تونس تودع المفكر والمؤرخ هشام جعيط.. ماذا تعرف عنه؟

تونس تودع المفكر والمؤرخ هشام جعيط.. ماذا تعرف عنه؟


02/06/2021

غيّب الموت أمس المفكر والمؤرخ التونسي هشام جعيط  عن عمر يناهز 86 عاماً بعد صراع مع المرض.

ونعى رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد المفكر الراحل قائلاً إنّه كان "شخصية وطنية فذّة وقامة علمية مرموقة ستظلّ ذكراها خالدة في تاريخ الساحة الثقافية في تونس والعالم العربي والإسلامي".

كما نعته وزارة الشؤون الثقافية التونسية في بيان قالت فيه: إنّ "الراحل هشام جعيط ترك أعمالاً فكرية وحضارية تمثل مرجعية للأجيال الحاضرة والقادمة".

وولد جعيط في العاصمة تونس يوم 6 كانون الأول (ديسمبر) من العام 1935، ونشأ في كنف عائلة من المثقفين والقضاة وكبار المسؤولين، وهو حفيد الوزير الأكبر يوسف جعيط وابن أخ العالم والشيخ محمد عبدالعزيز جعيط.

من مؤلفات الراحل هشام جعيط

ورغم انتمائه إلى وسط عائلي محافظ، مكتسب لثقافة دينية عتيدة، ومتأصّلة في الثقافة العربية الإسلامية، وخلافاً لما جرى عليه الأمر بالنسبة إلى أبناء العائلة الكبيرة الذين كانوا يوجّهون إلى التعليم الديني، انتسب الطفل هشام إلى المدرسة الصادقية ليتعلم اللغة الفرنسية مبكراً، وهذا ما ساعده في ما بعد على اكتساب معرفة عميقة بالثقافة الفرنسية في مختلف عهودها.

وعندما سافر إلى فرنسا لمواصلة تعليمه العالي في دار المعلمين العليا، حيث نال شهادة "التبريز" في التاريخ عام 1962، لم يهتم جعيط بالسياسة بل بالفكر.

 

ولد جعيط في العاصمة تونس يوم 6 كانون الأول من العام 1935، ونشأ في كنف عائلة من المثقفين والقضاة وكبار المسؤولين

 

وحصل جعيط على دكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة السوربون بباريس عام 1981.

وفي مطلع شبابه، وبسبب ولعه بالثورة الفرنسية وبفلاسفة التنوير، شرع الراحل يبتعد شيئاً فشيئاً عن الوسط المحافظ الذي ينتمي إليه. وقد أحدث اكتشاف الفلسفة منعرجاً في حياة الشاب جعيط الذي كان آنذاك في الثامنة عشرة من عمره.

اقرأ أيضاً: رحيل الكاتب الصحفي المصري مكرم محمد أحمد... هذه أبرز محطات حياته

وحول دور الفلسفة في حياته، قال جعيط خلال حوار له مع "العرب" اللندنية: "كان اكتشافي للفلسفة أمراً حاسماً، وكان بمثابة الفتح والتجلي، ولست أعني بذلك الميتافيزيقا فقط، وإنما أيضاً علم النفس والأخلاق والمنطق. عندئذ بدأت تذوب عندي بديهيات أساسية، وفي الآن نفسه اكتشفت علم البيولوجيا، ونظرية التطوّر، وهذا كلّه أثار إعجابي واندهاشي في نفس الوقت".

 

حصل جعيط خلال مشواره على العديد من الجوائز والأوسمة أهمها "وسام الجمهورية"، و"الوسام الوطني للاستحقاق"

 

والراحل هو أستاذ فخري لدى جامعة تونس، درّس كأستاذ زائر بعدة جامعات عربيّة، أوروبية وأمريكية منها جامعة ماك غيل (مونتريال) وجامعة كاليفورنيا، ومعهد فرنسا.

وتولى جعيط رئاسة المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة" بين عامي 2012 و2015، وهو عضو في الأكاديمية الأوروبية للعلوم والفنون.

من أهم المؤرخين العرب

مؤلفات هشام جعيط التي عرّت خفايا التاريخ الإسلامي ومواقفه المثيرة للجدل، منحته مكانة هامة كأهم المؤرخين العرب.

ولا يخفي جعيط أنّه تأثّر كثيراً عام 1968 - أي بعد هزيمة العرب المدوية في حرب الأيام الستة - بكتاب ميشيل عفلق "في سبيل البعث"، ووجده "جريئاً وقومياً وحداثياً في آن واحد"، على حد وصفه.

كما أعجب بكتاب المفكر المغربي عبدالله العروي "الأيديولوجيا العربية"، وأيضاً كتاب الشاعر والمفكر الباكستاني محمد إقبال "تجديد الفكر الديني في الإسلام".

ساهمت مؤلفاته ومواقفه المثيرة للجدل في شهرته

ولعل كل هذه القراءات هي التي دفعته إلى تأليف كتابه "أوروبا والإسلام" الذي سعى من خلاله إلى تحليل ماهية الإسلام وماهية الغرب، وتقديم نظرة حول فلسفة الثقافة، كما أثار فيه مسائل أخرى كانت تشغل ذهنه منذ فترة الشباب.

وعن كتابه المذكور، يقول جعيط: "باستثناء علي حرب، لم يهتم العرب كثيراً بكتابي "أوروبا والإسلام". أما الغربيون فقد أعجبهم الكتاب، لذا ترجم إلى الإنجليزية والإسبانية، وتحدث عنه الباحثون ككتاب مهمّ على مستوى استقراء العلاقة الثقافية والحضارية بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي".

 

لا يُخفي جعيط أنه تأثر كثيراً عام 1968، أي بعد هزيمة العرب المدوية في حرب الأيام الستة، بكتاب ميشيل عفلق "في سبيل البعث"، ووجده "جريئاً وقومياً وحداثياً في آن واحد"

 

ولم يكتسب جعيط شهرته من عمله الأكاديمي فحسب؛ إذ ساهمت مؤلفاته ومواقفه المثيرة للجدل في هذه الشهرة، فبعد أن أصدر كتاباً ضخماً عن تاريخ الكوفة، اهتم المفكر الراحل بالسيرة النبوية مقدماً من خلالها قراءة فلسفية وعلمية مدهشة للإسلام.

وعرف جعيط بدعواته المتكررة إلى ضرورة التمييز بين الفكر التّاريخي وعلم التّاريخ وفلسفة التّاريخ، ويرى أن الفكر التّاريخي ينفتح على الاهتمام بقضايا بعينها اجتماعيّاً وثقافيّاً، من وجهة التّناسق بين الوعي الفردي والحقيقة الموضوعية، مع عدم الالتزام ضرورة بصرامة المنهج التاريخي، وهذا اختلاف جوهريّ مع علم التاريخ الذي يفترض الدقة العلمية والمنهجية في عرض الأحداث وقراءتها.

اقرأ أيضاً: محمد شحرور: سجال لن ينتهي بالرحيل

أمّا فلسفة التّاريخ من وجهة نظره فهي دراسة الأسس النظرية للممارسات والتطبيقات والتغيرات الاجتماعية التي حدثت على مدى التاريخ، وهي تهتم بمعنى التاريخ وقوانينه واتجاهاته.

تولى جعيط رئاسة المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة" بين عامي 2012 و2015، وهو عضو في الأكاديمية الأوروبية للعلوم والفنون

وأصدر المفكر الراحل خلال حياته العديد من المؤلفات، نذكر منها، "الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر"، "جدل الهوية والتاريخ"، "في السيرة النبوية جزء 1: الوحي والقرآن والنبوة"، "في السيرة النبوية جزء 2: تاريخية الدعوة المحمدية"، "في السيرة النبوية جزء 3: مسيرة محمد في المدينة وانتصار الإسلام".

وحصل جعيط خلال مشواره على العديد من الجوائز والأوسمة أهمها "وسام الجمهورية"، و"الوسام الوطني للاستحقاق"، التي منحته إياها بلاده، بالإضافة إلى جوائز أخرى، منها "الجائزة الوطنية للعلوم الإنسانية"، و"الميدالية الذهبية للدراسات الاجتماعية"، كما منحته دولة الإمارات العربية المتحدة "جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في الدراسات الإنسانية والمستقبلية"، واختارته المؤسسة العربية للدراسات والنشر في لبنان (شخصية العام الثقافية) لعام 2016.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية