تلفزيون مغاربي في تركيا: استعمار جديد أم إثراء للمشهد الإعلامي؟

تلفزيون مغاربي في تركيا: استعمار جديد أم إثراء للمشهد الإعلامي؟


13/08/2020

بعد نجاح مسلسلاتها التلفزيونية في تحقيق نسب مشاهدة عالية في دول شمال أفريقيا، تستعدّ تركيا لإطلاق قناة تلفزيونية جديدة تستهدف شعوب دول المغرب العربي، في غزو جديد تستعمل فيه القوى الناعمة "Soft Power"؛ فهل يسعى العثمانيون الجدد إلى السيطرة على الفرد المغاربي واستلابه، ثقافياً واقتصادياً، وتوجيهه لخدمة مصالحهم السياسية، أم إنّ تركيا أردوغان تطمح في إثراء المشهد المغاربي إعلامياً؟

"إحياء أمجاد الإمبراطورية العثمانية"

يقول بوبكر أونعير، الخبير في العلاقات الدولية: "يرغب المسؤولون الأتراك في الأعوام الأخيرة في إحياء أمجاد الامبراطورية العثمانية، واستغلال الصراعات والحروب بالمنطقة، ولعب دور إقليمي مهم".

مسؤول شبابي مغربي لـ"حفريات": تركيا لديها رسائل ترغب في تمريرها من خلال المسلسلات ووسائل الإعلام، ويجب مراقبة هذه المؤسسات، وإذا كانت تمسّ بالسيادة المغربية والهوية، فيجب كبحها ومنعها

ويُضيف الباحث المغربي: "الأتراك يرغبون في التغلغل في الشمال الأفريقي برمّته، من خلال التدخّل في النزاع الليبي، وكانت لديهم محاولات لإنشاء علاقات مع حزب العدالة والتنمية المغربي".

ويُوضح بوبكر أونغير، في تصريحه لـ "حفريات": "تركيا ترغب في تقليد مجموعة من التجارب الإعلامية الموجودة في المنطقة، كما يرغب الأتراك في استمالة عواطف الشعوب المغاربية وقلوبها، والتأثير عليها مستقبلاً".

 
قيامة أرطغرل

قيامة أرطغرل.. هل هو تزوير لتاريخ أمة من أجل دعاية سياسية؟

Posted by ‎حفريات‎ on Monday, January 28, 2019

"خدمات مجانية لتركيا"

ويُتابع  الباحث المغربي: "يجب أن نعترف أنّ القنوات المغاربية ارتكبت أخطاء كبيرة، عبر بثّ مجموعة من المسلسلات التركية، وقدمت خدمات مجانية لتركيا، بينما كان يجب أن تكون هناك سياسة إعلامية مغاربية تُصالح المواطن مع إعلامه، وأيضاً قنوات مستقلة تعرض برامج حوارية وتضمّ آراء مختلفة؛ لأنّ هذا الفراغ الإعلامي والتركيز على الخطاب الرسمي، يدفع المواطنين إلى البحث عن المعلومة في مؤسسات أجنبية".

اقرأ أيضاً: قطر وإعلامها تحت المجهر.. ومشرعون أمريكيون: الدوحة تمول التطرف

ويمضي بوبكر أونغير قائلاً: "القنوات الإخوانية في تركيا تُقدم للمواطن خطاب الضحية وما يُريد أن يسمعه، وأصبحنا نسمع في المغرب، حالياً، التيار الأردوغاني، وهناك من يعلّق صور أردوغان، ما يكشف عن وجود استلاب ثقافي".

البحث عن الحرية الإعلامية

ويُضيف المتحدث ذاته: "هم يدركون جيداً أنّ شعوب شمال أفريقيا تبحث عن الحرية إعلامياً، ويُغذون الصور النمطية عن شخصية أردوغان، الذي يُهاجم الغرب علناً، مثل تحويل الكنيسة إلى مسجد، وكيف قُدمت لشعوب على أنّها انتصار وإنجاز".

مأساة ثقافية بامتياز

ويُشدّد أونغير على "أهمية إصلاح المنظومة الإعلامية بالمغرب، وخلق منظومة إعلامية تستقطب الشباب، وألّا تُركز على الخطاب الرسمي، بل على الحوارات والنقاشات، عوضاً عن البرامج التافهة والمسلسلات التركية".

ويُضيف الخبير في العلاقات الدولية: "أصبح لدينا ممثلون أتراك معروفون أكثر من المغاربة، وهذه مأساة ثقافية بامتياز، ينبغي أن نصنع إعلاماً مغربياً قادراً على منافسة المؤسسات الدولية الإعلامية".

تجارب إعلامية تدعم الفكر الإخواني

ويُتابع في السياق ذاته: "نجم تغلغل الإسلام السياسي، والحروب التي تعيشها المنطقة، عن تجارب إعلامية تدعم الفكر الإخواني، وقناة "الشرق"، والقنوات التركية الجديدة التي تستهدف المغرب العربي، من الممكن أن يكون لها تأثير كبير في توجيه الرأي العام نحو موضوعات لا تهمه، لأنّ تركيا متوغلة في مجموعة من الحروب في سوريا وليبيا والعراق".

اقرأ أيضاً: وسائل إعلام لبنانية تقاطع حزب الله

ويُشير أونغير إلى أنّ "أردوغان يتم تقديمه، اليوم، على أنّه مناصر الضعفاء في العالم والخليفة القوي، وأعتقد أنّ على المغاربيين أن يحتاطوا من وجود محاور ربما تسعى إلى تهديد الأمن الداخلي لدول مغاربية".

تسويق بعض القنوات العربية لأردوغان

في ظلّ وجود مواقع التواصل الاجتماعي لا يُمكن أن نمنع المغاربة من الانفتاح على ثقافات أخرى، فكيف نستطيع، في الوقت نفسه، حمايتهم من الاستلاب الثقافي والتبعية لبلدان أخرى؟

يُجيب الخبير في العلاقات الدولية: "المغاربة مجبرون، بسبب موقعهم الجغرافي وثقافتهم على الانفتاح، لكن يجب الحفاظ على الهوية المغربية، ونحن نلاحظ وجود استلاب للفرد المغربي، وتبعية البعض إلى تركيا، وهذا ما عززه حزب العدالة والتنمية الحاكم بالمغرب، وتسويق بعض القنوات العربية لأردوغان على أنّه المنقذ".

مهندسة الإعلاميات المغربية، زينب وحيدي لـ"حفريات": الحاجة إلى إعلام قوي يُشكل الوعي الفردي للمغاربة، ويجعلهم مُحصّنين من التبعية إلى أية وسيلة إعلامية في الخارج

وأعربت مهندسة الإعلاميات المغربية، زينب وحيدي، عن اعتقادها بالحاجة إلى "إعلام قوي يُشكل الوعي الفردي للمغاربة، ويجعلهم مُحصّنين من التبعية إلى أية وسيلة إعلامية في الخارج".

وأبلغت وحيدي "حفريات" بأنه "لا يُمكن أن ننغلق على ذواتنا كمجتمع مغربي"، وقالت "إعلامنا هو من منح تركيا فرصة العبور إلى الوعي المغربي؛ ببثّ مسلسلات عن الحياة في تركيا، لهذا يجب أن نتحمل المسؤولية ونعمل على تقوية مؤسسات التنشئة الاجتماعية بالمغرب".

كيف صار أردوغان بطلاً؟!

نجحت المسلسلات التركية في أن تجعل المغاربة ينفتحون على تركيا، سياسياً وسياحياً وثقافياً، وتقول زبيدة عيش، طالبة مغربية، في هذا الصدد: "لقد وجد المغاربة في شخصية أردوغان البطل المناصر لقضايا المسلمين في مختلف الدول العربية، لذلك أحبّوه"، وتضيف في تصريحها لـ "حفريات": "أعتقد أنّ تركيا نموذج قوي على كافة الأصعدة، ويجب أن نستفيد من تجربتها وقدرتها على تحقيق نجاح اقتصادي".

وفي المقابل؛ يرى رضوان جخا، رئيس مجلس شباب مدينة ورزازات؛ أنّ "التجارب الإعلامية التي تهدف غزو العقول المغربية وتُهدّد الهوية المغربية يجب التصدي لها".

الإعلام المغربي غير مؤثر

ويمضي رئيس مجلس شباب مدينة ورزازات، في حديثه لـ "حفريات"، قائلاً: "إنّ هذه المؤسسات المدعومة من الحكومات الرسمية، تسعى إلى نشر ثقافتها وهويتها وأيديولوجيتها"، ويُتابع المتحدث ذاته: "للأسف، إعلامنا في المغرب ما يزال لم يصل إلى مستوى يكون فيه مؤثراً، ونسب مشاهدة المغاربة للإعلام العمومي ضعيفة مقارنة بالقنوات التلفزيونية الأجنبية".

اقرأ أيضاً: بالأرقام.. هكذا تدهور وضع الإعلام في تركيا في 6 سنوات

ويرى جخا؛ أنّ "تركيا أردوغان تمثّل التوجه الإسلامي، وإذا كانت هذه القناة تهدف إلى خدمة أجندات حزب العدالة والتنمية المغربي، أو التركي، وأنا، كشاب مغربي، أرفضها، لأنّه لا يمكن أن نقبل بتوجه يُعزز تمجيد أردوغان، نحن نحترم تركيا، كبلد وقيادة، لكن ليس على حساب هويتنا وذاتنا المغربية، ونحن نُعارض بشدة تقديس زعيم تركيا".

اقرأ أيضاً: إعلامي وناشط تركي يثير الجدل مجدداً بهذه التغريدة.. ماذا قال عن تركيا وقطر؟

 ويتابع رضوان جخا: "لدينا ثقافتنا والإعلام العمومي المغربي ينبغي أن يكون مؤهلاً لتوعية الأفراد بأهمية تقدير ثقافتهم، ويجب على الدولة أن تتصدى لمثل هذه المؤسسات الإعلامية، وألّا نكون مجتمعاً مستهلكاً فقط لثقافات أخرى، ونحن هنا في حاجة إلى تقوية التعليم في المغرب والأسرة".

 ليس لأجل سواد عيون المغاربة

ويؤكّد المتحدث ذاته على أهمية التمسك بالتعدد الثقافي واللغوي بالمغرب، مشيراً إلى  أنّه "بالنسبة إلى الإعلام الدخيل، فإنّه لا يسعى إلى تطوير الإعلام المغربي بقدر ما يطمح إلى نشر أيديولوجية وأفكار معينة، وينبغي أن ندقّ ناقوس الخطر، لأنّ هذه الأموال الهائلة لتمويل المؤسسة الإعلامية لن تُدفع من أجل سواد عيون المغاربة، بل لخدمة أجنداتهم".

ويشدّد  جخا على أنّ "تركيا لديها رسائل ترغب في تمريرها من خلال المسلسلات ووسائل الإعلام، ونحن مع التعدد والتنوع الإعلامي، لكن مع مراقبة هذه المؤسسات، إذا كانت تمسّ بالسيادة المغربية والهوية، فيجب كبحها ومنعها".

الصفحة الرئيسية