تناغم أمريكي – تركي حول بقاء السراج يُثير التساؤلات

تناغم أمريكي – تركي حول بقاء السراج يُثير التساؤلات


28/10/2020

الجمعي القاسمي

يُثير الاهتمام الأميركي المُتزايد بتطورات الملف الليبي في هذه المرحلة ردود فعل تباينت حول سياقاته وأبعاده، لاسيما في أعقاب دعوة السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، إلى بقاء رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، في منصبه لفترة أطول، وهو الذي سبق له أن تعهد بالاستقالة في نهاية الشهر الجاري.

وألقت هذه الدعوة المُثيرة للتساؤل، بتوقيتها الذي تزامن مع تزايد التحركات السياسية الإقليمية والدولية لتوفير دعائم الحل السياسي المُرتقب في ليبيا، بسلسلة من التقديرات التي لا تخرج عن دائرة الحرص على عدم حصول فراغ في السلطة يسبق توصل فرقاء الصراع إلى التسوية المنشودة التي يُفترض أن تفرز قيادة جديدة على قاعدة التفاهمات التي انتهت إليها منصات الحوار السابقة.

وقال ريتشارد نورلاند في بيان له “أريد أن أثني على إعلان فايز السراج نيته التنحي، لذلك آمل وأتوقع أن يبقى في منصب رئيس الوزراء لفترة أطول قليلا على الأقل حتى يصبح انتقال السلطة هذا ممكنا” على حد قوله.

وشدد في بيانه على أن بلاده “لا تدعم أي طرف في الصراع الليبي، والتحدي الآن هو مساعدة جميع الليبيين شرقا وغربا وجنوبا على تهيئة الظروف لاستعادة سيادتهم وتمهيد الطريق لرحيل جميع القوات الأجنبية المقاتلة”.

وفي منتصف شهر سبتمبر الماضي، أعلن السراج استعداده لتسليم مهامه إلى السلطة التنفيذية القادمة في نهاية شهر أكتوبر الجاري، وذلك بعد أن تنتهي لجنة الحوار الليبي من عملها.

وقال السراج في كلمة بثتها قناة ليبيا الرسمية، بعد إحراز الحوار الذي جرى في بلدة “بوزنيقة” المغربية بين وفدين من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب الذي يتخذ من طبرق (شرقي ليبيا) مقرا له، تقدما باتجاه الاتفاق على إعادة تشكيل المجلس الرئاسي “أعلن للجميع رغبتي الصادقة في تسليم مهامي في موعد أقصاه آخر شهر أكتوبر”.

وأعطى عزم السراج الاستقالة من منصبه في حينه دفعا جديدا لأجواء التفاؤل الحذر التي تكثفت بتزايد التحركات السياسية التي تصب في مربع إيجاد الأطر الرافدة لإنجاح التفاهمات السياسية عبر توفير الآليات القادرة على ترجمتها على أرض الواقع، غير أن تحرك تركيا باتجاه الضغط على السراج للتراجع عن تعهده بالاستقالة، أربك الوضع من جديد.

وبدا هذا الضغط واضحا من خلال تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أعرب في تصريح له، عن استياء بلاده من قرار السراج الاستقالة من منصبه، حيث نقلت وكالة رويترز عنه قوله إن تركيا “منزعجة من أنباء عن رغبة رئيس الوزراء الليبي في الاستقالة بحلول نهاية أكتوبر”.

ووسط هذه الأجواء، رأى مراقبون أن عودة السفير الأميركي إلى هذه المسألة يعكس تناغما مع الموقف التركي، في توقيت يبدو مقصودا بحد ذاته، خاصة مع التداعيات التي ترسمها مثل هذه الدعوة، لاسيما حين تكون محددة بغايات ليست بعيدة عن الأجندات الأميركية في ليبيا التي تحكمها تفاهمات مع تركيا.

ويؤكد مراقبون أن تفاهم الولايات المتحدة مع الجانب التركي بخصوص ليبيا لا جدال حوله، وهو أمر ثابت، لكن ذلك لم يمنع من انقسام الآراء حول دوافع وخفايا دعوة السفير الأميركي إلى بقاء السراج في منصبه في هذا التوقيت بالذات الذي يتسم بتغير واضح في موازين الحسابات السياسية على وقع تصاعد احتمالات نجاح التسوية في ليبيا.

وفي هذا السياق يرى البعض في هذه الدعوة رغبة أميركية في تسهيل العملية السياسية عبر تفادي الفراغ الحكومي الذي قد يعمق الخلافات حول من سيخلف السراج، بينما رأى فيها البعض الآخر خطوة لإرضاء تركيا، حتى لا تُفسد العملية السياسية.

ويُشاطر الرأي الأول، النائب البرلماني إبراهيم الدرسي، الذي قال في اتصال هاتفي مع “العرب” من مدينة بنغازي بشرق ليبيا، إن “ما ورد على لسان السفير الأميركي لدى ليبيا، يعكس تخوفا من فترة فراغ في السلطة التنفيذية إذا ما أوفى السراج بتعهداته، واستقال من منصبه في التاريخ الذي حدده سابقا”.

ولفت إلى أن “هذا التخوف يتمحور بالأساس حول خطر انفراط عقد المجلس الرئاسي، بما ينعكس سلبا على تماسك القوات العسكرية ووزارة الداخلية، وبالتالي بروز انفلاتات وفوضى قد يستغلها أعداء السلام بما يُربك المسار السياسي، ويحول دون التوصل إلى تسوية تُفرز أجساما سياسية جديدة لإدارة المرحلة القادمة في ليبيا”.

ومن جهته، رأى مستشار المجلس الأعلى للدولة الليبي السابق، صلاح البكوش أن “معظم القوى المحلية والإقليمية والدولية تتفق على أنه من المفيد أن يبقى السراج في منصبه إلى أن يتم تشكيل سلطة تنفيذية جديدة”.

ولكنه استدرك قائلا في اتصال هاتفي مع “العرب” من العاصمة طرابلس، إن “الجميع يتفق أيضا على أن وقت السراج انتهى ولم يعد له ما يقدمه”، ومع ذلك، فإن “ما يجري الآن هو محاولة لإبعاد أي تعقيدات إضافية للمشهد، ومن ذلك الخلاف بين أعضاء المجلس الرئاسي حول من يخلفه”.

وبين هذا الرأي وذاك، يتضح جليا أن الولايات المتحدة دخلت بقوة على خط الملف الليبي، عبر فتح مسارات إضافية في مسعى لإحداث اختراقات سياسية قد تُساعد في دفع ملتقى الحوار السياسي الليبي – الليبي المباشر الذي ستستضيفه تونس خلال الأسبوع الأول من الشهر القادم، نحو بلورة حل مقبول من الجميع.

عن "العرب" اللندنية

الصفحة الرئيسية