تركيا وداعش: نهاية اللاعبين بالنار

تركيا

تركيا وداعش: نهاية اللاعبين بالنار


10/01/2020

في 13 آذار (مارس) 2014؛ سكنت أصوات الرصاص في قرية قرة قوزاق، الواقعة شمال الأراضي السورية، بعد أن انتزعها تنظيم داعش من أيدي قوات الجيش السوري الحرّ.

اقرأ أيضاً: بالوثائق.. بحث استقصائي يكشف الدور التركي في دعم داعش
وجدت عناصر التنظيم نفسها في مواجهة ضريح سليمان شاه، جدّ عثمان الأول، مؤسس الدولة العثمانية، والمحاط بنحو 40 جندياً تركياً، يحرسونه وفق اتفاقية وقِّعت بين دولتهم وفرنسا، المنتدبة على سوريا، العام 1921.
لكن لم يتجرأ أحد من عناصر التنظيم على الاقتراب من الضريح، واقتلاع حجر واحد من جدرانه، في سابقة هي الأولى منذ سيطرتهم على أراضٍ سورية وعراقية وغيرها.
ضريح سليمان شاه

الضريح المستثنى
يؤمن التنظيم بأنّ الأضرحة أحد مظاهر الشرك الواضحة، التي تجب إزالتها فور تمكنه من الأرض، وفق اعتقاده بوجوب تطبيق الشريعة في الأماكن التي تخضع لسيطرته، وإلا فإنّه يقع في الكفر الصريح.

داعشي معتقل: مثلت تركيا لنا طريقاً للأدوية والغذاء فهناك أشياء كبيرة تدخل باسم المعونة وكانت الأبواب مفتوحة

ثم إنّ 40 جندياً تركياً، شكّلوا صيداً سهلاً للتنظيم، فكان بإمكانه قتلهم أو أسرهم، باعتبارهم أحد جنود وأعوان نظام كافر مرتد، وفق اعتقاده، إلا أنّه لم يفعل شيئاً من ذلك.
غير أنّ هذه الواقعة هزّت صفوف أعضاء التنظيم، من الذين هاجروا بغية تطبيق شرع الله، فإذا بهم يفاجأون بأنّ ذاك الشرع يأخذ بعضه ويترك البعض الآخر، وفق مفاهيم المصلحة الدنيوية.
ظلّ الضريح محاطاً بمقاتلي التنظيم 7 أيام، حتى أصدر داعش مقطعاً مصوراً، نشره على اليوتيوب، هدّد فيه بأنّه سوف يسوّي الضريح بالأرض، إذا لم يتم تفريغه خلال 3 أيام، وهي السابقة الأولى التي يمهل فيها التنظيم أحداً لإخلاء ضريح، يعتقد أنّه من واجبه إزالته بمجرد التمكّن منه.
مرّت الأيام الثلاثة، ولم ينفذ داعش ما هدّد به، حتى أعلنت تركيا، العام 2015، إطلاق عملية "شاه فرات" تهدف إلى نقل ضريح سليمان شاه، وإعادة الــ40 جندياً إلى أراضيها.
اشترك في العملية 573 جندياً، و20 لواء مدرعاً، مربوطاً بخمسين مدفعاً، من نوع "إم-60"، تحلق فوقهم طائرات "إف 16".

اقرأ أيضاً: كيف أفسد أردوغان العلاقات العربية التركية؟
مرّت هذه القوات في اتجاه القرية، دون أن يطلق التنظيم عليها طلقة واحدة، حتى وصلت إلى الضريح، فنبشته وأخرجت الرفات، وقفلت راجعة وبحوزتها الــ40 جندياً، الذين لم يتضرروا جوعاً وعطشاً، لكنّهم قبل أن يغادروا قاموا بتفجير الضريح بأنفسهم، في إشارة واضحة، لرفع وطأة الضغط عن التنظيم، الذي لم يكن بوسعه سوى تفجيره، حتى لا يتعرض لنقد وربما انشقاقات من قبل أعضائه المتحمسين.

التوظيف المتبادل

في العام ذاته؛ كان داعش قد انشغل بإصدار عدد من التسجلات المرئية التي يدشن فيها ليس بكفر الدولة التركية ونظامها فحسب، بل وشرعنة كفر الدولة العثمانية ذاتها، معتبراً إياها دولة صوفية قبورية، رداً على المشككين في طبيعة علاقته بالنظام التركي، إلا أنّ ذلك لم يكن مقنعاً لعناصره، الذين اعتاد أغلبهم تخطي الأراضي التركية إلى الأراضي السورية دون أن يتعرض لهم أحد.

انشغل داعش بإصدار تسجلات يدشن فيها بكفر الدولة التركية ونظامها بل وشرعنة كفر الدولة العثمانية ذاتها

"كانت وظيفتي في الرقة هي التعامل مع القضايا الدولية، وتنسيق العلاقة بين تنظيم داعش والاستخبارات التركية"، يتذكر أبو منصور المغربي أعوامه الثلاثة في التنظيم.
سافر المهندس الكهربائي، أبو منصور، من المغرب إلى سوريا، العام 2013، من الدار البيضاء إلى إسطنبول، وعبر الحدود منها إلى سوريا.
كانت محطته الأولى إدلب، وبعدها كلّفه التنظيم بوظيفة مسؤول استقبال على الجانب السوري من الحدود التركية، وكانت مهمته تتلخص في ضمان استمرار تدفق المقاتلين الأجانب إلى داعش عبر تركيا.
أبو منصور، المحتجز حالياً في أحد سجون العراق، تحدث بإسهاب عن طبيعة عمله مع تنظيم داعش، والعلاقة بين هذا التنظيم والنظام التركي، وذلك في مقابلة استغرقت خمس ساعات، ونشرت على موقع "هوم لاند سيكيورتي توداي" الأمريكي.
يقول أبو منصور: كانت مفاوضاتنا (داعش وتركيا) تجري مرة في سوريا ومرة في تركيا، وما إلى ذلك، ذهاباً وإياباً، وغالباً ما كانت تجري بالقرب من الحدود، بالقرب من البوابات الرسمية.
العام 2016؛ طلب من أبو منصور المجيء لأنقرة والبقاء لعدة أسابيع، ربما للقاء الرئيس أردوغان.

اقرأ أيضاً: السوادن يلغي "اتفاقية سواكن" مع تركيا
يكمل المغربي: ذهبت إلى أنقرة، كان هناك فندق خاص، أو دار ضيافة تابع للاستخبارات، أعتقد أنّني كنت بالضبط في مكتبهم الرئيس، أو ربما في مكتب خلية أزمة، بقيت هناك أسبوعاً واحداً، ولم يرفضوا طلبي للخروج، كنت تحت حمايتهم، لقد اقترحوا أيضاً أنّ باستطاعتي قضاء أسبوع لأستريح هنا.
اعتاد أغلب عناصر داعش تخطي الأراضي التركية إلى الأراضي السورية دون أن يتعرض لهم أحد

مقابلة أردوغان
بحسب المغربي، في المقابلة، فإنّ أحد ضباط الاستخبارات التركية أخبره بأنّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يريد رؤيته ومقابلته على انفراد، إلا أنّه لم يفعل.
لا يجيب أبو منصور عن سؤال: لماذا تفعل تركيا ذلك؟ إلا أنّه يقول: إنّ معظم العاملين في الجانب التركي، هدفهم هو المال، كما أنّ كثيرين هناك يؤمنون بتنظيم داعش، إلا أنّ ذلك يبدو تفسيراً سطحياً لما جرى.
يشير أبو منصور إلى أنّ المقاتلين الأجانب كانوا يأتون من أماكن مختلفة، من شمال إفريقيا في الغالب، وأنّ عدد الأوروبيين لم يكن كبيراً؛ حيث قدّرهم بنحو أربعة آلاف.

اقرأ أيضاً: هل تراجع نفوذ المحور التركي القطري في الإقليم؟
يقول: حتى العام 2015؛ كان هناك 13 ألف مقاتل من تونس، وأربعة آلاف من المغرب، وهناك عدد أقل من المقاتلين من ليبيا؛ لأنّ لديهم تنظيم هناك، أشرفت على الاستقبال في تلّ أبيض وحلب وإدلب، في البداية كنت أسجل الناس، ثم أصبحت مشرفاً، وبعدها صرت أميراً في التنظيم.
يؤكد الرجل أنّ هناك بعض الاتفاقات والتفاهمات، بالنسبة إلى المصابين بين الاستخبارات التركية وجهاز الأمن في تنظيم داعش، مضيفاً "لقد عقدت العديد من الاجتماعات المباشرة مع الاستخبارات التركية".
يضع أبو منصور يده على نقطة أخرى، قد توضح الأهداف الحقيقية لتركيا جراء هذا التعاون، فيقول: تركيا كانت تريد السيطرة على المنطقة الحدودية القريبة من حدودها، وإحكام السيطرة على شمال سوريا، في الواقع؛ كانت لديهم طموحات ليس فقط للسيطرة على الأكراد، لقد أرادوا كل الشمال السوري، من كسب (نقطة في شمال سوريا) إلى الموصل.
أما من جانب داعش؛ فيوضح أبو منصور: لقد كانت فائدة كبيرة للتنظيم؛ لأنّها يمكن أن تحمي ظهورنا، حوالي 300 كيلومتر من حدودنا معهم، تعدّ تركيا طريقاً بالنسبة إلينا للأدوية والغذاء، فهناك أشياء كبيرة تدخل باسم المعونة، وكانت الأبواب مفتوحة".

عبور آمن

كان فريق من مجلة "دير شبيغل الألمانية" قد قام بعملية بحث استقصائية، عثر خلالها على وثائق تثبت أنّه "إثر اندلاع التمرد المسلح في سوريا، تدافع آلاف الدواعش من نحو مئة دولة، للانضمام إلى التنظيم في سوريا والعراق، ومن خلال تتبع أقوال وطرق من انضموا إلى التنظيم، تبين أنّ هؤلاء كانوا يسلكون نفس الطريق تقريباً للوصول".

اقرأ أيضاً: عناد أردوغان يسوق تركيا خارج الناتو
حصلت الصحيفة على أكثر من 100 جواز سفر لأتباع داعش، من 21 دولة، أسرتهم المليشيات الكردية في الأشهر الأخيرة، تبين أنّهم كانوا يذهبون إلى تركيا، ومنها إلى سوريا والعراق.
ترى الصحيفة أنّه لا يمكن تصور تحرك كل هذه الأعداد الكبيرة دون أن تثير شكّ الأجهزة المختصة، ما لم تكن تغضّ الطرف عن ذلك.
أوضح الفريق الألماني، من خلال بحثه الاستقصائي؛ أنّ من ضمن الأسرى بعض الألمان والإندونيسيين والروس والتوانسة، ومن دول غير متوقعة؛ كترينيدا وتوباجو وجنوب إفريقيا وسلوفينيا، وكان العامل المشترك بين كلّ جوازات السفر هذه؛ وجود ختم واحد على الأقل لدخول تركيا.
الهجوم على مطار أتاتورك، في 28 حزيران 2016

اللعب الخشن
صُدمت إسطنبول، العام 2016، بسلسلة من الهجمات الانتحارية وغيرها، قام بها تنظيم داعش على أرضها، كان أولها في كانون الثاني (يناير)، ثم كان الهجوم على مطار أتاتورك، في 28 حزيران (يونيو) من العام نفسه، والذي أودى بحياة 43 شخصاً وعشرات المصابين، وكان آخرها الهجوم على ملهى ليلي أثناء الاحتفال بليلة رأس السنة، ما أدّى إلى مقتل 39 شخصاً وإصابة العشرات.

الدولة التركية تدرك أنّ التنظيمات الإسلاموية على تطرفها تملك في باطنها العداء للعرقية الكردية

توعّدت تركيا، على لسان المتحدث باسم الحكومة، نعمان كورتولموش، بملاحقة التنظيم، الذي سارع بتبنّي تلك العمليات.
وجاء في البيان الذي استخدمه داعش: "هذه العملية تأتي استمراراً للعمليات المباركة ضدّ تركيا "حامية الصليب""، كما جاء ردّ كورتلموش: "يجب أن نرد على تلك الرسالة بالقول: سوف نقتحم كهوفكم الخاصة أينما كنتم".
منذ تشكل تنظيم التوحيد والجهاد، النواة الأولى لتنظيم داعش في العراق، العام 2003، وهو لم يدخل في علاقات جدّية مع الدولة التركية، التي تتّسم علاقتها بالدولة الإيرانية بالتوتر، كون نظام أردوغان يصدر نفسه بأنّه ممثل الطائفة السنّية في العالم، منذ صراعاته الدامية مع الدولة الصفوية الشيعية.
كما أنّ الدولة التركية تدرك أنّ التنظيمات الإسلاموية، على تطرفها، تملك في باطنها العداء للعرقية الكردية، التي تصفها في خطابها بـ"الإلحاد"، وبأنّها موظفة من إسرائيل، لتقطيع أوصال الدول ذات الصلة بها.

اقرأ أيضاً: هل بدأ العد التنازلي لسلطة أروغان في حكم تركيا؟ ‎
غير أنّ التوتر طغى على العلاقة التركية الداعشية، بعد إعلان أبو بكر البغدادي الخلافة، وهو الأسلوب الذي يرفضه نظام أردوغان، كونه يصدّر نفسه ونظامه للعالم الإسلامي بأنّه يملك مشروعاً يصلح لإعادة منظمة الخلافة، بشكل حديث، يختلف في جوهره عن ذاك النمط السلفي الذي عمل داعش على فرضه.
كما أنّ داعش كان قد تجاوز الخطوط الحمراء، بالانفراد برأيه، وانخراطه في مقاتلة الفصائل السورية المسلحة، التي تعمل ضدّ النظام السوري والفصائل الكردية، وتحظى بدعم وحماية الدولة التركية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية