تصعيد إدلب.. هل يتطور إلى مواجهة سورية تركية؟

سوريا

تصعيد إدلب.. هل يتطور إلى مواجهة سورية تركية؟


06/05/2019

منذ مطلع شهر  أيار (مايو) الجاري، يشهد شمال سوريا تطورات مختلفة، بدأت في الثاني من هذا الشهر، بتوجيه سوريا رسالةً شديدة اللهجة إلى تركيا، مفادها أنّها تريد استعادة كل أراضيها، ولن تقبل بأي سيطرة تركية على أي شبر منها، ولم يمر يومان على هذه الرسالة، حتى حشد الجيش السوري قواته قرب إدلب.

اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة تكثف الجماعات الإرهابية بريف إدلب نشاطاتها
الحشد تجاه إدلب، بدأ بنشاط عسكري لافت في الرابع من الشهر الجاري، حيث قالت وكالة "الأناضول" التركية الرسمية إنّ "قوات نظام بشار الأسد" وجهت ضربة طالت موقعاً قرب نقطة مراقبة للجيش التركي، والواقعة جنوب محافظة إدلب. فهل بدأ المد السوري تجاه معركة جديدة في إدلب؟ ربما هدفها البعيد ليس إنهاء آخر تجمع لقوات المعارضة المسلحة، بقدر ما هو إخراج لتركيا من المعادلة السورية على الأرض.

نذر المعركة

توصف إدلب الواقعة في شمال سوريا، بأنّها منطقة التجمع الأخيرة لما يسمى قوات المعارضة المسلحة في سوريا، وتتكون تلك القوات من جماعاتٍ لا تتفق فيما بينها؛ فبعضها "جهادي" وغيرها إسلاموي أو وطني، حيث تعد كل منها نفسها جماعة منفصلة، غير معنية أيديولوجياً وواقعياً بالفصائل الأخرى، وتحمل أسماء مختلفة، فمنها "جيش البادية، وجيش الملاحم، وهما فصيلان يتبعان تنظيم القاعدة، فيما تأتي هيئة تحرير الشام، وهي  ليست سوى اسم آخر لجبهة النصرة"، إضافةً إلى الحزب التركستاني الإسلامي وبقايا من قوات الجيش الحر السوري، وحوالي 30 فصيلاً آخر، وفقاً لتقرير نشرته "بي بي سي " في 16 كانون الثاني (ديسمبر) 2018. وتعد هذه الفصائل مفككة، ولا تقبل وجود نقاطٍ مشتركةٍ بينها بحسب التقرير ذاته.

توصف إدلب بأنّها منطقة التجمع الأخيرة لما يسمى قوات المعارضة المسلحة في سوريا

إدلب، القريبة كذلك من الحدود التركية السورية، تم عدها في العديد من المرات، ورقة سياسية بيد أنقرة، في المفاوضات التي تخوضها مع الجانب السوري بعد العام 2017، بخصوص الأراضي التي تقع تحت السيطرة التركية في الشمال من حلب (عفرين) والتي تزعم تركيا أنّها مجرد جبهة متقدمة لمحاربة "الإرهاب"، خصوصاً الكردي منه. كما تكرر تركيا القول إنّها تتخوف من موجة نزوح كبيرة تجاه أراضيها من قبل سكان إدلب الذين يفوق عددهم مليوني شخص، في حال شنّت القوات السورية حرباً ضد الفصائل في المدينة. وكان النصف الثاني من العام 2018، شهد تطبيقاً لاتفاقٍ بين روسيا وتركيا وإيران، جعل إدلب واحدةً من أربع مناطق في سوريا، ضمن دائرة خفض التصعيد العسكري.

خريطة تبين توزع القوات السورية والفصائل في إدلب ومحيطها منذ 2018

اتفاق خفض التصعيد، سمح لتركيا بنشر العديد من النقاط العسكرية للمراقبة على الأرض حول إدلب، فيما بقيت روسيا مسيطرةً على المجال الجوي لإدلب وما حولها. وتنظر تركيا إلى إدلب على أنّها جبهة متقدمة للدفاع عن حدودها ضد الأكراد، وفي عمق السياسة التركية، يشكل سقوط إدلب بالنسبة لأنقرة، احتمالية كبيرة، لبسط القوات الكردية والأكراد سيطرتهم على مساحة أوسع في شمال سوريا، وهو ما يمثل برأي الأتراك (إرهاباً) يهدد توازن الصراع التركي الكردي، وبالتالي انخفاض نفوذ تركيا المحتمل مستقبلياً على حدودها الجنوبية مع سوريا، وربما عفرين لاحقاً. مما يجعل مصلحة أنقرة تكمن في وضع ثابت في إدلب دون حلول، وهو ما يخدم الوجود التركي هناك.

اقرأ أيضاً: هل تضغط تركيا على روسيا عبر استثمار ورقة "جبهة النصرة" في إدلب؟
نذر المعركة الأوسع بدأت، منذ إعلان الجيش السوري إطلاق عملياتٍ عسكريةٍ مكثفة في مناطق محيطةٍ بريف حماة وإدلب وفق وكالة "سانا" السورية، استهدفت بالتحديد قوات جبهة النصرة وأسلحتها مما ينذر بالتحضير لمعركة أكبر، تنهي الدور التركي في إدلب، وتمهد لمرحلة قادمة، ربما تتمثل في مواجهة ضد تركيا في عفرين.

الجيش السوري يستعد لمعركة طرد الإرهابيين والمحتلين على حد قوله

التوجهات القادمة
في تقريرٍ لوكالة "سبوتنيك" بتاريخ 5 أيار (مايو) الجاري، فإن رؤيةً تتمثل "بالحرب، هي الرؤية المحتملة، في حال لم تعقل تركيا". بهذه العبارات تم تتويج التقرير، الذي ينوه إلى أنّ سوريا توجه رسالةً شديدة اللهجة إلى تركيا، مفادها تطهير البلاد من الإرهابيين مهما كلّف الثمن، وبالتالي من المحتلين.

يبدو أنّ تركيا معنيةً بتحديد مناطق جغرافية سورية وكسبها عسكرياً وسياسياً وإعادة ترتيبها وفق مصالحها

أما العلاقة بين تركيا والفصائل الإرهابية، فهي بحسب التقرير "تتمثل في استغاثات المقاتلين بالقوات التركية بعد شن الجيش السوري هجوماً عليها، وقيام القوات التركية بمحاولة سحب الجرحى من هذه الفصائل ومساعدتهم" مما أدّى إلى إصابة جنودٍ أتراك خلال القصف. وهذا إن كان صحيحاً، فيشير سياسياً إلى رغبة تركيا في بقاء الوضع في إدلب على ما هو عليه، لأنّها تشكل جبهةً متقدمة، وورقةً، للدفاع عن مصالحها، في إبقاء موطئ قدمٍ لها على الأراضي السورية، رغم ما يمثله ذلك من احتلالٍ صريح، لا يبرره الوضع على الأرض السورية أياً كان.

اتهامات سورية لأنقرة بدعم مقاتلين من الفصائل في إدلب

وعلى أرض الواقع، لا يمكن إغفال الأسلوب التركي في التعامل مع المسألة السورية؛ إذ تسيطر أنقرة على أراض واسعةٍ شمال محافظة حلب جراء عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" اللتين نفذتهما بالتعاون مع (الجيش السوري الحر) المعارض لدمشق، بذريعة مكافحة تنظيم داعش الإرهابي، ووحدات حماية الشعب الكردية التي تعدها أنقرة جماعةً إرهابية. لكنها، وحين يأتي الحديث عن الوضع الإنساني المعقد والصعب لسكان إدلب، وللعديد من المناطق شمال حلب، وعدم الاستقرار في عفرين. فيبدو جلياً، أنّ تركيا معنية بتحديد مناطق جغرافية، وكسبها عسكرياً وسياسياً، وإعادة ترتيبها بما يمثل مصالح تركيا، دون الاهتمام ببعدها الديموغرافي في الأساس، ولا كونها أرضاً سوريةً محتلةً في النهاية.

اقرأ أيضاً: المجموعات الإسلامية المسلحة في إدلب…نمر من ورق
من ناحيةٍ أخرى. تكمن أهمية إدلب بالنسبة لأنقرة، في وجود فصائل مسلحة، تمنع أي وجود عسكري سوري قوي في الشمال ربما، ليحد من هذه السياسة التركية. رغم أنّ التحركات السورية العسكرية، ربما تكون مدعومة، روسياً وإيرانياً، على حد قول الدبلوماسية التركية وغيرها، فكيف إذن يتم تبرير الوجود التركي على أرض سوريا؟ وهو الذي لا يمكن عده سوى طرفٍ آخر، في مستنقع الدماء والحرب، الذي ربما تعيده إدلب إلى الأذهان، بمعركة كبيرة قادمة، لا يمكن التكهّن تماماً بنتائجها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية