تركيا 2020: إلى أين تتجه سياسة أردوغان بمستقبل البلاد؟

بانوراما 2019

تركيا 2020: إلى أين تتجه سياسة أردوغان بمستقبل البلاد؟


28/12/2019

شهدت تركيا خلال العام 2019، أحداثاً داخلية وخارجية عديدة، خطها وصنعها اللاعبون الأساسيون في سياسة البلاد، على رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان، وحزبه العدالة والتنمية؛ حيث مرت أنقرة بمنعرجات سياسية واقتصادية متشعبة، لم تقدها إلى الأفضل في معظم الأحوال.

اقرأ أيضاً: هل باتت تركيا دولة مارقة في عهد أردوغان؟

وقد رأى خبراء ومتخصصون، استطلعت "حفريات" آراءهم، أنّ علاقة أنقرة مع محيطها العربي والأوروبي ربما تقودها إلى عزلة محتملة العام المقبل، فضلاً عن إرهاصات داخلية قد تتكلل بتراجع حزب العدالة والتنمية، وتفككه أكثر شعبياً وسياسياً، فما هي أبرز أحداث العام 2019، التي قادت تركيا إلى هذه السيناريوهات المحتملة في 2020؟

العبث في المحيط الإقليمي
منذ العام 2016، لم تتوقف سلسلة الاعتداءات التركية شمال سوريا، وقد تمثلت قمة تلك الاعتداءات في العام 2019، من خلال الهجوم الواسع على الشمال السوري في تشرين الأول (أكتوبر) 2019 تحت اسم عملية (نبع السلام) والذي أسفر عن خسائر مادية وبشرية وتهجير للعديد من سكان المنطقة، تحت غطاء محاربة وحدات حماية الشعب الكردي؛ حيث امتدت الاعتداءات من منطقة عفرين الشمالية، وحتى تل أبيض ورأس العين.

اقرأ أيضاً: لعبة استخباراتية معقّدة تشعل صفقة الصواريخ الروسية لتركيا
وقد تسببت تركيا في نزع الاستقرار من مساحة واسعة في شمال سوريا، على عكس روايتها عن صنع منطقة آمنة هناك، وشهد الشهران الماضيان عمليات انتقامية وقتل لعدد من السياسيين الأكراد والناشطين لمجرد رفضهم هذا الاعتداء كما في حالة هفرين خلف، التي أوقفت كسياسية مدنية وأعدمت ميدانياً ومُثّل بجثتها.

علاقة أنقرة مع محيطها العربي والأوروبي ربما تقودها إلى عزلة محتملة العام المقبل

وفي هذا السياق، يقول الخبير والباحث في الشؤون الكردية بدرخان علي إنّ "احتلال عفرين، ومن ثم أجزاء واسعة أخرى في شمال سوريا، شكّل دعماً لانتخاب أردوغان رئيساً لتركيا في السابق، ومن ثم بقائه في السلطة، وأنّ نظام تركيا الحالي، تشكل حول أردوغان من تحالف حزب العدالة والتنمية (AKP) القومي والإسلامي المحافظ، الذي يتزعمه أردوغان، مع حزب الحركة القومية الأم (MHP) المتطرف الذي يقوده دولت بهجلي"، مما يعني أنّ ما يحصل من اعتداءات على شمال سوريا، ضد الأكراد السوريين، وضد سوريا، "يندرج تحت شقين؛ أحدهما سياسي، والآخر داخلي إعلامي".
ويؤكد بدرخان في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ "أنقرة تستمر بالتجييش الداخلي حول "خطر الإرهاب" المزعوم و"التهديد الإرهابي" الوشيك للأمن القومي التركي، وبالتالي استكمال الحروب ضد الأكراد في داخل تركيا وخارجها في الواقع".

مناطق باللون الأحمر احتلتها تركيا من سوريا وسط اداعاءاتها محاربة الإرهاب

وبسؤاله عما يتوقعه من سياسة تركية تجاه الأكراد في 2020، أجاب أنّ "تركيا بموقعها الجيوسياسي تحوز على أهمية خاصة في الشرق الأوسط وشرق المتوسط، ولذا فإنّ الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الروسي يتصارعان على كسبها، مما سيسمح لها بالمناورة، وربما لن تنتهي اعتداءاتها بخصوص سوريا الجريحة والمنهكة، ما لم يحصل انهيار أو تفكك للنظام لأسباب اقتصادية، وهذا مستبعد".

اقرأ أيضاً: تركيا تتدخّل في ليبيا من أجل الغاز.. و"الإخوان"
وفيما إذا كانت هذه الاعتداءات التركية مرشحة للانتهاء الفترة المقبلة، رأى الأكاديمي والاقتصادي السوري والعميد السابق في جامعة الدول العربية، الدكتور مهيب صالحة أنّ "الوضع الداخلي التركي المأزوم قد يضعف سلطة حكومة العدالة والتنمية، وربما تهزم السلطة في أية انتخابات مقبلة مثلما هزمت في انتخابات بلدية اسطنبول خلال حزيران (يونيو) الماضي".

بدرخان علي: عمليات تركية إجرامية جرت ضد المدنيين الأكراد وسط تهجير ديموغرافي متعمد

وأوضح صالحة لـ "حفريات" أنّه "لفهم ما ستؤول إليه السياسة التركية، يجب فهم أنّها تعتمد على مواقف أردوغان الإمبراطورية، التي بدأت بتحويل النظام السياسي للجمهورية التركية العلمانية الديمقراطية من برلماني إلى جمهوري يعطي للرئيس صلاحيات واسعة. ولأنّ سوريا بنظر تركيا، كانت على الدوام، بوابتها الجنوبية إلى المشرق العربي، لم يكتفِ أردوغان بالتدخل في سوريا ودعم الميليشيات الإسلامية المعارضة، إنما يتدخل في الخلاف السعودي القطري وفي كل من مصر وليبيا بمناصرة ودعم الإخوان المسلمين ومن لفّ لفيفهم من الإسلام السياسي. كما أنّه لا يخفي مطامعه في هذه الدول ومشروعه الإخواني فيها".

بدرخان: احتلال عفرين وأجزاء من شمال سوريا جاء في سياق حملة إعلامية لتدعيم سلطة أردوغان

وكان صالحة أشار في معرض حديثه أيضاً، إلى أنّ "أردوغان يلعب على القضية السورية خدمةً لمصالح تركية بحتة، فقد كذب بكل خطوطه الحمر وادعاءاته مساندة حقوق الشعب السوري، وتشارك مع روسيا وإيران في أخذ المفاوضات السياسية بين الحكومة والمعارضة من مساق جنيف الأممي إلى مساق أستانا.. وقد جاء العدوان التركي على شمال شرق سوريا بهدف إقامة منطقة آمنة لتوطين اللاجئين السوريين فيها، وإجراء تغييرات ديمغرافية على حساب السكان الأصليين هناك، ليفضح ويعزّز رغبة تركيا ومعها دول أخرى في تقسيم سورية إلى كيانات أو محاصصات".
واتفق كل من صالحة وبدرخان، أنّه "ليس من الوارد أن توقف الحكومة التركية هجومها العسكري والسياسي والإعلامي على سوريا وكُرد سوريا، رغم الأزمات الداخلية التي تمرّ بها سلطة أردوغان والنظام الاقتصادي المالي التركي؛ إذ إنّ مشروع احتلال تركيا لشمال سوريا بالكامل لم يتحقق بعد بالنسبة لأنقرة".

أكد مهيب صالحة أنّ تركيا كذبت بشأن كل الخطوط الحمر عن حمايتها حقوق الشعب السوري

أوروبا وليبيا ومرآة الداخل
غير بعيد عن سوريا، تدخّلت تركيا في دول عربية عديدة أخرى، من أهمها مصر، وليبيا؛ حيث شكلت الأخيرة محور المصالح والأطماع التركية في العام 2019، بعد فشل مشروع دعم جماعة الإخوان بانتهاء حكمها في العام 2013.

اقرأ أيضاً: من هم رجال تركيا في سوريا؟
وحول هذا الموضوع، يؤكد المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات ومدير تحرير مجلة "آفاق سياسية" الدكتور هاني سليمان أنّ "تركيا تستخدم سياسة استعلائية مستمدة من ماضٍ إمبراطوري استعاده أردوغان إعلامياً، وبدت آثاره في سوريا، وليبيا خصوصاً، خلال العام 2019؛ حيث تتدخل تركيا في ليبيا، وفق مصالحها السياسية، والمصالح هي لبّ السياسة، غير أنّ تركيا لا تحسب أي حساب لأقل نسبة من المبادئ العالمية لتدخلات الدول، والالتزامات الأخلاقية التي يمكن أن تكون ضرورية في سياق علاقاتها مع الخارج".

صالحة: العدوان التركي كشف رغبة أنقرة ومعها دول أخرى في تقسيم سوريا إلى كيانات أو محاصصات

وبسؤاله عن سعيها إلى الاستقرار في الإقليم الذي تكرره تركيا في خطابها، رد سليمان بالقول "هناك شقان، خارجي وداخلي، فخارجياً، تدخلت تركيا سياسياً وعملياً في ليبيا مثلاً، لأكثر من مرة على امتداد العام 2019، وكان آخر ذلك اتفاق التعاون العسكري الذي عقد مؤخراً مع رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبي فايز السراج، الذي يشكل اتساعاً مستقبلياً في الفجوة الليبية التي تبتلع أي احتمالاتٍ للأمن والاستقرار".
وأشار سليمان إلى أنّه يجب الانتباه إلى السياسة الداخلية التركية، خصوصاً بعد محاولة الانقلاب على نظام أردوغان في العام 2016، إذ "قلت الحريات الداخلية شعبياً وإعلامياً، كما أنّ المعارضة قمعت، ونُحّي العديد من الأشخاص من مناصبهم وأعمالهم، أما الاقتصاد التركي، فتعرض إلى هزاتٍ عديدة بسبب سياسات أردوغان الاقتصادية التي حققت أرباحاً مؤقتة على حساب التنمية المستدامة".

هاني سليمان: سياسات تركيا الداخلية والخارجية ستقودها إلى عزلة مستقبلاً

وقد شدّد سليمان، أنّ سياسة أردوغان تجاه أوروبا، محفوفة بالمخاطر أيضاً؛ حيث إنّه "يلوح بورقة اللاجئين كتهديد، بل إنّ سياسته تجاه أوروبا تقوم على التهديد، مما يخفض جودة علاقات بلاده الاقتصادية مع أوروبا، أما جيرانه كقبرص واليونان، فهو في خلاف دائم معهم بسبب الأطماع الزائدة في حقوق التنقيب عن الغاز، وهو ما يحصل تجاه مصر كذلك، وليبيا، حيث إنّ مصالح تركيا هناك تفوق كل حسابات أخرى".

اقرأ أيضاً: أردوغان يقود تركيا بعقلية الغطرسة الاستعمارية: سلطان أم قرصان؟
وقد اتفق كل من صالحة وبدرخان وسليمان، أنّ ما حصل خلال الشهرين الأخيرين من العام 2019، من انقسامات داخلية في حزب العدالة والتنمية، وظهور قوى متضاربة داخل تركيا، وهزات اقتصادية متزايدة، إضافة إلى سياسات الاستعلاء والتهديد وتجاهل مصالح الآخرين، لن تعني بالضرورة تراجع تركيا عن اعتداءاتها على الأراضي السورية والأكراد، لكنها في المقابل، ستعرض تركيا لعزلة أكبر على المدى البعيد، وللتراجع والانكماش، في ظل تغيرات داخلية قادمة، وأوضاع أكثر تعقيداً في سوريا والخارج خلال العام 2020.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية