تركيا تتحالف مع أنظمة استبدادية لتوسيع تمدّدها في أفريقيا

أردوغان

تركيا تتحالف مع أنظمة استبدادية لتوسيع تمدّدها في أفريقيا


12/02/2020

لا تترك تركيا ثغرة في أفريقيا إلا وتنفذ منها، من أجل توسيع شبكة نفوذها وتمدّدها، حتى لو كان ذلك من خلال التحالف مع أنظمة استبدادية في القارة السمراء تسوم شعوبها سوء العذاب والقهر.

اقرأ أيضاً: أردوغان يفشل في وقف تفتت حزب العدالة والتنمية
وشهدت الأسابيع الماضية تحركاً تركياً واسع النطاق باتجاه القارة الأفريقية، تجلتْ في زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ثلاث دول أفريقية هي الجزائر، وغامبيا، والسنغال، مع وفد رفيع المستوى ضم رئيس المخابرات التركية وعدداً من الوزراء بما فيهم وزير الخارجية ووزير الدفاع، فضلاً عن عدد كبير من رجال الأعمال. استثمر أردوغان زيارته بتوقيع عدد من الاتفاقيات، ومناقشة قضايا عدة، كما أفادت نشرة إخبارية أصدرها مركز الشرق للبحوث في دبي.

ويرى المركز أنّ الاهتمام التركي بالتمدد نحو أفريقيا ليس بجديد؛ بل كان منذ نهاية التسعينيات، حين بدأت السياسة الخارجية التركية تبدي اهتماماً واضحاً ببناء علاقات تعاون مع عدد من الدول الأفريقية، وحظي هذا التوجه بدفعة أكبر مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم. وأسفرت هذه السياسة عن فتح العديد من المجالات الاقتصادية والسياسية والتنموية بين الطرفين، لتكون فيما بعد أساساً لإستراتيجية شاملة منذ العام 2003 إذ تضاعف التبادل التجاري التركي مع القارة الأفريقية ليصل إلى 18.9 مليار دولار. وتعتبر تركيا، بالإضافة إلى الصين والهند والبرازيل، الدول الأكثر تواجداً ونفوذاً في أفريقيا.

اقرأ أيضاً: عندما يحول أردوغان الدولة إلى ميليشيات

التمدد التركي في القارة الأفريقية يمر بأوغندا ومالي وغامبيا والسنغال، وصولاً الى الجزائر وتونس والسودان وليبيا، وسواها. وفي العام الماضي، احتفلت تركيا وأوغندا بالذكرى الخمسين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية الثنائية بينهما.
ولتركيا وجود تمثيل دبلوماسي في أكثر من 42 بلداً أفريقيا، وتربطها علاقات تجارية مع 26 منها، إضافة إلى تنظيم شركة الخطوط الجوية التركية رحلات إلى ما يزيد عن 37 بلداً في القارة.
دبلوماسية التأثير الثقافي
واعتمدت تركيا على دبلوماسية التأثير الثقافي، من خلال تخصيص منح دراسية للطلاب الأفارقة، وبناء المدارس التركية، وتصدير الأفلام والسينما التركية، واستحداث مراكز الأبحاث المختصة بالقارة الأفريقية، فضلاً عن الدعم الكبير في مجال المساعدات الإنسانية، كما دربتْ العديد من المختصين من الحكومات الأفريقية في المجالات الأمنية والدفاعية.

تنظر الدول الأفريقية إلى تركيا كقوة إقليمية صاعدة، تهدف لتغيير النظام العالمي، ولاسيما ما يتعلق بطموحها لعضوية مجلس الأمن

وتنظر الدول الأفريقية إلى تركيا كقوةٍ إقليميةٍ صاعدة، تهدف إلى تغيير النظام العالمي، ولاسيما ما يتعلق بطموحها لعضوية مجلس الأمن، إذ لطالما ردد الرئيس التركي مقولته الشهيرة "العالم أكبر من خمسة"، مما أعطى الحافز والدافع للدول السمراء للتعاون والتحالف مع تركيا لضمان تأثيرها في النظام العالمي.  كما شكّل النمو الاقتصادي الكبير الذي استطاعت تركيا تحقيقه، نموذجاً تحتذي به تلك الدول، كما أنّها عضو في حلف الناتو.
في العام 2018، زار أردوغان موريتانيا ومالي، بينما يتوجه هذه المرة إلى دولة غامبيا ليكون بذلك أول رئيس تركي يزور تلك البلاد، كما كان أول رئيس تركي يزور الصومال.  وتتزامن هذه الزيارة مع زيادة التوتر والتصعيد على خلفية الدور التركي في ليبيا.

وقبل ذلك زار أردوغان الجزائر، ما شكّل نقلةً نوعيةً في العلاقات التركية-الجزائرية، واستمراراً للسياسة التركية في تعزيز علاقاتها مع الدول المتناقضة معها في سوريا من مثل إيران وروسيا، إذ تعد الجزائر من الدول القريبة من إيران، وكذلك من النظام السوري. وكانت الجزائر من أوائل الدول التي رفضت التدخل العسكري في سوريا، ودعت إلى الحل السياسي كطريق وحيد لإنهاء الصراع في سوريا.

اقرأ أيضاً: أردوغان وحراس الليل

ربما يطمح الرئيس التركي، بحسب "الشرق" إلى تصميم مسار الحل السياسي بما يشبه مسار الأستانة في سوريا، ليكون للجزائر دور أكثر أهميةً في الشأن الليبي، خصوصاً في ظل قيام الجزائر بدورٍ قيادي في جمع دول الجوار الليبي، واطلاعهم على نتائج مؤتمر برلين.

اقرأ أيضاً: مغالطات أردوغان
وتعد غامبيا من الدول ألأفريقية حديثة العهد في علاقاتها مع أنقرة، إذ يعود تبادل التمثيل الدبلوماسي بين غامبيا وتركيا إلى العام 2010 عندما افتتحت السفارة الغامبية في أنقرة، وافتتاح السفارة التركية في العاصمة الغامبية بانجول العام 2011. حينئذٍ شيّدتْ تركيا عدداً من المساجد في غامبيا، وافتتحت السيدة الأولى التركية مدرسة ومسجداً، ورممتْ وكالة التعاون الإنمائي، وجهزت المسجد والمدرسة.

التعاون في مجال الطاقة والهيدروكربون
وفي السنغال افتُتح مكتب للهلال الأحمر التركي، لتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للسنغال، وعينت تركيا أحد أهم خبرائها في الشأن الأفريقي سفيراً في السنغال؛ ما يشير إلى الاهتمام التركي الواضح بتطوير العلاقات بين البلدين.
وشكل التعاون في مجال الطاقة والهيدروكربون أهم القضايا التي تم التطرق إليها في المباحثات الاقتصادية المشتركة بين الأتراك والسنغاليين، فضلاً عن التعاون التجاري بين البلدين، وتسوية أوضاع السنغاليين المتواجدين في تركيا، وزيادة عدد رحلات الخطوط الجوية التركية بين إسطنبول وداكار وبناء سفارة تركية جديدة.
ويذكر مركز الشرق عدة عوامل ساهمتْ بمنح أنقرة ساحةً جديدةً للتحرك الإقليمي؛ من بينها التدخل التركي الأخير في ليبيا، ودعمها لحكومة فايز السراج في طرابلس، وإعلانها عن إرسال قوات عسكرية موازية.

أهداف أنقرة في أفريقيا

لذا من خلال الجولات التركية في القارة الأفريقية، سعت أنقرة إلى تحقيق أهداف عدة، أبرزها:
أولاً:
التأكيد على حضورها في الساحة الأفريقية، وبأنها جزء ومنافس حقيقي وفاعل في السباق على احتلال مواقع في أفريقيا مسرح التنافس العالمي مستقبلاً.
ثانياً: تعويض الخسائر الاقتصادية التي نجمت عن موجات الربيع العربي وارتداداته في دول عدة من مثل؛ مصر وتونس وليبيا.
ثالثاً: اكتساب هامش مناورة جديد في وجه روسيا الطامحة لضمان حصتها من أية تسوية جديدة للنزاع في ليبيا.
رابعاً: موازنة الدور المصري الذي عاد بقوةٍ إلى الساحة الأفريقية.

وعن التحديات التي تواجه الطموح التركي، يقدّر المركز بأنها تتمثل فيما يلي:

•  ما زالتْ تركيا تواجه تحديات كثيرة في القارة الأفريقية، رغم التطور الواضح الذي حققته في علاقاتها مع العديد من الدول الأفريقية. هذه التحديات تتعلق بعمق فهمها لطبيعة المجتمع الأفريقي. بالمقابل معرفة الأفارقة بتركيا غالباً ما تكون عبر وسائل الإعلام الغربي التي تقدم تركيا بطريقةٍ قد لا ترضي أنقرة.

مؤسسات غولن تعمل أيضاً في دول أفريقية، وليس بإمكان الأفارقة التمييز بينها وبين المنظمات التابعة للسلطة التركية الحالية

•  ما زالت مؤسسات غولن تعمل أيضاً في دول أفريقيةٍ، وليس بإمكان الأفارقة التمييز بينها وبين المنظمات التابعة للسلطة التركية الحالية.
• يثير توسع تركيا قلقاً أوروبياً، ولاسيما من الجانب الفرنسي، إذ تقترب محاولات التمدد التركية نحو مناطق كانت تقع تحت النفوذ الفرنسي، لذا هاجم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الرئيس التركي بشكل كبير خلال زيارته الأخيرة إلى أفريقيا، وأكدتْ ذلك جريدة اللوموند الفرنسية واصفةً أردوغان بالطامع في ثروات أفريقيا.

وكان الرئيس الفرنسي وجه اتهامات لتركيا بخصوص عبثها في ليبيا، أواخر الشهر الماضي،  معتبراً أنّ "إخلال تركيا بوعودها يعد انتهاكاً للسيادة الليبية وأمن أوروبا ودول ساحل البحر الأبيض المتوسط".
كما اتهم ماكرون، أردوغان، "بعدم الوفاء بالوعود التي قطعها بشأن إنهاء التدخل في الأزمة الليبية، وذلك بعد وصول سفن تركية إلى ليبيا".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية