تركيا بين اردوغان والعلمانية وإرث أتاتورك

تركيا بين اردوغان والعلمانية وإرث أتاتورك


07/09/2021

ما بين العلمانية والاتاتوركية في زمن اردوغان ثمة جدل لا يكاد ينتهي.

المخاوف العلمانية الواقعية في نظر العدالة والتنمية لا تتعدى افكارا متطرفة تعبر عن القلق من أن تطورين قد يمثلان "المسامير الأخيرة" في نعش العلمانية: عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان وممارسات معينة من قبل حزب العدالة والتنمية الحاكم تتجه بالضد من مبادئ علمانية الدولة التركية وفي نظر بعض المراقبين هنالك رابط يربط بين هذين المتغيرين.

بينما يشعر العالم بالقلق من قمع النساء الأفغانيات في ظل حكم طالبان، نشر بعض كتاب الأعمدة والسياسيين في تركيا مقالات عبرت عن الخوف من احتمال تفشي فكر "طالبان". بعضهم يذهب الى أن وصول المهاجرين غير الشرعيين من أفغانستان سيعزز "نهجًا شبيهًا بطالبان" في البلاد.

 ويتهم آخرون أردوغان بأنه قد شكل بالفعل "حكومة شبيهة بطالبان" من خلال سياساته، مضيفين أنه أوصل الجمهورية العلمانية إلى "حافة الانهيار".

ومن البديهي أن هذه المخاوف في نظر الحزب الحاكم هي في غير محلها ومن الواضح أن الأشخاص الذين ينشرون هذه المخاوف والهواجس يرون في الحزب الحاكم العدو اللدود للعلمانية والذي لايؤمن بمرونة أنماط الحياة العلمانية ومبدأ الحكومة العلمانية.

لكي نكون واضحين تمامًا، فإن الاسئلة التي تتعلق بالواقع التركي تتجه نحو مقارنة واقع تركيا في مجال الدين والمجتمع وادارة الدولة لتأثير الحياة الدينية في مقابل مثيلتها في إيران أو أفغانستان.

على العكس تمامًا، من المعلوم ان الأمة التركية تتمتع بتجربة غنية ومتنوعة يمكن أن تؤثر بشكل خطير على مواطني تلك الدول لكن من دون سطوة العدالة والتنمية والسيطرة الاردوغانية وإذا كان هناك من يحتاج إلى القلق، في نظر اوساط العدالة والتنمية فهو حكومتي إيران والسعودية وطالبان - وليس الأتراك وذلك ما تتحدث عنه صحيفة ديلي صباح.

من المحتمل أن يلعب الجدل حول العلمانية في مقابل الدولة الاخوانية المحافظة دورًا بارزًا في الحملة الانتخابية لعام 2023 وفي موازاة ذلك يشتعل القلق في اوساط الحزب الحاكم من احتمالات أن يصعد نجم  حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، الذي يأمل في كسب المحافظين ذوي الميول اليمينية، إلى نقاط الحديث المستحقة والملحة اليوم والتي تتعلق بالعلمانية ونهج اتاتورك وماذا بقي منها.

ومع ذلك، قد يحاول محرم إنجه، الذي ترك حزب المعارضة الرئيسي مؤخرًا، الاستفادة من مخاوف العلمانيين بشأن "انهيار العلمانية" والتخلي عن مبادئ مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية.

 علاوة على ذلك، لا يخفى على أحد أن جزءًا كبيرًا من المجتمع التركي كان مترددًا في إظهار غضبه القومي المتطرف علنًا - ومن هنا جاءت حملة مناشدة حزب الشعب الجمهوري للعلمانيين المعنيين، بشكل مباشر، بالإشارة إلى أتاتورك والجمهورية. في الواقع ، يتحدث بعض الجمهوريين بالفعل عن "إنقاذ الجمهوريةمن وطأة الاردوغانية الاستبدادية".

هذه الافكار والقلق المتراكم من سياسات اردوغان لاشك انه يأخذ مساحة مهمة من اهتمام وقلق الناخبين.

تركيا لا تريد اليوم بعد ذلك الارث الذي راكمته الجمهورية ان تتحدث عن بديهيات تتعلق بمستوى التقدم فيما يتعلق بتطبيع تطبيق العلمانية وقبول أتاتورك من قبل جميع الفئات الاجتماعية.

إن تطبيع ممارسة العلمانية له تاريخ طويل وصعب خضعت فيه تيارات من المجتمع التركي الى النهج الصارم في فترة الحزب الواحد للحكومة العلمانيةفي اطار عملية ديمقراطية تدريجية في ظل نظام تعددي وهو ما لايريد حزب العدالة والتنمية الاستمرار عليه.

ويتذرع الحزب الحاكم خلال ذلك بالانتهاكات للحرية الدينية في أعقاب الانقلابات العسكرية، ومع ذلك كان التخلي عن ممارسات العلمانية المتطرفة والقمعية هو الاتجاه العام.

حزب العدالة والتنمية يزعم مثلا انه هو صاحب الفضل في تلبية مطالب المجتمع الدينية من خلال نظام ديمقراطي وعلماني وبما في ذلك ابراز بعض الرموز الإسلامية وتطبيع التعليم الديني وهو ما الهب حماس جماعات هنا وهناك شكلت جماهير الحزب الحاكم.

العلمانية تحظى بشعبية بين ناخبين  محددين يؤمنون بعلمانية الدولة وبنهج اتاتورك، فقد تواصل حزب الشعب الجمهوري مع المحافظين في ظل رئاسة كمال كليجدار أوغلو وهكذا "قبلت" المعارضة الرئيسية الحجاب - باستخدام شراكتها مع حزب السعادة كدليل - لم تعترض على إعادة آيا صوفيا إلى وضعها كمسجد وجاءت لحضور افتتاح مقر جديد لمحكمة الاستئناف العليا، حيث تمت تلاوة الأدعية الإسلامية.

في الواقع ، يفترض زعيم المعارضة الرئيسي أن تبني موقف "معتدل" تجاه المسلمين المتدينين ضروري لتشكيل تحالف واسع مناهض لأردوغان بالتزامن مع تمسك حزب الشعب الجمهوري بمبادئ أتاتورك.

بعد كل شيء، هذه الأرضية المشتركة لجميع الأتراك لا يمكن أن يستولي عليها أنصار أيديولوجية علمانية اتاتوركية وهو ما يقلق اردوغان وحزبه.

يمثل مؤسس الجمهورية عنصرًا أساسيًا من عناصر الهوية الوطنية لتركيا التي تعتنقها مجموعات اجتماعية مختلفة، وفي ظل هذه الظروف، لن يؤدي التأكيد على السلبية إلا إلى حدوث انقسامات وتغذية الاستقطاب لإيذاء الأشخاص الذين يلجأون إلى مثل هذه التكتيكات.

عن "أحوال" تركية

الصفحة الرئيسية