تحركات تركية تعمّق الشكوك في نجاح الحوار الليبي بتونس

تحركات تركية تعمّق الشكوك في نجاح الحوار الليبي بتونس


09/11/2020

الجمعي قاسمي

تبدأ في تونس، اليوم الاثنين، اجتماعات منتدى الحوار السياسي المباشر بين الفرقاء الليبيين، التي تُعد استكمالا لما تم التوصل إليه في منصات الحوار الأخرى السياسية والعسكرية التي رعتها الأمم المتحدة في برلين بألمانيا والقاهرة بمصر وبوزنيقة المغربية، وجنيف السويسرية، وغدامس الليبية.

وقالت مصادر ليبية تُشارك في هذا المنتدى، إن الاجتماعات الليبية التي سيفتتحها اليوم الرئيس التونسي، قيس سعيد، ستركز على إيجاد سلطة تنفيذية توافقية وموحدة ومؤقتة لإدارة شؤون البلاد خلال فترة انتقالية محدودة في الزمن، وعلى بلورة تفاهمات على قاعدة دستورية وقانونية لإجراء انتخابات عامة في أقصر وقت ممكن.

ولم تستبعد هذه المصادر أن يُوقع المشاركون في هذه الاجتماعات على تعهد بعدم الترشح لأي منصب سياسي أو تنفيذي خلال الفترة الانتقالية، وذلك عملا بالتفاهمات حول معايير اختيار الشخصيات في المناصب السيادية وضوابطها، والتي تم التوصل إليها خلال الجولة الثانية من اجتماعات بوزنيقة المغربية.

لكنها أعربت في الوقت نفسه عن خشيتها من اصطدام اجتماعات تونس ببعض الخلافات أو المناورات السياسية التي من شأنها تبديد التفاؤل الحذر الراهن، وربطت ذلك بما وصفته بحالة الهستيريا التي تنتاب تنظيمات الإسلام السياسي، وأذرع الإخوان المسلمين من قادة الميليشيات الذين كثفوا من خطاباتهم التصعيدية في مسعى لمحاولة قلب موازين القوى في اجتماعات تونس.

ويصف مراقبون هذه الخشية بالمشروعة لعدة اعتبارات، لعل أبرزها تزايد الشكوك في التزام الميليشيات الموالية لتركيا بنتائج الاتفاق العسكري الذي توصلت إليه اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 والذي يُفترض أن تتم ترجمته إلى اتفاق سياسي خلال اجتماعات تونس.

وبدا هذا التصعيد واضحا في أعقاب التحركات التركية باتجاه تحريض أدواتها في ليبيا على عدم الامتثال لما ستنتهي إليه اجتماعات تونس، وقد وصل الأمر إلى حد تسريب معلومات عن زيارة مرتقبة من قِبَل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طرابلس من المتوقع أن تتم خلال اليومين القادمين.

وساهمت هذه الزيارة، التي كشفت عنها وسائل إعلام تركية نقلا عن مصادر دبلوماسية، في تزايد القلق من سعي تركيا إلى إفساد أجواء التفاؤل المحيطة باجتماعات تونس، من خلال إعادة ترتيب الأوراق التي تظنها فاعلة أو لمصلحتها، للحفاظ على نفوذها في ليبيا.

ويُساند الناشط السياسي الليبي، عبدالحكيم فنوش، هذه القراءة، حيث قال في اتصال هاتفي مع “العرب”، “إذا تأكدت هذه الزيارة، فإنها ستأتي في إطار إعلان هيمنة أردوغان واستمرار سلطانه على المنطقة الغربية من ليبيا؛ إنه يريد من خلالها أن يقول أنا هنا.. وأنا من يدير هذه المنطقة.. وأن أي تسوية لا يمكن أن تتم دون موافقتي والأخذ في الاعتبار مصالح تركيا ورؤيتها للمنطقة”.

ولفت إلى أن أردوغان سبق له أن أعلن رفضه المستتر لاتفاق اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5، ووصفه بـ”الهدنة الهشة”، كما يُعلن دون تصريح صريح رفضه لأي اتفاق قد يجري في تونس؛ وبالتالي لا يوجد سبب يجعل أردوغان يفرط في هيمنته على غرب ليبيا ما لم يتم فرض موقف مغاير على تركيا من أميركا والاتحاد الأوروبي.

وتُعقد اجتماعات تونس وسط تحولات ميدانية كثيرة نتجت عنها تغييرات في خرائط التحالفات وموازين القوى، وأخرى سياسية بارزة تمثلت في انتخاب رئيس أميركي جديد لا يخفي خلافاته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان قد استبق اجتماعات تونس بتحركات تهدف إلى التشويش عليها. لكن من المبكر الحكم على سياسة بايدن حيال تركيا، بناء على تصريحات سابقة، مثل التصريح الذي وصف فيه أردوغان بـ”المستبد”، وتوعده بـ”دفع الثمن باهظا”.

وتحولت تركيا خلال السنوات الأربع الماضية إلى قوة إقليمية كبيرة وتمددت في منطقة المتوسط، وهو ما يفرض اعتبارات جديدة على البيت الأبيض، وخصوصا أن واشنطن بحاجة إلى حلفاء أقوياء في منطقة لا تزال تعاني من مشاكل أمنية كبرى.

ويرى وزير الخارجية التونسي الأسبق، منجي الحامدي، أن التطورات التي عرفتها الولايات المتحدة في علاقة بنتائج الانتخابات ستكون لها تأثيرات إيجابية على مسار الأزمة الليبية التي وصلت إلى مرحلة شبه نهائية مع اجتماعات تونس التي يُفترض أن تُتوج بنتائجها مسارات الحوار الأخرى بإقرار التسوية السياسية المنشودة.

واعتبر الحامدي، في تصريح لـ”العرب”، أن وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض “سيُكرس الدفع نحو نجاح العملية السلمية في ليبيا، بما يعني أنه لم يعد أمام تركيا أي خيار سوى الالتزام بإرادة المجتمع الدولي الذي يدفع نحو إنجاح العملية السياسية السلمية في ليبيا”.

وتُعلق تونس، التي استعادت دورها في الملف الليبي، آمالا كبيرة على هذه الاجتماعات التي يُشارك فيها لأول مرة أنصار العقيد الراحل معمر القذافي.

ودفعت تلك الأجواء وزير الخارجية التونسي، عثمان الجرندي، إلى القول إن منتدى الحوار الليبي بتونس الذي ترعاه البعثة الأممية، بمشاركة أكثر من 75 ليبيا يمثلون أطياف المجتمع الليبي السياسية والاجتماعية، “يُعد خطوة هامة ومفصلية” في مسار التسوية السياسية للأزمة الليبية.

واستبقت البعثة الأممية هذا المنتدى بالإشارة، في بيان لها، إلى أنه يُعقد بناء على مخرجات مؤتمر برلين حول ليبيا، والتي صادق عليها مجلس الأمن الدولي في قراريه 2510 و2542، مؤكدة في الوقت نفسه أنه يهدف إلى تحقيق رؤية موحدة من أجل استعادة سيادة ليبيا والشرعية الديمقراطية للمؤسسات الليبية.

عن "العرب" اللندنية

الصفحة الرئيسية