تكيّة إبراهيم الخليل: أكثر من 700 عام في إطعام الفقراء

تكيّة إبراهيم الخليل: أكثر من 700 عام في إطعام الفقراء


18/06/2020

منذ ساعات الصباح الأولى، تقف المواطنة، خديجة علي، برفقة مجموعة كبيرة من الأطفال والشيوخ والرجال والنساء في طابور طويل أمام التكية الإبراهيمية في البلدة القديمة بالخليل، جنوب الضفة الغربية المحتلة، وتحمل بيدها وعاء فارغاً من البلاستيك، لتستلم وجبتها من اللحم والأرز والخبز، وتعود به مليئاً إلى أطفالها، لسدّ رمقهم وإشباع بطونهم الجائعة.

منذ شهر رمضان الماضي وزعت التكية أكثر من 500 ألف وجبة يومياً على المعوزين في محافظة الخليل

وتضيف السيدة علي (43 عاماً)، من سكان حارة المشارقة بالبلدة القديمة بالخليل: أنّها "تأتي بشكل يومي للتكية للحصول على الطعام، ليكون ملاذاً آمناً لعائلتها المكونة من ستة أفراد، بعد أن فقدت زوجها ومعيل بيتها الوحيد قبل ثلاثة أعوام، لتعتاش على مبلغ يسير لا يكاد يفي بمتطلبات عائلتها المعيشية، تخصصه لها وزارة الشؤون الاجتماعية، ويقدّر بـ 750 شيكل (215 دولاراً أمريكياً) كلّ ثلاثة أشهر".

وتتبع التكية الإبراهيمية وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية، وتأسّست عام 1279، على يد السلطان قالون الصالحي، زمن صلاح الدين الأيوبي، وكان يطلق عليها "الرباط"، ثم أصبحت تسمى "الطبلانية" وذلك لأنّ العاملين فيها كانوا عندما ينتهون من إعداد الطعام يقرعون الطبل.

وتعرضت التكية الإبراهيمية وملحقاتها للإزالة، خلال عام 1964، وذلك ضمن مشروع إزالة ما حول المسجد الشريف، ونقلت إلى مكان مؤقت، إلى جانب بركة السلطان في المدينة، وذلك بحجة تنظيم وتجميل المسجد الإبراهيمي الشريف، وعام 1983؛ قامت الأوقاف بإنشاء مبنى جديد من الجهة الشمالية القريبة للمسجد الإبراهيمي، وتمّ تجهيز هذا المكان بكلّ ما يلزم التكية ويريح الوافدين.

وبحسب تقرير صادر عن البنك الدولي، في مطلع يونيو (حزيران) الجاري؛ يعيش نحو ربع الفلسطينيين تحت خطّ الفقر، بمعدل 53% في غزة، و14% في الضفة الغربية، وبحسب التقديرات الأولية؛ سيرتفع عدد الأسر الفقيرة إلى 30% في الضفة الغربية، وإلى 64% في غزة.
طعام مجاني طوال العام
وتابعت علي، خلال حديثها لـ"حفريات" أنّ "الأوضاع الاقتصادية في المدينة صعبة جداً، وما يفاقم حياتنا سوءاً إجراءات الاحتلال الإسرائيلي العنصرية، التي تتعمّد فرض حظر التجوال بشكل مستمر على البلدة القديمة لتقييد حركة المواطنين، وهو ما يمنعنا، في كثير من الأحيان، من الوصول إلى التكية الإبراهيمية".

اقرأ أيضاً: هيئة آل مكتوم الخيريّة ترسل مساعدات جديدة إلى السودان

وتبيّن: "قبل عدة أعوام كنت لا ألجأ إلى تكية سيدنا إبراهيم إلا في أوقات معينة من السنة، خاصة خلال شهر رمضان المبارك، ومع تردي الأحوال الاقتصادية بالضفة الغربية، وارتفاع أسعار الخضروات ومعدل غلاء المعيشة الذي وصل لمستويات مرتفعة، اضطررتُ للاعتماد بشكل كلّي على التكية الإبراهيمية للحصول على الطعام بشكل يومي".

وتؤكّد: "هناك أسر معوزة وفقيرة في داخل البلدة القديمة بالخليل وخارجها، تعتمد بشكل أساسي على ما تقدّمه التكية من طعام مجاني لهم طوال العام، بعد أن انقطعت بهم سبل العيش وضاقت بهم الحياة، نتيجة للظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشونها ويمرون بها، خاصة بعد انتشار فيروس كورونا".
خطّ الدفاع الأول عن الفقراء
ويصطف المواطن، رائد الشويكي (39 عاماً)، من سكان حارة السواكنة بالبلدة القديمة، في طابور طويل منذ ساعات الصباح الباكر، للوصول إلى نافذة صغيرة خصصتها التكية الإبراهيمية لاستلام الأوعية البلاستيكية والمعدنية الفارغة من الفقراء والمعوزين وإرجاعها لهم مليئة بوجبة ساخنة من الطعام.

اقرأ أيضاً: الإمارات أيقونة العمل الخيري العالمي

وقال الشويكي لـ "حفريات": "لجأت إلى التكية الإبراهيمية بعد أن ساءت أوضاعي المعيشية نتيجة جائحة كورونا، التي تسبّبت بعدم مقدرتي على العمل داخل إسرائيل، حفاظاً على نفسي وعائلتي المكونة من ثمانية أفراد، من انتقال العدوى إليهم أو إصابتهم بالفيروس".

ولفت إلى أنّ "التكية الإبراهيمية نعمة من الله لكلّ فقير ومحتاج في محافظة الخليل والمناطق المجاورة لها، في ظلّ الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها الفلسطينيون في كافة أنحاء الضفة الغربية، لتأتي هذه التكية للتخفيف من معاناة الآلاف من العائلات المستورة التي لا تجد ما يسدّ رمقها، للحصول على وجبات متنوعة يتوقون إليها".

ويلقى المحتاجون أمام التكية الإبراهيمية معاملة حسنة من قبل العاملين فيها بحسب الشويكي الذي يصف التكية بأنها "أضحت خطّ الدفاع الأول عن الفقراء بالبلدة القديمة بالخليل من خلال تزويدهم بالطعام المجاني، بشكل يومي وعلى مدار العام، الذين يجدون صعوبة كبيرة في توفيره لعائلاتهم في ظلّ الظروف المعيشية الصعبة، التي يعانيها الفلسطينيون بالضفة الغربية، خاصّة من ذوي الدخل المحدود".

التكية الوحيدة بالبلدة القديمة بالخليل
بدوره، يقول مدير التكية الإبراهيمية في الخليل، لؤي الخطيب، في حديثه لـ "حفريات": إنّ "التكية كان يطلق عليها سابقاً بالطبلانية أو الرباط، قبل أن يتم هدمها خلال عام 1963، لتوسعة ساحات الحرم الإبراهيمي الشريف، ليتمّ نقلها، للمرة الثالثة في تاريخها، على مقربة من الحرم الإبراهيمي، الذي يرقد فيه ضريح سيدنا إبراهيم وزوجته وولدهما، عليهما السلام"، مشيراً إلى أنّ "عدد العاملين في التكية هم ستة طهاة وإداريَّان اثنان؛ حيث يتم توزيع وجبات الطعام على المحتاجين والمعوزين لمرة واحدة يومياً".

وأكّد أنّ "التكية الإبراهيمية هي الوحيدة في البلدة القديمة بالخليل، التي تقوم بتقديم الطعام للمحتاجين بشكل مجاني على مدار العام، رغم وجود عدد من التكيات على مستوى محافظة الخليل، والتي تعمل فقط خلال شهر رمضان المبارك، مشيراً إلى أنّ "التكية تقدم وجبة "الجريشة" المصنوعة من القمح طوال أيام الأسبوع، عدا يومَي الإثنين والجمعة، حيث يتمّ طهو بعض الأطعمة الأخرى، كالفاصولياء واللحم وغيرها".

وبيّن الخطيب أنّ "التكية الإبراهيمية تعتمد، للاستمرار في عملها بخدمة المحتاجين والمعوزين، على تبرعات أهل الخير في محافظة الخليل ومن خارجها أيضاً، وكذلك على تبرعات الزائرين الوافدين إلى المدينة، والذين يتوقون لزيارة الحرم الإبراهيمي الشريف".
ويؤكد أنّ "التكية تقدم يومياً أكثر من 5 آلاف وجبة من الطعام، بتكلفة مالية تصل إلى 25 ألف شيكل يومياً (7200 دولار أمريكي)".
تعزيز صمود الفقراء والمحتاجين

وتابع: "هناك إقبال كبير من قبل الفقراء والمحتاجين على التكية الإبراهيمية، منذ شهر رمضان الماضي، الذي شهد توزيع أكثر من 500 ألف وجبة يومياً على المعوزين في محافظة الخليل، ومع الحصار الإسرائيلي المفروض، وسوء الأوضاع الاقتصادية التي يعانيها السكان بكافة أنحاء الضفة الغربية، بعد جائحة كورونا، ارتفع رواد التكية بنسبة 45% عن المعدل الاعتيادي الذي كانت تشهده التكية قبل انتشار الفيروس".

مدير التكية لـ"حفريات": نقدم وجبة "الجريشة" المصنوعة من القمح طوال الأسبوع، عدا الإثنين والجمعة، حيث نطهو بعض الأطعمة الأخرى

ولفت الخطيب إلى أنّ "التكية الإبراهيمية، ومنذ انتشار فيروس كورونا في الأراضي الفلسطينية، عمدت إلى توزيع المزيد من الوجبات الغذائية على آلاف المحتاجين والمعوزين، وتوزيع عدد كبير من الطرود الغذائية على سكان مدينة بيت لحم، التي كانت من أولى محافظات الضفة الغربية التي تمّ الإعلان فيها عن إصابة عدد من سكانها بالفيروس".
موضحاً: "التكية تسعى خلال الفترة المقبلة لتوسيع خدماتها وعملها خارج حدود محافظة الخليل، وتقديم الوجبات الغذائية للمؤسسات والجمعيات الخيرية، لتقديم الدعم لأكبر عدد ممكن من الفقراء والمحتاجين".
وأشار الخطيب إلى أنّ "التكية ساهمت في تعزيز صمود الفقراء والمحتاجين في محافظة الخليل، وتحديداً في البلدة القديمة، والذين يعيشون ظروفاً مأساوية صعبة، بفعل ممارسات المستوطنين وجنود الاحتلال الإسرائيلي، الذين يحاولون بشتّى السبل تهجير سكانها". حيث يقطن الخليل نحو 400 مستوطن، ويحرسهم 1500 جندي إسرائيلي!



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية