرأ أيضاً: "العدالة والتنمية" المغربي والعودة إلى الخطاب الشعبوي.. تناقضات وانتهازية الحزب الإخواني

وفي حديثه لـ "حفريات"، أفاد الصحفي اليزيد؛ بأنّ "الظروف المحلية والجهوية والإقليمية، لن تساعد بنكيران على نيل أهدافه ومراميه في تقوية الحزب، فعلى الأقل خسر تعاطف الرأي العام معه؛ لأنّ الأخير عرف جيداً وعايش عن قرب مدى ازدواجية خطاب هذا الحزب، وقد اكتوى طيلة 10 أعوام من ترؤسه للحكومة، من سياسات لا شعبية وقرارات تضرب في العمق القدرة المعيشية للمواطنين، عبر سنّ قوانين ومراسيم توسيع القاعدة الضريبية على عديد من المواد الحيوية وغلاء الأسعار، وهي القرارات التي إما استفادت منها التوازنات الكبرى للخزينة العامة، وإما نالت ريعها كبريات الشركات، تماماً كما هو الأمر بالنسبة لتحرير أسعار المحروقات، ورفع الدعم عن بعض المواد الحيوية".

وشدّد اليزيد على أنّ "حزب العدالة والتنمية الإخواني يعاني من شبه إفلاس مالي، وقد سرّح العشرات من موظفيه وحلّ بنيته الإعلامية، وكلّ ذلك يجعل خطاب بنكيران، بقدر ما يشوبه التخبط والارتباك، باجترار شعارات وأساليب تمّ تجريبها سابقاً في ظروف مختلفة تماماً، بقدر ما تعكس عجز القيادة الحزبية الحالية عن إيجاد الوصفة السحرية التي يمكن بتناولها أن تجنّب الحزب الانهيار والتحلل".

وكان حزب العدالة والتنمية الإخواني خسر صدارة الانتخابات النيابية والجهوية والجماعية لعام 2021، وحلّ في المرتبة الثامنة في مجلس النواب بعدد 13 مقعداً، بعد أن كان لديه 12 مقعداً في انتخابات عام 2016.       

الصفحة الرئيسية