تقرير استخباراتي اعتبرها أخطر من داعش: هل تنبّهت ألمانيا لخطر "الإخوان"؟‎

الإخوان المسلمون

تقرير استخباراتي اعتبرها أخطر من داعش: هل تنبّهت ألمانيا لخطر "الإخوان"؟‎


19/12/2018

كشف تقرير صدر مؤخراً عن الاستخبارات الألمانية، عن خطر جماعة الإخوان المسلمين على الدولة الألمانية، وتهديد حالة الاندماج القومي داخلها.

وكان موقع "فوكوس أونلاين" الألماني، ذكر أنّ "جماعة الإخوان المسلمين المصنفة على قائمة الإرهاب في عدة دول تمثل خطراً على الجالية الإسلامية في ألمانيا".

اقرأ أيضاً: هل تحمي صفوف الإسلام في ألمانيا المراهقين من التطرف؟

وأوضح الموقع، أنّ "سلطات الأمن والاستخبارات الألمانية تعتبر جماعة الإخوان الإرهابية أخطر من تنظيم داعش والقاعدة على الحياة الديمقراطية في ألمانيا".

الباحثة شروتر: من خصائص سلوك الإخوان سياسة الوجهين والتي تشير لازدواجية الخطاب

وفي هذا السياق، قال بوركهارد فرايير، رئيس جهاز الاستخبارات في ولاية شمال الراين فيستفاليا: "الجمعية الإسلامية في ألمانيا وشبكة المنظمات الناشطة تنشد، رغم الادعاءات الرافضة هدف إقامة دولة إسلامية حتى في ألمانيا".

وحذّر فرايير، وفق التقرير الذي نقلته دويتش فيله، من أنّه "على المدى المتوسط قد يصدر من تأثير الإخوان المسلمين خطر أكبر على الديمقراطية الألمانية مقارنة مع الوسط المتشدد الراديكالي الذي يدعم أتباعه تنظيمات إرهابية مثل؛ القاعدة أو داعش".

شروتر: يصبح الإخوان أكثر صراحة في الحديث عن أجندتهم السرية كلّما تعزز موقفهم السياسي

التقرير، الذي ربما كان توقيت صدوره مرتبطاً بجملة تفاعلات سياسية في الداخل الألماني، سبقته تحذيرات، في كانون الثاني (يناير) من هذا العام، صدرت ضمن تقرير حماية الدستور في بافاريا، والذي ورد فيه أنّ "جماعة الإخوان المسلمين تطرح نفسها منظمة منفتحة تدعو للتسامح، وتبدي استعدادها للحوار، لكنّها في الحقيقة تتستر لتحقيق أهدافها، التي تتمحور حول أسلمة الشارع الألماني والأوروبي".

يبدو الوجود الإخواني في ألمانيا أقدم ممّا وثقه البعض، عن عام 1958، عندما أسّسوا أول تجمعين لهما؛ الأول في مدينة ميونيخ بولاية بافاريا، والآخر في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا، ورغم أنّ الموجة الأولى لهجرة الإخوان كانت في منتصف الخمسينيات، والموجة الثانية في منتصف السبعينيات، وغلب عليها إخوان سوريا، الذين تمركزوا في مدينة أخن، وكان أشهر مقرّاتهم مسجد بلال، الذي يعدّ أحد أهم المراكز للتنظيم الدولي للجماعة.

اقرأ أيضاً: دراسة: نصف اللاجئين في ألمانيا يعانون أزمات نفسية

الطموح الإخواني لغزو ألمانيا كان حلماً قديماً والموجات التالية، بداية من الخمسينيات، كانت تستهدف بناء بؤر بديلة للتنظيم في حواضر الغرب، بعد حالة الانكشاف السياسي التي ضربت الجماعة في دول الشرق الأوسط، ومن ثم فقد توسلت الجماعة في طبعتها الجديدة، وفي سياق التموضع الجديد، بالكيانات الأهلية والبحثية ومنظمات المجتمع المدني، كواجهات لحركة التنظيم، مع الاستفادة القصوى من الجيل الثاني والثالث من المهاجرين، الذين ولدوا في ألمانيا، ويتحدثون الألمانية، ويتقنون آليات النفاذ للمجتمع الألماني، والقدرة على اختراق كلّ مؤسسات الدولة، إلى حدّ ما، كشف مؤخراً عن اختراق المخابرات الألمانية عبر عملاء مزدوجين، وهو ما كان نتاجاً لما أدركته دوائر البحث في ألمانيا، وبدا في شهادة سوزان شروتر، الباحثة من مركز الأبحاث الإسلامية في فرانكفورت؛ التي رأت أنّ الإخوان المسلمين "أساتذة في التخفي، سواء على صعيد العمل التنظيمي، أو الأهداف السياسية".

أسس الإخوان أول تجمعين لهما الأول في مدينة ميونيخ عام 1958

الغريب أنّ شروتر أدركت أيضاً، رغم خلفياتها الغربية، أنّ الإخوان يصبحون أكثر صراحة في الحديث عن أجندتهم السرية، كلّما تعزز موقفهم السياسي، لكنّهم يفضّلون الظهور بمظهر المتسامح والمتفهّم، حينما يشعرون بالضعف أو كونهم أقلية، ويستخدمون واجهات اقتصادية واجتماعية بهدف التغلغل في المجتمعات والتأثير فيها، مشيرة إلى محاولاتهم التقرب من الأحزاب والشخصيات السياسية الفاعلة في ألمانيا، مؤكدة أنهم يحققون شيئاً من النجاح في تلك المساعي.

على المدى المتوسط قد يصدر من تأثير الإخوان المسلمين خطر أكبر على الديمقراطية الألمانية مقارنة مع الوسط المتشدد الراديكالي

ومما ساعد الإخوان على حرية الحركة في الداخل الألماني، أنّ الجماعة ليست محظورة في ألمانيا، لكنّها مصنّفة على أنّها جماعة "متطرفة، تهدف إلى أسلمة المجتمع الألماني والأوروبي"، وفق تقرير فرع مكتب حماية الدستور في ساكسونيا. 

تقول الكاتبة شروتر "يمكن رصد أربع خصائص في سلوك الإخوان يجعلها شديدة الخطورة: أولها: سياسة الوجهين"، وهي تشير هنا إلى ازدواجية الخطاب، خطاب للغرب يلوك عبارات احترام الديمقراطية، وقبول الحداثة، والحديث عن حقوق الإنسان، مقابل خطاب آخر متخلّف، لأعضائها ومنتسبيها.

وتتابع "وثانيها: تعميق الانقسام في المجتمعات، ولعلّ التجربة المصرية ماثلة في الأذهان في تقريب ما فعلته الجماعة في المجتمع المصري، من انقسام احتاج إلى جهد ضخم، وما يزال يحتاج، من أجل التغلب على مضاعفاته على أمن واستقرار المجتمع".

اقرأ أيضاً: أزمة المسلمين في ألمانيا وأزمة ألمانيا مع المسلمين

وثالث تلك الخصائص، وفق شروتر، "احتكار الصوت"، بمعنى احتكار تمثيل الإسلام والحديث عنه، وهو ما فعله الإخوان في أمريكا، من السيطرة على ما يسمى المجلس الإسلامي الأمريكي وتمثيل المسلمين، وهو ما حاولوا فعله أيضاً، في ألمانيا وأوروبا، من خلال التنظيم الذي برعوا فيه، وهم يمارسون هذا السلوك حتى داخل المجتمعات المسلمة، في إصرار مرضيّ على أنهم الأعلم بحقائق الدين وأهدافه، حتى أكثر من المؤسسات الدينية الرسمية.

وفقاً لفوكوس أونلاين تمثل جماعة الإخوان خطراً على الجالية الإسلامية في ألمانيا

أمّا رابع الخصائص التي أشارت إليها الباحثة؛ فهو ما أسمته "العنف الغائي"؛ حيث تعتقد أنّ الجماعة "لم تمارس العنف المباشر، لكن بقيت لها صلات بكل جماعات العنف"، وربما مرجع هذا التفسير لديها إلى أنّها لم تطلع على ما نفذت ميليشيات تابعة للجماعة، سواء في مصر أو غيرها، كما لم تطّلع بشكل كافٍ أيضاً على أدبيات العنف داخل الجماعة، التي قسّمت مراحل العمل إلى ست مراحل، تبدأ بالتعريف؛ فالتكوين؛ فالتنفيذ؛ فالابتلاء؛ فالتمحيص، ثم التمكين.

اقرأ أيضاً: هل حانت لحظة الصدام مع الإسلاموية التركية في ألمانيا؟

وقد تباينت داعش والقاعدة معها فقط في مراحل الابتلاء والتمحيص؛ إذ إنّ التنفيذ لدى داعش والقاعدة يمر عبر الصراع المسلح، أما لدى الإخوان؛ فهو العمل السياسي والاجتماعي العلني مع العمل السري، من أجل تأمين الغطاء لهذا العنف الغائي.

تقرير جهاز الاستخبارات الألماني أفاد، بحسب موقع "فوكوس أونلاين"، بأنّ "فروع الإخوان المسلمين تتوفر على برنامج مدرسي وتكوين شامل للأشخاص المسلمين والمهتمين بالدين من جميع الفئات العمرية، ويشمل ذلك مؤسسات الجمعية الإسلامية في ألمانيا أو مساجد متعاونة بعديد من المدارس القرآنية".

 

 

ولفت فراير إلى أنّ "الجمعيات المقربة من الإخوان المسلمين تستقطب بشكل متزايد لاجئين من بلدان عربية لجنيدهم من أجل أهدافها".

وإلى جانب ولاية شمال الراين فيستفاليا وولاية بافاريا تتوسع الشبكة شرق ألمانيا. فمنذ منتصف العام 2016 افتتحت جمعية النفع العام في ولايتي ساكسونيا وبراندنبورغ ثمانية مساجد "في منطقة قلما وُجد فيها أنصار الإخوان المسلمين إلى حد الآن، كما تم تشييد أبنية واسعة يُراد من خلالها تأطير اللاجئين بأديولوجية الإخوان المسلمين"، بحسب فراير.

اقرأ أيضاً: هل سيتمكن أردوغان من تحقيق ما يريده في ألمانيا؟

يبدو أنّ الكود الأوروبي في حقوق الإنسان ما يزال يمثل ثغرة، يستطيع الإخوان من خلالها تحقيق أهدافهم في اختراق المجتمع الألماني، وتجنيد المزيد من أبنائهم ممّن يدينون بالإسلام، ربما من أجل تحقيق هدف واحد؛ هو تعزيز قناعة الشعب مع مؤسسات الدولة، فالإخوان عبر تاريخهم لم ينشغلوا بشيء قدر انشغالهم بتعزيز التناقض مع الدولة الوطنية، وزرع الإيمان بالأممية الإسلامية التي لا تعرف الحدود، أو الدساتير، أو القوانين.

إن الجماعة ليست محظورة في ألمانيا لكنّها مصنّفة على أنّها جماعة "متطرفة تهدف إلى أسلمة المجتمع الألماني والأوروبي

وهذا هو مكمن الخطر الذي ربما تنبّه إليه الألمان، وتشي به تقارير الاستخبارات، تعزيز القطيعة مع الدولة الوطنية والكفر بها، وبناء جيتو جديد داخل كلّ دولة، يتوسّل بالعمل السري والمعلن معاً، لهدم الدولة وإعادة بنائها على مقاس المشروع الإخواني.

ووفق ذلك؛ يصبح تقدير الألمان وغيرهم أنّ الإخوان "أخطر" من داعش والقاعدة قد يكون صحيحاً، فخطاب وسلوك العداء الواضح في إعلان الحرب أيسر في مواجهته، ممن يختبئون في بنى الدولة الوطنية مظهرين الإيمان بها، بينما هم في حقيقة الأمر شوكة في خاصرة الدولة، ينتظرون الوقت المناسب لهدمها؛ كالنمل الأبيض الذي يكمن في صمت ليضرب في أساس البيت، وهو نمط من النفاق نشأت الجماعة عليه، ولقنته لأبنائها، الذين علّمتهم أنّ كلّ العالم دار حرب ما لم يخضع للجماعة ولرويئتها المتطرفة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية