تصدّع "العدالة والتنمية": خريف ساخن يهدد مستقبل "أردوغان"

تركيا

تصدّع "العدالة والتنمية": خريف ساخن يهدد مستقبل "أردوغان"


08/09/2019

تتواتر سلسلة من الأزمات التي تعيق مسيرة حزب العدالة والتنمية، الحاكم في تركيا، والتي تهدد مستقبله السياسي، على إثر الانشقاقات التي وقعت في صفوفه، وذلك بعد هجرة ثلاثة رموز من قياداته التاريخية؛ وهم سعد الدين أرجين، وبشير أطالاي، ونهاد أرجون، الذين سبق لهم أن تولوا حقائب وزارية مهمة، في حكومة رجب طيب أردوغان، بينما تفصح تلك الأزمة عن تصدع وشرخ كبيرين في الرؤى والأهداف، التي بدأت تكشف عن نفسها، فيما يتصل بإدارة الرئيس التركي للعديد من الملفات المحلية؛ كالأزمة الاقتصادية، وتدهور الليرة، ورغبته في الاستحواذ على السلطة، وكذا، دوره السلبي في القضايا الإقليمية، وهو ما ظهر بوضوح في تهديد داوود أوغلو لأردوغان بفضح دوره في "دعم الإرهاب".

في ذكرى الحزب.. يحل سؤال التجديد
وبعد أيام قليلة، من الذكرى الثامنة عشرة على تأسيس حزب العدالة والتنمية التركي، خرجت الأزمة الداخلية للحزب إلى العلن، وتحولت إلى مادة إعلامية صاخبة، في الصحف المحلية والأجنبية، التي بدأت تحلل وتتعقب ما وراء الكواليس، وتبحث في المسكوت عنه والخفي بين تصريحات الرفاق الذين تحولوا إلى خصوم، ووصلوا إلى نقطة اللاعودة، في خريف ساخن، وقد بلغت حد التراشق اللفظي، وتبادل الاتهامات العنيفة بين الجانبين.

رئيس الوزراء السابق داوود أوغلو: الكثير من دفاتر الإرهاب إذا فتحت لن يستطيع أصحابها النظر في وجوه الناس

وتمهد الأطراف المنشقة إلى تكوين حزب جديد، الأمر الذي يخصم من رصيد حزب السلطة، خاصة في ظل الأزمات التي تطوقه، وتؤدي إلى تآكل شرعيته، وانخفاض أسهمه السياسية، التي تجلت في الانتخابات المحلية للبلديات؛ حيث كشفت نتائج الانتخابات، التي أجريت في الأسبوع الأخير من شهر حزيران (يونيو) العام الحالي، تراجعاً حاداً في جماهيرية حزب العدالة والتنمية، تسببت في خسارة مرشحيه، وفوز المعارضة بقيادة حزب الشعب الجمهوري وتحالف الأمة؛ حيث حظيا بالعديد من أصوات المدن الكبرى، ومن بينها؛ أنقرة، وأزمير، واسطنبول، والأخيرة تمثل أهمية بالغة لدى أردوغان من ناحيتين؛ سياسية وشخصية، ويتصل بفقدانها أهمية معنوية له، إلى جانب الاعتبارات السياسية؛ فمن ناحية، تعد تلك، المرة الأولى، التي يفقد الحزب بلدية إسطنبول، منذ وصوله للحكم في العام 2002، بفارق 806 آلاف صوت، كما أنّها البلدية التي ترأسها أردوغان، في عقد التسعينيات، وحقق من خلالها نجاحه السياسي، ونفوذه بعد ذلك، فيما تحوز أهمية سياسية واقتصادية كبيرة، لكنه أخفق في استعادتها من يد المعارضة، رغم الطعون والضغوط التي حاول من خلالها انتزاع البلدية.

خرجت الأزمة الداخلية للحزب إلى العلن

خسارة فادحة
تلفت مؤشرات عديدة، إلى تراجع دور الحزب وتأثيره في المدن التركية المهمة، بل إنّ الانتخابات البلدية نزعت الغطاء الرقيق عن وجه الفساد والقمع اللذين يمارسهما أردوغان، في سبيل تعزيز مكانته وشرعيته السياسية؛ حيث تحولت انتخابات الإعادة لرئاسة بلدية إسطنبول، من مجرد تنافس على منصب رئيس البلدية، إلى معركة لإنقاذ الديمقراطية في تركيا من ممارسات حزب العدالة والتنمية والرئيس "أردوغان"، حسبما يشير مركز دراسات المستقبل، وذلك بعد الضغوط التي مارسوها على اللجنة العليا للانتخابات؛ لإلغاء فوز مرشح المعارضة "إمام أوغلو"، وهو ما أثار استياءً كبيراً لدى الناخبين الأتراك، الذين اعتبروا القرار تهديداً للمسار الديمقراطي في تركيا، وأنّ التصويت لصالح مرشح المعارضة، هو إنقاذ للديمقراطية التركية، وتعبير عن رفضهم لقرار إعادة الانتخابات، وقد نجحت المعارضة في تحويل المعركة الانتخابية في هذا الاتجاه.

اقرأ أيضاً: هل يفجر داود أوغلو "دفاتر الإرهاب" في وجه أردوغان
وحول سؤال مستقبل النظام والحزب السياسي في تركيا، فإنّ نتائج انتخابات إسطنبول، ستكون أرضاً قوية وصلبة لتعزيز نفوذ المعارضة، وترجيح كفتها، كما يوضح الباحث المصري، عمر حازم لـ "حفريات": "سيكون بمقدور المعارضة مواجهة ومنافسة حزب أردوغان في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، بعدما استطاعت توحيد صفوفها، وكبدت حزب العدالة خسارة فادحة، لم تقع منذ سنوات، وللمرة الأولى، فإنّ إسطنبول تعد قاعدة مهمة من عدة نواحٍ؛ سياسية واقتصادية وثقافية، وتحوز أهمية كبرى يمكن الانطلاق منها لتكون قاعدة سياسية أوسع، يترتب عليها تغيير نموذج الحكم، والسياسات المحلية والخارجية، لو اتبعت قوى المعارضة نفس الإستراتيجية، وتمكنت من لملمة شتاتها، كما حدث في "تحالف الأمة"، واستثمار الصوت الانتخابي للأكراد، بعدما أخفق أردوغان وخطابه السياسي في استمالتهم".

إسطنبول في يد المعارضة
يتفق وتلك الفرضية الأخيرة الباحث في الشؤون التركية، عبد اللطيف حجازي، في دراسته المنشورة بعنوان: "كيف تهدد خسارة رئاسة إسطنبول مستقبل نظام أردوغان؟، إذ يشير إلى أنّ "حكم تركيا يبدأ من البلديات"، فقد أصبحت المعارضة، برئاستها بلدية إسطنبول وغيرها من البلديات الكبرى التي انتزعتها من حزب العدالة والتنمية، في الانتخابات المحلية التي أجريت في آذار (مارس) الماضي، أمام اختبار حقيقي لإثبات أنّها قادرة على أن تكون بديلاً لحزب العدالة والتنمية، وقيادة تركيا في المستقبل، ناهيك عن الاستعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر إجراؤها في عام 2023، وذلك عبر تنفيذ برامجها وتقديم مزيد من الخدمات للمواطنين، وتحقيق إنجازات في البلديات التي تديرها، وفي حال فشلها في ذلك فسيكون من السهل على حزب العدالة والتنمية استعادة زمام المبادرة مرة أخرى.

اقرأ أيضاً: بثينة شعبان في خان شيخون.. وأردوغان يشارك بوتين الآيس كريم!
وفي سياق الاتهامات المتبادلة بين أردوغان وداوود أوغلو، قال الأخير "إنّ الكثير من دفاتر الإرهاب إذا فتحت لن يستطيع أصحابها النظر في وجوه الناس"، وأوضح أنّ الفترة من الأول من حزيران (يونيو) حتى الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2015، تعد أخطر وأصعب الفترات السياسية في تاريخ تركيا، دون أن يفصح عن كنه حديثه، ومدلولاته، أو تفاصيل ما جرى في تلك الفترة، كشاهد يقدم روايته عن وقائع وأحداث عاينها. بيد أنّ الرئيس التركي، لم يتردد في وصفه بـ "الخيانة"، والعمل مع قوى خارجية لإسقاطه.
اختبار الديمقراطية
تعود بدايات الخلاف، تحديداً بين الرئيس التركي وداود أوغلو، إلى العام 2016، حين كان يحتل أوغلو منصب رئيس الوزراء، بين عامي 2014 و2016، قبل أن يحل مكانه بن علي يلدريم، على خلفية انتقاد أوغلو أداءَ وممارسات أردوغان في الحكم، والأزمة الاقتصادية، وهزيمة الحزب في الانتخابات المحلية، فيما اعتبر أوغلو أنّ ممارسات أردوغان السلطوية تهدد مستقبل ومسيرة الحزب السياسي، بالإضافة إلى الحزب باعتباره كياناً سياسياً.

توقعات بأن يكون بمقدور المعارضة التركية مواجهة ومنافسة حزب أردوغان في الاستحقاقات الانتخابية القادمة بعدما استطاعت توحيد صفوفها

وعليه، ألمح علي باباجان، القيادي بالحزب، ونائب رئيس الوزراء السابق، إلى تشكيل حزب جديد، وهو الأمر ذاته، الذي كشف عنه آخرون، فيما يبدو أنّه توجه يتسلل بين المنشقين لمنافسة أردوغان، وملء الفراغ الذي تركه إرثه السياسي، وما ترتب عليه من أزمات وضعف على مستوى بنية وهياكل التنظيم، وانعكاساته على الشارع التركي وعزوف الجماهير عنه.
ومن جهته، قال باباجان في ما يخص تدشينه حزباً سياسياً جديداً: "من المؤسف أنّه ليس من الممكن لي أن استمر في العضوية التأسيسية لحزب العدالة والتنمية، واعتباراً من اليوم قدمت استقالتي في مقر الحزب".
وأردف في بيان أصدره قبل أيام: "واجهت تركيا اختباراً جديداً، لقد تغير العالم بسرعة، وفي بلدنا لدينا أجيال جديدة لها مستقبل حيوي يحلم بغد مشرق، ولديها توقعات مختلفة تماماً، هناك حاجة لرؤية مستقبلية جديدة لتركيا، تتطلب من بلدنا تحليلات صحيحة وإستراتيجيات وخططاً وبرامج لإعادة التفكير في كل مجال".

اقرأ أيضاً: عندما يصرخ أوغلو في وجه أردوغان!
وبحسب دراسة، أصدرها المركز العربي للبحوث والدراسات، ومقره القاهرة، فإنّ الانقسامات الداخلية التي يعاني منها حزب العدالة والتنمية، تعكس حالة التشرذم الداخلي، خاصة من جانب العديد من الرموز السياسية مثل؛ أحمد داوود أوغلو، وعبدالله جول، وعلي باباجان، وأنّ تأثيراتها تبدو مباشرة على مستقبل الحزب، فيما يتعلق بتماسكه الداخلي أو مسار علاقاته مع المعارضة، وكذا، مساره الخارجي، الأمر الذي ظهر بصورة كبيرة مع نتائج ومؤشرات كافة الاستحقاقات الانتخابية التي أجريت بعد حزيران (يونيو) 2016، وحادثة الانقلاب الفاشل.
بيد أنّ الأزمات الأخيرة التي تعرض لها حزب أردوغان، سواء في تراجع الشعبية، أو صعود نجم المعارضة التركية، وحدوث الانقسامات الداخلية، التي يشهدها الحزب، قد ألقت الضوء من جديد حول مسار الحزب، بل ومسار مستقبل الإسلام السياسي، وجدلية الصعود الإسلامي الجديد في تركيا، حسبما يوضح المركز.

اقرأ أيضاً: أزمة شرق المتوسط.. أردوغان يسير بتركيا إلى أخطر مواجهة
كما أنّ ثمة دينامية خاصة نتجت عن حالة تغيير النظام، عقب تأسيس الجمهورية التركية، مروراً بسياسات الحزب نحو تغيير النظام السياسي من برلماني إلى نظام رئاسي، ترتب عليها تأميم الحياة السياسية التركية، والمجال العام، والاعتقال الممنهج للمعارضة، خاصة بعد محاولات الانقلاب الفاشلة، في العام 2016، وهو ما يضع مسار الحزب داخلياً وخارجياً بين رهانين، إما القبول بنتائج هذه المرحلة، وما ستفرضه الوقائع السياسية الجديدة من استحقاقات عديدة، والتي ستنعكس، بصورة كبيرة، نحو القبول المشروط، أو التغير الجذري في سياسات "العدالة والتنمية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية