بوركينا فاسو: فصل جديد من مسلسل الإرهاب في الساحل الأفريقي

بوركينا فاسو: فصل جديد من مسلسل الإرهاب في الساحل الأفريقي


03/01/2022

ترجمة: علي نوار

ما تزال الجماعات الإرهابية في إقليم الساحل الأفريقي تحرز تقدّماً بلا هوادة، منذ ما يقرب من عقد كامل شهد مقتل آلاف الضحايا وثلاثة ملايين نازح وأزمة إنسانية حادّة، فضلاً عن تهديد حكومات دول المنطقة وإحداث حالة من انعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي كان آخر فصولها الانقلاب العسكري في مالي وسقوط حكومة بوركينا فاسو، إضافة إلى التظاهرات المناهضة للأنظمة الحاكمة في دول الإقليم.

اقرأ أيضاً: خطر الإرهاب يتعاظم في أفريقيا... ماذا ينتظر القارة السمراء في 2022؟

وتعمل هذه الجماعات على استغلال حالة التخبّط هذه لتوسيع نطاق نفوذها إلى أراضٍ جديدة، واضعة نُصب عينيها الأجزاء الشمالية من دول خليج غينيا، مثل كوت ديفوار، حيث لم تعد الهجمات الإرهابية أمراً مُستغرباً، وبنين وتوجو، اللتين تعرّضتا أيضاً لضربات الإرهابيين في الفترة الأخيرة.

الجماعات الإرهابية تثير التخبط

في فجر الرابع عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي؛ شنّ إرهابيون على متن درّاجات نارية وسيارات دفع رباعي هجوماً على نقطة أمنية في إيناتا، أقصى شمال بوركينا فاسو، ليقتلوا 53 شرطياً. وكشفت تقارير صدرت لاحقاً أنّ أفراد الأمن كانوا لا يملكون شيئاً حتى الطعام.

وكانت إيناتا هي القشّة التي قصمت ظهر البعير، وخرج مواطنو بوركينا فاسو للاحتجاج في كُبرى مُدن البلاد، تنديداً بتقاعس السُلطات عن مواجهة التهديد الإرهابي، وسط أنباء عن وجود حالة من السخط داخل صفوف القوّات المُسلّحة بل واحتمالية حدوث انقلاب عسكري، واضطرّ رئيس البلاد، روش مارك كريستيان كابوريه، لإقالة الحكومة بالكامل في محاولة لإنقاذ نفسه.

اقرأ أيضاً: الوحدة 400 .. ذراع إيران الإرهابية في أفريقيا

ولا يهدّد اتّساع نطاق الخطر الإرهابي الديمقراطية فحسب، بل مسألة بقاء الدولة ذاتها في بوركينا فاسو، حسبما حذّر جيل يابي مدير مركز "واتي" للدراسات، بقوله: "الأمر يحدث بالفعل في مالي منذ عام 2012؛ حيث مهّد الفراغ الأمني وعدم قُدرة الحكومة على الردّ، الطريق أمام الانقلاب العسكري، ينبغي تلافي تكرار هذا السيناريو في بوركينا فاسو بأيّ ثمن".

وكما حدث في مالي والنيجر، تكرّر السيناريو بحذافيره في بوركينا فاسو، ودأبت الجماعات الإرهابية على إذكاء نيران الصراعات القبلية وتجنيد مقاتلين جدد

وكان عسكريون ماليون غاضبون بسبب نقص الأسلحة والذخيرة لمجابهة العناصر الإرهابية التي بدأت تشكّل بؤراً في شمال البلاد، قد أقدموا، في آذار (مارس) 2012، على إطاحة الرئيس السابق أمادو توماني توريه، وبعدها بثمانية أعوام تقريباً، تحديداً في آب (أغسطس) 2020، دفع استياء عدد من كبار الضبّاط بسبب مقتل جنودهم في شمال ووسط البلاد، لانضمامهم إلى مواطنيهم من المدنيين وتنفيذ انقلاب عسكري جديد أزاح الرئيس السابق إبراهيم بوبكر كيتا.

حرب شعواء

تؤكّد أورنيلا موديران، الباحثة في معهد الدراسات الأمنية؛ أنّ "ضرب استقرار حكومات دول إقليم الساحل هي نتيجة واضحة لنشاط الجماعات المُسلّحة. نشهد في بوركينا فاسو اقتتالاً بين جماعة نًصرة الإسلام والمسلمين من جانب وتنظيم داعش في الصحراء الكُبرى من جانب آخر، من أجل السيطرة على أراضي بوركينا فاسو، التي تُعدّ ممراً نحو الدول الواقعة على الساحل"الغربي لأفريقيا".

وتوجّه أصابع الاتهام إلى هذه الجماعات الإرهابية، المدعومة من قبل حركات مُسلّحة محلّية أيضاً، بارتكاب الهجمات والاعتداءات بشكل مستمر في جميع أرجاء المنطقة، وكان آخرها ذلك الذي وقع قبل أيام في شمال بوركينا فاسو وأودى بحياة 41 شخصاً.

ويتّفق معها بكاري سامبي، مدير معهد تمبوكتو للأبحاث والدراسات؛ حيث "يستفيد الإرهابيون من انعدام الاستقرار، إذ شنّت الجماعات الإرهابية هجمات لا حصر لها، ضمن إستراتيجيتها الهادفة لتقويض حضور الدولة بغية توسيع نطاق نفوذ الإرهابيين نحو بُلدان خليج غينيا".

اقرأ أيضاً: 8 معلومات عن خصائص الدين والسحر في أفريقيا

وأضاف سامبي: "مع سقوط جزء كبير من شمال مالي وبوركينا فاسو، أصبح تقدّم الإرهابيين أمراً واقعاً، وفي التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، تعرّضت وحدة عسكرية في توجو لاعتداء إرهابي، الأول في تاريخ البلاد، ومع بداية كانون الأول (ديسمبر)، هوجمت قاعدتان تابعتان لجيش بنين كذلك، بينما تدور رحى اشتباكات مستمرة في شمال كوت ديفوار. وفي جميع هذه الوقائع، جاء المهاجمون من بوركينا فاسو المجاورة.

اقرأ أيضاً: ضحايا الإرهاب في أفريقيا لا بواكي لهم في إعلام الغرب.. لماذا هذا التحيز؟

ويبرز سامبي: "كان لدى دول خليج غينيا وقتاً كافياً للعمل على الوقاية، لكنّها لم تفعل ذلك؛ لأنّها كانت غارقة في مستنقع إنكار وجود المشكلة، كما لو كانت بعيدة عنهم، أو على أفضل تقدير اعتقادها بإمكانية التعامل مع المسألة عسكرياً فقط بدون معالجة الأسباب الكامنة، وآجلاً أم عاجلاً، وكما جرى في وسط مالي أو شمال بوركينا فاسو، سيؤدّي هذا المنظور إلى تصاعد حدّة النزاع والتهميش المجتمعي"، مشيراً إلى أنّ هشاشة الدول غير المستعدّة لصراع غير متكافئ كهذا "تصبّ بشكل واضح في مصلحة الإرهابيين كي يواصلوا تقدّمهم".

هل دول الساحل بعيدة عن خطر الإرهاب؟

الحقيقة أنّ تزايد انتشار الجماعات الإرهابية واقترابها من خليج غينيا كان أحد أبرز الملفّات التي جرى التطرّق لها خلال ملتقى السلم والأمن المنعقد مؤخّراً في داكار، نظراً للخطر المحدق الذي استشعرته دول المنطقة. ولعلّ هذا ما يفسّر حديث الرئيس السنغالي، ماكي سال، مضيف القمّة، والرئيس المقبل للاتحاد الأفريقي، اعتباراً من 2022، عمّا وصفه بـ "انبثاث" أو انتقال العناصر الإرهابية.

ويُتفق المحلّلون على أنّ تلك الدول أضحت مصدراً للتموين والتمويل بالنسبة للجماعات الإرهابية، بل ذهبت لما هو أبعد من ذلك، وقد كشف تقرير حديث صادر عن معهد الدراسات الأمنية؛ أنّ تعدين الذهب يضخّ عائدات طائلة على الجماعات في عملية لا تخضع لرقابة الدول، محذّراً من انتقال عدوى الخطر الجهادي إلى السنغال التي تتكرّر على حدودها الجنوبية مع مالي حوادث أمنية تدعو للقلق.

اقرأ أيضاً: تشييع أفريقيا.. التغلغل الناعم للولي الفقيه

وفي ظلّ هذه العوامل وتقدّم الإرهابيين، جاء الانسحاب الجزئي للقوات الفرنسية، التي تعمل ضمن "عملية برخان"، والتي تقرّر تخفيض قوامها من خمسة آلاف و100 عسكري إلى ثلاثة آلاف فرد، بداية من الصيف المقبل، مع تسليم ثلاث قواعد عسكرية إلى الجيش المالي، ليزيد مخاوف دول الساحل.

وتضيف موديران: "حان وقت التغيير الجذري، كانت برخان هي المحور الذي تُبنى على أساسه إستراتيجية مكافحة الإرهاب في المنطقة، والآن يُعاد انتشار هذه القوة العسكرية، ننتظر حالياً ردّة فعل جيوش دول الساحل الخمس وكيف ستتأقلم مع هذا التغيير".

بوركينا فاسو: النار تحت الرماد

ويثير الوضع في بوركينا فاسو قلق المجتمع الدولي بشكل عام نتيجة لسرعة تدهوره، فتلك الدولة الواقعة إلى الجنوب من مالي والغرب من النيجر، التقطت بدورها عدوى الإرهاب من دول الجوار عبر الشمال، عام 2015، وكانت النتيجة انتشار عناصر إرهابية في جميع أقاليم البلاد، باستثناء بلاتو سنترال وكاديوجو، حيث تقع العاصمة واجادوجو.

وكما حدث في مالي والنيجر، تكرّر السيناريو بحذافيره في بوركينا فاسو، ودأبت الجماعات الإرهابية على إذكاء نيران الصراعات القبلية وتجنيد مقاتلين جدد، واستفادت حركة "أنصار الإسلام"، التابعة لجماعة "نُصرة الإسلام والمسلمين"، التي تدين بالولاء لتنظيم القاعدة، من التهميش الذي يشعر به شعب الفولاني في شمال البلاد كي تجتذب أتباع لها منهم، كما أنّ زعيم "أنصار الإسلام"، إبراهيم مالام ديكو، هو أحد رجال الدين المعروفين في المنطقة، وكان يرتبط بعلاقة وطيدة مع أمادو كوفا، زعيم جماعة "جبهة تحرير ماسينا" التي تنشط في وسط مالي، والذي كان رجل دين أيضاً.

الأمل الوحيد المتبقّي بالنسبة للمجتمع الدولي هو السيطرة على تقدّم الإرهابيين نحو دول خليج غينيا، ولعلّ تجربة مالي تكون درساً للمنظّمات الدولية والحكومات المحلّية

ونتيجة لتفشّي الإرهاب، ردّ السكّان المحلّيون بتشكيل جماعات مسلّحة شبه عسكرية تستهدف في المقام الأول الدفاع عن مدنهم وقُراهم من التهديد الإرهابي، إلّا أنّها تحوّلت لاحقاً إلى ملاحقة أبناء شعب الفولاني، بسبب تطرّف بعضهم، وكانت هذه هي حالة ميليشيا موسي كوجلويوجو، التي ارتكبت مذابح بحق الفولاني، مثل تلك التي وقعت في يروجو عام 2019؛ حيث قُتل 48 مدنياً من الفولاني.

ويتشابه هذا الوضع مع ما شهدته مالي؛ إذ لقي 160 فرداً من الفولاني أيضاً مصرعهم على يد ميليشيات مسلّحة مالية عام 2019. وكانت نتيجة كلّ هذه الأحداث وصول العنف والتوتّر العرقي بوركينا فاسو لمستويات غير مسبوقة وحقبة من الممارسات الانتقامية المتبادلة بين الفولاني والعرقيات الأخرى، ومنحت هذه الأجواء تُربة خصبة للجماعات الإرهابية كي تنمو وتترعرع بصورة أسرع.

عامل آخر أسهم في زيادة نفوذ الإرهابيين هو موقف الدولة وقواتها المسلّحة تجاه المدنيين من الفولاني باعتبارهم متطرّفين، وطبقاً لمصادر محلّية، فقد شهدت منطقة ماجودارا مقتل مدنيين من الفولاني على يد القوات المسلّحة بدون إجراء أيّة تحقيقات، وتكرّر الشيء عينه في مناطق متفرّقة من بوركينا فاسو، علاوة على الاعتقالات العشوائية والحبس بدون محاكمة، لتسير البلاد على خُطى مالي في البداية، حتى في مساندة الميليشيات المسلّحة لردع العناصر الإرهابية في المناطق التي تعجز القوات النظامية عن العمل فيها.

اقرأ أيضاً: كيف حوّل الإرهاب في أفريقيا جائحة كورونا إلى مدد إلهي؟

لكن في مالي، وحين بدأت الميليشيات في مهاجمة المدنيين بلا تفرقة، سارعت الدولة إلى تغيير خطابها، أمّا بوركينا فاسو فقد اتّخذت مساراً مختلفاً بتجنيد جيش من المتطوعين من أجل دعم الجيش النظامي المهلهل، وينضمّ إلى هذا الجيش متطوعون من المناطق الأكثر تضرّراً جراء الإرهاب، وكانوا يتلقّون تدريباتهم على يدّ عسكريين بوركينيين، وفي بعض الفترات تم تزويدهم بالسلاح، لكنّ الوضع لم يعد كذلك في الوقت الحالي، وأصبح المتطوعون يفتقرون للتدريب والسلاح، ما أدّى إلى إثارة وتيرة العنف وإضافة طرف آخر إلى الأزمة.

واستمرّ الوضع في التدهور على مدار الأعوام الأخيرة بضربات عسكرية محدودة وعلى استحياء من سُلطات بوركينا فاسو، ووفق صحيفة "نيو هيومانيتاريان"؛ فإنّ حكومة البلاد أبرمت اتفاقاً سرّياً، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، مع الإرهابيين، من أجل إجراء الانتخابات في أجواء هادئة نوعاً ما، لكنّ هذا الاتفاق انهار مطلع 2021 ؛ حيث عاد العنف ليطلّ برأسه من جديد، ومدّ الإرهابيون حضورهم نحو الجنوب.

يضطّرون لقبول تطبيق الشريعة

وقرّر الزعماء المحلّيون أخذ زمام المبادرة على خلفية عدم تحرّك الدولة والتفاوض مع القيادات الإرهابية بهدف تهدئة التوتّر وتطبيق الشريعة الإسلامية على نحو مغرق في التشدّد، مقابل فكّ الحصار الذي يفرضه الإرهابيون على المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وبالطبع، فإنّ تلك المفاوضات تدور بعيداً عن أيّ تدخّل للدولة، والواقع أنّه لا يوجد أيّ إطار للتفاوض، أو حتى دليل، لمعرفة ما يمكن للمحلّيين تقديمه إلى الإرهابيين، لكن القتل يتوقّف على الأقلّ عند تطبيق القيود الصارمة المفروضة.

وإضافة إلى الأزمة السياسية والاجتماعية والأمنية، تعاني بوركينا فاسو وطأة أزمة إنسانية حادّة؛ فهناك 1.4 مليون نازح داخلي، على الأقل، والأرقام تتضاعف إذا تمّ احتساب الأشخاص الذين لا يملكون أوراق هوّية رسميّة، بينما تلجأ الدولة لإنكار خطورة الموقف؛ بل وتضيّق الخناق على الصحفيين أو عمّال الإغاثة الراغبين في الدخول إلى المناطق المنكوبة لتقديم يد العون عن طريق فرض استصدار تصاريح للعمل يتمّ رفض استخراجها في غالبية الأحيان أو حظر الدخول إلى مناطق بعينها.

اقرأ أيضاً: من تركيا إلى روسيا... دول تطمع بنفوذ باريس في أفريقيا

وبلا ريب أنّ الوضع المقلق في بوركينا فاسو هو نتيجة لعملية بدأت عام 2015، ونتيجة للأزمة في مالي، لم يهتمّ المجتمع الدولي بالقدر الكافي بهذه الأزمة التي أصبحت الآن محلّ اهتمام وسائل الإعلام والباحثين والمسؤولين، لكنّ الموقف تدهور، للأسف، وزاد من وطأة ذلك الردّ المتأخر.

لكنّ الأمل الوحيد المتبقّي بالنسبة للمجتمع الدولي هو السيطرة على تقدّم الإرهابيين نحو دول خليج غينيا، ولعلّ تجربة مالي تكون درساً للمنظّمات الدولية والحكومات المحلّية حول أيّ من السياسات تقدّم حلولاً ناجعة وأيّها لا تأتي بثمارها، ومنها الاستعانة بالميليشيات المسلّحة التي لا تخضع لأيّة رقابة أو دراية بالقانون الدولي الإنساني، وكذلك الإستراتيجيات العسكرية الصرفة، التي لم ينجم عنها سوى انتهاكات ومئات القتلى سواء من المدنيين أو العسكريين.

مصادر الترجمة عن الإسبانية:

https://bit.ly/3FGlhrg
https://bit.ly/32BwFGz



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية