تركيا توسع نفوذها الأفريقي بالقوتين الناعمة والصلبة

تركيا توسع نفوذها الأفريقي بالقوتين الناعمة والصلبة


31/07/2021

تقول هانا أرمسترونغ من منظمة كرايسز غروب: "منذ تسمية 2005 "سنة أفريقيا"، أقامت تركيا روابط سياسية واقتصادية عبر القارة من خلال المساعدات والتجارة، كجزء من أجندة لتوسيع انتشارها في جميع أنحاء العالم. وقاد رجب طيب أردوغان هذا الدفع، كرئيس للوزراء في البداية حتى سنة 2014 ثم كرئيس للدولة، بإقامة علاقات مع القادة الأفارقة، وبمساعدة الشركات التركية على الوصول إلى أسواق جديدة ومشاريع ممولة تصور تركيا كوصي على الثقافة الإسلامية في دول أفريقيا ذات الأغلبية المسلمة."

إن الانفتاح التركي على منطقة الساحل هو الذي أثار قلق الحكومات الغربية ودول الخليج، التي تخشى أن وجود تركيا قد يهدد مصالحها الجيوسياسية في مكان يرى الكثيرون أنه ساحة معركة حاسمة في الحرب مع المتمردين الجهاديين.

إن النهج العسكري الثقيل بقيادة فرنسا في منطقة الساحل متعثر بالفعل. وكما كتبت كرايسز غروب سابقا، فإن أعمال القتل الطائفي والتشدد الإسلامي والإحباط الشعبي من الحكومات التي يُنظر إليها على أنها غير قادرة على قمع العنف وحماية المواطنين آخذة في الازدياد. وازدادت الهجمات الجهادية خمسة أضعاف منذ 2016 وتصاعد الصراع بين القبائل. وتكافح دول وسط الساحل الثلاث (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) للسيطرة على الأراضي مع تأكيد سلطة الدولة في المناطق التي يتنازع عليها المسلحون، بينما يحاول الجهاديون بترسيخ أنفسهم وتصعيد التمرد في المناطق الريفية، والاستفادة من المظالم المحلية لتجنيد المقاتلين وتوسيع عملياتهم.

وقد أدت خيبة الأمل من الفشل في وقف انعدام الأمن إلى ظهور مشاعر معادية لفرنسا في عواصم الساحل. وقد يؤدي دفع تركيا، التي تعاني من علاقة مشحونة مع فرنسا، لتقديم نفسها كشريك أمني بديل، إلى تفاقم التوترات، وفقاً لما ذكرته الكاتبة.

وفي نوفمبر 2020، اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تركيا بتقويض العلاقات الفرنسية في غرب أفريقيا من خلال اللعب على "استياء ما بعد الاستعمار". (بشكل منفصل، في يونيو 2021، أعلن عن خطط لخفض عدد القوات الفرنسية البالغ عددها 5100 في منطقة الساحل إلى النصف بحلول سنة 2023).

وتقول أرمسترونغ: "كانت غزوات تركيا في منطقة الساحل حتى الآن تمرينا على إبراز القوة الناعمة. حيث تركز أنشطة أنقرة في المنطقة في الغالب على دعم التنمية والمشاركة التجارية. وصحيح أنها وقعت اتفاقية دفاع مع نيامي. كما أدت المساعدات والأعمال التركية في الصومال إلى مزيد من المشاركة العسكرية، على الرغم من أن التدخل التركي في معظمه كان بنّاءً ولا يتعارض مع الأهداف الغربية. ويمكن خدمة دول الساحل والقوى الخارجية بشكل أفضل من خلال الاستفادة من أفضل ما يمكن أن تقدمه تركيا بدلا من اعتبارها تهديدا متأصلا، لا سيما بعدما عقد ماكرون وأردوغان مناقشة خاصة على هامش قمة الناتو في يونيو لإصلاح العلاقات. وتشير الجهود الأخيرة لتهدئة التوترات بين تركيا ومصر وبين دول الخليج المتصارعة إلى أن تقاربا أوسع قد يكون واردا. وبدلا من التنافس في منطقة الساحل، يجب على القوى الخارجية إيجاد طرق للتعاون لصالح المنطقة المضطربة."

تبدو دوافع تركيا في منطقة الساحل حتى الآن اقتصادية في المقام الأول. وفي الواقع، وفقا لأنقرة، يشكل توسيع التجارة أولويتها الرئيسية في المنطقة. لكن بعض المراقبين ينظرون إلى دور تركيا في الصومال وفي منطقة القرن الأفريقي الأوسع، ويتساءلون إلى أي مدى يمكن أن تصل مشاركتها في منطقة الساحل.

وتقول أرمسترونغ: "غالبا ما يرى خصوم تركيا أن وجودها في البلدان الأفريقية الإسلامية مثل الصومال والسودان هو بدافع الأيديولوجيا ولا سيما هدف تعزيز آفاق الإخوان المسلمين أو الإسلاميين الآخرين أو من خلال الرغبة في زيادة ثقلها الجيوسياسي. وليس هذا التصور خاطئا بالكامل. حيث أن دعم أنقرة الواسع للصوماليين الذين واجهوا مجاعة مدمرة في 2011 أكسب تركيا قدرا هائلا من حسن الظن بها. ثم استخدمت هذا الرصيد لتعزيز نفوذ الحلفاء المحليين، الذين ينتمون أحيانا إلى جماعة الإخوان المسلمين. وفي 2017، أسست أنقرة قاعدة عسكرية في مقديشو، وكانت الأكبر من نوعها خارج تركيا. كما أنشأت موطئ قدم ثابت في ميناء مقديشو البحري الذي يُعتبر أمرا بالغ الأهمية لاستراتيجيتها المتمثلة في إبراز قوتها العسكرية عبر نقاط رئيسية في البحر الأحمر والمحيط الهندي. كما أصبحت تركيا الآن واحدة من أكثر اللاعبين الأجانب نفوذا في الصومال، وهو دور يراه الكثير من الصوماليين من منظور إيجابي. "

ومع ذلك، فإن التركيز على تلك الزوايا وحدها يهدد بإغفال ما يبدو أنه جزء أساسي من انخراط أنقرة في منطقة الساحل حتى الآن: الاستفادة من الهوية الدينية المشتركة لتعزيز مصالحها الاقتصادية. وصحيح أن مثل هذه المشاركة يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التعاون الأمني ​​الثنائي أيضا، كما حدث في الصومال، وتغذي المنافسة مع خصوم تركيا الخليجيين. ولكن في الوقت الحالي، يبدو أن التركيز الرئيسي لأنقرة ينصب على متابعة المشاريع والاستثمارات في منطقة الساحل التي حظيت بدعم الجمهور، مما يمهد الطريق للمصدرين الأتراك في سوق جديدة.

عندما افتتحت أنقرة سفارات في باماكو (2010) وواغادوغو (2012) ونيامي (2012)، شرعت أنقرة في استمالة النخب الدينية والسياسية بالإضافة إلى تلبية احتياجات السكان المتعثرين. ففي مالي، على سبيل المثال، شيدت مسجدا في حي راقٍ من العاصمة للمجلس الإسلامي الأعلى في مالي، أقوى جمعية دينية في البلاد، وأعادت تأهيل مسجد آخر في مسقط رأس الرئيس السابق إبراهيم بوبكر كايتا. وأعادت ترميم المسجد الكبير وقصر سلطان آير في مدينة أغاديس شمال النيجر. وقد سمح لها ذلك بالتشديد على الروابط التاريخية لتركيا مع سلاطين المنطقة، الذين تقول السجلات أن أولهم ولد في اسطنبول في القرن الخامس عشر الميلادي. وتقول أرمسترونغ: "وفي نفس الوقت، قدمت تركيا المساعدة التي تشتد الحاجة إليها في مجالات الرعاية الصحية والمياه والتعليم. وقررت بناء مستشفيات في باماكو (أنهِيت أشغالها سنة 2018) ونيامي (سنة 2019) وأرسلت عيادات متنقلة إلى بلدات إقليمية في مالي مثل كوليكورو وسيكاسو. كما تدخلت وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا" والجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية التركية لتحسين وصول سكان الريف إلى التعليم الديني والمياه."

ورحب السكان المحليون بالمشاريع، كما فعلوا في أماكن أخرى في أفريقيا، مما ساعد على فتح أسواق للسلع الاستهلاكية التركية وتعزيز جهود أنقرة لتأمين عقود لشركات البناء والطاقة والتعدين التركية. في حين أن التجارة التركية مع منطقة الساحل لا تزال محدودة مقارنة بمئات الملايين من الدولارات من الصادرات الصينية والفرنسية إلى المنطقة سنويا، فقد نمت بشكل كبير خلال العقد الماضي. وتقول أرمسترونغ: "وزادت التجارة بين مالي وتركيا، على سبيل المثال، بأكثر من عشرة أضعاف، من 5 ملايين دولار في 2003 إلى 57 مليون دولار في 2019. وكان من العوامل الحاسمة لتعزيز التجارة إطلاق رحلات الخطوط الجوية التركية المباشرة من إسطنبول إلى باماكو ونيامي وواغادوغو، والتي افتتحت. وفتحت طرق تجارة جديدة لأصحاب المشاريع في منطقة الساحل بعد أن أعاقتها السياسات الحدودية الصارمة في أوروبا. وفي نفس الوقت، أثبتت رحلة الخطوط الجوية التركية المباشرة من باماكو إلى جدة أنها تحظى بشعبية بين الحجاج الأفارقة."

ولم تفعل بعض المشاريع التركية الكثير لكسب القلوب والعقول. ففي 2017، في أعقاب محاولة الانقلاب في أنقرة التي ألقت الحكومة التركية باللوم فيها على أتباع فتح الله غولن، وهو داعية إسلامي تركي يعيش في المنفى في الولايات المتحدة منذ 1999، وقعت مؤسسة معارف التركية اتفاقية مع وزير التعليم المالي لتمكينها من السيطرة على شبكة مؤلفة من ثمانية عشر مدرسة تابعة لحركة غولن في باماكو. وأثارت العملية نفور بعض الخريجين، وتضررت سمعة المدارس.

وكما هو الحال في أي مكان آخر في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تركز الشاريع التركية في منطقة الساحل عادة على البنية التحتية. ففي النيجر، قدمت الشركات التركية مجموعة من المشاريع التي كانت أساسية لاستضافة نيامي لقمة الاتحاد الأفريقي في يونيو 2019، بما في ذلك مطار دولي جديد وفندق خمس نجوم. ووقعت مع مالي اتفاقية مبدئية لنظام المتروباص في باماكو.

وتقول أرمسترونغ: "بينما تسعى أنقرة لاستغلال الفرص التجارية في منطقة الساحل، يقول المسؤولون الأتراك إنهم يرون القوة العسكرية ضرورية لحماية استثماراتهم. وتبنت تركيا أولا نهجا تعاونيا للأمن في المنطقة. وشمل هذا النهج تقديم الدعم الدبلوماسي للجهود متعددة الأطراف مثل اتفاق الجزائر للسلام في مالي، الذي وقعته الحكومة، وتحالف الجماعات المسلحة الموالية للحكومة، وتحالف الجماعات المتمردة في 2015. كما قدمت أنقرة 5 ملايين دولار القوة المشتركة جي 5 الساحل، التحالف الإقليمي الذي بدأ في عام 2018 في نشر قوات من بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر إلى حد كبير لمحاربة المسلحين الإسلاميين في منطقة الحدود الثلاثية القلئمة بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر. كما ظهر شكل أكثر إثارة للجدل من المساعدة العسكرية في يوليو 2020، عندما وقعت أنقرة ونيامي على اتفاق دفاعي (يظل نصه سريا) يمكن أن يرسي أساسا للدعم التشغيلي المباشر من تركيا إلى النيجر في المستقبل."

عن "أحوال" تركية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية