تونس: الغنوشي تحت قصف الحلفاء والخصوم.. هل انتهى زعيم النهضة سياسياً؟

تونس: الغنوشي تحت قصف الحلفاء والخصوم.. هل انتهى زعيم النهضة سياسياً؟


04/06/2020

وسط أجواء مشحونة وسجالات بين عدد من النواب، انطلقت جلسة مساءلة رئيس البرلمان التونسي وزعيم حركة النهضة الإخوانية راشد الغنّوشي أمس، بشأن "الاصطفاف في المحور التركي-القطري، وتدخّل أنقرة في ليبيا وتكريس صفته لخدمة أجندات سياسية تخدم سياسة الإخوان بالمنطقة، وخاصّةً حول تحركاته الخارجية المشبوهة واتصالاته التي باتت تهدد وتغضب التونسيين وتهدد دبلوماسية بلادهم"، وفق لائحة المساءلة.

زهير مخلوف: الغنّوشي ليس فوق القانون ويجب محاسبته وسحب الثقة منه وفق ما ينص عليه الدستور

وهذه المرّة الأولى في تاريخ تونس التي تقع فيها محاسبة لرئيس البرلمان الذي يعتبر الرجل الثاني في الدولة وفق الدستور التونسي؛ إذ لم يحدث أن تمت مساءلة رئيس المجلس التأسيسى (البرلمان سابقاً) مصطفى بن جعفر، أو رئيس البرلمان السابق محمد الناصر، ولا حتى الرؤساء الذين تعاقبوا على البرلمان قبل ثورة كانون الثاني (يناير) 2011.
وفي الوقت الذي أسقط البرلمان التونسي لائحة تقدّم بها الحزب الدستوري الحر المعارض تقضي بإلزام مجلس نواب الشعب برفض التدخل العسكري في ليبيا، والتزام تونس بمبدأ الحياد بخصوص الصراع الليبي ورفض إقامة قواعد لوجستية وعسكرية في تونس هدفها التدخل في ليبيا، فإنّ محاسبة الغنوشي رافقها الكثير من المشادات الكلامية والمناوشات بين نواب حركة النهضة وباقي الأحزاب، خاصّةً بعد أن توعّد برلمانيون بتقديم إثباتات في الجلسة، فيما لوح آخرون بسحب الثقة من رئيس البرلمان، مستقبلاً، بعد استيفاء الشروط القانونية والتنظيمية لذلك.
لأول مرة في تاريخ تونس: النواب يحاسبون رئيس البرلمان في جلسة علنية

الغنّوشي تحت قصف الحلفاء والخصوم
تصعيدٌ سبّبته مواقف الغنوشي التي لا تتطابق مع المواقف التونسية الرسمية من حكومة الوفاق الليبية، فضلاً عن سياسته تجاه أنقرة والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي أثارت استياءً واسعاً في الأوساط السياسية والبرلمانية التونسية، لما تضمنته من مخالفة للأعراف الدبلوماسية المعمول بها.

محمد لطيفي: عزل الغنّوشي بات ضرورة لوضع حد لتجاوزاته خاصّةً أنّه استغل منصبه كرئيس للبرلمان لخدمة حركته

هذه المواقف أثارت غضب العديد من البرلمانيين التونسيين، وجعلت من حلفاء الغنوشي السابقين أعداء له، إذ اعتبر زهير مخلوف النائب عن حزب قلب تونس (28 نائباً، وهو من الأحزاب التي صوّتت لصالح انتخاب الغنوشي رئيساً للبرلمان) أنّ الغنّوشي "خالف القوانين التونسية التي تحدّد صلاحيات رئيس البرلمان، وأنّه مع عزل كلّ من يتجاوز صلاحياته الدستورية، وأنّ الغنّوشي ليس فوق القانون ويجب محاسبته، وسحب الثقة منه وفق ما ينص عليه الدستور".
واتهم مخلوف، في تصريحه لـ"حفريات"، حركة النهضة "بانتهاج أعمال الدواعش والتورط في انقلابات وتفجيرات، وأنّ تلك المخططات لم تكشف حتى الآن من قبل مؤسسات الدولة"، مشيراً إلى أنّه "يملك أدلة لإزاحة الحركة عن المشهد السياسي ككل".

اقرأ أيضاً: مناوشات في جلسة مساءلة الغنوشي.. ونواب: زعيم النهضة خطر على أمن تونس القومي
وقال مجدي بوذينة النائب عن كتلة الحزب الدستوري الحر(16 نائباً) الذي بادر بلائحة المساءلة، إنّ "جلسة المساءلة ستكون منطلقاً لسحب الثقة من الغنّوشي الذي بات يثير غضباً شعبياً وبرلمانياً وسياسياً متزايداً، بسبب تحركاته المشبوهة، وسياساته التي لا تراعي مصالح البلاد، ولا استقرار أمنها القومي"، مشدّداً على أنّ مطلب تنحية الغنوشي لم يعد مطلب الحزب الدستوري الحر فحسب بل أصبح مطلباً شعبياً، وفق قوله.
وأشار بوذينة في حديثه لـ"حفريات"، إلى أنّ الحزب بصدد تجميع عددٍ كافٍ من الإمضاءات من أجل عزل الغنّوشي، وأنّ بعض النواب حتّى من الكتل الداعمة للائتلاف الحاكم وقّعوا على العريضة، لافتاً إلى أنّ "بقاءه على رأس السلطة التشريعية خطر على البرلمان وعلى المصلحة العليا للبلاد وعلى الأمن القومي التونسي".

 

 

وأكد النائب محمد الصالح لطيفي عن كتلة المستقبل (9 نواب ، التي منحت في البداية الثقة لراشد الغنوشي لتولي رئاسة البرلمان، أنّ الغنوشي "ارتكب العديد من الخطايا المتعلقة بإقحام البلاد في سياسة المحاور، وحشرها في الحرب الدائرة في ليبيا، وهي مهمة كان يفترض أن تكون من صلاحيات رئيس الجمهورية قيس سعيد".
اللطيفي أشار أيضاً في تصريحه لـ"حفريات"، إلى أنّ مسألة عزل الغنّوشي باتت ضرورية لوضع حد لهذه التجاوزات، خاصّةً أنّه استغل منصبه كرئيس للبرلمان لخدمة حركته.
قصف "الإخوة" يزيد عزلة الغنّوشي
الضربات التي يتلقاها الغنّوشي تجاوزت الخصوم السياسيين، وحتى حلفاء أمسه، وتسلّلت إلى داخل البيت النهضاوي، وعلى يد "إخوته"، ما يشير إلى تململ من سياساته، وانفراده بالرأي؛ إذ طالبه عضو مجلس شورى الحركة زبير الشهودي، باعتزال السياسة نهائياً، وفق ما نقلته قناة التاسعة المحلية خلال حوارٍ أجرته معه.

 

 

محمد بوعود: وضع الغنوشي في البرلمان تحوّل لعبءٍ على الدولة واستنزاف للوقت والجهد

وشدّد الشهودي في تصريحه لـ"حفريات"، على أنّه "لا مجال للتجديد له في مؤتمر الحركة القادم لأنّ القانون الداخلي يمنع ذلك"، مجدّداً التعبير عن رفضه الصارم لدعوات المناشدة للغنوشي بالبقاء على رأس النهضة، "لأنّها تضر بالديمقراطية داخل الحركة".
وكان عدد من قياديي الصف الأوّل للحركة قد وقّعوا بياناً نشرته وكالة الأنباء الرسمية، طالبوا فيه بضمان التداول القيادي في الحركة بما يسمح بتجديد نخبها وذلك وفق مقتضيات نظامها الأساسي، في إطار تجديد عميق للحركة استجابة لمتطلّبات الواقع وحاجيات البلاد.

 

 

وبمقتضى القوانين الداخلية للحركة لا يمكن لرئيس الحركة، راشد الغنوشي، الترشح لولايةٍ جديدةٍ على رأس الحزب في المؤتمر القادم، الذي كان من المنتظر تنظيمه وسط هذا العام.
ومن بين الموقعين على هذه الوثيقة، صهر زعيم الحركة والقيادي البارز بالنهضة، رفيق عبد السلام، ورئيس مجلس الشورى، عبد الكريم الهاروني، ورئيس مكتب الانتخابات، محسن النويشي، وعضو المكتب السياسي، عبد الله الخلفاوي.
وفي خطوة مفاجئة، أعلن عبد الفتاح مورو، نائب رئيس حركة "النهضة" ومرشحها للانتخابات الرئاسية التي جرت في تونس العام الماضي، انسحابه من الحركة واعتزاله العمل السياسي، لافتاً إلى "وجود إشكالٍ كبيرٍ داخل الحركة لأنّ المعارك السياسية لم تعد خصومات على البرامج بل على الأيديولوجيا وتصفية الحسابات".
وكانت حركة النهضة قد شهدت خلال الأشهر الأخيرة عشرات الاستقالات بسبب سياسات زعيمها راشد الغنوشي وتفرده بالرأي ومحاولة الاستيلاء على مواقع القرار فيها.
البرلمان التونسي يسائل زعيم حركة النهضة بسبب تحركاته المشبوهة

 

 

توقعات بانتهاء الغنّوشي سياساً
هذا وتشهد تونس حراكاً احتجاجياً ميدانياً، سبق الجلسة، رفضاً لسياسات حركة النهضة ورئيسها في الداخل والخارج، دفع مراقبون إلى توقع انتهاء الغنوشي سياسياً أو، على الأقل، إضعافه برلمانياً.

مجدي بوذينة: جلسة المساءلة منطلق لسحب الثقة من الغنّوشي الذي بات يثير غضباً شعبياً وبرلمانياً وسياسياً متزايداً

ويتوقع المحلل السياسي، محمد بوعود، أن تتعمّق أزمة الغنّوشي السياسية، "لأنّه اختار منذ البداية نهجاً خاطئاً، بإصراره على رئاسة البرلمان، متناسياً أنّ ما بعد القمة لا يبدأ إلا الانحدار، ولأنّه حوّل نفسه إلى هدفٍ لكل السهام السياسية".
وأشار بوعود، في تصريحه لـ"حفريات"، إلى أنّ "وضع الغنّوشي داخل حركة النّهضة بات يشهد تململاً وانتقاداً كما لم يشهده من قبل، وتعالت أصوات لأوّل مرّةٍ تطالب بضرورة رحيله حتّى من أقرب الناس إليه، لافتاً إلى أنّ وضعه في البرلمان تحوّل إلى عبءٍ على الدولة، واستنزافاً للوقت والجهد في معارك مع خصومه لا تنتهي حتى تبدأ أخرى من جديدة".
وعن وضعه في السلطة التشريعية، قال بوعود إنّه لا يقل حرجاً عن وضعه الحزبي البرلماني؛ "إذ هو في خلافٍ مع رئيس الدولة، وفي صراعٍ مؤجّلٍ معه، قد ينفجر في أي لحظةٍ بسبب صراع الزعامات، إذ إنّ كلّاً منهما يرى نفسه الزعيم الأقوى، كما أنّه في خلافٍ مع رئيس الحكومة الذي يسعى إلى حشره في زاوية الرئيس المستضعف، ليحاول أن يفرض عليه توافقاً شبيهاً بالتوافق الذي أجراه مع الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي".

 

 

من جانبه، يرى المحلل السياسي باسل ترجمان في حديثه لـ"حفريات"، أنّ "الغنّوشي اليوم أضعف من أي وقتٍ مضى، وأنّه يمرّ بأسوأ مرحلةٍ على الإطلاق في تاريخه السياسي، مشدّداً على أنّ الأطراف التي حاولت الدفاع عنه، هي نفسها التي أساءت إليه، وسبّبت له الكثير من الإرباك والمتعب، وهزّت صورته لدى الرأي العام التونسي".
وقال ترجمان إنّ "مساعي سحب الثقة من الغنّوشي سواء نجحت أو لم تنجح، فإنّها تبقى سابقةً في تاريخ البلاد أن تجري محاسبة رئيس البرلمان ومساءلته، وأنّه حتى إن واصل الإشراف على جلسات البرلمان، وتسييرها فإنّه فقد رمزيته التي انتهت وإلى الأبد، إذ إنّه بات غير قادرٍ على السباق مع المشهد السياسي".

 

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية