تفاقم جرائم السرقات الأدبية يدق ناقوس الخطر

تفاقم جرائم السرقات الأدبية يدق ناقوس الخطر


02/12/2018

شريف الشافعي

في ظل وضعيات شائكة وغير مقنّنة للملكية الفكرية في عالمنا العربي، تثار بين يوم وآخر إشكالات تتعلق بحقوق المؤلفين، والسرقات الأدبية، ويزداد الأمر ضبابية في حالة الترجمة، وصدور أكثر من تعريب لنص أجنبي واحد.

في خضم الثورة المعلوماتية، وإتاحة المؤلفات والمترجمات بجميع لغات العالم إلكترونيّا على الإنترنت، وإمكانية تحميلها بالمجان، تبدو حقوق الملكية الفكرية في خطر حقيقي، لا سيما في المجتمعات التي تعاني من الفوضى وضعف القوانين، والخطورة مضاعفة في حالة الأعمال المترجمة.

انتشرت بشكل كبير جرائم السرقة في مجال الترجمة، وتنوّعت صور التعدي على حقوق المترجمين والمؤلفين والناشرين، في ظل مناخ شامل غير منضبط تشريعيّا وأخلاقيّا.

تكرّرت الوقائع على نحو غير مسبوق، وآخرها الجدل الذي أثير مؤخرا حول تضمين الروائي أدهم العبودي في روايته "حارس العشق الإلهي" الصادرة عن دار المصري للنشر والتوزيع مقاطع من رباعيات جلال الدين الرومي بترجمة محمد عيد إبراهيم دون إشارة إلى المصدر، وانتهت الضجّة باعتذار العبودي والناشر، ووعدهما بتدارك ذلك "السهو" في الطبعات المقبلة.

استباحة مزدوجة
تأتي جرائم الترجمة من جانب المترجم أو من جانب الناشر، بإهدار حقوق المؤلف الأصلي، وقد تطول الجريمة حقوق مترجم أصيل معتمد، بالسطو على ما ترجمه من قبل، ووضعه في سياق ترجمة ثانية أو في إطار عمل أدبي دون الإشارة إلى جهده، وكأن النص المترجم "مشاع" للجميع.

يصف الشاعر والمترجم رفعت سـلام، صاحب ترجمات لكبار الشعراء في العالم، وأحد الذين تولوا إدارة سلاسل الترجمة بوزارة الثقافة المصرية، المشهد الراهن بأنه حالة مزدوجة من الاستباحة “استباحة المترجم للنص الأصلي، واستباحة الآخرين لحقه الأدبي في ما ترجمه”.

ويقول رفعت سلام لـ”العرب” “هي الفوضى والعشوائية، والاستهتار والاستخفاف، والافتقار إلى الأمانة، التي يرفضها المثقفون بكل حرارة في مجالات أخرى، لكنهم يمارسونها بكل حرارة أيضا في مجالهم الحيوي، ويدافعون عنها بكل شراسة”.

هكذا، تبدأ المشكلة بإهدار المترجم للمؤلّف الأصلي، باستباحة عمله بدرجات متفاوتة، وهي استباحة عن وعي، لأنها تستند إلى تصورات تأخذ شكل مبررات للاستباحة، ولا تقل النتيجة عن حذف مقاطع هنا وهناك، بمبررات دينية أو أخلاقية أو مزاجية.

وثمة حذف آخر قد يرتكبه المترجمون عادة في الأعمال الأدبية، وهو إلغاء أسلوب الكاتب وتقديم الترجمة بأسلوب المترجم؛ فلا أحد يعرف الفرق بين أساليب كافكا وبلزاك وتولستوي وتوماس مان وهمينغواي.

ويشير سلام إلى أنه بات شائعا أيضا السطو على جهد المترجمين، من قِبل الكُتاب، فما أكثر ما نقابل مقطوعات منسوبة لشعراء وفلاسفة ومفكرين وروائيين أجانب، دون إشارة إلى المترجم، بما يوهم بأن مَن أورد هذه المقطوعات هو مترجمها، أو أن المترجم غير جدير بالإشارة إليه.

ومن أجل حفظ حقوق المترجم، الذي بذل جهدا في نقل المعارف من لغتها الأصلية، يقترح الشاعر والمترجم محمد عيد إبراهيم إنشاء جمعية للمترجمين العرب، داعيا الناشرين إلى تعيين مُراجِع ليقوم بالتدقيق في نصوص المؤلفين، حتى لا يصدر كتاب فيه اعتداء على حقوق المترجمين.

ويؤكد لـ”العرب” “أن ثمة خلطا في المفاهيم، وكأن الترجمة تراث يحق لأي أحد أن يستعمله كيفما يشاء، فالترجمة طالما أنها محددة باسم مترجم، فالواجب عند الاقتباس منها ذكر المصدر واسم المترجم والصفحات التي يتم النقل عنها أو منها، وتجب مساءلة الناشر الذي لا يلتزم”.

استهتار وإهدار
تكتسب الترجمة قيمتها من كونها أبرز جسور التواصل بين الشعوب، إذ تؤلف بينها وتسهّل سبل تعارفها وتعايشها وتواصلها والتقارب بينها وبين الثقافات البشرية بكل أطيافها ومشاربها، رغما عن المسافات واختلاف الأجناس والعادات والمعتقدات.

تشير الكاتبة والمترجمة التونسية آسيا السخيري، إلى أن المترجم العربي يعاني مرارة تتجاوز الوصف في عالم النشر، بين انتهاك وإهدار لحقوقه، واستهتار بمهمته التي يعتبرها معظم الناشرين هامشا في عالم الفن، إلى درجة عدم ذكر اسم المترجم أحيانا، بما يعني انعدام ملكيته الفكرية وحقوقه المعنوية.

وتوضح السخيري لـ”العرب” أن الترجمة عمل إبداعي أصيل يجب صون حقوقه بالقوانين الرادعة، فهي ليست تلك التي تتعامل مع النص على أساس أنه مجرد جسد ميّت يُعمل فيه المترجم مباضعه كي يحوله إلى جسد آخر قد يكون أكثر منه موتا، وإنما هي الحياة نفسها التي ينفخها المترجم في هيكل آخر.

وتعد سرقة الترجمة أشد سوءا من سرقة الإبداع، بخاصة أن المجهود الذي يتم بذله في الترجمة قد يزيد كثيرا على نظيره المبذول في الكتابة الإبداعية.

ويقترح الكاتب والمترجم المصري عاطف عبدالمجيد تغليظ عقوبة سرقة مجهود الغير، إن كان تأليفا أو نشرا أو ترجمة، ويقول لـ”العرب”، “في عصر السماوات المفتوحة، لا يجب ترك من ينتهك الحقوق دون عقاب رادع يمنع غيره من ارتكاب هذه الجريمة، خصوصا في وطننا العربي، الذي تسعى معظم دور النشر فيه إلى الربح، دون أخذ حقوق المؤلفين والمترجمين في الاعتبار”.

وتحكي الكاتبة والمترجمة المغربية عائشة موماد لـ”العرب” كيف أنها عثرت بالصدفة على كتاب من أكثر من 500 صفحة، حول سيرة ومؤلفات جلال الدين الرومي، ثم اكتشفت أنه منتحل ومسروق من ألفه إلى يائه من كتاب “الشمس المنتصرة” للمستشرقة الألمانية آن ماري شيمل، ومن كتاب “بحثا عن الشمس” للإيراني عطاء الله تدين، بترجمة عيسى علي العاكوب.

وتصف موماد المشهد العربي الراهن بأنه فوضوي متهالك، فطالما أن السارق لا ينال جزاء على سوء أفعاله، فإنه سوف يعاود الكرّة بالتأكيد في عمل جديد، ولن يتوقف سيل الجرائم والسرقات.

ويدعو المترجم طه زيادة إلى تأسيس نقابة للمترجمين أو جهة تمثلهم وتدافع عن حقوقهم وتضمنها، ويشير لـ”العرب” إلى أن الأمر مأساوي فعلا، والقانون لا يسمح بتأسيس نقابات مستقلة، ومهنة المترجم لا تصلح للإدراج في بطاقة الهوّية، وأغلبية الناشرين تضيق صدورهم بالمترجمين ولا يعطونهم حقوقهم المادية، فضلا عن عدم وجود تشريعات كافية لحماية الحقوق المعنوية.

ويرى محمد البعلي، وهو ناشر معني بإصدار المؤلفات المترجمة، أن الاعتداءات على حقوق المترجمين والمؤلفين تتوزع على ثلاثة أشكال: الاعتداء على حقوق المؤلف الأصلي، وإعادة طبع الكتب دون استئذان المترجمين وورثتهم، والاعتداء على حقوق المترجمين بالاقتباس من أعمالهم دون استئذان أو إشارة.

ويصف البعلي الحل في هذه الحالات بقوله لـ”العرب”، “يجب تطبيق القانون بشأن النسخ التي تنشر دون تصريح قانوني من المؤلف أو المترجم، مع تغليظ القانون إلى حد الإغلاق المؤقت لدور النشر المعتدية على الحقوق”.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية