تجليات الصراع السياسي بين أجنحة النظام الإيراني حول الاتفاق النووي

تجليات الصراع السياسي بين أجنحة النظام الإيراني حول الاتفاق النووي


12/12/2020

تجدّدت الخلافات المحتدمة بين أطراف النظام الإيراني، في أعقاب اغتيال العالم النووي، محسن فخري زاده، على خلفية إعداد البرلمان الإيراني مشروع قانون من شأنه تعليق عمليات التفتيش الأممية، التابعة للأمم المتحدة، للمواقع النووية في طهران؛ حيث رفض الرئيس الإيراني، حسن روحاني، المصادقة عليه، ورأى أنّ تلك الخطوة "تضرّ بالجهود الدبلوماسية الرامية إلى استعادة الاتفاق النووي، لعام 2015، وتخفيف العقوبات الأمريكية".

واشنطن وطهران.. حدود التفاهم وأسس الخلاف

منذ الخروج الأحادي للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي، تعدّدت الإدانات المباشرة من الجناح الراديكالي، المنتمي للمرشد الأعلى، علي خامنئي، نحو إدارة روحاني السياسية للملف النووي، وكذا الدور الرئيس الذي لعبه وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، ومن ثمّ تكرّرت الملاسنات بين المعسكرين، على ضوء ذلك؛ فقال المرشد في تصريح رسمي؛ إنّ ظريف وروحاني "لم يتصرّفا كما كنت أرغب في تطبيق الاتفاق النووي، كما أنّني لم أوافق على الاتفاق النووي، لكنّني سمحت بالمفاوضات؛ إذ إنّ الطريقة التي أدير بها الاتفاق، أنا غير مقتنع بها، ولقد ذكرت تحفظاتي للرئيس ووزير الخارجية، وحذرتهما عدة مرات".

وفي تصريحات مماثلة؛ اصطفّ مع الموقف ذاته قياديون بالحرس الثوري الإيراني، حيث دان الجنرال أمير علي حاجي زاده، سياسات الرئيس الإيراني، التي عدّها "مهادنة" باتجاه الولايات المتحدة، وقد تسبّبت في فشل "الاتفاق النووي الذي أبرمته حكومته مع مجموعة "5+1"، كما شدّد على أنّ "الدعاية التي تروّج بخصوص إبعاد الحرب عن إيران، بعد توقيع الاتفاق النووي، هي محض أكاذيب لا أساس لها من الصحة".

المشروع النووي

وأضاف الجنرال بالحرس الثوري الإيراني: "يقول البعض إنّ الاتفاق النووي أبعد شبح الحرب عن الشعب الإيراني؛ هذه أكذوبة يحاولون تمريرها على المواطنين، وإذا كان البعض داخل إيران يتصور بأنّ علينا الاعتماد على الدول الغربية، فهذا يعني أنّه علينا أن نتوسل لديهم للحصول على بعض المكاسب، حيث إنّ مصير إيران لا يتحدّد بالتعاون مع الديمقراطيين أو الجمهوريين في الولايات المتحدة".

يحمل الملف النووي أهمية قصوى، في الداخل الإيراني، وبالدرجة نفسها، لدى الولايات المتحدة، وكذا الدول الأوروبية، لتأثيراته المباشرة على الأمن السياسيّ الإقليميّ والدوليّ

وعليه، لم يكن رفض الرئيس الإيراني لمشروع القانون، الذي جرت مناقشته قبل أيام قليلة، في البرلمان الذي يحوز أغلبية من المتشددين، أمراً جديداً، أو خارج التوقعات، إنّما هو امتداد وانعكاس للصراع الخفي والمعلن حول الإدارة السياسية الخارجية لطهران بين جناحي النظام، إضافة إلى المحاولات المحمومة لكلّ طرف لإيجاد خطاب سياسي للرأي العام المحلي، لرفع النقد والهجوم عن أحدهما وإسناد المسؤولية باتجاه الآخر، لا سيما إبان حادث مقتل العالم النووي الإيراني، والتصعيد الخشن الثاني ضدّ النظام، بعد مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، مطلع العام الحالي.

وبحسب مشروع القانون الإيراني، فإنّه يقر بـ "وقف زيارات مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمواقع النووية الإيرانية، وإنتاج وتخزين 120 كغ من اليورانيوم، المخصب بنسبة 20% سنوياً، لصالح الأنشطة السلمية للصناعة الوطنية".

اقرأ أيضاً: الإعدام الوشيك لأكاديمي سويدي يعمّق توتر العلاقات الأوروبية الإيرانية

بيد أنّ تقرير الوكالة الدولية، المنشور في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أكّد أنّ إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم، بنسبة تجاوزت الحد الأقصى المسموح به، بموجب الاتفاق النووي، كما تخطّت الحدّ المتعلق بمخزون اليورانيوم المخصب، البالغ 202.8 كغ، والحدّ المتعلق بنقاء المادة الانشطارية البالغ 3.67%.

تجاوزات إيران

وإثر احتدام الجدل في إيران بعد اغتيال العالم النووي، وكذا إصدار مشروع القانون بالبرلمان الإيراني، صرّح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافايل غروسي، لوكالة "فرانس برس"، بأنّ أيّ طرف لن يربح في حال تعليق تنفيذ الالتزامات النووية، وقال: "نتفهم الحزن، ولكن، في الوقت نفسه، من الواضح أنّ أحداً لن يربح من تقليص العمل الذي نقوم به معاً، أو الحدّ منه، أو وقفه"، مضيفاً: "من جهتنا، نواصل عملنا ونأمل بأن يكون الأمر على هذا النحو من جانبهم، وكما قلت، لم أتلقَّ أيّة إشارة إلى أنّ الأمر سيكون مختلفاً".

اقرأ أيضاً: حوار المنامة: مطالب سعودية وأردنية بالمشاركة في المفاوضات الإيرانية

ومن جانبه، قال الناطق الرسمي بلسان الحكومة الإيرانية، علي ربيعي: إنّ مشروع القانون الذي يحاول البرلمان الإيراني تمريره "لن يساعد في رفع العقوبات"، إذ إنّ "مسألة الاتفاق النووي والبرنامج النووي تعود للمجلس الأعلى للأمن القومي، ولا يمكن لأية مؤسسة أخرى متابعتها، بينما القرارات تصبح تنفيذية بعد موافقة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي".

كما طالب الرئيس الإيراني مؤسسات الدولة إلى "التروي وإفساح المجال أمام الخبراء ليمارسوا عملهم"، وذلك بعد موافقة مجلس صيانة الدستور على قانون رفع تخصيب اليورانيوم، وقد دعا البرلمان بعدم التدخل في السياسة النووية، وذلك على خلفية مشروع القانون المتعلق بالملف النووي؛ وذكر في تصريحات بثّها التلفزيون الرسمي: "لا ينبغي أن يتخذ إخواننا في البرلمان قرارات متسرعة، دعوا خبراء الدبلوماسية يتعاملون مع هذه القضايا بالنضج والهدوء والاهتمام المطلوب، ولا ينبغي أن يصبح الاتفاق النووي، بوجه خاص، ضحية لصراعات داخلية على السلطة".

النووي والترويكا

ويحمل الملف النووي الإيراني أهمية قصوى، في الداخل الإيراني، وبالدرجة نفسها، لدى الولايات المتحدة، وكذا الدول الأوروبية، وذلك لتأثيراته المباشرة على الأمن السياسي، الإقليمي والدولي، للغرب وواشنطن؛ الأمر الذي يمكن تعقب دلالاته اللافتة، في تصريحات مشتركة خرجت من الترويكا الأوروبية، وقد اشتبكت مع مشروع قانون البرلمان الإيراني الأخير؛ حيث وصفت فرنسا وبريطانيا وألمانيا، قبل أيام قليلة، خطة التصعيد النووي من قبل البرلمان الإيراني بأنّها "مقلقة للغاية".

كما أشار وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس؛ إلى أنّ "العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران حالياً لن تكفي، وينبغي وجود نوع من اتفاق نووي مع إضافات، وهذه الإضافات تشمل برنامج الصواريخ الباليستية، ودور إيران الإقليمي".

يتفق والأمر ذاته، البيان الصادر، في النصف الثاني من الشهر الماضي، عن الرئاسة الفرنسية؛ حيث قال إنّ "برنامج إيران النووي وصل عتبة تعدّ خطيرة"، ومن ثم، شدّد على ضرورة "توسيع المفاوضات مع إيران، لتشمل دورها الإقليمي، وصواريخها البالستية".

د. هاني سليمان لـ"حفريات": قرارات البرلمان الإيراني ترسم صورة صدام مبكر مع واشنطن، واستفزاز للرئيس جو بايدن، وهو ما لا يريده الرئيس روحاني

وفي العاصمة الألمانية، برلين، انعقد مؤتمر لوزراء خارجية الترويكا، في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لجهة مناقشة الملف النووي الإيراني، وتطوراته النهائية على ضوء المستجدات، لا سيما انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن؛ إذ جرت مناقشة "الانتهاكات المتواصلة لبنود الاتفاق النووي من جانب طهران، إضافة لبرنامج الأخيرة الصاروخي، ودورها المتنامي، ميدانياً وسياسياً، في الإقليم".

عودة الخلاف

حالة الخلاف الموجودة الآن، ليست الأولى بين التيار الإصلاحي، المتمثل في الرئيس الإيراني، ووزير خارجيته من جانب، والتيار المتشدّد، المتمثل في الحرس الثوري أو المرشد الأعلى، من جانب آخر، حسبما يوضح الباحث المصري، الدكتور هاني سليمان، مدير المركز العربي للأبحاث والدراسات، مقرّه القاهرة، غير أنّ حالة التوتر الحالية، تعكس نوعاً من خيبة الأمل الكبيرة بالنسبة إلى حسن روحاني الذي تحمّل لشهور ممتدة العقوبات الاقتصادية الطاحنة على بلاده، وكذا ضغوطات سياسية قصوى، حتى يصل لتلك المرحلة، أي مرحلة قدوم بايدن، عسى أن يكشف له الرئيس الأمريكي المنتخب انفراجة للاتفاق النووي، أو يحمل له طوق نجاة.

 مدير المركز العربي للبحوث والدراسات الدكتور هاني سليمان

سليمان أبلغ "حفريات" أنّ "مشروع قانون البرلمان الإيراني يعدّ تطويقاً لفرص روحاني، السياسية والدبلوماسية، بخصوص الاتفاق النووي، لا سيما أنّ قرارات البرلمان التي جاءت تحت مسمى "قانون الإجراءات الإستراتيجية لإلغاء العقوبات الأمريكية"، تشمل عدة بنود مهمة ومؤثرة على الاتفاق النووي، علاوة على أنّها ترسم صورة صدام مبكر مع واشنطن، واستفزاز للرئيس المنتظر جو بايدن، وهو ما لا يريده روحاني، الذي اعتمد مبدأ المهادنة والتهدئة، طوال الوقت، حتى يكون بمقدوره الحصول على أهداف إيران من إلغاء العقوبات، والعودة للاتفاق".

اقرأ أيضاً: تقرير أمريكي: الجزيرة القطرية تدعم إيران والتطرف

كما أنّ البنود التي أقرّها البرلمان تهدم طرح روحاني السياسي فيما يتصل بالملف النووي، حسبما يشير الباحث المصري، وتبني جداراً من العزلة على إيران من جديد، إضافة إلى عودة التوترات، وفقدان التضامن من جانب الدول الأوروبية، وتحوّله ناحية الموقف الأمريكي؛ الأمر الذي من شأنه أن يزيد حدة الخلاف بين التيارين داخل طهران، ويضعف موقف الأخيرة في مواجهة الولايات المتحدة وأوروبا، وينسف أيّة فرص للتوافق في الأمد القصير، خاصة مع تصريحات بايدن بشأن موقفه من الملف النووي، ووضع ضوابط صعبة على إيران.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية