تنظيم "الدولة الإسلامية" في موزمبيق... متى وكيف بدأ التمدد؟

تنظيم "الدولة الإسلامية" في موزمبيق... متى وكيف بدأ التمدد؟


30/05/2021

بعد تهاوي معاقله في سوريا والعراق، بدأت أنشطة تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف تنتقل إلى ساحات جديدة، وكانت القارة الأفريقية أبرزها، بسبب ما يتوفّر في أجزاء منها من بيئة خصبة للتنظيم، من حيث توفّر المظلوميات والتهميش، وهشاشة الدول، وإمكانية تحرّك المقاتلين عبر حدود الدول، وهي بيئات تُعتبر مثالية لنشاط الحركات الجهادية المتطرفة.

يعاني المسلمون في شمال موزمبيق من الفقر والتهميش، ما هيّأ لولادة نزعات بينهم تميل إلى التشدد والرغبة بالانفصال عن الحكم المركزي

وكان ظهور وتصاعد نشاط "ولاية وسط أفريقيا" المبايعة للتنظيم منذ العام 2018 أحد مظاهر هذا التحوّل نحو الساحة الأفريقية، وخاصة مع تمددها في عدة دول أفريقية، كان آخرها موزمبيق، لتمتد بذلك رقعة أنشطتها في مساحات شاسعة، من أواسط القارة حتى أقصى غربها.

الجذور والبدايات... المرحلة الدعوية

تُعتبر مقاطعة "كابو ديلغادو"، شمال موزمبيق، من أغنى مقاطعات البلاد من حيث الموارد، إلا أنّ سكانها - وغالبيتهم من المسلمين - يعانون الفقر والتهميش، ما هيّأ لولادة نزعات تميل إلى التشدد والرغبة بالانفصال عن الحكم المركزي في البلاد، والذي ينظر إليه من ناحية طائفية باعتباره حكماً مسيحياً لهم.

باللون الأحمر... مقاطعة "كابو ديلجادو" شمال موزمبيق

في هذا المناخ، ومع مطلع أعوام الألفية الثالثة، وبينما كانت شركات الغاز قد بدأت باستثمار وتصدير الغاز عبر موانئ المقاطعة ومن سواحلها، متسببةً في تهجير سكان عدد من القرى الساحلية، ظهرت جماعة دعوية أصولية أخذت تنتشر بين سكان المقاطعة، عُرفت باسم "أهل السنّة والجماعة"، وكانت أنشطة هذه الجماعة تتركز بشكل أساسي في بناء المساجد، ونشر التديّن بين السكان، مع تبنيها تفسيرات متشددة لتعاليم الإسلام، وكانت في ذلك تستغل وتستثمر في مشاعر الغضب المحلي المنتشرة بين السكان تجاه الحكومة المركزية، والتي كان ينظر إليها بينهم على أنها حكومة ظالمة.

التحوّل نحو السلاح

ابتداءً من العام 2015 أصبحت المجموعة تُعرف بـ "جماعة أنصار السنّة"، واستمرت بالتوسع في أنشطتها إلى أن جاء التحوّل الأبرز مع التوجه من العمل الدعوي إلى شنّ تمرّد مسلح ضد الحكومة الموزمبيقية، وذلك بدءاً من العام 2017، ومنذ ذلك الحين بدأت الجماعة تُعرف باسم "جماعة الشباب"، وهو الاسم الذي أطلقه السكان في مقاطعة "كابو ديلجادو" على الجماعة المتمردة؛ لأنها ذكّرتهم بتنظيم "حركة الشباب" الصومالي الإرهابي، المرتبط بتنظيم القاعدة العالمي، رغم عدم وجود صلة بينهما.

مقاتلو تنظيم "الدولة الإسلامية" في بلدة "كيسانجا"، شمال موزمبيق، في نيسان 2020

بدأ التنظيم عملياته بشنّ هجمات مسلحة على وحدات الشرطة في مدينة "موكيمبوا دا براي" الساحلية في تشرين الأول (أكتوبر) 2017. من جهتها، فإنّ الحكومة تعاملت مع هذا التحوّل على أنه تدخل من قبل أيدٍ خارجية لاستغلال الشباب المسلم المتشدد في مقاطعة "كابو ديلجادو"، مع استغلال الغضب الشعبي إزاء استثمار موارد الغاز الطبيعي في المقاطعة، وبدأت بحشد مزيد من القوات المسلحة في "كابو ديلجادو".

الانضمام إلى "الدولة الإسلامية"

في أيار (مايو) 2018، نشر بعض مقاتلي الجماعة صوراً لهم وهم يرتدون العلم الأسود الخاص بتنظيم "الدولة الإسلامية"، وبحلول منتصف العام 2018 بدأت التقارير الصادرة عن الاتحاد الأفريقي تتحدث عن تسلل مقاتلي "الدولة الإسلامية" إلى شمال موزمبيق، قادمين من دول مجاورة. بالرغم من ذلك، ظلّت مسألة وجود تنظيم "الدولة الإسلامية" في موزمبيق محلّاً للخلاف في ذلك الوقت، فقد نفت الحكومة الموزمبيقية أيّ تواجد لموالين لتنظيم الدولة الإسلامية على أراضيها.

ارتباط ومبايعة تنظيم "الشباب" لتنظيم "الدولة الإسلامية" جاء عبر الارتباط بالفرع "ولاية وسط أفريقيا"

ومنذ العام 2019 أخذ التنظيم يُصعّد من هجماته، ما اضطر الحكومة للاستعانة بقوات فاغنر الروسية، وأيضاً بشركة "دايك إدفايزوري جروب" الأمنية الجنوب أفريقية، واضطرت إلى تشكيل قوات مشتركة مع تنزانيا، لكنّ هجمات المسلحين المتحصنين في الأدغال والغابات الاستوائية الكثيفة استمرت بالتصاعد.

وفي 4 حزيران (يونيو) 2019، تمّ حسم الجدل، وجاء إعلان الانضمام الرسمي والمبايعة من قبل تنظيم الشباب لتنظيم "الدولة الإسلامية"، فقد أصدر إعلام التنظيم في حينه إعلاناً بأنّ ولايته في وسط أفريقيا (التي كان وجودها مقتصراً على جمهورية الكونغو الديمقراطية وتنزانيا المجاورتين  لموزمبيق) قد نفذت هجوماً على القوات المسلحة الموزمبيقية.

اضطرت القوات الموزمبيقية إلى تشكيل قوات مشتركة مع تنزانيا لمحاربة التنظيم المتطرف

وبذلك فإنّ ارتباط ومبايعة "الشباب" لتنظيم "الدولة" جاء عبر الارتباط بالفرع "ولاية وسط أفريقيا" المرتبط بالتنظيم العالمي، الذي كان متواجداً وناشطاً بالأساس في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية تنزانيا. وبحسب تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية فإنّ القائد المعيّن لتنظيم "الدولة الإسلامية" في موزمبيق هو "أبو ياسر حسن".

اقرأ أيضاً: على طريقة الموصل.. أكبر مدن موزمبيق تسقط في يد داعش.. ما القصة؟

إثر ذلك، بدأت الهجمات تتصاعد، وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2019، نفّذ تنظيم "الدولة الإسلامية" في وسط أفريقيا كمينين لقوات الأمن الموزمبيقية ومقاتلي فاغنر الروس في مقاطعة "كابو ديلجادو"، وقُدّر عدد ضحايا الهجومين بـ27.

وفي العام 2020 تعزّزت العمليات التي يشنها تنظيم ولاية وسط أفريقيا في كل من الكونغو وموزمبيق. وجاء الهجوم الأبرز في 22 حزيران (يونيو) عبر كمين استهدف قوات حفظ السلام بالقرب من مدينة بيني (شرق الكونغو).

من الغارات إلى احتلال الأراضي

خلال العام 2020 تبدلت استراتيجية ولاية وسط أفريقيا من شنّ الغارات والهجمات إلى احتلال الأراضي والسيطرة على المدن. ففي 11 آب (أغسطس) 2020 هزمت ولاية وسط أفريقيا القوات المسلحة الموزمبيقية، وتمكّنت من السيطرة على "موكيمبوا دا برايا" (مدينة ساحلية في شمال موزمبيق، تقع على ساحل المحيط الهندي)، والتي تضم ميناءً مهمّاً لتصدير الغاز الطبيعي.

باللون الرمادي... مناطق سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" شمال موزمبيق

وقام التنظيم بإعلان المدينة عاصمةً له في موزمبيق، واستولى على عدة قرى بالإضافة إلى قاعدتين عسكريتين بالقرب من المدينة، بما في ذلك الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة كانت فيهما. وخلال شهر أيلول (سبتمبر) قام التنظيم بتوسيع حدود سيطرته من خلال السيطرة على عدد من الجزر المقابلة لشواطئ المنطقة. وقد أدت هذه السيطرة على الأرض إلى توفير عائدات ثابتة لتنظيم "ولاية وسط أفريقيا" في موزمبيق، مع تمكّنهم من فرض ضرائب على التجارة المحلية في المعادن والمخدرات، إذ تُعدّ مدينة "موكيمبوا دا برايا" مركزاً لتهريب المخدرات.

ومن ثم جاء التوسّع الأكبر للتنظيم مع السيطرة على مدينة بالما (شمال موزمبيق) في 26 آذار (مارس) 2021 الماضي. وهو الهجوم الذي تسبّب في نزوح حوالي 11 ألفاً باتجاه الجنوب.

إثر تزايد وتيرة هجمات التنظيم، أعلنت شركة توتال الفرنسية توقف منشآتها عن العمل في مشروعها لاستثمار الغاز شمال موزمبيق

وإثر تزايد وتيرة الهجمات أعلنت شركة توتال الفرنسية في مطلع نيسان (أبريل) 2021 توقف منشآتها عن العمل في مشروعها لاستثمار الغاز الطبيعي شمال موزمبيق، وقامت بإجلاء الموظفين الأجانب من المنطقة.

وبالرغم من تحوّلات الواقع الميداني في شمال موزمبيق وما يمكن أن تؤول إليه مستقبلاً، إلّا أنّ جذور المشكلة تبقى في شعور السكان بمقاطعة "كابو ديلجادو" بأنهم يتعرضون لاضطهاد من قبل مركز الحكم، وبأنّ ثروات المقاطعة يتم نهبها من قبل المركز والشركات العالمية، وهو ما يعزز الشعور لديهم بوجوب الدفاع عن مقاطعتهم في مواجهة "المسيحيين في الجنوب"، ومن ثم فإنّ التنظيمات المتطرفة - كتنظيم الدولة الإسلامية - تأتي لتستثمر في هذه القاعدة من القناعات والمشاعر الغاضبة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية