تايوان تتحدى الصين في صوماليلاند.. وبكين تتوعّد

تايوان تتحدى الصين في صوماليلاند.. وبكين تتوعّد


10/03/2022

تثير العلاقات الثنائية المتنامية بين جمهورية أرض الصومال (صوماليلاند)، التي أعلنت استقلالها عن جمهورية الصومال، من طرفٍ واحد، وجمهورية الصين (تايوان)، التي تعتبرها الصين الشعبية جزءاً منها، استياء كلٍ من الصين والصومال؛ فكلا الدولتين ترفضان الاعتراف بهذا الاستقلال.

وتجمع تايوان وصوماليلاند مصالح اقتصادية وسياسية وما يمكن وصفه بمبادئ أخلاقية، حيث يتشابه الوضع السياسي لكليهما، مع فارق أنّ عدد الدول التي تقيم فيها تايوان ممثليات دبلوماسية أكبر من صوماليلاند، وكوّن حظوظ الأخيرة في نيل الاعتراف الدولي وفرض واقع الاستقلال أعلى من تايوان؛ نظراً لأنّ الصومال بخلاف الصين لا يمكنها عسكرياً أو بأي شكلٍ فرض الوحدة على صوماليلاند، ولولا الموقف الدولي الذي يهدف للحفاظ على وحدة الصومال لأضحت صوماليلاند جمهورية معترفاً بها دون عوائق.

خلافات الأشقاء

وخلال افتتاحه مكتباً جديداً لمكافحة العنف ضد المرأة، قال رئيس صوماليلاند، موسي بيحي عبدي، رداً على انتقادات من مسؤولين في العاصمة الصومالية، مقديشو، بخصوص علاقات بلاده مع تايوان: "أعيد التأكيد على ما سبق وأكده وزير خارجيتنا للمسؤولين في تايوان بأنّ قرار تدشين العلاقات الثنائية لم يتخذه وزير أو لجنة وزارية، بل قرار من جميع مواطني صوماليلاند".

احتفال تايوان وصوماليلاند بتدشين العلاقات الدبلوماسية

وأضاف في حديثه للتجمع الذي حضر الحفل بتاريخ السادس من آذار (مارس) الجاري: "أنتم جميعاً على درايةٍ بحملة وسائل التواصل الاجتماعي التي شنها علينا أولئك الذين يُديرون مقديشو، والتي باتت عادةً لهم كلما أحرزنا تقدماً هنا في أرض الصومال. وأريد أن أقول لأهالي مقديشو إنّ أصدقاءهم الصينيين جاءوا إلينا وقمنا بطردهم بأدب؛ فنحن لا نقبل من أحدٍ أن يُخبرنا بمن يجب علينا وما لا يجب أن نقيم علاقات معه". وفي رسالة إلى الحكومة الصومالية الفيدرالية في مقديشو، شدد بيحي على أنّ بلاده: "دولة ذات سيادةٍ، ولن تؤثر فيها أية تهديدات".

لا تبحث صوماليلاند فقط عن المشاريع التنموية، بل تضع نصب أعينها تعزيز مكانتها وأهميتها لدى واشنطن وبروكسل، كحليف يمكن الاعتماد عليه في القرن الأفريقي لمواجهة النفوذ الصيني

وتشهد العلاقات بين تايوان وصوماليلاند تنامياً كبيراً منذ الكشف عنها رسمياً في عام 2020، الذي شهد افتتاح مكتب تمثيل تايواني في هرجيسا، وآخر في تايبيه، تنفيذاً لاتفاقية ثنائية نصّت على افتتاح مكاتب تمثيلية في عاصمتي البلدين للتعاون في مجالات الزراعة والتنقيب عن المعادن وصيد الأسماك والطاقة والصحة والتعليم وتطوير تقنية المعلومات.

وقدمت تايبيه مساعدات إنسانية إلى هرجيسا، وبدأت في منح التأشيرات لرجال الأعمال على جواز سفرهم التابع لصوماليلاند، وشاركت في دعم الانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد في حزيران (يونيو) العام الماضي.

قدمت تايوان دعماً للانتخابات البرلمانية في صوماليلاند

وأبرمت شركة النفط الوطنية التايوانية وشركة (Genel Energy) البريطانية اتفاقيةً مع شركة النفط في صوماليلاند (OSC) بشأن التنقيب عن النفط. ومن جانبها رفضت مقديشو هذه الاتفاقية، وصرح سفير الصومال في الصين، عوالي علي، لوسائل إعلام صينية في 28 شباط (فبراير) الماضي بأنّ "الاتفاقية لاغيةٌ وباطلةٌ"، وحذر تايوان من إحداث حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، وأشار إلى أنّ علاقاتها مع صوماليلاند "غير مفيدةٍ وغير مثمرةٍ للصومال".

اقرأ أيضاً: صوماليلاند: المعارضة تتهم الحزب الحاكم بالسعي لكسر شوكتها

ومن هرجيسا، قال مدير مركز هرجيسا للدراسات والبحوث، محمود عبدي: "رفض مقديشو للعلاقات بين تايوان وصوماليلاند لا يزيد عن كونه جزءاً من الأدبيات التقليدية التي تتمسك بها مقديشو حتى خلال سنين الفوضى والتناحر داخل العاصمة".

ومن جانبه، أكد الناشط والمحلل السياسي، عبد العزيز محمود يوسف، من صوماليلاند، على أنّ "مجتمعنا يرحب بتايوان، وهي في نفس موقفنا السياسي بالنسبة للاعتراف الدولي، ولهذا نعتبر أنّ قضيةً واحدة تجمعنا، وهناك علاقات متنامية بيننا، ونطمح إلى التنمية من خلال الشراكة مع تايوان".

ضغوط صينية

وترفض بكين التعاون بين هرجيسا وتايبيه، وتتفق مع مقديشو في الرفض القاطع لهذا التعاون، وتجتمع الدولتان على رفض قيام كلٍ من تايبيه وهرجيسا بممارسة سياسة خارجية، وكذلك تنظر الصين إلى الوجود التايواني في صوماليلاند على أنّه مدخل لمنافسة غربية لنفوذها الكبير في إقليم القرن الأفريقي، والذي تعزز بعلاقاتها الوطيدة مع إثيوبيا وجيبوتي والصومال.

عبد العزيز يوسف: شعب صوماليلاند يدرك جيداً التنافس الصيني الأمريكي في العالم

وأفاد الناشط عبد العزيز يوسف لـ"حفريات" بأنّ "شعب صوماليلاند يدرك جيداً التنافس الصيني الأمريكي في العالم، وخصوصاً في أفريقيا والقرن الأفريقي تحديداً، ويدرك الضغوط التي تمارسها بكين لمنع صوماليلاند من الخروج عن مناطق نفوذها". وبالنسبة لسياسة تايوان، أوضح يوسف أنّها "ترى في صوماليلاند بوابةً للعلاقات التجارية مع القرن الأفريقي، نظراً لموقعها الإستراتيجي".

 

اقرأ أيضاً: انتخابات صوماليلاند: الشباب ينتصرون. ماذا بعد؟

وعقب إعلان وزير خارجية تايوان عن فتح مكتب تمثيل في هرجيسا، في شهر تموز (يوليو) 2020، حذرت بكين على لسان سفيرها في مقديشو من أنّها لن تسمح "لأحد أو منظمة أو حزب سياسي، فصل جزء من الأراضي الصينية في أي وقت وبأية طريقة كان ذلك، وتايوان جزءٌ من الصين". ورداً على هذه التصريحات، رفض رئيس صوماليلاند استقبال السفير الصيني لدى مقديشو خلال زيارته إلى هرجيسا في آب (أغسطس) 2020.

وفي حديثه لـ"حفريات"، ذكر مدير مركز هرجيسا للدراسات والبحوث بأنّ هناك "تقارير تحدثت عن رفض هرجيسا وعوداً صينيةً بالدعم وتدشين مشاريع، مقابل التوقف عن المضي قدماً في توطيد العلاقات مع تايوان".

الاعتراف الدولي بصوماليلاند

ولا تبحث هرجيسا فقط عن المشاريع التنموية، بل تضع نصب أعينها تعزيز مكانتها وأهميتها لدى واشنطن وبروكسل، كحليف يمكن الاعتماد عليه في القرن الأفريقي لمواجهة النفوذ الصيني. وترغب في نيل الاعتراف الدولي باستقلالها من خلال التعويل على الولايات المتحدة وأوروبا، وكان مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض أشاد بالتحركات الدبلوماسية لتايوان في شرق إفريقيا، وخاصة في أرض الصومال، بعد اتفاق تبادل التمثيل بين تايبيه وهرجيسا.

مدير مركز هرجيسا للدراسات لـ"حفريات": الاهتمام التايواني بالعلاقات مع صوماليلاند مؤشر على التوجهات الغربية بخصوص المنطقة، ومحاولة غربية لخلق ثقل إضافي للغرب في القرن الأفريقي

ومن جانبه، لوح وزير خارجية صوماليلاند، عيسى كيد، خلال مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" بورقة مواجهة النفوذ الصيني في بحر العرب والممرات الدولية عند مدخل البحر الأحمر، وقال: "الرئيس (موسى عبدي) سيرحب بالتأكيد بوجود الولايات المتحدة وحماية الممرات المائية". وخلال المقابلة التي جرت الشهر الماضي، كشف عيسى عن زيارة مرتقبة للرئيس عبدي إلى واشنطن خلال الشهر الجاري، ولكن من غير المؤكد إتّمامها في ظل انشغال واشنطن بالحرب الروسية على أوكرانيا.

 

اقرأ أيضاً: ما دور تركيا وقطر في إفشال لقاء مقديشو وصوماليلاند؟

وفي سياق ذلك، أوضح مدير مركز هرجيسا بأنّ "الاهتمام التايواني بالعلاقات مع صوماليلاند مؤشراً على التوجهات الغربية بخصوص المنطقة، ومحاولة غربية لخلق ثقل إضافي للغرب في القرن الأفريقي، بعد ميل إثيوبيا إلى الجانب الصيني، إضافةً إلى وضع التحالف الذي يجمع رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، والرئيس الصومالي، محمد عبدالله فرماجو، بما أخل بالتوازن القائم، خصوصاً مع تجاور القاعدتين العسكريتين الأمريكية والصينية في جيبوتي".

محمود عبدي: تتعامل هرجيسا مع مسألة العلاقات مع دولٍ عديدة بقدر كبيرٍ من البراغماتية

وتابع مدير مركز هرجيسا للدراسات والبحوث: "تتعامل هرجيسا مع مسألة العلاقات مع دولٍ عديدة بقدر كبيرٍ من البراغماتية، وتعتبر القيادة السياسية فيها كل تقدم في إحراز علاقات مباشرة مع دولة جديدة بمثابة ورقة إضافية تضاف إلى ملف منجزاتها أمام شعبها من جهةٍ، وملف الاعتراف الدولي الذي يعتقد الكثيرون داخل صوماليلاند بأنّه سيكون نتيجةً حتميةً لتراكم العلاقات الجيدة مع أكبر عدد ممكن من الدول المستقلة في العالم".

اقرأ أيضاً: هل تسعى السلطة الدينية لاختطاف الدولة في صوماليلاند؟

يذكر أنّ أرض الصومال أعلنت استقلالها في عام 1991 بعد حرب أهلية في الصومال، ولديها مكاتب في حوالي 12 دولة، لكنها غير معترف بها من قبل أي دولة كدولة ذات سيادة. ولا تقيم تايوان علاقات دبلوماسية كاملةً على مستوى السفراء في أفريقيا سوى مع مملكة إسواتيني، ولديها مكتب تمثيل تجاري في نيجيريا، ومكتبا اتصال في دولة جنوب إفريقيا، إضافةً إلى مكتب التمثيل في أرض الصومال.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية