تركيا: قوة في انحدار

تركيا: قوة في انحدار


18/01/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

منذ تأسيس الإمبراطوريّة العثمانيّة في نهاية القرن الثّالث عشر وتركيا قوّة لا جدال فيها، ومع ذلك، في الأعوام الأخيرة، وبسبب عوامل اجتماعيّة وجيوسياسيّة مختلفة، يبدو أنّ تركيا قد ضعفت.

بالرّغم من التوتّرات التي تشهدها العلاقات مع الاتّحاد الأوروبيّ، فقد ميّزت تركيا دائماً نفسها بنفوذٍ لا يمكن إنكاره، خاصّةً خلال ذروة الإمبراطوريّة العثمانيّة.

اقرأ أيضاً: الإعلاميون العرب في تركيا أدوات بيد الحكومة شاؤوا أم أبوا

ومع ذلك، فإنّ هذا النّفوذ التّركيّ يضعف أكثر فأكثر، خاصّةً مع الاتّحاد الأوروبيّ، الذي تسعى تركيا للانضمام إليه منذ عام 1987.

في الآونة الأخيرة؛ أعرب الرّئيس التّركي، رجب طيّب أردوغان، عن عدم موافقته على تصريحات الرّئيس الفرنسيّ، إيمانويل ماكرون، بشأن الحقّ في رسم الكاريكاتور، عقب الهجوم الذي وقع في فرنسا، في 16 تشرين الأوّل (أكتوبر).

وأعلن وزير الدّولة للشّؤون الأوروبيّة، كليمو بون، أنّه سيتمّ النّظر في فرض عقوباتٍ اقتصاديّةٍ من جانب الاتّحاد الأوروبيّ، وتقترح فرنسا بشكلٍ خاصٍّ إلغاء الاتّحاد الجمركيّ بين الاتّحاد الأوروبيّ وتركيا.

إنّ ضعف القوّة التّركيّة محسوس، لكنّ هذا الانحدار يعود إلى سقوط الإمبراطوريّة العثمانيّة في بداية القرن العشرين.

وكانت الإمبراطوريّة العثمانيّة قد بلغت ذروتها عندما وصل سليمان القانونيّ إلى السّلطة، عام 1521، وكانت أيضاً أقوى دولة في العالم منذ تولّيه السّلطة وحتّى وفاته عام 1566.

الإمبراطوريّة العثمانيّة بلغت ذروتها عندما وصل سليمان القانونيّ إلى السّلطة، 1521، وكانت أيضاً أقوى دولة في العالم منذ تولّيه السّلطة وحتّى وفاته 1566

ومع ذلك، بعد قرونٍ من المجد، بدأت الإمبراطوريّة العثمانيّة في الضّعف عندما بدأت الثّورات والانتفاضات العسكريّة في الظّهور في أوائل القرن السّابع عشر. وعانت الإمبراطوريّة تدهوراً حقيقياً، في نهاية القرن التّاسع عشر، عندما تناقصت أراضيها.

اندلعت حرب البلقان في عام 1912. وتكوّنت رابطة البلقان، الّتي طالبت باستقلالها وأرادت دحر الإمبراطوريّة العثمانيّة، من صربيا وبلغاريا واليونان والجبل الأسود، وحظيت بدعم روسيا، وهكذا صارت الإمبراطوريّة العثمانيّة غير قادرة على المقاومة وتفكّكت تدريجيّاً.

اقرأ أيضاً: تركيا تتودد لإسرائيل دون تجاوب

كانت ألبانيا أوّل دولة في البلقان تثور ضدّ الإمبراطوريّة العثمانيّة، وقاتل الشّعب الألبانيّ لأعوامٍ مع العديد من حركات التّمرّد ضدّ الإمبراطوريّة، وبعد ثورةٍ أخيرة، أعلنت ألبانيا استقلالها، في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 1912.

ومنذ الاستقلال، كان لألبانيا علاقات من نوعٍ خاصٍّ مع تركيا.

علاقات حصريّة بين تركيا وألبانيا

لطالما كانت لتركيا وألبانيا علاقات من نوعٍ خاصّ خلال فترة ما بعد الحرب الباردة، دفعت التّعقيدات والصّراعات الجيوسياسيّة في غرب البلقان ألبانيا إلى السّعي للحصول على قوّةٍ وقائيّةٍ من تركيا، الّتي هي عضو في حلف شمال الأطلسيّ (النّاتو) منذ عام 1951.

 

وخلال التّسعينيّات من القرن الماضي، تميّزت العلاقات بين تركيا وألبانيا باتّفاقيّة تعاونٍ عسكريٍّ بين البلدين، تمّ توقيعها في 29 تموز (يوليو) 1992، ونصّت هذه الاتّفاقيّة على تعليم الأفراد وتدريبهم، والتّعاون الثّنائيّ في إنتاج الأسلحة، والقيام بتدريبات عسكريّة مشتركة، وتبادل الوفود العسكريّة، وعمل لجان مشتركة لتعزيز العلاقات العسكريّة في المستقبل.

وانضمّت ألبانيا إلى النّاتو، في 1 نيسان (أبريل) 2009، بعد أعوامٍ من التّعاون.

حظي هذا الانضمام بدعمٍ قويٍّ من تركيا، وأصبحت ألبانيا بسرعةٍ منتجةً للأمن وناقلةً للاستقرار حتّى خارج حدودها.

في الأعوام الأخيرة، وبسبب عوامل اجتماعيّة وجيوسياسيّة مختلفة، يبدو أنّ تركيا قد ضعفت، بعد أن كانت ميّزت دائماً نفسها بنفوذٍ لا يمكن إنكاره

 وتلتزم ألبانيا، بعد انضمامها إلى الحلف، على وجه الخصوص بتعزيز الاستقرار والسّلام في غرب البلقان، لضمان تنمية أوروبا: "في الوقت الحاضر، تُعدّ (ألبانيا) بلداً آمناً في المنطقة؛ حيث تلعب دوراً في السّلام والاستقرار"، يقول أمانت جوزيفي، المستشار السّابق لوزير الدّفاع الألبانيّ، الذي عمل على تعزيز عمل بلاده داخل النّاتو.

وساهم ظهور ألبانيا في غرب البلقان، كشريكٍ رئيسٍ للنّاتو، في تعزيز العلاقات الألبانيّة التّركيّة.

اقرأ أيضاً: لماذا لجأت تركيا إلى التهدئة مع الأوروبيين قبل وصول بايدن للبيت الأبيض؟

ودعمت تركيا باستمرار ألبانيا، منذ التّسعينيات من القرن الماضي، في القضايا المتعلّقة بالاتّحاد الأوروبيّ، ويضع البلدان الانضمام إلى الاتّحاد الأوروبيّ هدفاً مشتركاً، وبينما وافق الاتحاد الأوروبيّ على فتح مفاوضاتٍ لعضويّة ألبانيا، في (آذار) مارس 2020، تلاشت احتماليّة انضمام تركيا في الأعوام الأخيرة.

رغبة في إعادة تأكيد قوّتها

تنوي تركيا إثبات قوّتها داخل أوروبا، وفي هذا الصّدد، تُخطّط البلاد لإجراءاتٍ قويّةٍ لتأكيد نفسها.

في الآونة الأخيرة، اتّخذ أردوغان موقفاً بشأن تقسيم أراضي قبرص، وفي الواقع؛ بعد غزو القوّات التركيّة، عام 1974، تمّ تقسيم هذه الجزيرة بالبحر الأبيض المتوسّط ​​بين الجنوب (يسمّى الجزء اليونانيّ)، والشّمال (ما يسمّى بالجزء التّركيّ)، وأدّى اكتشاف مخزون الغاز قبالة السّاحل القبرصيّ مؤخّراً، على وجه الخصوص، إلى إعادة إشعال التّوترات في هذه المنطقة المرغوبة.

وفي 15 تشرين الثّاني (نوفمبر)؛ دعا الرّئيس التّركي، خلال زيارةٍ لشمال قبرص، إلى إنشاء دولتين على الجزيرة: "هناك شعبان ودولتان منفصلتان في قبرص"، وقال، في كلمةٍ ألقاها في العاصمة؛ إنّ المحادثات ضروريّة من أجل حلٍّ على أساس دولتين منفصلتين. ووفق كلامه؛ فإنّ إعادة توحيد الجزيرة في شكل دولةٍ فيدراليّةٍ أصبح الآن مستحيلاً.

اقرأ أيضاً: ماذا تهدف تركيا من إعادة تنظيم ميليشياتها غرب ليبيا؟

كما عارض أردوغان الإجراءات الأخيرة الّتي اتّخذتها فرنسا، في الواقع؛ كانت التّوترات بين فرنسا وتركيا عالية في الآونة الأخيرة، فبعد الهجوم الّذي وقع في فرنسا، في 16 تشرين الأوّل (أكتوبر)، تحدّث ماكرون دفاعاً عن الحقّ في رسم الكاريكاتور على الأراضي الفرنسيّة، ودان الرّئيس التّركيّ بشدّةٍ هذه التّصريحات ودعا الشّعب التّركيّ إلى مقاطعة المنتجات الفرنسيّة.

وفي مواجهة هذه التّوترات، أظهر الاتّحاد الأوروبيّ تضامنه مع فرنسا، وتجري مناقشة إمكانيّة فرض عقوباتٍ اقتصاديّةٍ على تركيا داخل الاتّحاد الأوروبيّ.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

أنوك بيكر، "مودرن دبلوماسي"، 10 كانون الثّاني (يناير) 2021


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية