تونس تستعد لاستقبال "أطفال داعش": ضحايا أم براعم متفجرة؟

تونس

تونس تستعد لاستقبال "أطفال داعش": ضحايا أم براعم متفجرة؟


20/02/2020

تتزايد المخاوف في تونس من عودة "أيتام" مقاتلي تنظيم داعش، من ليبيا وسوريا والعراق، خاصّةً بعد استعادة تونس في الأيام القليلة الماضية ستةً منهم من الجارة ليبيا، فضلاً عن ارتفاع مؤشر الإرادة التونسية، في ظلّ حكم الرئيس قيس سعيّد، باستعادتهم، ويبدي التونسيون تخوّفهم من إمكانية تأثر هؤلاء الأطفال، الذين يتجاوز عددهم 200 طفل، معظمهم محتجزون في السجون مع أمهاتهم، بالفكر الإرهابي.

محمد بوعود: استقبال أطفال داعش في القصر الرئاسي رسالة سلبية مفادها أنّ تونس تعترف بما قدّمه الإرهابيون وتراه مشروعاً

مخاوف جاءت على خلفية تسلّم تونس، في 23 كانون الثاني (يناير) الماضي، ستة أطفال أيتام من ذوي الجنسية التونسية، تتراوح أعمارهم بين 3 و12 عاماً، وقد تكفل بهم الهلال الأحمر الليبي مع عشرات الأطفال من الجنسيات الأخرى في مدينة مصراتة، إثر الحرب على تنظيم داعش الإرهابي في عملية "البنيان المرصوص"، في مدينة سرت، عام 2016.
وتولت لجنة مكوّنة من 6 وزارات، هي: الداخلية، والخارجية، والعدل، والمرأة والأسرة والطفولة، والصحة، ووزارة الشؤون الاجتماعية، مهمة التعرّف إلى هوية هؤلاء والتثبت من أنّهم أبناء دواعش، لكنّهم تونسيون.
يذكر أنّ أغلب آباء هؤلاء الأطفال قد قتلوا أو فرّوا أو سجنوا في معركة سرت، وكانت ليبيا قد طالبت في العديد من المناسبات تونس باستعادة أبناء المواطنين التونسيين الذين التحقوا بالتنظيم على أراضيها.

غضب في تونس
الأطفال استقبلهم رئيس الجمهورية التونسية، قيس سعيّد، في قصر الرئاسة، ودعا في بيانٍ رسمي باسم مؤسسة الرئاسة إلى الإسراع في اتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية من قبل المؤسسات المعنية لصالح هؤلاء الأطفال، وتأمين الإحاطة النفسية والرعاية الصحية قبل تسليمهم إلى عائلاتهم، مع مواصلة رعايتهم والاطمئنان على أوضاعهم.

اقرأ أيضاً: "تجنيد الأطفال" وغياب المسؤولية الدولية
وأوصى سعيّد بمزيدٍ من المتابعة لهذا الملف المهم، من أجل تيسير عودة باقي الأطفال العالقين في ليبيا، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في الشارع التونسي، وتعالت الأصوات المؤيّدة والمعارضة على صفحات التواصل الاجتماعي وحتى في بعض العناوين الإخبارية.

ألفة العياري: أخشى عودة هؤلاء الأطفال بصحبة أمهاتهم اللاتي سمحن لأنفسهنّ أن يكنّ وسيلة لهو للدواعش وقبلن بجهاد النكاح

وذهب البعض إلى اتّهام الرئيس بدعم الإرهاب وتمجيده واحتضان أطفال الدواعش، وتجاوز أطفال يتامى الأمنيين التونسيين الذين قتلوا في عمليات إرهابية مختلفة منذ أحداث الثورة.
نقيب الصحفيين التونسيين، ناجي البغوري، كتب في تدوينة على فيسبوك: "الأطفال يظلّون أطفالاً (يتمتّعون بكامل حقوق الطفل)، مهما كان لونهم أو جنسهم أو مكان ولادتهم، وهم لا يتحمّلون وزر ما اقترفه آباؤهم، ومن يرى غير ذلك يجب أن يتوجّه فوراً إلى مصحّة نفسية".
من جانبه، قال الباحث في الشؤون العسكرية، إبراهيم الحداد؛ إنّه في حال تمّت استعادة هؤلاء الأطفال برفقة أمهاتهم الأرامل، فإنّ الدولة ستجد نفسها أمام إشكاليات عديدة؛ أولاً ستُجبَر على مقاضاة هؤلاء الأرامل، ثم عليها أن تدرس لاحقاً حالاتهنّ واحدةً تلو الأخرى، للنظر في إمكانية فصل أبنائهن الصغار عنهن، والنظر لاحقاً في وضعية الأطفال الأكبر عمراً، وإيجاد حلول لهم؛ كإدخالهم للإصلاحيات، أو القرى المختصة في إعادة تأهيلهم، وتلقينهم قيم الإنسانية والجمهورية.

اقرأ أيضاً: "الأسلحة الصغيرة".. هكذا يجند داعش الأطفال
وأشار الحداد، في تصريحه لـ "حفريات"، إلى أنّ "الدولة التونسية مجبرة تشريعياً وإنسانياً على إنقاذ هؤلاء الأطفال؛ لأنّهم لا يشكلون خطراً على المجتمع التونسي باعتبار معدّل أعمارهم لم يتجاوز 16 عاماً"، لافتاً إلى أنّه لا يجب نفسياً تحميلهم ذنب آبائهم.
تونس تشرّع للإرهاب
هذا الرأي خالفته مجدولين الشارني، وزيرة الشباب السابقة وشقيقة سقراط الشارني، أحد العناصر الأمنية الذي قتل منذ أعوام على يد مجموعة إرهابية، التي وجهت رسالة إلى الرئيس قيس سعيّد، في تدوينةٍ نشرتها على صفحتها عبر فيسبوك، قالت فيها: "أتعلم أنّ من استقبلتهم هم أبناء إرهابيين؟ أتعلم أنّ البيان الرسمي الذي أصدرته فيه مغالطة للرأي العام وتعمّد استعمال عبارات أخرى للاستعطاف؟ أكيد هؤلاء الأطفال لا ذنب لهم، وهناك الآلاف من ضحايا الحرب والإرهاب في سوريا والعراق وليبيا، والاعتناء بهم جميعاً واجب الدولة، لكن أن يتم تنظيم استقبال رسمي لأبناء الإرهابيين دون غيرهم فهذا غير معقول".


ورأى المحلّل السياسي، محمد بوعود، في القرار الذي اتخذته الرئاسة التونسية، رسالةً سلبيةً للمجتمع التونسي، مفادها أنّ تونس تعترف بما قدّمه أولياء هؤلاء الأطفال بقطع النظر عن براءتهم وظروفهم وأعمارهم، وتعدّه مشروعاً؛ لأنّنا نكرّم أبناءهم بدلاً عنهم، متسائلاً: "كيف سنبرّر ذلك أمام ضمائرنا وأمام الشعوب والعالم؟".

اقرأ أيضاً: تجنيد الأطفال في الصومال ظاهرة مقلقة.. أي مصير ينتظرهم؟
وقال بوعود في حديثه لـ "حفريات": "تونس أكّدت مرّةً أخرى أنّ أبوابها مفتوحةً لكلّ من هبّ ودبّ، تحت يافطات الإنسانية، وحقوق الإنسان، وحقوق الطفل، وسعيّد جعل تونس بهذه الخطوة موضع ضعفٍ أمام دولٍ أخرى أعرق منّا في مجال الحقوق والحريات، على غرار فرنسا وألمانيا وماليزيا، إذ رفضت هذه الدول استقبال مواطنيها ممن قاموا بأعمالٍ إرهابية في بؤر التوتر، واختاروا التخلّص من جذاذة الإرهاب".
تونس تتجه نحو استقبال المزيد من "أطفال داعش"
مباشرةً بعد ترحيل الأطفال الستة إلى تونس، صرّح توفيق القاسم، القنصل التونسي العام في مدينة مصراتة الليبية؛ بأنّه سيتم قريباً ترحيل قرابة 54 طفلاً من أبناء مسلحين تونسيين قاتلوا في صفوف داعش ولقوا مصرعهم في ليبيا منذ أعوام، إلى جانب أمهاتهم، عقب التحقق من أوضاعهم القانونية.

اقرأ أيضاً: الميليشيات الحوثية وتجنيد الأطفال!
خطوةٌ وصفتها رئيسة نقابة السجون والإصلاح، ألفة العياري، في حديثها لـ "حفريات"، بـ "النكبة"، مستنكرةً الإعلان الرسمي عن قبولهم عبر استقبالهم في قصر قرطاج، رمز السيادة التونسية، خاصّةً أنّ بعض هؤلاء الأطفال بلغوا سنّ الوعي ما يعني إمكانية حملهم لأفكار متطرّفة.
وعبّرت العياري عن خشيتها من عودة هؤلاء الأطفال بصحبة ذويهم وأمهاتهم اللاتي اخترن عن طواعية الانضمام إلى عناصر متطرفة، وسمحن لأنفسهن بأن يكنّ وسيلة لهو للدواعش وقبلن بجهاد النكاح، نافية إمكانية اختطافهنّ مثل ما يدعين.

اقرأ أيضاً: معسكرات إيرانية لتجنيد الأطفال في سوريا
رئيسة نقابة السجون والإصلاح شدّدت على أنّ دخول هؤلاء الأمهات إلى تونس عن طريق أبنائهن يشكل خطراً على البلاد؛ لأنهنّ يحملن الفكر الداعشي، وساهمن في زرع العدوانية في أذهان هؤلاء الأطفال، وهو ما يستوجب أخذ تدابير معينة وإتباع استراتيجية دقيقة في التعامل معهم، لافتةً إلى أنّ الدولة غير قادرة حالياً على ذلك؛ لأنّها تغرق في الصراعات السياسية من أجل المصالح الحزبية، في انتظار تكوين حكومة تمسك بزمام الأمور.


من جهته، يرى الخبير الأمني والضابط السابق بالحرس الوطني، علي الزرمديني، أنّ إعادة "رسكلة" الأطفال العائدين من بؤر التوتر ممكنةً، خاصّة لمن تقلّ أعمارهم عن عشرة أعوام، لكنّ الدولة غير قادرةٍ فعلياً على رعايتهم، والاهتمام بهم؛ لأنّها في حالة إرباك كبيرة، في ظلّ عجز الأحزاب منذ حوالي خمسة أشهرٍ عن تكوين حكومةٍ تسيّر البلاد.

علي الزرمديني: استقبال الأطفال بصحبة أمهاتهم يشكّل خطراً على أمن البلاد؛ لأنّ النساء شكّلن وقوداً للجماعات الإرهابية في الجهاد

وأضاف الزرمديني، في حديثه لـ "حفريات": "استقبال هؤلاء الأطفال، بصحبة أمهاتهم، يشكّل خطراً على أمن البلاد، على اعتبار أنّ النساء شكّلن وقوداً استعملته كلّ الجماعات الإرهابية في الجهاد، وأنّ حضور المرأة لم يعد يقتصر على جهاد النكاح، بل تطور لإدخالها في ساحات المعارك"، مشدّداً على أنّهن بتن يشكلن خطراً على الأمن القومي لما لهم من عقيدةٍ قتاليةٍ قويةٍ تفوق الرجال غالباً.
يذكر أنّ عدد المتطرفين التونسيين عُدّ من ضمن الأكبر في العالم، في الأعوام الأخيرة، بحسب السلطات التونسية التي تحدثت عن ثلاثة آلاف مواطنٍ، قاتلوا خارج البلاد ضمن تنظيمات إرهابية، فيما قدّر فريق عمل للأمم المتحدة عدد المتطرفين التونسيين، بأكثر من خمسة آلاف، وانضم عدد كبير منهم لتنظيم داعش في معقله السابق، في سرت، وذلك قبل استعادة السيطرة على المدينة، في كانون الأول (ديسمبر) 2016.
وكشف مركز دراسات أمريكي؛ أنّ عدد المقاتلات التونسيات المنضويات تحت لواء التنظيمات الإرهابية المقاتلة في ليبيا وسوريا يبلغ نحو 804، 104 منهنّ يقبعن في السجون السورية أو الليبية، وهناك كثيرات منهنّ أنجبن أطفالاً هناك.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية