تنبؤات باحتلال السوريين لتركيا وامتلاء شوارع إسطنبول بالجريمة

تنبؤات باحتلال السوريين لتركيا وامتلاء شوارع إسطنبول بالجريمة


17/05/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

إنّه العام 2043، والعصابات السّوريّة تجوب شوارع إسطنبول، المدمّرة والمليئة بالجريمة، وتُضايق البقيّة الباقية من الأتراك. وحزب بقيادة سوريّين يصل إلى السّلطة في العاصمة الثّقافيّة والماليّة لتركيا ويُعلن اللغة العربيّة اللغة الرّسميّة لـ "دولة" إسطنبول.

في غرفة مظلمة، جرّاح تركيّ شابّ، أُجبِر على العمل حارس مستشفى، يشكو لوالديه من ربّ عمله السّوري، ويتساءل كيف أمكنهما ترك كلّ هذا يحدث بعد "تحذيرهم، مراراً وتكراراً، من أنّ السّوريّين كانوا ينفّذون احتلالاً صامتاً".

هذا الفيلم، الذي تبلغ مدّته تسع دقائق وأُنتِج بتكليف من "أوميت أوزداغ" رئيس "حزب النّصر"، اقُتلِع على ما يبدو من صفحات رواية ميشيل ولبيك الأكثر مبيعاً لعام 2015، "خضوع"، والتي يصل فيها حزب مسلم إلى السّلطة في فرنسا، ويُردّد أيضاً صدى حملة "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليمينيّ المتطرّف لعام 2019 المناهضة للمهاجرين والتي حذّرت من حالة تعريب قادمة لأوروبا.

لماذا ينقلب حزب قوميّ تركيّ ضدّ سوريّين يشاركونه الدّين ويتبنّى ثيمات معادية للأجانب وقومويّة شائعة عادةً بين اليمين المتطرّف المسيحيّ في الغرب؟ ربما لأنّ تركيا استضافت منذ أعوام لاجئين أكثر من أيّ بلد في العالم، حوالي 6 ملايين لاجئ إجمالاً. ويقطن إسطنبول وحدها 1.3 مليون لاجئ، حتّى في الوقت الذي يعاني فيه سكّانها أزمة اقتصاديًة لا نهاية لها على ما يبدو؛ فالليرة هبطت 45 في المئة العام الماضي، وبلغ التّضخّم 70 في المئة، في نيسان (أبريل).

فيلم "الاحتلال الصّامت"، الذي حصد أكثر من 4 ملايين مشاهدة منذ إطلاقه، يؤكّد أنّه بسبب سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها الحكومة بعد عام 2011، يعيش الآن حوالي 8 ملايين سوريّ في تركيا، ما يقرب من ضعف الرّقم الفعليّ، ويزعم أنّ العدد سيصل إلى 15 مليوناً في غضون عقدين، وما يصاحب ذلك من نتائج اجتماعيّة وسياسيّة كارثيّة.

ممّا لا يثير الدّهشة أنّ "حزب العدالة والتّنمية" الحاكم ليس سعيداً جدّاً بالفيديو الذي انتشر كالنّار في الهشيم.

مشهد من فيلم تركي قصير  يُظهر جرّاحاً تركيّاً شابّاً، أُجبِر على العمل حارس مستشفى، يشكو لوالديه من ربّ عمله السّوري، ويتساءل كيف أمكن للسّوريّين أن ينفذوا احتلالاً صامتاً

احتجزت السّلطات التّركيّة لفترة وجيزة مخرجة الفيلم، هاندي كاراكاسو، في اليوم التّالي لظهور الفيلم على موقع "يوتيوب"، بتهمة التّلاعب بالحقائق. وفي اليوم التّالي، أشار وزير الدّاخليّة، سليمان صويلو، في مقابلة تلفزيونيّة مباشرة، إلى أنّ أوزداغ سعى لتقويض الحكومة.

بعد أن أرسل أوزداغ إلى الإستوديو رسالة مخصّصة للوزير، منع صويلو المذيع من قراءتها بصوت عالٍ ووصف أوزداغ بأنّه "أقلّ من إنسان، أدنى من حيوان كان هذا مثل إظهار علم أحمر أمام ثور.

أوزداغ، وهو برلمانيّ تركيّ وقومويّ وأكاديميّ سابق، نشأ في أسرة قوميّة معتدّة. نصح والده الحكومة لأعوام وكان مقرّباً من ألبارسلان توركيس، مؤسّس الشّريك البرلمانيّ لـ "حزب العدالة والتّنمية"، و"حزب الحركة القوميّة" اليمينيّ المتطرّف، بينما كانت والدته تترأّس الجناح النّسائيّ في "حزب الحركة القوميّة".

بعد أعوام من توليه منصب نائب عن "حزب الحركة القوميّة، بشكل بارز، أُطيح بأوزداغ، عام 2016، بعد أن سعى إلى عزل دولت بهجلي، الذي أدار الحزب لأكثر من عقدين. ثمّ انضمّ أوزداغ إلى ميرال أكسينر، وحزبها الصّاعد "حزب الخير"، والتي بدورها أطاحت به في أواخر عام 2020.

منذ تأسيس "حزب النّصر في آب (أغسطس) الماضي، يبدو أنّه وجد إيقاعه باعتباره الأشيب الكاره للأجانب، وظهر كأكثر الأصوات "الأصلانيّة" خبثاً في تركيا. ينتقد إنفاق الحكومة مليارات على السّوريّين، بحجّة أنّهم يحصلون على وظائف بينما يعاني المواطنون الأتراك، ويتعهّد بانتظام بإرسال كلّ لاجئ إلى وطنه.

في كانون الثّاني (يناير)، واجه صاحب محلّ مجوهرات سوريّ يحمل الجنسيّة التّركيّة.

طالب أوزداغ بالاطّلاع على وثائقه ووصفه، في منشور على موقع "تويتر بأنّه خطر على تركيا، مثل ما يقرب من مليون آخرين حصلوا أيضاً على جوازات سفر تركيّة.

في الشّهر الماضي، أكّد أوزداغ أنّه إذا لم يختر تحالف المعارضة عمدة أنقرة منصور يافاس، الذي ينتمي إلى "حزب الشّعب الجمهوريّ"، ولكن له تاريخ مع "حزب الحركة القوميّة ويتقدّم في استطلاعات الرّأي المتعلّقة بالمرشّحين الرّئاسيّين المحتملين، كمرشّح له، فإنّ حزبه "حزب النّصر"، سيفعل ذلك.

بصفته مستقلّاً، يبدو أنّ أوزداغ تبنّى وجهة نظر معادية للجميع، مستهدفاً اللاجئين والمعارضة، التي تتبنّى خطّاً أكثر لُطفاً مناهضاً للمهاجرين، والحزب الحاكم.

ردّاً على إهانات صويلو على شاشة التّلفزيون، حثّ أوزداغ على "تويتر" الوزير على مقابلته في صباح اليوم التّالي أمام الوزارة، مثل طفل متنمّر يتحدّى طفلاً مجتهداً لخوض قتال بعد المدرسة.

فيلم "الاحتلال الصّامت"، الذي حصد ملايين المشاهدات، يؤكّد أنّه بسبب سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها الحكومة بعد عام 2011، يعيش الآن حوالي 8 ملايين سوريّ في تركيا

عندما ظهر أوزداغ أمام الوزارة في اليوم التّالي، أعاقته قوّات الأمن بسرعة وانتقل مرّة أخرى إلى "تويتر"، متّهماً صويلو بـ "جرّ بلدنا إلى كارثة من خلال استمرار جهله… بالغزو السّري".

يستقطب "حزب النّصر نصف 1 في المئة فقط من دعم النّاخبين، وفقاً لاستطلاعات الرّأي، وتقدّم محامون بطلبات لإغلاقه على أساس ما يبثّه من خطاب كراهية. ومع ذلك، فإنّ خطاب أوزداغ النّاريّ قد استفاد من بئر عميقة من الغضب، ممّا أكسبه أكثر من 1.3 مليون متابع على "تويتر".

قد تبدو جولة عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ التّركيّة، منتصف عام 2022، وكأنّها إعلان من حملة "حزب البديل من أجل ألمانيا"، المناهضة للهجرة: يُظهِر أحد مقاطع الفيديو أتراكاً يرتعدون من صراخ حشود من اللاجئين الرّاقصين على متن عبّارة في إسطنبول، ويُظهِر مقطع آخر امرأة تركيّة شابّة تجلس بجانب طفلها الصّغير وزوجها الباكستانيّ، حيث يشير نصّ إلى أنّه اختطفها وهي في الثّالثة عشرة من عمرها.

يُفسّر هذا لماذا حذّر رئيس بلدية إسطنبول المعارض الأبرز، والذي يُفترض أنّه ليبراليّ، من تغيير "لون المدينة بتهوّر"، ولماذا قال إنّ بعض السّوريين قد يحتاجون إلى "إعادة تثقيفهم"، ولماذا قرّرت الحكومة التّركيّة بناء مساكن لأكثر من مليون سوريّ في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في شمال سوريا.

قال الرّئيس رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي: "لم نفتح أبوابنا فقط لإنقاذ حياة المظلومين وشرفهم. لقد بذلنا ونبذل قصارى جهدنا من أجل عودتهم إلى ديارهم".

سيكون هذا بمثابة عودة إلى بلدهم، ولكن ليس إلى ديارهم.

 حوالي 4 ملايين سوريّ، باستثناء كلّ العراقيّين والأفغان والإيرانيّين والصّوماليّين، بنوا حياة وشركات ومجتمعات جديدة في بلد مستقرّ ومزدهر بشكل لا يصدّق مقارنة ببلدهم، ويعيش كثيرون منهم في تركيا منذ أعوام، بل منذ عقد من الزّمان، وحصل حوالي 200,000 منهم على الجنسية التّركيّة.

كم عدد الذين سيتنازلون عن طيب خاطر الآن للانتقال إلى قرى هي عبارة عن كتل من الطّوب في مناطق حدوديّة نائية وغير مستقرّة في دولة مزّقتها الحرب؟

من المقرّر أن تنتخب تركيا قيادة جديدة في غضون أكثر من عام بقليل. وفي الأشهر المقبلة، هناك فرصة جيّدة إمّا لأن نرى الحكومة تبدأ عمليّات الإعادة القسريّة، أو نشاهد رقعة واسعة من الأتراك، مدفوعين بالرّؤى المظلمة لأوزداغ، وهم يمزقون نسيج مجتمعهم المتغيّر.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ديفيد ليبيسكا، ذي ناشونال، أيار (مايو) 2022


مواضيع ذات صلة: 

حيلة لغوية أردوغانية تتلاعب بمصير اللاجئين السوريين في تركيا... ما القصة؟

مع تصاعد التوترات السياسية أردوغان يوظّف ورقة اللاجئين السوريين

ترحيل اللاجئين السوريين.. أردوغان يكمل خطة التغيير الديمغرافي شمال سوريا.. ما علاقة الإخوان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية