تداعي التحالف: المسار المتوقع للعلاقات الأمريكية التركية

تداعي التحالف: المسار المتوقع للعلاقات الأمريكية التركية


18/01/2021

محمد العربي

تبدو العلاقة بين واشنطن وأنقرة مثل الزواج النكد والطلاق المستحيل، أو هكذا تحولت العلاقة بين الحليفين في السنوات الماضية. فعلى الرغم من أن المسؤولين في البلدين يصران على الإشارة إلى تاريخ التحالف الممتد إلى سنوات الحرب الباردة، وحاجة كل منهما للآخر، فقد أصبحت العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة مشوبة بعدم الثقة والانتقادات والاتهامات بالتآمر و”العقوبات”. في الوقت الذي تستضيف فيه الولايات المتحدة المطلوب الأول لدى الحكومة التركية زعيم حركة الخدمة فتح الله غولن، وتدعم بالسلاح ألد أعداء تركيا من الجماعات المسلحة التركية في سوريا، فيما تقوم تركيا بشراء النظام الدفاعي من روسيا، وتقيم علاقات مع الجماعات الإسلامية وعلى رأسها داعش والقاعدة، مع تصاعد موجة تضييق الحريات العامة وحبس الصحافيين والمدنيين ومن بينهم موظفون في القنصلية الأمريكية. ومع قدوم إدارة بايدن الديمقراطية، يبدو أن هذا التباعد قد يفضي إلى طلاق بين.

أنقرة وواشنطن في عهد ترامب: إعجاب شخصـي ومزيد من التدهور   

كانت المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد حكومة أردوغان في يوليو ٢٠١٦ بمثابة نقطة اللاعودة بعد سنوات من التوتر في العلاقات التركية الأمريكية. لم تؤيد إدارة أوباما هذه المحاولة، ورأت فيها مزيدًا من عدم الاستقرار الذي ضرب الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة. ومع ذلك، أجمعت غالبية الأتراك على أن لها يد عليا في محاولة الإطاحة بنظام أردوغان. وبالنسبة للأخير، فقد زادت هذه المحاولة وما تلاها من الانتقادات الغربية لسجل حقوق الإنسان في تركيا من توجهاته السلطوية والمعادية للغرب والتـي تتحدث منذ أحداث غيزي بارك في ٢٠١٣ عن “عقل مدبر” يستهدف تقسيم تركيا وإخضاعها، في إشارة ضمنية لواشنطن.

 لم يكن خافيًا الانسجام الشخصي بين ترامب وأردوغان. وهو انسجام عائد إلى إعجاب ترامب بالشخصية السلطوية لأردوغان وقدرته على إسكات المعارضة بأدوات الانتخابات والاستفتاء، وتلاقي الاثنين في عدم الاهتمام العلني بالناتو كإطار تحالفي. ووجد أردوغان في ازدراء ترامب للصلات الأطلسية مع أوروبا، وعزمه العلنـي على التراجع عن أي دور قيادي في الشرق الأوسط، فرصة للتحرر من “قيود” التحالف وبناء سياسة خارجية أكثر تصادمًا واستقلالية. وتلاقى هذا الاتجاه مع استمراره في نهج توكيل الحلفاء وتقليل أعباء الولايات المتحدة في المنطقة.

إلا أن هذا التفاهم بين ترامب وأردوغان لم يمنع تدهور العلاقات بين البلدين أولاً على خلفية استمرار الولايات المتحدة في دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التـي تراها أنقرة امتدادًا لحزب العمال الكردستاني وخطرًا وجوديًا يهدد بعودة التمرد الكردي في شرقي البلاد. دفع هذا أنقرة إلى تعميق صلاتها ببقايا الدواعش والقاعدة، التـي أفسحت الساحة لهم من قبل. وزاد من تدهور العلاقات استغلال نظام أردوغان للعلاقة بين ترامب وإسرائيل، وقرار واشنطن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في يوليو ٢٠١٧ لتهييج الرأي العام التركي ضد واشنطن.

وصلت الخلافات إلى درجة غير مسبوقة مع إعلان تركيا اعتزامها شراء منظومة إس-٤٠٠ الدفاعية من موسكو ب٢.٥ مليار دولار في ٢٠١٨ رغم التحذيرات الأمريكية. رأت أنقرة أن هذا الخيار قرار سيادي ولا يتعارض مع مقتضيات تحالفها مع الناتو. وأرجعت تقارير إلى أن قرار أردوغان يعود إلى تخوفاته من الثغرات الدفاعية الجوية في الأمن القومي التركي التـي اتضحت أثناء المحاولة الانقلابية. أدى هذا الإصرار إلى سلسلة من العقوبات الأمريكية على أنقرة، إلا أن أعظمها أثرًا كان إيقاف تعاون تركيا في برنامج إنتاج طائرات إف-٣٥، وإلغاء صفقة شراء ١٠٠ طائرة بشكل نهائي بعد ضغط إسرائيل والبنتاغون وبعض أعضاء الكونغرس الذين أكدوا بشكل قاطع استحالة أن تمتلك أنقرة للمنظومة الروسية والطائرات الأمريكية في الوقت نفسه. ورأت دوائر الناتو أن الإس-٤٠٠ سيمثل اختراقًا لأمن القطاع الجنوبي من الناتو.

وعلى الرغم من عدم إلقاء ترامب بالاً بملف تدهور حقوق الإنسان في تركيا، إلا أن خطابه القومي الموجه للداخل دفعه دفعًا للصدام مع تركيا في قضية القس الأمريكي أندو برونسون الذي اتهمته أنقرة بالضلوع في تدبير محاولة انقلابية ضد الحكومة التركية في يوليو ٢٠١٨. استهدفت تركيا من خلال هذه القضية محاولة الضغط على واشنطن لتسليم فتح الله غولن. بيد أن إسراع ترامب باستخدام العقوبات ضد أنقرة وتعهده ب”تدمير” الاقتصاد التركي أدى إلي لجوء أردوغان للرضوخ وتسليم برونسون وإغلاق ملف القضية، وإن أشرت على وصول العلاقات بين البلدين إلى حالة غير مسبوقة من التوتر.

بايدن وتركيا والتوافق غير المحتمل

أثناء إدارة أوباما كان لنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن دور كبير في إعادة التفاهم بين المسؤولين الأتراك والأمريكيين، واستخدم في ذلك علاقته الشخصية مع أردوغان التـي بدأت قبل سنوات. إلا أن هذا النهج، فيما يبدو، لن يكون مفيدًا في السنوات المقبلة خاصة أن بايدن وفريقه قد أكد على نهج أكثر حزمًا “مع أردوغان” وحكومته.

في أغسطس الماضـي وقبل شهور من الانتخابات الأمريكية، صرح المرشح الديمقراطي بايدن أن على واشنطن أن تنتهج نهجًا مختلفًا في التعامل مع “أردوغان،” وأن تتأكد من دعم المعارضة السلمية، وأن تنفتح لتبنـي علاقات أكثر اتساعًا مع قطاعات أخرى في المجتمع التركي وفي قطاعات مختلفة من السياسيين الأتراك دون أن يعنـي هذا الموافقة على أية خطوات انقلابية. وشدد بايدن على ضرورة أن تعيد واشنطن أنقرة مرة أخرى إلى الحظيرة الأطلسية بحيث تنفك عرى علاقتها مع موسكو “حتى لو تركتا لأردوغان مساحة لقضم جزء من الكعكة”. وتعهد أيضًا بعدم تقديم أية تنازلات أو أن تقف واشنطن مكتوفة الأيدي تجاه أية تحركات ضد الأكراد.

يتشارك الرؤية نفسها وزير الخارجية القادم أنتوني بلنكين الذي كتب سابقًا عن ضرورة تسليح الأكراد كأداة رئيسة في يد واشنطن لهزيمة داعش بغض النظر عن موقف تركيا الحليفة من هذه السياسة. وكذلك جاك سوليفان مستشار الأمن القومي المقبل الذي أكد من قبل أنه لم يعد في مقدور واشنطن الحفاظ على تحالفها مع أنقرة؛ حيث لم تعد سياسات تركيا متوافقة مع المصلحة الأمريكية، وأن المسألة هي مسألة وقت حتـى يعترف الطرفان بهذا.

أثارت هذه السياسة العلنية حفيظة تركيا التـي لم تخف قلقها من عودة بايدن إلى البيت الأبيض في موقع الرئيس، ويبدو أن تدهور العلاقة الشخصية بين بايدن وأردوغان قد وصلت نقطة عدم التواصل المباشر. وفي المجمل تشـي هذه التصريحات أن سياسة بايدن تجاه أنقرة ستكون مزيجًا من “الصرامة” الجيوستراتيجية التـي ستخير أنقرة بين الالتزام بقواعد التحالف الأطلسـي، وبالتالي الأخذ في الاعتبار مصالح الولايات المتحدة فيما يتعلق بالتعامل مع ملفات ليبيا وسوريا وشرق المتوسط وقبرص والتعامل مع روسيا وإيران، أو مغادرة الحلف، وهو المسكوت عنه في تلك العلاقة، والحديث عن الالتزام الديمقراطي في مواجهة سلطوية أردوغان. ويبدو أن هذا النهج لن يزيد العلاقات بين الطرفين إلا تأزمًا.

تداعي أركان التحالف الأمريكي التركي

نظريًا يوصف أي تحالف أنه نتاج ثلاثة أركان، توافق الرؤية الاستراتيجية بين الأطراف المتحالفة، أي الدفاع ضد خطر مشترك، والتكامل الاقتصادي والاندماج العسكري. وقد نجحت تركيا منذ اختيارها الانضمام لحلف الناتو لتكون أكبر ثاني جيش في أكبر تحالف دولي ضد الشيوعية في تحقيق درجة كبيرة من الاندماج العسكري، وقدمت خدمات هائلة لتأمين جنوب شرق وجنوب أوروبا، وقدمت مساعدة هائلة لعمل الحلف في البلقان، والعراق وأفغانستان، كما أنها اندمجت في مرحلة مبكرة في آليات الاقتصاد الغربي، وإن لم يؤد هذا الاندماج إلا إلى مزيد من الانقسام الثقافي بعد عقود من الجمهورية، ذلك الانقسام الحاد الذي تعبر عنه حالة أردوغان.

وبمرور الوقت أصبحت الرؤى متفارقة، إن لم تكن متضادة. عززت صعود الحالة الإسلاموية- القومية المتصاعدة في تركيا منذ الثمانينيات الاعتقاد السائد لدى النخب التركية برفض الغرب لتركيا كعضو كامل في المجتمع الغربي لأسباب ثقافية وسكانية. ويتشارك العلمانيون والإسلاميون على السواء الشعور العميق بالمؤامرة الأمريكية تجاه بلدهم. فالعلمانيون الجمهوريون يرون أن واشنطن قد جاءت بأردوغان كجزء من سياستها الرامية إلي بناء حزام أخضر إسلامي في المنطقة. ولا يرى الإسلاميون والقوميون في أي صدام مع الغرب سواء في شكل المحاولة الانقلابية أو العقوبات إلا محاولة للإطاحة بحكومة أردوغان.

تعود جذور هذا الاعتقاد إلى دعم واشنطن العلنـي لسلسلة الانقلابات التـي نفذها الجيش التركي في الفترة من ١٩٦٠ حتـى ١٩٩٥. وتشير جلسات المحاكمة التي أجربت بحق القس أندرو برونسون وموظفي السفارة الأمريكية في استانبول أو حتى الناشط المدني عثمان كفالة إلى القلق العميق في تركيا من أي تحرك أمريكي حتـي لو كان مجرد تحقيق قضائي تجاه “بنك-خلق” المتهم بخرق العقوبات الأمريكية ضد إيران.

بالنسبة لواشنطن، فتركيا حليف مهم وضروي. بفضل وضعها الجيوسياسـي الذي يجعلها جسرًا للاستراتيجية الأمريكية سواء بين الغرب والعالم الإسلامي، أو ربما بين أمريكا وروسيا. إلا أنها في الآونة الأخيرة، أًضحت حليفًا مشاغبًا بسبب تدخلها المباشر في صراعات مثل سوريا وليبيا دون أن تراعي ضرورات التحالف أو الاستراتيجية الأمريكية في تلك الصراعات. بل أصبحت على تضاد معها من خلال دعمها للمليشيات الإسلامية والجهادية، وتهديدها المباشر لأمن شرق المتوسط، وتهديدها الدائم باستخدام ورقة الجهاديين واللاجئين لابتزاز الغرب.

يعبر هذا التصور عن قصور فهم المسؤولين الأمريكيين لمدى التغير الذي لحق بفهم تركيا لوضعها الجيوستراتيجي تحت حكم أردوغان. فتركيا لم تعد تنظر لنفسها كجسر أو رقم في لعبة الأقطاب الدولية، أمريكا وأوروبا وروسيا والصين، بل أصبحت ترى نفسها قطبًا دوليًّا مستقلاً يتحرك وفقًا لسياسة تتجاوز الإقليم لتضم في طياتها بناء نفوذ علي أساس قومي في وسط آسيا، وإسلامي في الشرق الأوسط والبلقان، وعلى أساس التهديد العسكري في شرق المتوسط والقوة الناعمة في أفريقيا. يتماشـى هذا التصور مع الحديث التركي عن “العقل المدبر” وضرورة استعادة دوائر النفوذ العثماني، وربما الفكاك من الرابطة الأطلسية والبحث عن رابطة “أورو-آسيوية” أو “إسلامية”، وإن عازت هذه الطموحات القدرات الاقتصادية الكافية.

بالتالي لن يكون حديث واشنطن عن “التحالف” و”الديمقراطية” إلا زيادة في البارانويا التركية التـي نجح أردوغان في استغلالها حتـى الآن لزيادة حظوظه الانتخابية وقبضه على السلطة. من ناحية أخرى، تدرك بعض الدوائر العسكرية في واشنطن أنه قد آن الأوان كي تتجرأ واشنطن على التخلي على الارتباط العسكري بأنقرة، وأن تنقل الرؤوس النووية الموجودة في قاعدة إنجرليك جنوبي تركيا إلى دولة أطلسية أخرى ربما رومانيا، مخافة أن يتكرر السيناريو الذي حدث مع أعضاء البرلمان الألماني الذين منعهم أردوغان من زيارة القاعدة على إثر الخلاف مع برلين، وهو ما أدى إلى خروج القوات الألمانية منها في ٢٠١٧.

أصداء تداعي التحالف التركي الأمريكي في ملفات المنطقة

من المؤكد أن هذا التداعي في التحالف الأمريكي التركي سيكون له صدى في كثير من ملفات المنطقة. وقبل استعراض هذا الصدى الذي سيكون، في الغالب، استمرارًا للسياسات الخلافية الحالية، ينبغي القول إن هذا التداعي لا يعنـي حدوث مواجهة بين أنقرة وواشنطن، أو صراع مفتوح، فالتحولات العميقة لا تحدث بهذا الشكل المفاجئ، ولا تغامر القوى الدولية مهما كانت درجة تطرفها بالانتقال المفاجئ من معسكر الحلفاء للخصوم، كما أن هناك مساحات للتعاون الأمنـي والسياسـي لا يمكن تفكيكها بسهولة. لكن ما سيحدث هو تفكك في الأسس التـي قام عليها هذا التحالف من قبل، بحيث تعيد تركيا دورها في المنطقة والعالم بشكل أكثر “استقلالية” و”صدامية”.

سوريا والأكراد: أصبحت أنقرة أكثر انفتاحًا على التفاهم مع كل من روسيا وإيران فيما يتعلق بإدارة الصراع في سوريا. وهي تدرك تراجع التأثير الأمريكي في مقابل قدرة روسيا إلى بناء تفاهمات بين الخصوم، خاصة مع تفهمها للمخاوف التركية من تصاعد قوة الأكراد في مقابل “الموقف الأمريكي” الداعم على طول الخط للأكراد. لذا، ستظل سوريا ساحة التباعد الرئيس بين أنقرة وواشنطن، ما لم تدرك إدارة بايدن ضرورة الموازنة بين تعهداتها للأكراد والانفتاح على أنقرة، وهي موازنة صعبة، ربما تلجأ فيها واشنطن، إن أرادت إصلاحًا، للاستعانة بالخبرة الروسية في إدارة مناطق النزاع المحلية في سوريا.

شرق المتوسط: يمكن أن تعود جذور الأزمة الحالية في شرق المتوسط إلى غياب التنظيم الدولي القادر على حل الخلافات بين الدول المطلة على المنطقة الغنية بموارد البترول والغاز، فضلاً عن وجود أزمات عميقة بين اليونان وتركيا، وداخل قبرص التركية، فضلاً عن التوتر الدائم بين مصر وتركيا، إلا أن المشكلة الحالية تعود ولا شك إلى السياسة الصدامية التـي تنتهجها أنقرة تجاه القضايا الخلافية حول الحدود وحقوق الاستكشاف. بالنسبة لواشنطن، فأمن المنطقة ضروري باعتبارها في القطاع الجنوبي لحلف الناتو، فضلاً عن أهميتها لأمن الشرق الأوسط. وترى أنقرة، أن الولايات المتحدة في تعاطيها مع هذا الملف لا تراعي الحقوق التركية- محل الجدل القانوني والجغرافي- كما أن زيادة التقارب والتنسيق الأمنـي بين واشنطن وأثينا، أوحى لأنقرة بوجود تحالف دولي ضدها، وهو خطاب يعززه المشاعر القومية التـي يغذيها نظام أردوغان. وبالتالي، ما لم يتم حل هذه الأزمة بإيجاد آلية دولية لإدارة العلاقات بين دول المنطقة، ستظل الفجوة بين واشنطن وأنقرة قائمة، وربما أكثر اتساعًا مما كانت عليه في عهد ترامب. وربما سيكون على إدارة بايدن أن تمنع جدية أن تؤدى السياسة التركية إلى “حافة الهاوية”.

ليبيا: أصبحت تركيا في الفترة الأخيرة عنصر تعقيد للأزمة الليبية بدعمها الواضح للمليشيات ذات الميول الجهادية والإسلامية المتحالفة مع حكومة الوفاق بالسلاح والمستشارين العسكريين والمرتزقة. وعلى الرغم من عدم تبنـي واشنطن خطابًا أكثر ليونة تجاه الأحداث في ليبيا في عهد ترامب واهتمامها فقط ب”خطورة” التواجد الروسـي، فمن المؤكد أن التركيز على هذا الاتجاه سيتزايد، ومرة أخرى ستجد أنقرة نفسها في مرمى سهام واشنطن بسبب “التفاهم” الضمنـي بين تركيا وروسيا حول تنسيق التدخل وعدم التصعيد بين أطراف النزاع، وهو ما تعتبره واشنطن مخاطرة على المصالح الأمريكية وتحالف الناتو.

إيران: وهي ساحة محتملة للتعاون بين الطرفين. فالمتوقع، حتـى الآن، هو مزيد من الانفتاح الأمريكي على طهران، كعلامة قطيعة مع سياسة ترامب الصدامية. وقد حافظت تركيا على مساحة تقارب كبيرة مع إيران سواء من خلال العلاقات الاقتصادية المباشرة أو من خلال التنسيق في سوريا، وهو ما يجعلها مرشحة لدعم الجهود الأمريكية لإعادة بناء علاقات مع إيران. وقد تستخدم تركيا هذه الورقة، مساعدة بايدن للحصول على نصر دبلوماسـي مع إيران، لكسب تنازلات من واشنطن تجاه قضايا أخري في المنطقة.

في المجمل، سيظل التباعد بين أنقرة وواشنطن سيد الموقف في ظل إدارة ترامب، وبافتراض سياسة أردوغان الصدامية على ساحة الإقليمية ومع أوروبا. ومن ثم، سيظل هذا التحالف مأزومًا ودليلاً على تزايد الشروخ في جبهة الناتو. ومع ذلك، قد يجد التقارب بين أنقرة وواشنطن وبروكسل سبل من خلال اتضاح مدى الكلفة الاقتصادية والديمقراطية لسياسة أردوغان ومردودها السلبـي على الداخل التركي، وبالتالي تعرض نظام أردوغان لأزمات اقتصادية تجبرها على إعادة النظر في جدوى توسيع النفوذ الخارجي من خلال التصادم مع الجيران، وتبنـي خطابًا إسلاميًّا محافظًا يعزز من قوة التيارات المتشددة في المنطقة. وقد يجد هذا التحول صدى لدى إدارة بايدن الساعية إلى مد الأيدي مرة أخرى للحلفاء وللأصدقاء، وإقلاعها عن سياسة ترامب في استخدام العقوبات الاقتصادية كأداة لإدارة الأزمات مع الخصوم والحلفاء على السواء. بيد أن هذا لا يعد بتحول عميق في السياسة التركية أو في تصور النخبة التركية عن “الدور الحتمي” لبلادها في قيادة المنطقة والصدام مع بقية القوى الإقليمية تحقيقًا لمصالح أوسع من حدود الدولة التركية؛ فتعديل هذا التصور كفيل بتغيير عميق في السياسة التركية.

عن "مركز الإنذار المبكر"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية