تعظيم المكاسب.. كيف يستفيد حزب الله من أزمة كورونا؟

تعظيم المكاسب.. كيف يستفيد حزب الله من أزمة كورونا؟


02/06/2020

محمد محمود

مر حزب الله بمرحلتي ميلاد، الاولى كانت عام 1982 مع الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، حيث ذاع صيته بين الشعوب العربية التي ظنت حينها أنه فصيل مقاوم. ويمكن القول إن ميلاده الثاني كان عام 2006، بعد حرب لبنان الثانية. إلا أن مرحلة الميلاد الثانية كان لها بُعد اقتصادي والتي قام الباحث السياسي “جوزيف ضاهر” بتوضيحها في كتابه “حزب الله: الاقتصاد السياسي لحزب الله في لبنان“، حيث يتحدث ضاهر عن الروابط الاقتصادية التي ربطت الحزب بالطبقة الرأسمالية الشيعية، التي صعدت في الثمانينات والتسعينيات، عبر استثمارات ما بعد الحرب، حيث الدعم الكبير الذي تلقته لبنان من التحويلات المالية من المهاجرين الشيعة الناجين، وأيضاً من تعويضات ما بعد الحرب. وهو ما تكرر بعد حرب 2006، حيث استفاد المستثمرون المرتبطون بحزب الله من معونات حكومية كبيرة لإعادة الإعمار الاجتماعي، وقد أدى ذلك إلى بدء دورة فعّالة من الاستثمار والإقراض والتجارة الذي رفع عشرات الآلاف من المنتمين إلى حزب الله إلى صفوف الطبقة المتوسطة والعليا.([1])

وحين امتلك حزب الله الأداة العسكرية والاقتصادية، نجح في اختراق عالم السياسة، ليكون جزءً أصيلاً من معادلة الحكم خلال السنوات الماضية. ومن ذلك الحين، صار حزب الله –رسمياً- جزءً من مشكلات الحكم في لبنان، وهي مشكلات مترسخة في بنية الحكم والهياكل السياسية هناك، وهو الأمر الذي أثّر على شعبيته سلباً.

ولكن الطامة الكبرى جاءت في أعقاب اندلاع ثورات الربيع العربي، عندما أصبح حزب الله فاعلاً في الأزمة السورية المتعثرة، حيث فقد الحزب 1300 جندي وجلب التدخل العديد من الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية للبنان، وقد ترتب على ذلك أن تشكل تيار رفض للحزب في الداخل اللبناني.([2])

ثم دخل الاقتصاد اللبناني في نفق مُظلم، حيث ارتفعت نسب البطالة إلى 40%، وتراجعت الليرة اللبنانية بنحو 60% في السوق الموازية، مما زاد من معدلات التضخم، ووصلت نسبة الدَيْن إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 150%.([3])

تضافرت هذه العوامل لتشكيل أكبر حركة احتجاجية شعبية في تاريخ لبنان، انطلقت في 17 أكتوبر 2019، بشعارات تهدف إلى إسقاط النظام الطائفي وتغيير الطبقة السياسية الحاكمة، وكان لحزب الله نصيب الأسد من هذه الاحتجاجات وتلك الشعارات، خاصة في ضوء استخدامه “العنف غير الرسمي” في مواجهة المحتجين.([4])

تناقضات حزب الله في مواجهة أزمة فيروس كورونا
ظهرت أول إصابة بفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد-19) في لبنان في 22 فبراير 2020، لسيدة قادمة من إيران ([5])، وحتى يوم (11 إبريل 2020) وصل إجمالي عدد الإصابات إلى 619، من بينهم 20 مُتوفي.([6]) ويبدو أن حزب الله رأى في أزمة فيروس كورونا فرصة عظيمة عليه استغلالها، لأنها من جهة أجبرت الحركة الاحتجاجية على التوقف، بعد أسابيع متواصلة من الضغط الشعبي على الحكومة الجديدة والرأي العام العالمي، ومن جهة أخرى لأنها منحته فرصة لتجميل وجهه مرة أخرى، وارتداء ثوب حامي حمى لبنان. حيث صرّح رئيس المجلس التنفيذي في الحزب “هاشم صفي الدين” نصاً، في إطار حديثه عن جهود الحزب لمواجهة أزمة كورونا: “إنها حرب حقيقية يجب أن نواجهها بعقلية المُحارب”.

وبالطبع لا يمكن فصل جهود حزب الله في مكافحة فيروس كورونا عن جهود باقي الأحزاب اللبنانية التي تسابقت بمختلف انتماءاتها الطائفية لإظهار قدرتها على تقديم يد العون في هذا الوضع الطارئ، ولاستعادة مكانتها لدى الشعب والتي تأثرت سلباً بالفعل قبل أشهر. ولكن الفارق في الإمكانات الاقتصادية واللوجستية لصالح حزب الله، جعله المتصدر الأكبر لمشهد مكافحة كورونا.([7])

وقد تمثلت خطة حزب الله في مواجهة كورونا في الآتي:

نشر 25000 فرد للتعامل مع الأزمة، بما في ذلك 1500 طبيب و3000 ممرض/ممرضة.
تخصيص إحدى مستشفيات بيروت التي يملكها الحزب لعلاج مرضى كورونا، واستئجار أربعة مستشفيات خاصة غير مُستخدَمة، وتجهيز 32 مركزاً طبياً في جميع أنحاء لبنان, ووضع خططاً لإقامة ثلاثة مستشفيات ميدانية، واستأجر فنادق لاستخدامها في الحجر الصحي.([8])
إعلان “الهيئة الصحية الإسلامية”، وهي أحد فروع حزب الله الخدماتية، التعبئة العامة في صفوفها على كافة الأراضي اللبنانية، على غرار التعبئة من الدرجة الأولى التي يتخذها الحزب في حالات الحرب، والتي تسري على كل قطاعاته ومؤسساته.([9])
حشد ما يزيد على 20 ألف عضو من منظمات صحية وأهلية لتعقيم مناطق كاملة وتثقيف الناس بشأن كيفية المحافظة على النظافة من أجل كبح تفشي الفيروس.([10])
إنفاق ما مجموعه 3.5 مليار ليرة لبنانية لمواجهة الأزمة، بما في ذلك مساعدة 16 ألف عائلة، وتلبية الحاجات الاستهلاكية للجاليات اللبنانية في مناطق الاغتراب.([11])
تبدو هذه الإجراءات من الوهلة الأولى، إجراءات محمودة وضخمة للغاية، لكي يقوم بها فصيل أو حزب سياسي داخل الدولة، ولكن أن يكون هذا الفصيل هو “حزب الله” هو أمرٌ مختلف بالكلية.

فنفوذ حزب الله داخل لبنان يتعدى فكرة الحزب أو الفصيل السياسي، بل يصفه البعض بأنه “دولة داخل الدولة”، فالبنى التحتية التي بُنيت على مدار الأعوام السابقة بمساعدة إيرانية، تضع حزب الله كجهازٍ رائد في القدرات اللوجستية ضد أزمة فيروس كورونا في كل لبنان، ومن أجل تطبيق الخطة خصّص الحزب الكثير من الموارد، التي أثبتت أن قدراته التنظيمية وموارده الكثيرة تفوق موارد أي طائفة أو جهة أخرى داخل لبنان.([12])

فقد حرص الحزب على مدار السنوات السابقة على وضع كافة الاستثمارات والمنح والإعانات التي تدخل لبنان تحت تصرفه، واستخدم مواقعه في السلطة لصالح الشركات الشيعية التي يُدعِّم أنشطتها، بمنحها إعانات وموافقات البناء والتغطية الإعلامية التفضيلية، في مقابل الدعم والولاء المطلق. فعلى سبيل المثال، قامت إحدى الشركات الخاصة ببناء سلسلة من الأماكن السياحية الدينية في جميع أنحاء جنوب لبنان، ومدرسة إسلامية يديرها حزب الله، وبرج إذاعي لمحطة إذاعة تابعة للحزب، والآن تحصل على عقود حكومية مربحة لمشاريع بناء في العراق.

ويدير الحزب سلسلة متكاملة من المؤسسات، بما في ذلك المدارس والتلفزيون والإذاعة ووسائل الإعلام المطبوعة والعيادات الصحية والصناعات السياحية والترفيهية والمساجد والبرامج الكشفية وأكثر من ذلك، فهو يقدم بطاقات تسوق مخفضة لاستخدامها في المتاجر المعتمدة (المدعومة من حزب الله)، والرعاية الصحية المُدعمة لأعضائه، ورعاية أسر القتلى في العمليات العسكرية للحزب، وما إلى ذلك.([13])

وفي ضوء ما سبق، لا يبدو أن المسئولية الاجتماعية والسياسية هي وحدها من دفعت حزب الله لإقرار إجراءاته الاستثنائية في مواجهة فيروس كورونا، إنما أراد حزب الله أن يثبت مدى قدرته على مواجهة أزمات لبنان، وأهميته تصدره –وليس مجرد تواجده- للمشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في لبنان، وكأنه سلطة تتفوق على ما عداها من سلطات رسمية أخرى.

وليس أدلّ على ذلك، من أن حزب الله حمل خلال حكومة سعد الحريري الأخيرة (يناير 2019) وحكومة حسّان دياب (يناير 2020)، حقيبة وزارة الصحة، لذلك كان المنطقي أن يقوم الحزب بإجراءاته الاستثنائية هذه في إطار عمل الحكومة، وليس بشكل بدا وأنه منفرداً.([14]) وهو الأمر الذي تأكد مع رفض الحزب إعلان حالة الطوارئ في مواجهة أزمة كورونا، واستبدلها بـ التعبئة العامة، كي لا يحكم الجيش وقائده “جوزيف عون” لبنان فعلياً، ويفقد هو سيطرته على الأمور.([15])

ومن جهة أخرى، ورغم كل الإجراءات التي أعلن عنها حزب الله، فقد تغاضى الحزب عن إجراءات أخرى كانت أكثر أولوية وتأثيراً في مكافحة فيروس كورونا. ويأتي على رأسها إغلاق مطارات البلاد أمام الرحلات الخارجية، وخاصة تلك القادمة من إيران، والتي صارت بؤرة للفيروس في منطقة الشرق الأوسط. فبإيعاز من الحزب، واصلت الحكومة اللبنانية السماح بوصول رحلات جوية من إيران حتى منتصف مارس، على الرغم من دعوات شخصيات من المجتمع المدني وبعض الأحزاب السياسية لتعليقها.

لم يقتصر الأمر على رحلات الطيران، بل استمرت أعمال التهريب عبر المعابر الحدودية اللبنانية مع سوريا البالغ عددها 115 معبراً، والتي لا يزال يتم من خلالها تهريب أعداد لا حصر لها من الأشخاص والعتاد من قبل العديد من الجهات الفاعلة، وهو ما يجعل فرص انتشار الفيروس من القادمين عبر تلك المعابر أكبر، خاصة أن القليل منهم سيسعى للاختبار أو العلاج من خلال القنوات الرسمية.([16])

ولا يبدو حزب الله مستعداً للتخلي عن تلك المعابر أو إغلاقها، فهي بمثابة القلب النابض لأنشطته في سوريا، كما أنه يتحصل من خلالها، بجانب التهرب الجمركي والضريبي للمنظومة التجارية التي تشكل الواجهة المالية له، على ما يقارب 1.5 مليار دولار سنوياً.([17])

ومن الجدير بالذكر أن أحد أسباب رفض حزب الله لانخراط أعمق من قِبل “صندوق النقد الدولي” في المؤسسات المالية اللبنانية، أنه يخشى إغلاق جميع نقاط الدخول غير القانونية بين لبنان وسوريا، مع ممارسة المزيد من السيطرة على الموانئ الجوية والبحرية في البلاد، وهي نتيجة من شأنها أن تعيق تهريب الحزب للسلع والأسلحة.([18])

وفي إطار استكمال الصورة الدعائية التي يحاول حزب الله رسمها خلال أزمة كورونا، اتجه إلى استخدام أحد أهم أوراقه القديمة، وهي مواجهة “إسرائيل”. فقد استغل انشغال الدولة العبرية بمواجهة أزمة كورونا المتفاقمة هناك بجانب الأزمات السياسية التي تُعيق تشكيل الحكومة الجديدة، ليقوم ببعض المناورات العسكرية والسياسية، التي لا ترقى لمرحلة المواجهة العسكرية. حيث أرسل الحزب في أواخر مارس طائرة مُسيّرة لتخترق الأجواء الفلسطينية المحتلة، قبل أن تُسقطها القوات الإسرائيلية، وكأنه يبعث برسالة إلى الدولة اللبنانية، مفادها إنه قادر على مواكبة الأحداث والتطورات وفرض ما يريد في معادلات السلم والحرب، وليؤكد كذلك للشعب اللبناني أنه غير غافل عن مواجهة العدو الإسرائيلي، على الرغم من الأزمات والضغوط المالية والعقوبات الاقتصادية.([19])

وقد تكرر الأمر حينما ادعى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي “أفيخاي أدرعي”، في 10 إبريل 2020، عن وجود أنشطة عسكرية لحزب الله في هضبة الجولان المحتلة، بل وزعم أن الجيش الإسرائيلي أحبط ما وصفه بـ “عملية تخريبية” للحزب بالتعاون مع جيش النظام السوري في الجولان في منتصف مارس.([20])

كيف يستغل حزب الله أزمة كورونا؟
لم يتعامل حزب الله مع أزمة فيروس كورونا على أنها منحة وفرصة لتجميل صورته واستعادة شعبيته المفقودة في لبنان فقط، ولكنه ذهب إلى أبعد من ذلك، نحو تحقيق عدد من المكاسب التي أعاقتها الحركة الاحتجاجية خلال الشهور الستة الماضية، من خلال الخطوات التالية:

- بينما يحتل فيروس كورونا الخطاب العام في لبنان، يضغط حزب الله بسرّية لفرض إرادته على مختلف القرارات السياسية والاقتصادية والقانونية القادمة. وتركز هذه الجهود على التلاعب في التعيينات القضائية والمصرفية، وحماية الحلفاء من اتهامات الفساد، وقمع السخط داخل دائرة الحزب. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الضغوط التي يمارسها الحزب من أجل تعيين شخصيات موالية له في حركة “التعيينات المالية” القادمة، والتي تشمل النواب الرئيسيين لـ “حاكم مصرف لبنان” وأعضاء “لجنة الرقابة على المصارف”. ومن الجدير بالذكر أن ضغوط حزب الله هي من أخّرت الإعلان عن هذه التعيينات إلى لحظة كتابة هذه الورقة (11 إبريل 2020) بعد أن كان من المقرر إعلانها في أواخر مارس ثم أوائل إبريل.([21])
- استغل حزب الله الأزمة الحالية للترويج للمنتجات الإيرانية في لبنان، والتي يتم جلبها معفاة من الضرائب، وبالتالي فهي رخيصة للغاية، خاصة بعد أن أطلق الحزب حملته الداعية إلى مقاطعة المنتجات الأمريكية. ومن المعلوم أن إيران تغمر السوق اللبناني بمنتجاتها. حيث بلغت صادراتها إلى لبنان خلال العام المالي 2018-2019 (من السلع غير النفطية) حوالي 41.056 طناً من بقيمة 66.43 مليون دولار، بزيادة في حجم السلع قدرها 201.98%، وبانخفاض في القيمة المالية بنسبة 25.8% عن العام المالي السابق.([22])
- النقطة المحورية في استغلال حزب الله للأزمة الراهنة، تتمثل في موارد وزارة الصحة اللبنانية. فبسبب الضغوط والعقوبات الدولية، اتجه الحزب للتخلي عن الحقائب السيادية في الحكومة اللبنانية، وطالب بالحقائب الخدمية، وتحديداً وزارة الصحة، والتي تتحكم -بعد وزارات الدفاع والتربية والداخلية- في رابع أكبر ميزانية في لبنان بقيمة 338 مليون دولار سنوياً. وبينما يتم تخصيص معظم الأموال في الوزارات الثلاث الأولى إلى الرواتب، تُمنح غالبية الأموال في وزارة الصحة إلى الجمهور مباشرةً. كما يمنح الاتحاد الأوروبي وحده ما يقرب من 88 مليون يورو سنوياً لقطاع الصحة العامة في لبنان بموجب عدة صكوك من أجل المساعدة على التعامل مع تداعيات الحرب السورية.([23])
- في ظل الأزمة الراهنة، التي تُوجه فيها أغلب التدفقات والمساعدات الخارجية المالية لدعم القطاع الصحي، يسعى حزب الله لوضع يده على هذه التدفقات، واستخدامها في دعم موقفه المالي، خاصة في ضوء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، وتقلص حجم تمويله من إيران. إضافة إلى استغلال موارد وزارة الصحة الخدمية في رعاية وتلبية احتياجات جنوده الجرحى العائدين من سوريا.([24])
الأزمة الحالية ستكون هي الفصل الأهم في صراع حزب الله مع القطاع المصرفي اللبناني، والتي ربما تمنح الحزب الفرصة لإعادة تشكيل القطاع المالي بشكل عام في لبنان.فحزب الله يخوض صراع مفتوح ضد القطاع المصرفي اللبناني بقيادة “رياض سلامة”، حاكم مصرف لبنان، وذلك منذ عام 2016، حينما أعلنت المصارف اللبنانية التزامها بتطبيق العقوبات المالية الأمريكية ضد الحزب.([25]) وقد أفصحت العديد من التقارير مؤخراً عن مشروع حزب الله القائم على استبدال دور النظام المصرفي اللبناني (بشقيه: مصرف لبنان والمصارف التجارية) بالاقتصاد النقدي، مُستغلاً الاحتجاجات الشعبية التي أبرزت عدم ثقة العامة في القطاع المصرفي، ثم أزمة كورونا الحالية (والتي تدفع الجماهير بشكل تلقائي لسحب أكبر قدر من مدخراتهم من البنوك لتأمين سلعهم الاستهلاكية والترقب لتصاعد الأزمة). ويقوم هذا المشروع على محاولة التحكم واستغلال الكتل النقدية التي صارت موجودة بين أيدي اللبنانيين مؤخراً، والتي قُدرت بحوالي 4.5 مليار دولار، بحيث يوظّفه في منظومته الاقتصادية والتجارية للتحكم بقسم من التجارة الخارجية عن طريق التهريب، وبالأسواق الداخلية عن طريق المضاربات بالبضائع السورية والعراقية والإيرانية والتركية المهربة، بما يسمح له بالتفاف واسع على العقوبات الأمريكية.([26])
- استمرار هذا الوضع –على المدى البعيد- ربما يُفضي إلى تعطيل نسبي للنظام المصرفي اللبناني، ومن ثَمَّ تعطيل العمليات التجارية التقليدية القائمة على فتح الاعتمادات والتحويلات بهدف الاستيراد، وحينها يظهر حزب الله ليكون بديلاً عن المنظومة التجارية التقليدية المُعطلة، ويقوم بتأمين حاجات الأسواق اللبنانية من السلع الاستهلاكية، مما يمنح حزب الله المزيد من النفوذ الاقتصادي والمالي اللبناني.([27])

توصيات ختامية
يبدو واضحاً أن حزب الله يمتلك دائماً مُخططات لتعظيم نفوذه داخل لبنان، إلى الحد الذي يجعله الفاعل السياسي والاقتصادي الأول في البلاد. وغالباً ما تمنح الأزمات، التي تتخللها الفوضى، البيئة المثالية لحزب الله لتنفيذ مُخططاته، والتي حاولت هذه الورقة تفصيل الجانب الظاهر منها.

ولا شك أن نجاح حزب الله في هذه المخططات سيضع الدولة اللبنانية، وكذلك النظام العربي بأسره في أزمة حقيقية، نظراً لتأثيراته المحتملة على الملف الإيراني والسوري، ناهيك عن سيناريوهات فوضوية وغير متوقعة قد تعيشها لبنان. ولذلك قد يكون من المهم الانتباه للنقاط الآتية:

- ممارسة الضغوط السياسية على قادة لبنان ورؤساء الحكومات بضرورة عدم منح حقائب الوزارات الخدمية، وتحديداً وزارة الصحة، إلى حزب الله، ومنحه تلك الوزارات التي يسهل متابعة سلوكه المالي عبرها.
- الضغط من أجل تغيير سياسات الدعم الأمريكي المالي للجيش الوطني اللبناني، بعدما صار واضحاً وجود علاقة عميقة بين الجيش وحزب الله.
- توسيع دائرة العقوبات المالية التي تستهدف بدقة المؤسسات والأفراد الذين يساعدون حزب الله.
- ربط مساعدات المجتمع الدولي المُقدمة إلى لبنان بمكافحة أنشطة التهريب والقضاء على المعابر الحدودية غير الرسمية، وكذلك فرض برامج لمكافحة الفساد والتهرب الضريبي، والتي يمنح غيابها فرصاً مستمرة لازدهار اقتصاديات حزب الله.
- صار من الواضح أن تزويد لبنان بمساعدات مالية تستهدف القطاع الصحي، لن تصب إلا في صالح حزب الله، لذلك من المهم أن تُقدم المساعدات الإنسانية إلى لبنان في صورة أدوية وسلع استهلاكية (وليس أموال)، وأن تشرف على ذلك المنظمات الدولية العاملة بالفعل في لبنان، وليس المنظمات الحكومية أو البلديات المحلية التي يمكن أن تفيد حزب الله.([28])

عن "مركز الإنذار المبكر"


المراجع:
[1]– Anne Alexander, “Hezbollah: The political economy of Lebanon’s party of God”, Socialist Review, February 2017. URL: http://socialistreview.org.uk/421/hezbollah-political-economy-lebanon’s-party-god.

[2]– عمر حسن، “مراجعة كتاب حزب الله: الاقتصاد السياسي لحزب الله في لبنان”، المركز العربي للبحوث والدراسات، 19 مارس 2020. متاح على الرابط التالي: http://www.acrseg.org/41530.

[3]– حنين غدار، “الاستراتيجية الجديدة لحزب الله لتخطي الأزمة المالية في لبنان”، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 2 مارس 2020. متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/2VmGsIP.

[4]– سليمان كريمة، “الاقتصاد السياسي اللبناني من الطائف إلى الحراك: تحولات وتحديات”، مركز الجزيرة للدراسات، 20 مارس 2020. متاح على الرابط التالي: https://studies.aljazeera.net/ar/article/4608.

[5]– ريا شرتوني، “لبنان يتحصن من كورونا: فهل يتسلل من باب السياسة؟ (تقرير)”، وكالة الأناضول، 9 مارس 2020. متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3b1GP2h.

[6]– “Total Coronavirus Cases in Lebanon”, WorldoMeters, April 11, 2020. URL: https://www.worldometers.info/coronavirus/country/lebanon/.

[7]– إريك كينكت، “حزب الله يحاول أن يتصدر المعركة ضد كورونا في لبنان”، رويترز، 1 إبريل 2020. متاح على الرابط التالي: https://ara.reuters.com/article/idARAKBN21J5ID.

[8]– حنين غدار، “حزب الله في مأزق كورونا: فرصة لتمكين الجيش اللبناني”، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 31 مارس 2020. متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/34vunW7.

[9]– حسين سعد، “الهيئة الصحية الإسلامية أو جيش حزب الله بحرب كورونا”، صحيفة المدن اللبنانية، 26 مارس 2020. متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/2JY8ZPI.

[10]– “شاهد: حزب الله اللبناني يتجند بالآلاف في مواجهة كورونا بتطهير الضاحية الجنوبية”، يورو نيوز، 28 مارس 2020. متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/2V0mMvh.

[11]– “خطة حزب الله لمكافحة كورونا… صفي الدين: إنفاق 3.5 مليارات ليرة وتدريب 15 ألف شخص”، صحيفة النهار اللبنانية، 25 مارس 2020. متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/2y3eBp7.

[12]– “موقع إسرائيلي: حزب الله أثبت قدراته التنظيمية في مواجهة كورونا”، شبكة الميادين الإعلامية، 6 إبريل 2020. متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/2Xv8958.

[13]– عمر حسن، “مراجعة كتاب حزب الله: الاقتصاد السياسي لحزب الله في لبنان”، مرجع سبق ذكره.

[14]– كارولين عاكوم، “الأحزاب تتقاسم الوزارات في حكومة دياب”، صحيفة الشرق الأوسط، 23 يناير 2020. متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/2XtIaL2.

[15]– صفاء قره محمد، “مُخططاً للإجهاز على لبنان: حزب الله ينتقم من المصارف”، موقع دار اليوم للصحافة، 7 إبريل 2020. متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/2wvR9An.

[16]– حنين غدار، “حزب الله في مأزق كورونا: فرصة لتمكين الجيش اللبناني”، مرجع سبق ذكره.

[17]– قسم الدراسات الاقتصادية، “مشروع حزب الله للسيطرة على الاقتصاد والقطاع المصرفي اللبناني”، موقع المركزية، 23 مارس 2020. متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3ehm4RU.

[18]– حنين غدار، “الاستراتيجية الجديدة لحزب الله لتخطي الأزمة المالية في لبنان”، مرجع سبق ذكره.

[19]– منير الربيع، “حزب الله يستعرض قوته ضد كورونا ويمتحن إسرائيل”، صحيفة المدن اللبنانية، 27 مارس 2020. متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3cceUN0.

[20]– “إسرائيل تنذر النظام السوري: حزب الله ينشط في الجولان”، صحيفة المدن اللبنانية، 10 إبريل 2020. متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3cc9e5W.

[21]– حنين غدار، “حزب الله في مأزق كورونا: فرصة لتمكين الجيش اللبناني”، مرجع سبق ذكره.

[22]– “Iran’s Non-Oil Trade Volume With Lebanon Up 122%”, Financial Tribune, May 17, 2019. URL: https://bit.ly/3eeUeG3.

[23]– حنين غدار، “لماذا يريد حزب الله وزارة الصحة في لبنان؟”، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 19 أكتوبر 2018. متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/2XvKXDA.

[24]– “تحذير أمريكي لحزب الله من استغلال وزارة الصحة اللبنانية”، سكاي نيوز عربية، 1 فبراير 2019. متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3cewRuG.

[25]– صفاء قره محمد، “مُخططاً للإجهاز على لبنان: حزب الله ينتقم من المصارف”، مرجع سبق ذكره.

[26]– قسم الدراسات الاقتصادية، “مشروع حزب الله للسيطرة على الاقتصاد والقطاع المصرفي اللبناني”، مرجع سبق ذكره.

[27]– “International Financial Report: Hezbollah Controls the Foreign Exchange Rate making Nasrallah the Effective Governor of BdL”, Janoubia, March 9, 2020. URL: https://bit.ly/2y4do0X.

[28]– حنين غدار، “الاستراتيجية الجديدة لحزب الله لتخطي الأزمة المالية في لبنان”، مرجع سبق ذكره.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية