"بوعزيزي" جديد يعيد سيناريو 2011 إلى تونس

تونس

"بوعزيزي" جديد يعيد سيناريو 2011 إلى تونس


08/01/2019

أعادت موجة الاحتجاجات الغاضبة، التي تعيشها تونس في عدة محافظات، للأذهان وقائع الثورة التونسية في أيّامها الأولى، بعد عملية انتحار الصحفي عبد الرزاق الزُرقي حرقاً، احتجاجاً على البطالة، والأوضاع الاجتماعية المتردية، وهي نفس الطريقة التي أشعل بها محمد البوعزيزي (ملهم الثورة التونسية) نفسه والتي أدّت إلى إسقاط حكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، وهروبه إلى المملكة العربية السعودية يوم 14 كانون الثاني (يناير) 2011.

اقرأ أيضاً: في ذكرى البوعزيزي: كيف تحوّل الربيع إلى حريق مدمّر؟

وخلّفت وفاة المصور الصحفي الذي أحرق نفسه بمحافظة القصرين (وسط غربي تونس)، القريبة من محافظة سيدي بوزيد، حيث انطلقت ثورة تونس، حالةً من الصدمة الممزوجة بالغضب في صفوف الصحفيين، وشباب مدينته، الذين أججوا الشارع، وأشعلوا الإطارات المطاطية، تعبيراً عن غضبهم، ووقعت اشتباكات عنيفة بين المحتجين والأمن التونسي.

وقرّرت نقابة الصحفيين التونسيين، تنفيذ إضراب عام اختارت له تاريخ إحياء تونس لذكرى الثورة يوم 14 من الشهر الجاري، وندّدت في بيان بحادثة انتحار المصوّر الصحفي نتيجة لظروف اجتماعية قاسية، وانسداد الأفق، وانعدام الأمل، وهي حالة تنسحب على أغلب الصحفيين التونسيين.

المصور الصحفي عبدالرزاق الزرقي

كما أعلنت مجموعة من الشباب يوم 25 الماضي حملة "باستا يزيكم" (يكفي)، ساندهم فيها الصحفيون، من أجل الاحتجاج ضد غلاء المعيشة، والتهاب الأسعار، وتدهور قيمة الدينار، وتفاقم ظاهرة البطالة، فضلاً عن ارتفاع نسبة مديونية تونس للجهات الخارجية.

وكُتبت عبارة "باستا يزيكم"، وهو مصطلح إيطالي يستعمله التونسيون في لهجتهم العامية، على أسوار كل الشوارع التونسية، وبعض مؤسسات الدولة كالبرلمان، ويعتبر القائمون عليها، أن "النمط الاقتصادي والاجتماعي السائد في تونس لا يخدم سوى مصالح أقلية تستفيد من الدولة وتتحكم في مفاصلها الأساسية.

النقابي عبد الحليم حمدي: الوضع الاجتماعي في تونس محتقن بطبعه وعلى أشدّه وقابل للانفجار في أيّ لحظة

وانتشرت التحركات الاحتجاجية على إثر ذلك، وعمّت أغلب مدن الوسط التونسي، للمطالبة بالتشغيل والتنمية، والعدالة الاجتماعية بين مختلف محافظات تونس، وفق ما ينصّ عليه دستورها الجديد، حيث أقدم أحد المحتجين في مدينة جبناينة التابعة لمحافظة صفاقس، جنوبي تونس، على إحراق نفسه، فيما تم إنقاذه من الموت، ونقله بسرعة إلى أقرب مشفى.

وشهد مرور ثماني سنوات منذ تاريخ إطاحة نظام تونس السابق، أحداثاً حارقةً، ومثيرةً، تجدّد خلالها سيناريو، رفع شعارات، متطابقة تدعو جميعها إلى التشغيل، وإعطاء المناطق الداخلية حقّها من التنمية، كباقي المناطق الساحليّة، والأخرى القريبة من العاصمة، ودعت في عدّة مناسبات إلى إسقاط الحكومات المتتالية (تسع حكومات منذ الثورة)، لعجزها عن الاستجابة للمطالب التي رفعها الشباب خلال أحداث الثورة.

انتفاضةً جديدةَ

وينذر شتاء تونس، الذي تحيي فيه البلد ذكرى الثورة، بأحداث ساخنة قد تحرّك رياح ثورة ثانية، تصحّح مسار الأولى، ويُتوقع أن يشهد المشهد السياسي تقلبات، قد تغير موازين المعادلة السياسية التي تقودها حالياً حركة النهضة الإسلامية (في الحكم)، والتي تُوجه لها أصابع الاتهام بإجهاض المسار الانتقالي في تونس، من خلال إغلاق الانتداب في الوظيفة العمومية، للعام الثالث على التوالي، والترفيع في أسعار المواد الأساسية، وتفقير الشعب.

اقرأ أيضاً: السبسي يتحدث عن تونس 2019.. ماذا قال؟ 

ويقول في هذا الشأن، المحلّل السياسي محمد بوعود في تصريحه لـ"حفريات"، إنّ الاحتجاجات مازالت متوزعة جغرافياً، وبداياتها غير معروفة، رغم توحّد شعاراتها، حول الحريّة، والكرامة، والتشغيل، وضدّ غلاء الأسعار، والضغط الاجتماعي، والاقتصادي.

ويضيف محمد بوعود أنّ هذه التحرّكات، وإن لم تأخذ بعد طابع تحركات 17 كانون الأول (ديسمبر) 2010- 14 كانون الثاني (يناير) 2011، فإنّ إشعال النار في جسد المصور الصحفي عبد الرزاق الزرقي قد يكون استنساخاً لإشعال الثورة من جسد محمد البوعزيزي.

الاحتجاجات في تونس

المحلل السياسي يعتقد أيضاً أنّ ما دعت إليه المجموعات الشبابية منذ سنوات بدأ ينحصر تأثيرها في الأيام القليلة الماضية، مثل حملة السترات الحمراء (حركة شبابية تحتج ضدّ ارتفاع الأسعار، وتطالب بإسقاط الحكومة)، التي بادرت الحكومة، وأنصارها بتشويهها، وشيطنة المحتجين، واختلاق سيناريو المؤامرة، فضلاً عن التلميح لارتباطها بقوى أجنبيةٍ وبرئيس الجمهورية نفسه.

تململ اجتماعي

وتبدو الأعباء الاجتماعية، والاقتصادية أكبر بكثير من الحكومة، حيث  تمثل البطالة، والفقر، والتفاوت الطبقي عوامل تفجير دائمة، خاصة في محافظات سيدي بوزيد، والقصرين، وقفصة، والقيروان، وهي المحافظات الأكثر فقراً في تونس.

ويرى الناطق باسم الحركات الاجتماعية في تونس عبد الحليم حمدي في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ الاحتجاجات التي انطلقت من سيدي بوزيد، والقصرين، وانتشرت لباقي المدن التونسية، كانت متوقعةً منذ السنة الماضية، بسبب الإجحاف الذي تضمّنه قانون موازنة 2018، بإيقاف الانتداب في الوظيفة العمومية، والترفيع في أسعار بعض المواد، غير أن الحكومة نجحت في إفشال كلّ التحركات ضدّها.

أسامة الصغير: من حقّ شباب الولايات الدفاع عن مطالبهم المشروعة، ولكن يجب ألا تتجاوز الاحتجاجات النضال السلمي

ويعتبر حمدي أنّ الوضع الاجتماعي في تونس محتقن بطبعه، وعلى أشدّه، وقابل للانفجار في أيّ لحظة، بسبب تراجع مؤشّرات التنمية، وتراجع الاقتصاد التونسي إلى أدنى مستوياته، فضلاً عن غلاء الأسعار، وتراجع مستوى معيشة التونسيين، وهو ما أدّى إلى تآكل الطبقة الوسطى، وتراجعها إلى الطبقات الفقيرة.

ووصف الناطق باسم الحركات الاجتماعية، الصحفيَ الذي أحرق نفسه في محافظة القصرين، بـ"القادح للاحتقان الذي تعيشه تونس منذ فترةٍ، خاصّةً أنه كان يغطي تحركات العاطلين عن العمل"، مرجحاً أن تتواصل الاحتجاجات، ولن تتوقف إلاّ بإصلاح المسار الثوري.

من جهة أخرى، يواصل الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في تونس)، الذي نفّذ مؤخراً إضراباً عاماً في قطاع الوظيفة العمومية، التهديد بتنفيذ إضراب عام شامل، إن لم تستجب الحكومة لحزمة من المطالب الاجتماعية، هذا إلى جانب إقرار الجامعة العامة للتعليم الثانوي يوم 17 الجاري كموعد لشن إضراب عام قطاعي تحت عنوان "السترات البيضاء".

اقرأ أيضاً: الحبيب بو رقيبة: عرّاب تغيير الفكر في تونس

واعتبر لسعد اليعقوبي، كاتب عام الجامعة العامة للتعليم الثانوي التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، في تصريح لـ"حفريات"، أنّ التحرّكات الاحتجاجية التي تشهدها مختلف مدن تونس، نتيجةً طبيعية للخيارات الحكومية الفاشلة، وانسداد الأفق أمام الشباب، فضلاً عن تردّي الوضع الاجتماعي البائس.

الاحتجاجات في محافظة القصرين

وشدّد على أنّ النقابيين التابعين لاتحاد الشغل سيدعمون كلّ التحرّكات المطالبة بالحقوق والحريات، وخاصّةً الحق في عيش كريم، معتبراً أنّها "ستشكّل ضغطاً لتغيير السياسات الحكومية، أو تغيير الحكومة."

مقاربة تنموية

وبالرغم من أنّ الثورة التونسية حققت عديد المكاسب على مستوى العملية السياسية، حيث نجحت في التداول على السلطة، وكسرت القيود التي كانت مفروضةً على حرية التعبير، غير أنّها لم تنتصر لصوت الجياع والفقراء، ولم تحقق مطالب التنمية، والتوزيع العادل للثروات، خاصةً بعد فشل  القائمين على الحكم منذ 14 كانون الثاني (يناير) 2011، في إرساء مقاربة تنموية تحقق تطلعات المناطق التي عانت طويلاً من سياسة الإقصاء، والتهميش.

المحلل محمد بوعود: إشعال النار في جسد الصحفي عبد الرزاق الزرقي قد يكون استنساخاً لإشعال الثورة من جسد البوعزيزي

ويذهب السياسيون في تونس إلى ضرورة تعديل المسار الثوري الذي فشل في توفير فرص العمل لآلاف المعطلين عن العمل، وهو ما أشار إليه منجي الحرباوي، الناطق باسم حزب نداء تونس، الذي انضمّ حديثاً إلى المعارضة، بعد تولّيه الحكم منذ 2014، إذ أكّد أنّ ما تشهده تونس، من تحرّكات احتجاجية منذ 2010 إلى اليوم، يدل على أنّ الثورة لم تكتمل أهدافها بعد، أهمّها تلك المتعلّقة بالكرامة، والعدالة الاجتماعية بين محافظات تونس ومواطنيها.

ونوه في تصريحه لـ"حفريات"، إلى أنّ سكان المناطق التي شهدت الانتفاضات الأولى مازالت بانتظار تحقيق قدر من التنمية، وتوفير فرص العمل، وتطوير البنية التحتية، واعتبر حادثة انتحار الصحفي عبد الرزاق الزرقي "رسالةٌ قويّةٌ، قد تكون بداية ثورةٍ جديدةٍ، تحقّق ما تغاضت عنه ثورة 2011"، لافتاً إلى أنّ حزبه سيدعم كل من يحتجّ من أجل الدفاع عن حقّه.

في مقابل ذلك، يؤكد أسامة الصغير، النائب عن حركة النهضة الإسلامية (في الحكم)، أن من حقّ شباب الولايات الدفاع عن مطالبهم المشروعة، ولكن يجب ألا تتجاوز الاحتجاجات النضال السلمي وفق ما ينص عليه الدستور، معتبراً أنّ "الوضع الأمني لا يحتمل موجة من الاحتجاجات العنيفة والتي يمكن أن تستغلها الجماعات الإرهابية".

الاحتجاجات في سيدي بوزيد

وأضاف في تصريح لـ "حفريات"، أنّ "النزول ليلاً للشارع، من أجل الاحتجاج، يشوبه الكثير من الغموض، وعدم الوضوح، كما أنّه يعرّض المحتجين إلى للاختراق، من أصحاب النيّة السيئة".

واستبعد الصغير أن تكون تونس على أبواب ثورةٍ جديدةٍ؛ لأن ثورة 2011 أتاحت للتونسيين حق التظاهر، والاحتجاج، والتعبير عن الرأي بكلّ حريّةٍ، داعياً كافّة الأحزاب والسياسيين إلى "ضرورة الإنصات للمحتجين، والتواصل معهم، ومصارحتهم بحقيقة الوضع الاقتصادي".اغىتعب


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية