تناقضات حركة النهضة في ضوء محاولات الغنوشي استعادة البرلمان

تناقضات حركة النهضة في ضوء محاولات الغنوشي استعادة البرلمان


17/04/2022

يستوقفني هنا لفظ تناقضات! وأتساءل منذ متى كانت حركة النهضة متناقضة؟ فالتناقض دليل على التطوّر في الفكر وبدايته حيرة، بينما الصفة الثابتة عند الإخوان؛ هي الثبات على القول؛ وهو قول تلقّوه منذ حقبة الثلاثينيات، في صيغة أمر مطلق بالطاعة والتطبيق الأعمى، وهي طاعة اختزلتها البيعة، ونتيجة لذلك فإنّ كلّ من يميل إلى التفكير، أو النظر، أو النقاش؛ إنّما هو رجس من عمل الشيطان، وعلامة من علامات الزيغ.

هذه هي المنصّة العقدية التي يجتمع عليها الإخوان؛ فتعليمات مرشدهم، أو النقيب الذي يمثّل المرشد، مقدّسة، وعلينا ألّا نغترّ بتلك الشطحات التي رأيناها في السنتين الماضيتين من إعلان عن الاستقالة من المناصب القيادية، وخاصّة أنّ الكثيرين، غير العالمين بخفايا الإخوان، اعتقدوا أنّ في تلك المواقف تصريح بالخروج من المعبد؛ فالدخول إلى معبد الجماعة أبدي، والله أعلم إن كان التابع حرّاً بعد مماته من سيادة المعبد، أم هو عبد في الدنيا والآخرة.

ظاهرة الغنوشي والاستبداد المقدس

أمّا الظاهرة الغنوشيّة؛ فهي تختزل الحكم المطلق بما يحمله من تكتّم وغرور، وتسيير للأمور بعصا استبدادية، هو الشخصية الأمّ، شخصية ترى أنّ كلّ من في المعبد عبيد يأتمرون بإشارته، وأنّ من هو خارج المعبد ساذج، يفتقر إلى الحنكة السياسية؛ كيف لا وقد تغذّى ممّا يروّج عنه بأنّه داهية سياسيّة، وكيف لا وقد أمسك برقبة المرزوقي، وهنأ بحضن السبسي الذي وهبه تونس بشعبها قرباناً، بعد اجتماع "سقيفة باريس".

أسقطت ذاكرة الإخوان كيف أنّ لجنة صياغة الدستور، تحوّلت إلى مجلس موسّع للنواب؛ يعيّن الحكومات الإخوانية الواحدة تلو الأخرى، ويصدر القوانين المؤطرة للتمدد والتمكين، لتجُبّ ما سبق من أحكام

سنوات هُيّئت فيها تونس عروساً للغنوشي؛ فأمكنه أن يعيث فيها فساداً، وأن يحرثها طولاً وعرضاً، وأن يطبّق حلم زعيمه الأوّل، حسن البنّا؛ فانغرست سياسة التمكين دون عناء، أو مواجهة من السياسيين، وبعض من حُمل على المجتمع المدني.

تلك هي وضعية تونس التي انتهت بالبلاد إلى مشارف الفقر، بعد أن طبّقت فيها سياسة التسوّل، وتقاسم الإخوان ما فيها مختزناً من خيرات؛ استناداً إلى منطق الغنيمة والسلب، واستحوذ من كان متعطّشاً منهم إلى السلطة بمناصب وزارية، فكانوا ضماناً لأن تمتدّ أيادي عبيد الغنوشي؛ ليحتلّوا الوظائف بغير وجه حقّ، وجميع ذلك يندرج ضمن سياسة التمكين، وهي سياسة نجحت في أن تشل جميع المجالات الاقتصادية؛ لأجل بلوغ مرحلة "الفوضى الهدّامة"، عسى أن يعيدوا بناء هرم جديد على مثال الهرم الإخواني، فيكون الغنوشي قد وُفّق من حيث فشل مرسي في تهيئة النواة الأولى؛ لبناء دولة الخلافة الإخوانية.

هذا هو في إجمال وضع تونس، بعد أن اغتصبها الغنوشي، وظلّ يغتصبها طيلة 10 سنوات أمام أعين أبنائها.

معجزة السماء

وبناء على كل ما مضى، أعتبر قرارات 25 تمّوز (يوليو) 2021، بمثابة معجزة من السماء؛ أزاحت الوحش المغتصب من على جسد تونس، طبعاً، كانت البداية بالتجميد، والبيّن أنّ الغنوشي ومن يعضده ممّن يعدّون أنفسهم أصحاب راية في المعرفة بالقانون، رأوا فيه خروجاً عن الشرعية، وهنا أشير إلى أنّ الشرعية هي كلمة حقّ أرادوا بها باطلاً، فالشرعي عندهم هو ما يرتضونه هم ولا أحد سواهم، والشرعي عندهم هو الحامل لطابعهم هم دون سواهم، وأسقطت ذاكرتهم كيف تلاعبوا بالشرعية، طيلة أربع سنوات، بعد أن أعلنوا عن صياغة الدستور لمدّة لن تتجاوز السنة، وأسقطت ذاكرتهم كيف أنّ لجنة صياغة الدستور، تحوّلت إلى مجلس موسّع للنواب؛ يعيّن الحكومات الإخوانية الواحدة تلو الأخرى، ويصدر القوانين المؤطرة للتمدد والتمكين، لتجُبّ ما سبق من أحكام، أسقطت ذاكرتهم كيف اختار الغنوشي المرزوقي رئيساً للدولة، فكان بمثابة مهرّج في قصر قرطاج، حيث هتّك الأبواب، وفرش الزرابي للدعاة، ونشر لهم أسرار الدولة.

مثل هذه الومضات من الذاكرة كافية؛ لأن تجيب بأنّ هؤلاء وعلى رأسهم الغنوشي، لا يمكن البتّة أن يقبلوا بقرار التجميد في 25 تمّوز (يوليو) الماضي، وكافية لأنّ تجعلنا نفهم ما معنى نعتهم للرئيس سعيّد ومن والاه بــ"الانقلابيين"، لأنّ ما جرى في الحقيقة، هو انقلاب على الغنوشي وجماعته، وطبعاً مثل هذا القرار لا يمكن أن يعجبهم البتّة.

ولكن، إلى أيّ مدى، تلعب الحركة على تناقضات الفرقاء السياسيين؟

تبيّن بوضوح أنّ ما يمكن اعتبارهم بفرقاء سياسيين، ليسوا سوى أتباع، وحتى صفة حلفاء لا تستقيم، وهذا يدفع الملاحظ إلى التفكير في الخيوط الخفية، التي كانت تربط إخوان تونس بهؤلاء؛ فقد كنّا قبل العام 2011، نتحدّث عن حلف 18 تشرين الأول (أكتوبر)، وظنّنا، في سذاجة، أنّ هذا الحلف مثّل محطّة تاريخية في حكم زين العابدين بن علي، ولم يعد هناك مبرّر لوجودها، لكن الغريب أن نصدم بأنّ هذا الحلف ما زال حيّاً في وجدان هؤلاء، الذين تمكّنوا في هذه العشرية من تشكيل أحزاب، وأسهموا في رسم صورة لمجلس النواب منذ العام 2014 وقبله، في مجلس صياغة الدستور.

الظاهرة الغنوشيّة تختزل الحكم المطلق بما يحمله من تكتّم وغرور، وتسيير للأمور بعصا استبدادية، شخصية ترى أنّ كلّ من في المعبد عبيد يأتمرون بإشارته، وأنّ من هو خارج المعبد ساذج يفتقر إلى الحنكة السياسية

اعتقدنا للحظات أنّ هذه الأحزاب ستشكّل حزاماً آمناً؛ للدفاع عن مبادئ الدولة التونسيّة، وعن مكاسبنا، لكن، وللأسف واجَهَنا صمتٌ مريبٌ، وتلاعبٌ بالمواقف والعبارات، وما كنّا نسمعه لا يتجاوز نغمات صوتية؛ لتلوين اللحن السياسي.

أمّا الصحيح والثابت، فهو ما عشناه بعد 25 تمّوز (يوليو) الماضي، فلم تعد لعبة الأقنعة لتفيدهم، والتفّتْ الساق بالساق، واقتضى منهم الوضع أن يكشفوا عن حقيقة علاقتهم بالإخوان؛ فإذا بحلف 18 تشرين الأول (أكتوبر)، يعيش بيننا ويقتات من خيراتنا، وإذا به يتغذّى من ينابيع الإخوان، وعاد من كان يعدّ نفسه قيادياً إلى الساحة السياسيّة؛ ليعضد الغنوشي، حتى وإن خرج إلينا هرماً، ووهنت عظامه، وذهب عنه شبابه.

لذا أقول، إنّ من اعتبروا فرقاء سياسيين، ليسوا سوى فرقاء علينا نحن، حتى يسترجعوا سلطة الإخوان الضائعة، ففي بقاء الغنوشي استمرار لحياتهم.

*أستاذة الحضارة الإسلاميّة في الجامعة التونسيّة

مواضيع ذات صلة:

تونس: الغنوشي انتهى سياسياً فهل تختفي "النهضة"؟

الغنوشي يلعب بآخر أوراقه.. فهل احترقت مراكب النهضة؟

ماذا وراء قرار الغنوشي حل المكتب التنفيذي لحركة النهضة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية