تونس: الرئيس يحاصر "النهضة" من كلّ الاتجاهات

تونس: الرئيس يحاصر "النهضة" من كلّ الاتجاهات


23/03/2022

يمضي الرئيس التونسي قيس سعيّد في فتح حروب بكلّ الاتجاهات مسنوداً بدعم شعبي، لا سيما في ظلّ الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واستشراء الفساد والرشوة في البلاد؛ إذ إنّه بعد قرار تجميد مجلس نواب الشعب، امتدّت موجة الإجراءات الاستثنائية إلى المجلس الأعلى للقضاء ليتم تصنيفه في عداد الماضي، ليعلن حرباً جديدة ضدّ المحتكرين الذين تعمّدوا خلق أزمة غذاء.

ويتواصل في تونس منذ أسابيع فقدان الكثير من المواد الاستهلاكية الأساسية في البلاد، على غرار الطحين والزيت والسكر والخبز والأرز، وهو ما اضطرّ بعض المحلات التجارية في العاصمة تونس لوضع لافتات تدعو فيها الزبائن إلى الشراء بكميات محدودة هذه المواد.

الفساد استشرى في كلّ شرايين الدولة والمجتمع ومن الضروري مقاومته بكلّ الوسائل المتاحة.. وملفات فساد بعض قيادات النهضة موجودة وهي رهين تحرّر القضاء، وهذا ما يقلق الحركة

وتأتي هذه الأزمة في الوقت الذي تسيطر المخاوف على التونسيين من فقدان هذه المواد في الأسواق خصوصاً مع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا؛ لأنّ البلاد تستورد 60% من القمح من هذين البلدين.

حرب على المحتكرين

وكان الرئيس التونسي قد أعلن "حرباً" على محتكري المواد الغذائية والأساسية، كالطحين والسكر، إثر تواصل فقدانها لأسابيع في الأسواق المحلية، وقال في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التونسية: "إنّها حرب دون هوادة ضدّ المحتكرين المجرمين في إطار القانون".

وأضاف في اجتماع مع وزير الداخلية، توفيق شرف الدين، وقيادات أمنية في الوزارة: "عمليات الاحتكار بفعل فاعل، وهي سعي إلى ضرب السلم الاجتماعي والأمن في المجتمع".

سعيّد أكّد سابقاً أيضاً أنّه يعمل على إعداد مشروع مرسوم رئاسي لمواجهة الاحتكار في المواد الغذائية ومسالك توزيعها والتي يرى أنّها "مسالك التجويع" ويتضمن عقوبات تصل إلى السجن. 

وتعلن وزارة التجارة بشكل يومي حجز أطنان من هذه المواد يتم تخزينها بطرق غير قانونية في مستودعات ويتزامن ذلك قبل شهر رمضان الذي يتزايد فيه الاستهلاك.

يمضي الرئيس التونسي قيس سعيّد في فتح حروب بكلّ الاتجاهات مسنوداً بدعم شعبي

الحرب ضدّ المحتكرين رأى المحلل السياسي جمعي القاسمي أنّها ضرورية ولا بدّ من خوضها بكلّ العتاد والمعدات، وعلى جميع الأصعدة، مشدّداً على أنّها ستكون صعبة ومعقّدة لأسباب متعلّقة بالوضع الاقتصادي العالمي وانعكاسه على القدرة الشرائية للمواطن، وبتغلغل الاحتكار وانتشاره وتطوّره داخل المجتمع.

وقال القاسمي، في تصريحه لـ "حفريات"؛ إنّ هناك أطرافاً باتت معروفة تراهن على خلق مثل هذه الأزمات من أجل تآكل الرصيد الشعبي للرئيس وانهيار مشروعه الإصلاحي، مشيراً إلى أنّ هذه الأطراف هي أساساً الأطراف المعارضة لمشروع الرئيس في مقدمتهم حركة النهضة.

وأكد أنّ حركة النهضة استطاعت، خلال السنوات التي أمضتها في الحكم، أن تكوّن ما يُعرف بالحزام الأخضر، والمكوّن أساساً من شركات ومؤسسات ورجال أعمال، لافتاً إلى أنّها حرّكت هذه الشبكة باتجاه احتكار المواد الأساسية، من أجل تغذية الاحتقان الاجتماعي، وتشويه صورة الرئيس، داعياً إلى ضرورة الضرب بقوة على يد المحتكرين، والتشديد على ضرورة تطبيق القوانين. 

ومن المنتظر أن تختبر حرب سعيّد على المحتكرين شعبيته وقربه من الناس ومشاغلهم، وسط توقعات بأن ينجح سعيّد هذه المرّة في جعل التونسيين يشعرون بالأمان في هذه الحرب، التي يُتوقع أن تكون صعبة ومعقّدة؛ لأنّ شبكات التهريب تأسّست وقويت لعقود وتمتلك من الخبرات ما يكفي للمناورة والتخفي.

حرب الفساد ترهب "الإسلام السياسي" 

وتعهّد الرئيس سعيّد، منذ أن قرّر الترشح لرئاسة البلد بالاستمرار في محاربة الفساد، وأكّد أنّه لن يتخلى عن الشعب التونسي قائلاً: "لن نتخلى عن أيّ مليم من حق الشعب التونسي"، مشيراً إلى التزامه بتطبيق العدالة.

اقرأ أيضاً: تونس: تطورات في قضية "اللوبينغ''... وأدلة جديدة تدين حركة النهضة

وفي إطار حربه على الفساد، اعتقلت السلطات خلال الأشهر الأخيرة، باعتقال عدّة مسؤولين، فيما تقرّر حل البرلمان، وإقالة حكومة هشام المشيشي المدعوم من حركة النهضة، والتي قال سعيّد إنّ أغلب وزرائها متورطون في قضايا فساد، وتلاحقهم عدّة شبهات.

وبحسب إحصاءات رسمية، يكلف الفساد في تونس 3 مليارات دولار سنوياً، فيما يجمع خبراء اقتصاد على أنّ الرقم الحقيقي يبدو أكثر بكثير، وأنّ السلم الأهلي بات مهدداً نتيجة اتساع ظاهرة الرشوة والاحتكار والمحسوبية والعبث بقوت الفقراء.

كما كشفت دراسة حول "واقع الفساد في تونس بين الإدراك والحقيقة" وجود فارق كبير بين مستوى الإدراك الجماعي للفساد وحجمه الحقيقي في تونس يصل إلى حدود 300 بالمئة، مقابل نسبة لا تتجاوز 30 بالمئة في الدول الأوروبية والآسيوية.

المحلل السياسي جمعي القاسمي

وبسبب إصرار سعيّد على فتح جميع ملفات الفساد، يعيش الإسلاميون بتونس حالة من الارتباك، وذلك خشية أن تشملهم التحريات، وتطيح نهائياً بشعاراتهم، التي طالما حاولوا تلبيسها لبوس الدين والأخلاق، رغم أنّ الشارع التونسي يحملهم المسؤولية كاملة عن انتشار ثقافة الغنيمة واتساع دائرة العبث بالمال العام.

كما وتعارض حركة النهضة، التي تولت الحكم منذ 2011، كلّ الإجراءات الإصلاحية التي أعلنها سعيّد، ودعت إلى الاحتجاج ضدّه، كما دعت إلى إطلاق حوار ونقاشات تجمعهم مع الرئيس، وهو ما رفضه سعيّد نهائياً، بسبب تورّطهم في الفساد.

المحلل السياسي جمعي القاسمي لـ"حفريات": حركة النهضة تراهن على خلق الأزمات من أجل تآكل الرصيد الشعبي للرئيس وانهيار مشروعه الإصلاحي عبر تغذية الاحتقان الاجتماعي

ويواجه اقتصاد البلاد صعوبات منذ 2011، ولم يتجاوز معدّل النمو الاقتصادي 0.6% خلال السنوات العشر الأخيرة، فيما ارتفعت نسبة التضخم إلى 6%، وزادت أزمة جائحة كورونا من تفاقم الوضع في البلاد.

ويرى المحلل السياسي عبد الله العبيدي، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ الفساد قد استشرى في كلّ شرايين الدولة والمجتمع، حتى إنّ المواطن التونسي صار يراه في كلّ معاملاته اليومية، ومن الضروري مقاومته بكل الوسائل المتاحة في البلد، مشيراً إلى أنّ الرئيس قد فتح جبهات كثيرة في وقت واحد، وهو ما قد يصعّب نجاح الحروب التي يخوضها منفرداً.

ووفقا لأرقام البنك المركزي بلغ احتياطي النقد الأجنبي 7 مليارات دولار، أو ما يعادل 119 يوماً من الواردات، ويعيش البلد غياب استقرار في الوضع السياسي عمّق الأزمة الاقتصادية، في وقت دخلت البلاد قبل أسابيع في محادثات أولية وتقنية مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويلات جديدة.

الكاتب والباحث التونسي محمد ذويب

حرب ضدّ القضاء

وتعدّ الحرب ضدّ القضاء، معركة سعيّد المؤجلة، من تاريخ 25 تموز (يوليو)، حيث اختار لها تاريخ 6 شباط (فبراير)، الذي يصادف الذكرى التاسعة لاغتيال المعارِض اليساري شكري بلعيد، لإطلاق الفصل الأخير من المواجهة، عبر إعلانه أنّ "المجلس الأعلى للقضاء أصبح من الماضي".

ولم يخفِ سعيّد معاداته للقضاة منذ توليه السلطة أواخر 2019، إذ توجّه دائماً في خطاباته إلى القضاة بدعوتهم إلى تحمّل مسؤولياتهم في محاسبة الفاسدين وتطهير البلاد من اللوبيات السياسية والمالية التي تتعمّد تفقير الشعب.

ويرى سعيّد أنّ العشرات من أعضاء مجلس النواب فازوا في الانتخابات التشريعية الماضية بعد ارتكابهم جرائم انتخابية لم تتصدّ لها المنظومة القضائية، نظراً لبطء إجراءات التقاضي والتدخّل السياسي والحزبي في عمل القضاة، لا سيما من قبل حركة "النهضة" التي كانت موجودة في الحُكم طيلة العشرية الماضية.

اقرأ أيضاً: قيادي سابق بحركة النهضة يفتح النار على الغنوشي... ماذا قال؟

كما يُتهم القضاء بالتراخي في الحسم في قضايا الاغتيالات السياسية، التي لم يَبتّ فيها إلى اليوم، رغم مرور حوالي 10 سنوات سنوات على اغتيال القياديَين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، رغم المعطيات والوثائق التي قدّمتها هيئة الدفاع عن الشهيدين، والتي تورّطت في أغلبها حركة النهضة بالوقوف وراء اغتيالهما.

ويرى الباحث التونسي محمد ذويب؛ أنّ الحرب التي خاضها الرئيس على القضاء مهمة جدّاً، لكنّها بطيئة ولن تكون سهلة، خاصة أنّ هذه المنظومة قوية ومتماسكة وتضمّ قضاة وأحزاباً سياسية ومنظمات ورجال أعمال ومؤسسات وجمعيات تونسية وأجنبية.

ويقول ذويب، لـ "حفريات"،  إنّ هذه المعركة لن تكون سهلة، لافتاً إلى أنّ سعيّد قطع فيها شوطاً مهماً بتركيز مجلس أعلى جديد للقضاء، معتبراً أنّ من أول مهام هذه المنظومة القضائية الجديدة هي مقاومة الفساد المتفشي في كلّ القطاعات بلا استثناء.

ذويب شدّد أيضاً على أنّ تونس ستنجح في مقاومة الفساد أو على الأقل التخفيض من نفوذه، وهو ما أقلق حركة النهضة التي كانت جزءاً مهماً من هذا الفساد طوال العشرية الفارطة، خصوصاً أنّ ملفات بعض قياداتها موجودة، وهي فقط رهين تحرّر القضاء، مرجّحاً أن يكون لذلك تأثير كبير على المشهد السياسي في تونس في الفترة القادمة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية