تناقضات حركة النهضة.. كيف نقرأ التصريحات الأخيرة للإخواني علي العريض؟

تناقضات حركة النهضة.. كيف نقرأ التصريحات الأخيرة للإخواني علي العريض؟


14/04/2022

خرج القيادي بحركة النهضة الإخوانية، ونائب رئيسها، علي العريض، الثلاثاء الماضي، بتصريحات ادعى فيها أنّ بلاده أصبحت "قضية انقلاب"، مؤكداً على إصرار حركة النهضة على مواصلة التحركات الميدانيّة، لـ"تقويض المسار الإصلاحي".

رئيس الوزراء التونسي السابق، زعم أنّ "الحوار الوطني غير موجود في تونس، في الوقت الحالي". وأضاف: "هذا الشكل من الحوار الذي اتخذه الرئيس، لا ينتظر منه إخراج البلاد من أزمتها، الحوار الذي يجري الآن سيكون فاقداً للمصداقية، وهو إمعان في تكريس السياسة الفردية للرئيس، هذا الأمر يزيد في تقسيم التونسيين".

وبالطبع فإنّ حركة النهضة، التي سبق وقسّمت التونسيين، لا يمكن أن تعترف بحوار يتجاهلها، في دلالة يمكن من خلالها استشراف مستقبل الحركة، التي باتت، ليس فقط معرضة للتهميش على المسرح السياسي، وإنّما يبدو أنّها أيضاً في طريقها للحل والتفكيك.

وكان وزير الخارجية التونسى، عثمان الجرندي، قد أكّد أنّ "الاستحقاقات الانتخابيّة القادمة، ستجري في موعدها المحدّد، بعد إجراء حوار وطني، وتنظيم استفتاء شعبي حول تعديل الدستور، وتغيير نظام الحكم".

النهضة تناقض نفسها

علي العريض واصل هجومه على الرئيس التونسي قيس سعيّد، متهماً إياه بـ"انتهاج سياسات فرديّة"، ووصف الوضع في البلاد بـ"المتعفن" على كافة المستويات، سواء السياسية، أو الاقتصادية، أو المالية، أو الاجتماعية.

حركة النهضة، التي سبق وقسّمت التونسيين، لا يمكن أن تعترف بحوار يتجاهلها

ويمكن هنا الاشتباك مع هذا الطرح في دهشة، فحركة النهضة التي هيمنت على المشهد السياسي لعشرة أعوام، وأوصلت البلاد إلى طريق الانسداد الكامل على كافة الأصعدة، ها هي تعقب على الوضع العام بعد أقل من تسعة أشهر من إجراءات الرئيس، لتصفه بالمتعفن والمتردي!

نائب رئيس حركة النهضة، ادعى أنّ تونس أصبحت دولة بلا مؤسسات شرعية، "بعد أن قام سعيّد بحل أغلبها، ولم يبق سوى نفسه".

العريض، في محاولة للتأثير على الدول المانحة، وكذلك صندوق النقد الدولي، قلّل من فرص الاستثمار في تونس في الوقت الحالي، بسبب ما وصفه بالعزلة، كما توقع (أو تمنى) فشل الدولة في مواجهة تفشي الفقر والبطالة، مدعياً أنّ "الوضع لا يساعد البلاد، على ضمان اتفاقات مع المؤسسات الدوليّة المانحة، ولا حتى ضمان اتفاقات في إطار التعاون الثنائي مع بعض الدول".

 

واصل علي العريض هجومه على الرئيس التونسي متهماً إياه بانتهاج سياسات فرديّة، ووصف الوضع في البلاد بالمتعفن على كافة المستويات، سواء السياسية، أو الاقتصادية، أو المالية، أو الاجتماعية

 

وربما تكشف تلك التصريحات حقيقة النوايا الإخوانيّة، فالهدف هو الحكم دائماً، وفي حالة الإبعاد أو الفشل، فلتذهب الدولة إلى الجحيم، ذلك أنّ أولويات الأجندة السياسيّة واضحة تماماً، وفق هرم تأتي على رأسه الجماعة، بينما لا وجود في قاعدته للآخرين.

وبالاشتباك مع الراهن التونسي، نجد تناقضاً حاداً في تصريحات العريض، الذي حاول الإيعاز بأنّ النظام التونسي في عزلة، على الرغم من اجتماع الرئيس قيس سعيّد، بوفد البرلمان الأوروبى الذي زار تونس لمدة ثلاثة أيام، وقالت الرئاسة في بيان رسمي، إنّ الرئيس "شدّد على أنّ الحوار الوطنى انطلق فعلاً، وسيكون على قاعدة نتائج الاستشارة الإلكترونية". وأضاف البيان: "الانتخابات التشريعية المقبلة ستكون حرة ونزيهة، وتحت إشراف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات".

كما استعرضت رئيسة الحكومة، نجلاء بودن، أمام وفد لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الأوروبي، الاستحقاقات السياسيّة القادمة في البلاد؛ لاستكمال المسار الديموقراطي، وبنائه على أسس سليمة، من خلال الاستفتاء على الدستور، وإجراء انتخابات تشريعية.

رئيسة الحكومة، نجلاء بودن

من جهته، عبّر الوفد الأوروبى عن اعتزازه بالعلاقات المميزة مع تونس، وأعلن مساندته لمسارها الإصلاحى من أجل تدعيم الديمقراطية، مع ضرورة احترام مبادئ التشاركية والتعددية، في سائر مراحل خريطة الطريق.

كما استقبلت نجلاء بودن المبعوث الخاص بالرئيس الفرنسي جيل كيبال، في حضور سفير فرنسا بتونس، أندري باران، وأكد الطرفان على ضرورة تعزيز التعاون الثنائي في مجال حماية الشباب من التطرف. كما أكدت بودن، على مواصلة "دور الدولة في الحد من التفاوت الاجتماعي، عبر تكريس الإصلاحات الهيكلية للمؤسسات والمنشآت، وتطوير المنظومة التعليمية والجامعية". ولا ندري هنا، عن أيّ عزلة يتحدث علي العريض!

شعارات النهضة البالية

العريض، اتهم قيس سعيّد باستهداف الديموقراطية، والأحزاب السياسيّة، لافتاً إلى أنّ "حركة النهضة تتحرك ضمن عدد كبير من المكونات السياسيّة، التي تناضل ضد الانقلاب". على حد وصفه. رغم أنّه حتى اللحظة، لم يتضامن مع النهضة سوى حركة "مواطنون ضد الانقلاب"، والتي يعتبرها كثيرون إحدى الأذرع الإخوانيّة المستترة، وكذا الحزام السياسي الهش والمرتبك، الذي يتضمن الأحزاب الموالية للحركة.

كما زعم علي العريض، أنّ نظام الحكم أصبح فردياً ومطلقاً، وأنّ محاولات التصدي للانقلاب، بحسب وصفه، هي التي منعت من تحول الحكم الفردي إلى حكم استبدادي، كما زعم أنّ الإعلام أصبح يتلقى أوامره من السلطة الحاكمة. وأضاف: "لا يوجد أيّ مجال في تونس في مأمن من الانقلاب، المضايقات ستستمر على الجميع، والمنع سيشمل الجميع؛ إذا لم يتم التصدي لهذا الانقلاب، الذي يتمدد باستمرار".

هل تأخرت الرئاسة؟

من جهتها، ارتفعت الأصوات المطالبة بقطع الطريق على حركة النهضة، عبر الإسراع بوتيرة الحراك الإصلاحي، واتهم البعض الرئيس التونسي بالبطء وفقدان بوصلة التغيير للاتجاه الصحيح، وهو ما علّقت عليه الدكتورة نائلة السليني، أستاذ الحضارة الإسلاميّة، بالجامعة التونسيّة، في تصريحات خصّت بها "حفريات" مؤكدة أنّه من موقع الذي لا يعلم بخفايا الكوارث التي تركها الإخوان بالبلاد، فإنّ الرئاسة تأخرت، ذلك أنّ المجتمع اليوم لا يطالب سوى بأمر واحد: المحاسبة، ولا شيء غيرها.

ارتفعت الأصوات المطالبة بقطع الطريق على حركة النهضة، عبر الإسراع بوتيرة الحراك الإصلاحي

 وتضيف: "نقول تأخّرت الرئاسة، عندما نشاهد الإخوان وحلفاءهم يتجوّلون أحراراً كأنّهم ملائكة الأرض، عندما يكثّفون اتصالاتهم بأمريكا وبريطانيا، ويطلبون الغيث من تركيا، نقول تأخرت الرئاسة عندما تصرّح هذه الدول بشكل مباشر أو غير مباشر، ببيانات ندرك منها أنّ الإخوان ألحقوا ضرراً فادحاً بتونس، فجعلوها بمثابة الإيالة أو الحارة التابعة لهذه البلدان، نقول تأخرت عندما نلمس غياب هيبة الدولة. من هذا الموقع، أجل تأخّرت الرئاسة".

 

نائلة السليني: قد يكون للرئاسة أعذارها، وقد يكون ما نعتبره تأخيراً، هو في الحقيقة حذر، ورغبة في أن نبلغ شاطئ الأمان في سلام

 

لكن الدكتور نائلة السليني تستدرك في تصريحاتها، لتلفت إلى أنّه من موقع الخبير بشؤون الإخوان، والقارئ لأفخاخهم عبر التاريخ، ومن موقع العالم بمدى إصرارهم، على أن تكون تجربتهم بتونس هي الناجحة، وخاصّة بعد أن أهدروا جميع أوراقهم الرابحة في مصر أو السودان أو المغرب وغيرها، فقد يكون للرئاسة أعذارها، وقد يكون ما نعتبره تأخيراً، هو في الحقيقة حذر، ورغبة في أن نبلغ شاطئ الأمان في سلام.

وتؤكد السليني، أنّه لابد ألّا يغيب عنّا، ونحن في هذه المرحلة، مدى ما بلغه الإخوان من مكر ودهاء وخديعة، ولا ننسى بيانات وزارة الداخلية، طيلة هذه العشرية، والتي أعلنت العثور على مخابئ للأسلحة في كامل تراب البلاد، ولا ننسى تدريبات ومغارات الإرهابيين بالجبال. وتضيف: "عندئذ نقول: لن تكون هزيمتهم بالعملية السهلة، وللأمن والجيش خريطة طريق، علينا أن نخضع لها".

وتختتم السليني تصريحاتها، مؤكدة أنّ الوضع اليوم أفضل بكثير، مستطردة: "من كان يفكّر لحظة في السنة الماضية، أنّ تونس ستتخلّص من ربقة الإخوان قريبا؟ صبرنا 10 سنوات، واليأس أطبق على الجميع، ونعتنا الغنوشي ساخراً " بالصفر فاصل"، لكن التاريخ أنصفنا اليوم، فإذا به هو وجماعته "الصفر.. لا غير". قد يكون لرئاسة الجمهورية، برئيسها، وأمنها، وجيشها، مقاربة تعتمد على الخصوصية التونسيّة في مواجهة الإخوان، وقد وقفنا على نماذج تنطلق من مواجهتهم "بالقانون"؛ حتى تتجنّب الرئاسة صفة الديكتاتورية، وحتى يتمّ التخلّص من هذا السرطان جذرياً، ومهما كان الأمر، فإنّ التجربة الإخوانية بتونس أكلها التاريخ، ولن تكون سوى ذكرى مريرة، عاشتها تونس طيلة عشريّة بأكملها.

مواضيع ذات صلة:

تونس: هل تفضي الاتهامات الموجهة لحركة النهضة الإخوانية إلى حلّها؟

قيس سعيد يطوي صفحة سيطرة الإخوان على القضاء

بعد كشف جرائمها... حركة النهضة تحاول تحريك الشارع التونسي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية