تاريخ التوترات بين روسيا وأوكرانيا

تاريخ التوترات بين روسيا وأوكرانيا


كاتب ومترجم جزائري
03/03/2022

ترجمة: مدني قصري

قبل أن تجتاح روسيا أوكرانيا الخميس الماضي، كانت قد وصلت التوترات بين أوكرانيا وروسيا، منذ سنوات عديدة، إلى أعلى مستوياتها، لكنّ الجهود الدبلوماسية تتواصل الآن بكامل قوّتها أيضاً لإيجاد حلّ للأزمة.

النزاع الذي يعود إلى عقود نزاعٌ يشمل العديد من القضايا وتشترك فيه دول في جميع أنحاء المنطقة.

فيما يلي نستعرض ما نعرفه عن الأزمة.

كيف بدأ الصراع؟

تعود أصول اندلاع العنف الأخير بين البلدين إلى شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2021؛ ففي هذا التاريخ بدأ انتشار عسكري مكثف من قبل روسيا على طول الحدود الأوكرانية.

وقد كشفت تقارير استخباراتية وأقمار صناعية أنّ أكثر من 100 ألف جندي يتمركزون الآن في محيط المنطقة.

كما نشرت وزارة الدفاع الروسية صوراً للتدريبات العسكرية.

تعود أصول اندلاع العنف الأخير بين البلدين إلى شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2021

وتشمل المعدات المستخدمة بنادق ذاتية الدفع ودبابات قتالية وعربات قتال مشاة.

لقد أعربت أوكرانيا عن قلقها إزاء هذا الحشد العسكري الروسي، لكن حكومتها أكدت أيضاً؛ أنّها لا تعتقد أنّ روسيا في وضع يُمكنها من القيام بعمل عسكري في هذا الوقت.

يتمثل موقف روسيا في التأكيد على أنّ انتشارها العسكري لا يشكّل تهديداً لأوكرانيا، وأنّ لها الحق في أن تفعل ما تشاء بجيشها فوق أراضيها.

يقول البعض إنّ الحشد العسكريّ الروسي الحالي قد يكون أكبر حشد تقيمه روسيا حول أوكرانيا منذ الحرب الباردة.

في التسعينيات، بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، ظلّ الناتو يسعى جاهداً إلى إقامة علاقات وثيقة مع أمم وسط وشرق أوروبا، المستقلة حديثاً عن سلطة موسكو

في هذا السياق تشرح أوريسيا لوتسفيتش، مديرة المنتدى الجاري حول أوكرانيا في مركز أبحاث "تشاتام هاوس" (Chatham House)، في لندن، الموقف الحالي قائلة: "تريد أوكرانيا تعزيز أمنها لأنّها تشعر بضغط قويّ من الوجود العسكري الروسي، سواء على الحدود أو داخل الأراضي الأوكرانية، في الأجزاء المحتلة من أوكرانيا"، وتضيف السيدة لوتسفيتش قائلة: "تتمثل إحدى الطرق التي تفكر بها أوكرانيا لتحقيق ذلك في "التحالف الجماعي مع الناتو"، لكنّ روسيا تعتقد أنّ القدرة على نشر قوات على طول حدودها حقٌّ سياديّ".

وقالت إلينا أنانييفا، من معهد أوروبا (RAS) ومقرّه موسكو: "القوات الروسية موجودة على الأراضي الروسية، ولا أحد يرشد الولايات المتحدة إلى المكان الذي يجب أن تتمركز فيه قواتُها على الأراضي الأمريكية".

"وبالنسبة للأمم الأخرى فالأمر ليس مختلفاً".

"وكما يقول الغرب؛ فلكلّ دولة الحقّ في اختيار كيفية حماية أمنها".

ووضّحت أنانييفا موقف روسيا قائلة: "لكن من وجهة نظر روسيا؛ فإنّ المشكلة الرئيسة تكمن في تهديد انضمام أوكرانيا إلى الناتو، وفي تقريب البنية التحتية العسكرية للناتو من أراضي روسيا".

وهذا يقودنا إلى سؤالنا التالي:

هل سيتوسّع الناتو أكثر ويضمّ أوكرانيا كعضو جديد؟

إلى جانب الحشد العسكري برز خلاف دبلوماسي يزداد حدّة، اليوم، بين روسيا والتحالف العسكري الغربي، الناتو.

وبحسب وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف: فإنّ "توسّع الناتو باتجاه الشرق ونشر أسلحة قد تهدّد روسيا تصرّفٌ غير مقبول".

تعارض روسيا بشدّة أيّ توسّع محتمل لحلف الناتو، وتريد أن تضمن أنّ أوكرانيا لن تنضم إلى الناتو أبداً، وهذا موقف تشترك فيه حليفتها الوثيقة الصين.

لكنّ هذه المطالب قوبِلت بالرفض من طرف حلف الناتو والدول الأعضاء فيه.

 وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف

يضمّ حلف الناتو حالياً 30 دولة عضو، لكنّ الباب مفتوح أمام انضمام دول أخرى إليه.

أوكرانيا ليست جزءاً من التحالف لكنّها "دولة شريكة".

وقالت لوتسيفيتش؛ إنّ "المجتمع والأحزاب السياسية الأوكرانية تعتقد أنّ أفضل طريقة لحماية أوكرانيا من العدوان الروسي أن تكون جزءاً من تحالف الأمن الجماعي"، مضيفة أنّ عضوية أوكرانيا في الناتو قد لا تتم في المستقبل المنظور.

في التسعينيات، بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، ظلّ الناتو يسعى جاهداً إلى إقامة علاقات وثيقة مع أمم وسط وشرق أوروبا، المستقلة حديثاً عن الاتحاد السوفييتي.

ففي ذلك الوقت توسّع التحالف شرقاً، مما يعني أنّ قدراته العسكرية وأسلحته اقتربت كثيراً من الحدود الروسية.

ما انفكّ الكرملين، على مدى عقود، يؤكد، بلا انقطاع، أنّ الغرب نكث بوعده بعدم توسيع الناتو، ويشير هذا التأكيد إلى المناقشات التي جرت عام 1990، بين وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس أ. بيكر والزعيم السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف.

لكنّ القادة الغربيين غير موافقين على ادعاء الكرملين، ويقولون إنه لم يكن هناك اتفاق رسمي على الإطلاق بشأن عدم توسع الناتو في أوروبا الشرقية، وأنّ الحلف ملتزم بـ "سياسة الباب المفتوح".

وفقاً لِما قاله الرئيس فلاديمير بوتين؛ إذا أصبحت أوكرانيا عضواً في حلف الناتو (فهي لم تتقدّم بعدُ بطلب الحصول على العضوية) "ستشكل تهديداً إضافياً لروسيا".

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021؛ صرّح بوتين بالفعل بأنّ وجود أوكرانيا في الحلف، مع النشر المحتمل لصواريخ بعيدة المدى قادرة على ضرب المدن الروسية أو أنظمة الدفاع الصاروخي، على غرار تلك الموجودة في بولندا ورومانيا، سيُشكّل "خطاً أحمر" بالنسبة لموسكو.

لكنّ الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، أوضح أنّ "روسيا ليس لها حقّ النقض أو حقّ المراقبة" بشأن التوسيع المحتمل للحلف.

في حديثها لـ "بي بي سي"،  أوضحت الخبيرة الروسية أنانييفا المخاوفَ التي يثيرها التوسيع المحتمل لحلف شمال الأطلسي؛ إذ شرحت ذلك قائلة: "تقترب البنية التحتية للناتو من الحدود الروسية، كان ينبغي على الناتو أن يضع في اعتباره مبدأ عدم قابلية الأمن للتجزئة".

وأضافت الخبيرة الروسية: "من غير المرجّح أن تصبح أوكرانيا عضواً في التحالف، يتعيّن على الناتو التفكير مرتين بشأن أمنه في حال أصبحت أوكرانيا عضواً في الحلف".

فيما الجهود الدبلوماسية لحلّ الأزمة مستمرّة، ظهر البحثُ عن بدائل محتملة لملف الناتو الأوكراني.

ما هي "الفنلدة" وما علاقتها بأوكرانيا؟

من بين العديد من القادة السياسيين الذين يحاولون إيجاد حل للصراع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وبحسب تقارير صحفية إخبارية؛ فقد ذكر مصطلح "فنلدة"(1) من حقبة الحرب الباردة أمام الصحفيين خلال رحلة إلى موسكو.

لقد قيل إنّه اقترح "فنلدة أوكرانيا" كسياسة ممكنة للحدّ من التوتر في المنطقة لكن، في وقت لاحق، في 8 شباط (فبراير)، نفى ماكرون الإدلاء بمثل هذا التعليق المثير للجدل.

يشير هذا المصطلح إلى وضع فنلندا كدولة عازلة محايدة خلال الحرب الباردة، كانت البلاد تشترك في حدود طويلة مع الاتحاد السوفييتي، لكنّها ظلّت محايدة.

كان هذا الموقف يعني أنّ هلسنكي لن تكون عضواً في الناتو، وأنّ الاتحاد السوفييتي لا يرى في فنلندا تهديداً محتملاً لأراضيه. عام 1948، وقّعت فنلندا معاهدة مع موسكو توافق بموجبها على البقاء خارج الناتو.

ومع ذلك، فقد ألغيت المعاهدة في نهاية الحرب الباردة، وتؤكد الحكومة الفنلندية، اليوم؛ أنّ قرار الانضمام إلى هيئات دولية مثل الناتو من عدمه يجب أن تتخذه بملء إرادتها وليس بإرادة دول أخرى.

وقالت أوكرانيا أيضاً إنّها لا تريد أن تلتزم بسياسة "الفنلدة" التي من شأنها تقييد سياساتها الدبلوماسية.

"أعتقد أنّ هذا أمر غير مقبول على الإطلاق بالنسبة لأوكرانيا"، كما تقول السيدة لوتسفيتش.

"لقد تعرّضت أوكرانيا للهجوم عندما كانت دولة محايدة، ثم إنّ بوتين لا يحترم سيادة أوكرانيا، سواء كانت محايدة أم لا".

"أوكرانيا ترفض هذه الفكرة؛ لأنّها عبارة عن ستار من دخان لقدرة روسيا على السيطرة على أوكرانيا".

تصريحات غير مطمئِنة

أولاً: قبل اجتياح أوكرانيا، صرّحت روسيا، مراراً وتكراراً، بأنّها لا تنوي القيام بذلك، لكن، بالنسبة إلى البعض، لم تكن هذه التصريحات مطمئِنة.

لقد سبق أن قاموا بالغزو  بالفعل"تقول لوتسفيتش، في إشارة إلى عام 2014، عندما ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم في جنوب أوكرانيا ودعّمت الانفصاليين الموالين لروسيا الذين استولوا على أجزاء كبيرة من شرق أوكرانيا".

"هناك أكثر من 14 ألف قتيل، وأكثر من 33 ألف مصاب بجروح بالغة، المجتمع الأوكراني يدفع بالفعل ثمناً باهظاً للعدوان الروسي".

لم يتدخّل الناتو بشكل مباشر في أيّ من الحادثتين، لكن ردّ الحلف جاء بِنشر قوّات إضافية في دول أوروبا الشرقية، للمرة الأولى، لا سيما في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا.

كما عزّز الناتو أيضاً دفاعه الجوي وقدرته على حفظ النظام في دول البلطيق وأوروبا الشرقية.

وترغب موسكو في أن يتمّ سحب هذه القوات الإضافية من هذه الدول.

لكن في الوقت الحالي يؤكد الناتو أنّه لا ينوي القيام بذلك.

حل الأزمة

تواصلت قبل الاجتياح الجهود الدبلوماسية لحلّ الأزمة من أجل التوصل إلى اتفاق سلام وتخفيف التوترات.

في 9 شباط (فبراير)، في مقابلة مع "بي بي سي"، قدّم السفير الروسي لدى الاتحاد الأوروبي، فلاديمير تشيزوز، مقترحات روسيا للحدّ من التوترات في أوكرانيا.

لقد أشار إلى أنّ موسكو، يمكن أن تتفاعل بشكل إيجابي إذا أصبحت أوكرانيا دولة محايدة.

لكن، مع ذلك، فقد سبق أن أعلنت أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي بالفعل أنّهما غير مستعدَّين لقبول هذا الاقتراح.

في تطور آخر حديث، نشرت صحيفة الباييس "El Pais" الإسبانية وثيقةً أمريكية مسرّبة تحدّد موقفها التفاوضي وجاء في هذه الوثيقة: "كانت الولايات المتحدة مستعدة لمناقشة التزامات بالامتناع عن نشر أنظمة صاروخية هجومية يتمّ إطلاقها من البرّ وقوات دائمة بمهمّة قتالية على أراضي أوكرانيا".

إلا أنّ هذا العرض لا يرضي توقّعات روسيا.

كما استكشف الدبلوماسيون والقادة الأوروبيون أيضاً أساليب كثيرة بهدف إحياء اتفاقية وقف إطلاق النار، لعام 2015، الخاصة بالمناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون في أوكرانيا.

قالت الخبيرة الروسية أنانييفا، عندما سئلت عن التداعيات المحتملة جراء العقوبات الغربية المحتملة على روسيا: لقد أصبحت روسيا قادرة على المقاومة أمام العقوبات الغربية

والحال أنّ ما تسمى اتفاقية مينسك بين كييف وموسكو لم يتمّ تنفيذها بالكامل.

وبحسب الخبيرة الأوكرانية لوتسفيتش؛ فإنّ "كييف لن تكون مهيئة لتنفيذ الاتفاق إذا لم يكن هناك وقفٌ للتصعيد ووقفٌ لإطلاق النار".

وأضافت: "تريد روسيا استخدام هذه الاتفاقيات لإنشاء نادٍ مسلح داخل أوكرانيا يضمّ مواطنين روس".

"حلّ الأزمة هو الوحدة الغربية والأوكرانية؛ فالأمر الذي على المحكّ هو استقلال أوكرانيا".

نظام الدفع الدولي "SWIFT"

في 7 شباط (فبراير)، قال المستشار الألماني أولاف شولتز، في لقاء مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن؛ إنّ ألمانيا "متّحدة" مع الولايات المتحدة لفرض عقوبات على روسيا في حال غزوها لأوكرانيا.

قد تشمل العقوباتُ المحتملة التي خطّطت لها واشنطن استهدافَ البنوك الروسية الكبرى وحظر روسيا من نظام الدفع الدولي "SWIFT"، وهو نظام حيوي للمعاملات الدولية، وقد أعلنت المملكة المتحدة أنّها ستعاقب الأشخاص والشركات المقرّبة من الكرملين.

وقالت الخبيرة الروسية أنانييفا، عندما سئلت عن التداعيات المحتملة جراء العقوبات الغربية المحتملة على روسيا: "لقد أصبحت روسيا قادرة على المقاومة أمام العقوبات الغربية".

وقالت الخبيرة: "لقد اتجهت روسيا نحو بدائل للاستيراد، في بعض قطاعات الاقتصاد الروسي شجّعت العقوبات الغربية الإنتاجَ والزراعة. ويودّ المزارعون تمديد العقوبات الروسية المضادة".

هذا ولم يلمح الناتو إلى احتمال استخدام القوة العسكرية ردّاً على غزو روسي.

وعلى الرغم من استمرار المفاوضات الدولية إلا أنه لا يوجد حالياً طريق واضح للتوصل إلى اتفاق بين الطرفين.


الهامش:

 (1) الفنلدة "Finlandization": مصطلح يستخدم لوصف التأثير الذي قد يكون لبلد قوي على سياسات بلد أصغر مجاور.


مصدر الترجمة عن الفرنسية (بتصرف):

www.bbc.com

https://www.bbc.com/afrique/monde-60331261




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية