تقرير أوروبي يُنصف مسلمي القارة من اليمين الأوروبي والمشروع الإخواني.. ماذا جاء فيه؟

تقرير أوروبي يُنصف مسلمي القارة من اليمين الأوروبي والمشروع الإخواني.. ماذا جاء فيه؟


07/03/2022

في سابقة من نوعها في الساحة الأوروبية صدر تقرير يُنصف مسلمي القارة بشكل يقوض الخطاب السياسي اليميني الصادر عن بعض الأحزاب السياسية في القارة، ويقوض أيضاً خطاب المظلومية الصادر عن بعض الجماعات الإسلامية، وفي مقدمتها التيار الإخواني في الساحة الأوروبية.

اقرأ أيضاً: الإخوان في أوروبا.. 4 روافد للتمويل

يتعلق الأمر بتقرير حديث الإصدار، اشتغلت عليه "المفوضية الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب"، وهي هيئة استشارية أوروبية تابعة لمجلس أوروبا، حيث أعربت عن "أسفها الشديد بخصوص الصور التي تروج بين الفينة والأخرى حول الإسلام والمسلمين، وهي صور نمطية تكرس التعامل مع هذا الدين وأتباعه كما لو كانوا تهديداً"، مُعربة في مقدمة تقريرها السنوي الذي صدر في مطلع شهر آذار (مارس) الجاري، عن رفضها هذه الرؤى، ومؤكدة في التقرير نفسه أنّ "هناك تنوعاً داخلياً كبيراً في الممارسات الإسلامية".

وأضاف التقرير الذي صادقت عليه المفوضية في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2021، قبل الإفراج عنه رسمياً هذه الأيام، أنّ هناك "ارتفاعاً دالاً في مؤشرات العنصرية والتعصب ضد المسلمين في العديد من الدول الأوروبية، وهي مؤشرات تواكب أحياناً بعض المستجدات في الساحة، من قبيل ما عاينا في اعتداءات 11 سبتمبر 2001، والتي تلاها ارتفاع وتيرة الحرب ضد الإرهاب".

 تقرير المفوضية الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب يأسف بشدة للصور التي تروج بين الفينة والأخرى حول الإسلام والمسلمين

كما أعرب التقرير أيضاً عن "أسفه على الاتهامات المجانية التي تستهدف مُجمل الجاليات المسلمة في أوروبا، وخاصة الاتهامات التي يتسبب فيها الخلط بين المسلمين وبين بعض المتطرفين الذين يلبسون قناع الدين، مما يتطلب وضع إجراءات تقاوم هذه العنصرية التي تترك آثاراً سلبية ضد مجموعة عرقية أو دينية أو لغوية".

اقرأ أيضاً: الإخوان و"بصّاصو الدّرك"

وجدّد التقرير التذكير أنّه "من بين هذه الإجراءات تشجيع إدماج عناصر جديدة من المجتمعات الأوروبية في سياق تغذية التنوع، والمساهمة في الوقاية من الممارسات العنصرية والمعادية للإنسان، خاصة في أجواء مجتمعية تأثرت بالحرب على الإرهاب والتطرف الديني، موازاة مع التحديات المصاحبة بارتفاع نسبة المهاجرين نحو القارة الأوروبية".

ألمح التقرير إلى الإخوان بإصرار أطراف على توظيف مفهوم الإسلاموفوبيا في سياق استقطاب الأتباع والأنصار

بخصوص الرسائل النقدية الموجهة إلى تيار اليمين الأوروبي والتيار الإسلاموي، الإخواني على الخصوص، باعتباره الأكثر حضوراً في ترويج خطاب المظلومية، فقد جاءت على هامش توقُّف التقرير عند ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، معتبراً أنّه "على الرغم من تداول المفهوم لدى العديد من الأوساط السياسية، ولكنه يتعرض لبعض الملاحظات النقدية بسبب احتمال إساءة فهمه بشكل غير مقصود، أو احتمال توظيفه لأغراض سياسية أو إيديولوجية، مما يساهم في عرقلة حرية التعبير، ولذلك هناك حديث أكثر عن "الكراهية والعنصرية ضد المسلمين"، أو "الأحكام السلبية المضادة للمسلمين" مقارنة مع الحديث عن "الإسلاموفوبيا"، تفادياً للسقوط في التشويش على المقصود من استعمال المفهوم، وتفادياً لموضوع التوظيف السياسي والإيديولوجي".

والمقصود بـ"احتمال توظيف مفهوم الإسلاموفوبيا لأغراض سياسية أو إيديولوجية"، موقف أحزاب اليمين السياسي، في الشق الخاص بالأوروبيين، وموقف المشروع الإخواني في الساحة الأوروبية، بحكم إصرار هذا الأخير على توظيف هذا المفهوم في سياق استقطاب الأتباع والأنصار، وليس صدفة أنّ بعض الجمعيات المعنية بالاشتغال على هذا الموضوع، وإعداد تقارير حوله، تنتمي إلى المشروع الإخواني، كما هو الحال على سبيل المثال لا الحصر، مع "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا"، التابع لإخوان فرنسا.

  التقرير أشار لارتفاع دال في مؤشرات العنصرية والتعصب ضد المسلمين في العديد من الدول الأوروبية

ولاحظ التقرير أيضاً أنّ شبكة الإنترنت "أصبحت وسيلة أكثر تداولاً من أجل ترويج خطاب الكراهية والأحكام السلبية ضد المسلمين، أما مواقع التواصل الاجتماعي، فلم تتصرف بما يكفي من أجل التصدي لهذا الخطر الذي تعرضت له الشبكة بفعل ترويج هذا الخطاب"، بل إنّ خطاب كراهية المسلمين في شبكة الإنترنت في الساحة الأوروبية "ارتفع بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة على الخصوص، ومن ذلك شيطنة المسلمين وترويج خطاب المؤامرة ضد الوجود الإسلامي في أوروبا باعتباره يستهدف غزو القارة، حتى إن بعض القراءات العنصرية التي ظهرت على هامش التفاعل مع أجواء جائحة كوفيد 19، كانت تستهدف المسلمين، وقد تعرضت العديد من الحسابات الرقمية التي ندّدت بهذه الممارسات العنصرية ضد المسلمين إلى استهداف في الفضاء الافتراضي، ومنهم من تعرّض للتهديد والسب، حتى في قضايا لا علاقة لها بالمعتقد الديني أو بالجالية المسلمة".

اقرأ أيضاً: شباب الإخوان بين العراك والضياع

وأكدت المفوضية أنّ التصدي لخطاب الكراهية والعنصرية ضد المسلمين "يجب أن يستهدف الأشخاص والجالية أكثر منه استهداف الإيديولوجيات والأديان"، وأنه "يجب الفصل بين نقد المسلمين، وهو نقد مدان، ونقد الإسلام، لأن نقد الأديان في أوروبا يندرج في إطار حرية التعبير والممارسة الديمقراطية، بينما نقد وسب المسلمين وممارسة العنصرية ضدهم، أمر لا يجب السماح به".

ومن تجليات العنصرية ضد المسلمين في أوروبا حسب التقرير، أننا "نعاينه بشكل متكرر في عدة قطاعات مجتمعية وحتى في العلاقة مع السلطات الإدارية"، مستشهداً بنتيجة أحد التحقيقات التي أجرت على الصعيد الأوروبي أكدت أنّ "حوالي 39 في المائة من المسلمين أكدوا تعرضهم لحالة عنصرية، وأنه في حوالي حالة من خمس حالات، كان سبب العنصرية مرتبطاً بالبعد الديني". ولأن الدول الأوروبية معنية بالتصدي لظاهرة الإرهاب، فقد اعتبر التقرير أنّ هذه الحرب "لا يجب أن تكون شماعة تفتح باب حرية ممارسة العنصرية والكراهية ومعاداة التسامح"، مندداً بـ"بعض الحالات التي لجأت فيها سلطات أوروبية إلى إجراءات أمنية عادية في سياق الإجراءات الاحترازية ضد الإرهاب، إلا أنّ نسبة من هذه الحالات كانت تهم فئات معينة من المجتمع، ومنهم المسلمون بما يُساهم في الرفع من مؤشر المساس بحقوقهم ويساهم بالتالي في تغذية مشاعر الريبة ضدهم، وإعاقة إدماج المسلمين في النسيج المجتمعي الأوروبي".

اقرأ أيضاً: “الإخوان” وحزب اليسار في ألمانيا ـ تخادم وتبادل مصالح

وأكدت المفوضة أنه "لم يعد ممكناً التصدي العملي لهذه الممارسات غير السوية إلا عبر التنسيق بين جميع الفعاليات المعنية في المجتمعات الأوروبية، سواء تعلق الأمر بمُمثلي مختلف الجاليات أو المسؤولين الدينيين، منظمات المجتمع المدني وباقي المؤسسات التي تشتغل في مجالات التربية والثقافة والرياضة والسياسة"، كما أنّ المجهودات الأوروبية التي "تروم التصدي للعنصرية والكراهية ضد المسلمين تمرّ بالضرورة عبر التطبيق الكامل والنوعي لهذه القرارات لصالح الضحايا، مع الرهان على دور العامل التربوي من أجل إشعاع خطاب التسامح واحترام حقوق الإنسان بما يصب في سحب البساط عن خطاب الكراهية والعنصرية ضد المسلمين".

ثمة اتهامات يتسبب فيها الخلط بين المسلمين وبين بعض المتطرفين الذين يلبسون قناع الدين

ووجّه التقرير الدعوة إلى الحكومات الأوروبية من أجل "الانخراط في التصدي لهذه الظواهر بشكل إبداعي، بما في ذلك توظيف أنظمة ومؤسسات التعليم في هذا السياق، أقله أن تساهم في تقوية مناعة التلاميذ والطلبة ضد خطاب العنصرية والأحكام السلبية ضد المسلمين، وكذلك عبر التصدي لشتّى أشكال معاداة المسلمين في المؤسسات التعليمية والجامعية"، معتبراً أنّ "التعددية الدينية تعتبر مكسباً لمجتمعات التعددية الثقافية وأنّ مجتمعات متعددة الأديان والمذاهب من شأنها أن تساهم في تكريس التعايش الديني بين أتباع هذه الأديان والمذاهب".

جدير بالذكر أنّ تقرير المفوضية الأوروبية جاء في 33 صفحة، موزّع على محور أول تضمن تذكيراً بأهم القرارات والمبادرات الأوروبية ذات الصلة بالتصدي لخطاب الكراهية والعنصرية؛ ومحور ثانٍ تضمن وقفة مع السياقات التاريخية لخطاب الكراهية والعنصرية ضد المسلمين في أوروبا؛ وأخيراً محور ثالث، تضمن توصيات جاءت موزعة على 60 توصية، إضافة إلى ملحق يتضمن أهم المراجع التي اعتمدها التقرير في سياق توثيق أحداث الكراهية والعنصرية ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا.

 شبكة الإنترنت أصبحت وسيلة أكثر تداولاً من أجل ترويج خطاب الكراهية والأحكام السلبية ضد المسلمين

وسبق "للمفوضية الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب" أن أصدرت تقارير حول العنصرية والتعصب ضد المسلمين خلال السنوات الأخيرة، من قبيل ما تضمنه تقريرها السنوي الصادر في نهاية شباط (فبراير) 2020، والذي تحدث عن تصاعد الخوف من الإسلام في أوروبا، مع تأكيد حينها أيضاً أنّ أعمال العنف اتجاه المسلمين، الناتجة عن الكراهية والعنصرية، آخذة في الازدياد، إلا أنّ الجديد في التقرير الأخير أنه تضمن وقفات بالتفصيل عند مؤشرات الكراهية والعنصرية ضد مسلمي أوروبا، كما تضمن وقفة مفصلة عند السياق التاريخي للوجود الإسلامي في القارة الأوروبية، ولأول مرة نقرأ تقريراً رسمياً "للمفوضية الأوروبية لمناهضة العنصرية" والتعصب يتضمن 60 توصية خاصة بالتصدي لهذه الظاهرة التي تواجه عملية إدماج مسلمي القارة الأوروبية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية