تونس على طاولة المحور القطري التركي.. كيف؟

تونس على طاولة المحور القطري التركي.. كيف؟


14/12/2020

يبدو تعاظم العلاقات السياسية بين تركيا وقطر، مرهوناً بمدى الدعم الذي تقدمه الدوحة للاقتصاد التركي الذي يعاني من أزمات هيكلية، كنتيجة مباشرة للسياسة الخارجية التي يتبعها أردوغان، وألقت بتبعاتها على استقرار الليرة التركية، وبالتالي ظهرت آثارها السلبية على المواطن التركي، الأمر الذي يهدد من استقرار النظام.

اقرأ أيضاً: فوضى البرلمان في تونس تعيد التوتر بين الرئيس سعيد وحركة النهضة

 في إطار تعدد الزيارات المتبادلة بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وأمير قطر، تميم بن حمد، خلال السنوات الأخيرة، تستطيع أن تلتقط وجود ترابط عميق بين تحالفهما السياسي، وتدفق منسوب الدعم الاقتصادي والمالي القطري، ومن خلال ذلك يمكننا سبر أغوار زيارة الأمير القطري لأنقرة، الخميس الأخير من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي؛ لحضور الاجتماع السادس للجنة الاستراتيجية العليا التركية القطرية، والذي شهد توقيع عدد كبير من الاتفاقيات.

ثمة تقارب في تحالف الدوحة وأنقرة من الناحية السياسية، على خلفية دعمهما الاستراتيجي لتنظيمات الإسلام السياسي، ودفع وتمويل المرتزقة لساحات الصراع المسلح، في عدد من بؤر التوتر الساخنة، خاصة سوريا وليبيا، فضلاً عن توفير الجانب التركي مساحة حركة لقطر، يمكنها الظهور من خلالها على المسرح الإقليمي والدولي .

أنقرة تستثمر الحصار الإقليمي للدوحة

وتأسيساً على ذلك، توظف تركيا وتستثمر الضغط الذي تعانيه الدوحة، جراء المقاطعة العرببة الخليجية، في ضخ مواردها المالية في الاقتصاد التركي؛ بهدف رفع الحرج السياسي في الداخل، عن أردوغان، ومن ناحية أخرى، مساندته في سياساته الخارجية، والتي اعتمدت على الأسلوب الخشن، وتأطير أسلوب عسكرة السياسة الخارجية . وفي إطار ذلك، يشير السفير هاني خلاف، مساعد وزير الخارجية المصرية السابق للشؤون العربية، أنّ الزيارة التي جمعت الرئيس التركي، مع أمير قطر، تبدو تفعيلاً رسمياً وقانونياً للجنة الاستراتيجية العليا، التي أبرمت في العام 2015، على مستوى وزراء خارجية البلدين، وتبدو الملاحظة الفارقة في هذا الشأن، أنّ كلا البلدين متماثلان في طبيعة المشكلات الإقليمية التي تواجهها مع دول الجوار، سواء في منطقة الخليج العربي، أو مع القاهرة ودمشق، وغيرها من ملفات الإقليم، ويضيف، خلاف، في حديثه لـ "حفريات" ملاحظة أخرى تتمثل في "البون الشاسع في القدرات التسليحية العسكرية بين البلدين، الأمر الذي يدفع نحو تأويل مخرجات اللقاء، تجاه دعم أنقرة للدوحة بمظلة أمنية وعسكرية، تتجاوز القاعدة العسكرية التركية في قطر، وذلك للمحافظة على استقرار حكم تميم، ومواجهة محاولات تغيير نظام الحكم في قطر"، وهذا ما يفسر، وفق خلاف، الدعم الاقتصادي اللامحدود، الذي تقدمه قطر للأخيرة، والذي رُفع سقفه بشكل كبير خلال الزيارة الأخيرة، في محاولة قطرية حثيثة لضخ الدماء في الشرايين المتصلبة للرئيس التركي، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد، والتي تضعه في ورطة سياسية.

 السفير هاني خلاف

 ويلفت السفير هاني خلاف، إلى ضرورة أن تتحرك جامعة الدول العربية، نحو صياغة موقف واحد تجاه مثل تلك التحركات، التي تهدد أمن النظام الإقليمي العربي، ومن خلال ذلك يمكننا، في ذات السياق، قراءة استقبال العاصمة القطرية منتصف شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، الرئيس التونسي قيس سعيد، في أول زيارة له لقطر، منذ تقلده منصب رئاسة الدولة، عبر سعي الدوحة نحو تعزيز حضورها السياسي، من خلال آلية توظيف الدعم الاقتصادي، لتحقيق جملة من المكاسب السياسية والدبلوماسية، سيما وأنّ تونس شهدت في نفس الفترة، ملتقي حوار الأطراف الليبية، والدوحة تدعم بشكل واضح ومباشر التدخلات التركية العسكرية في الأزمة الليبية، فضلاً عن دعمها السياسي لحركة النهضة، ورئيسها راشد الغنوشي، في ظل تنامي الانقسامات الحادة في الحركة، على خلفية تسمية من يخلف راشد الغنوشي، وتأجيل المؤتمر العام للحركة، والذي كان من المقرر انعقاده خلال شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري، دون تسمية موعد محدد لعقده.

ثمة تقارب في تحالف الدوحة وأنقرة من الناحية السياسية، على خلفية دعمهما الاستراتيجي لتنظيمات الإسلام السياسي، ودفع وتمويل المرتزقة لساحات الصراع المسلح

وعلى وقع الأزمة السياسية في الداخل التونسي، تضخ قطر عبر صندوق قطر للتنمية، استثماراتها المباشرة في الاقتصاد التونسي، الذي يعاني من عجز في الموازنة يقدر بــ 8.1 مليار دينار تونسي، بهدف تقريب وجهات النظر بين الرئيس التونسي قيس سعيّد، وراشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان، فضلاً عن محاولة تكريس الحضور القطري في الداخل التونسي، واستمالة تونس إلى جانبها في الأزمة الليبية، ومن خلال ذلك يؤكد الدكتور مراد الحاجي، الباحث التونسي المتخصص في تحليل الخطاب ودراسات ما بعد الاستعمار، أنّ زيارة الرئيس التونسي قيس سعيّد، إلى قطر، أثارت كثيراً من الجدل، فقد انتقدها كل خصوم حركة النهضة في تونس، بوصفها زيارة لحليف النهضة، وأحد أهم داعميها في المنطقة. غير أنّه من الواضح أنّ إكراهات الوضع الاقتصادي التونسي، تجبر الرئيس على اتباع دبلوماسية اقتصادية ناعمة مع كل الأطراف، على أمل دخول استثمارات إلى البلاد، تساهم في حلحلة الأزمة الاقتصادية. ومن هنا يمكن فهم هذه الزيارة لأهم داعم للحزب الذي يصارعه سعيّد داخلياً، وهو حزب النهضة.

تناقضات الداخل التونسي وأثره على الصراع

ويبدو أنّ لكل طرف حساباته، فالرئيس التونسي يتصارع مع النهضة داخلياً، ولكنّه من منطلق موقعه وإشرافه على السياسات الخارجية للبلاد، يبحث عن حلول للاستثمار الخارجي، من خلال اتباع دبلوماسية اقتصادية، في وضع اقتصادي دقيق، لا يتطلب الكثير من التفكير في الخصوم، وإنّما أصبحت الأولوية فيه الخروج من عنق الزجاجة، أمّا الجانب القطري، فإنّه يطمح إلى كسب الرئيس التونسي، وكسر الجدار بينه وبين حركة النهضة، ولعل هذا المسعى تجسد في إسناد رئاسة جمعية قطرية للقانون الدستوري، بدا وأنّها فصلت على مقاس الرئيس التونسي، من باب التكريم، باعتبار أنّه كان أستاذاً يدرس هذا التخصص في الجامعة التونسية.

 مراد الحاجي

ويضيف مراد الحاجي لــ "حفريات": إنّ زيارة الرئيس التونسي إلى قطر، لا يمكن أن تمر دون أن يكون في الأفق، الحليف الآخر لحركة النهضة وقطر، وهو تركيا".

شاب العلاقات التونسية التركية بعض التجاذب، على إثر زيارة أردوغان إلى تونس، حيث أدلى بتصريحات عن تعاون تونس مع تركيا، سارعت الرئاسة التونسية إلى تكذيب بعضها، خاصّة ما تعلق منها بالملف الليبي، ومن هنا ربما فهمنا الزيارة القطرية لتركيا، التي تلت هذا التكريم والحفاوة التي لقيها الرئيس التونسي في قطر؛ إذ يبدو أنّ العلاقات القطرية التركية المتميزة، قد تجعل الطرفين ينسقان مواقفهما فيما يتعلق بالملف التونسي، الذي يمثل خصوصية، بحكم كون حزب النهضة، الوحيد من بين الأحزاب الإسلامية، الذي يمثل أغلبية برلمانية في بلد عربي، وما يمكن أن يجلبه تليين موقف الرئيس سعيّد منه، كما أنّ هناك خصوصية أخرى تتعلق بالملف الليبي، بحكم قرب تونس من ليبيا، وكثافة تواجد الليبيين فيها، إلى جانب ما عبّرت عنه القبائل الليبية في عدة مناسبات، من ثقة في الرئيس التونسي، وطلب تدخله ووساطته بين الليبيين.

اقرأ أيضاً: دعوات تغيير نظام الحكم تدق أبواب تونس

غير أنّ إمكانات تونس الاقتصادية والعسكرية، ووزنها في العلاقات الدولية لا يسمحان لها بلعب دور كبير في الملف الليبي، إلا إذا كان ذلك تحت غطاء قوى أخرى، قد تستثمر تلك الثقة، وهو ما يمكن أن يكون وجهاً من وجوه التنسيق القطري التركي، من خلال محاولة إعادة مد الجسور مع الرئيس التونسي، واستغلال الوضع الاقتصادي الصعب، لجعله تحت مظلتهما، غير أنّ الخشية كل الخشية، هي أنّ الأحلاف العربية كلها، التي قد يغازل بعضها تونس ورئيسها، لا يمكن أن تكون تحركاتها إلا لخدمة أندات إقليمية، قد لا تخدم وضع تونس، خاصّة على مستوى استقرارها السياسي، أو علاقتها بالوضع الليبي المتفجر، الذي يؤثر تأثيراً مباشراً على استقرار تونس الاقتصادي والسياسي، وفق الحاجي.

توظف تركيا وتستثمر الضغط الذي تعانيه الدوحة، جراء المقاطعة العرببة الخليجية، في ضخ مواردها المالية في الاقتصاد التركي

ولا يمكن فهم تحركات قطر الإقليمية، خاصّة ما يتصل بحليفها الرئيس تركيا، وفق الباحث التونسي، سوى بالتدقيق في كم وعمق الدعم المالي، والاتفاقيات الاقتصادية التي أبرمتها الدوحة مع أنقرة، خلال السنوات الأخيرة، سيما بعد المقاطعة العربية لقطر، على خلفية دعمها لتنظيمات الإسلام السياسي، وتأسيسا على ذلك، تضخ قطر موجات لا محدودة من السيولة النقدية نحو الاقتصاد التركي، الذي يعاني جراء مغامرات أردوغان، ما فرض قيوداً متعددة على مستويات الاقتصاد، طالت المواطن التركي.

الاقتصاد التركي ورقة أنقرة المحترقة

في سياق ذلك يرى أحمد القاروط، الباحث في الاقتصاد السياسي، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، أنّ توقيع قطر صفقة بمليارات الدولارات، لشراء عقارات تركية، بينها مول تجاري شهير، وحصص في شركة موانئ الشرق الأوسط، وبورصة إسطنبول المملوكتين للدولة التركية، أمر في جانب منه يسعى لضخ المزيد من الدولارات، لدعم استقرار العملة التركية، التي عانت قيمتها جراء انخفاض احتياطات العملة الأجنبية، وسياسة الفائدة المنخفضة، التي اتبعها البنك المركزي التركي، في محاولة للحفاظ على شعبية حكومة أردوغان، خوفاً من أن يشكل خفض قيمة العملة مصدراً للسخط الشعبي.

أحمد القاروط

ويشير، القاروط، الى أنّ ذلك يأتي بعد أن وقعت قطر في أيار (مايو) الماضي، اتفاقية تبادل عملات مع تركيا بقيمة 15 مليار دولار، في سبيل تعزيز استقرار الليرة، بعد أن رفض بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي طلبات تركية في بداية أزمة كورونا، لاتفاقية تبادل عملة بينية، تساعد تركيا على تثبيت سعر الليرة، بسبب الخلافات السياسية الدائرة، بين الحكومات الغربية وحكومة أردوغان، وما يشكله ذلك من مصدر لعدم استقرار للاقتصاد التركي والعملة التركية. ويلفت الباحث إلى أنّه بعقد هذا الاتفاق، تسعى قطر لتعزيز المحور القطري-التركي، حيث ترى في تركيا حصناً دفاعياً لتوجهاتها السياسية والاقتصادية في المنطقة.

زيارة الرئيس التونسي قيس سعيّد، إلى قطر، أثارت كثيراً من الجدل، فقد انتقدها كل خصوم حركة النهضة في تونس، بوصفها زيارة لحليف النهضة

ويهدف الاستثمار القطري في العقارات التركية، وفق القاروط، إلى تعزيز استقرار الليرة التركية، عبر ضخ عملة صعبة للسوق التركي، وبث الثقة بين المواطنين الأتراك، إضافة الى تحسين صورة تركيا الخارجية، كملاذ آمن للمستثمرين، لدفع عجلة التنمية بعد أن تعثرت الاستثمارات العربية في تركيا، نتيجة لتدخلاتها في الإقليم، وحملة المقاطعة التي انتشرت في بلدان رئيسية كمصر والسعودية، ويبدو أنّ لجوء تركيا لخصخصة الممتلكات الحكومية، يعني أنّها فقدت القدرة على الاقتراض من السوق المالي الدولي، بنسب فوائد مقبولة، وبيع الممتلكات الحكومية، سيزيد من عجز الحكومة مستقبلاً، لأنّ السيولة التي ستحصل عليها، غالباً سيتم إنفاقها كسابقاتها في تعزيز صمود العملة التركية، ودعم جهود التعافي من الآثار السلبية لجائحة كورونا على نمو الاقتصاد التركي، الذي يعتمد على التصدير المترنح، جراء إغلاق الاقتصاد العالمي الذي صاحب الجائحة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية