تونس: لماذا تأخر قيس سعيّد في إعلان رئيس الحكومة؟

تونس: لماذا تأخر قيس سعيّد في إعلان رئيس الحكومة؟


22/08/2021

بينما تمر، اليوم الأحد، ثمانية وعشرون يوماً على إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد إجراءات استثنائية بموجب الفصل 80  من الدستور التونسي يوم 25 تموز (يوليو) 2021، لا يزال الغموض يلف مستقبل البلد وقرارات الرئيس خصوصاً المتعلقة بخريطة الطريق السياسية التي يطالب بها الفاعلون المحليون والدوليون، تمهيداً لاستئناف العمل بالمؤسسات الدستورية والمسار الديمقراطي في البلاد.

وقام سعيّد، الشهر الماضي، بإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي (حليف حركة النهضة الإسلامية) وتعليق عمل البرلمان (تسيطر عليه النهضة).

وفيما يبقى الترقب مستمراً داخل البلاد وخارجها للإعلان عن رئيس الحكومة الجديد، صرّح سعيّد أمام مسؤولين أثناء زيارته لمطار تونس قرطاج الدولي، الاثنين، إنّ "الحكومة ستتشكل قريباً وفق نظام سياسي يعبر عن إرادة الشعب التونسي، ومن يظن أنني سأعود إلى الوراء أو أنظم حواراً فهو واهم".

في غضون ذلك، دعت حركة النهضة إلى التحقيق في اتهامات جاءت في كلمة الرئيس قيس سعيّد تحدث فيها عن مؤامرات وتخطيط لاغتياله.

وجاءت الدعوة بحسب وسائل إعلام محلية، على لسان المتحدث باسم الحركة فتحي العيادي، الذي طلب من النيابة العامة التونسية التحقيق في ما قاله رئيس الجمهورية قيس سعيّد.

وقال العيادي إن الحركة منشغلة بما جاء في كلمة الرئيس ونطلب من النيابة العمومية إلى التحقيق في الموضوع وإنارة الرأي العام، لأنّ هذا يستهدف أمن البلاد وأمن رئيس الجمهورية.

وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد قال، أول من أمس، الجمعة، بحسب ما جاء في الصحف المحلية "بالنسبة لهؤلاء الذين يقولون إنّ مرجعيتهم الإسلام أعرف ما يدبرون ولا أخاف من محاولاتهم التي تصل إلى التفكير في الاغتيال".

تأخّر أم تريّث؟

ويبدي الكثير من التونسيين بمن فيهم داعمو قيس سعيد قلقهم الحادّ من تأخّر اختيار سعيّد لرئيس الحكومة، وعبّروا عن استغرابهم من سياسة تعيّينه للوزراء قبل تعيين رئيس للحكومة حتى إنّ ملامح وصفات هذه الشخصية منعدمة المعالم بالكامل، وكلّ الأسماء التي تمّ تداولها في كواليس قصر قرطاج لم يتمّ التأكيد على أيّ أحد منها إلى حدّ هذه الساعة.

وكان مستشار الرئيس وليد الحجام قد أكد بداية الأسبوع الحالي أنّ رئاسة الجمهورية لا تُعتبر وجود تأخير في إعلان اسم رئيس الحكومة المقبل، مشيراً إلى أنّ المسألة هي مجرّد تريث من أجل أن يأخذ هذا الملف وقته، ويتم بلورة فكرة واضحة عن مستوى رئيس الحكومة والفريق الحكومي وفق قوله.

البرلماني التونسي محسن العرفاوي لـ"حفريات": سعيّد يتجه نحو  تعليق نشاط البرلمان لمدّة شهر آخر مع إمكانية تعليق العمل بالدستور وتغيير النظام الانتخابي والنظام السياسي

ويرى مدير المعهد المغاربي للدراسات الإستراتيجية طاهر شقروش أنّ سعيّد ليس في عجلة من أمره لتكوين حكومة جديدة، وليس هناك موجب لأن يتسرّع في تكوينها، مشيراً إلى أنّ ما قام به إلى حدّ الآن متناسق وفيه تفكير عميق.

ويعتقد شقروش أنّ الأحداث صارت إلى حدّ اليوم على ما يرام، فقط خصوم سعيّد يشعرون أنّهم في ورطة، ويحاولون التقدّم خطوة إلى الأمام ولا يعرفون ماذا يفعلون، فهم تارة يعتبرون ما قام به سعيّد انقلاباً، ومرّة يقولون إنّه مجرّد خرق للدستور ثم يتراجعون.

مدير المعهد المغاربي للدراسات الإستراتيجية يرجّح أن يمدد سعيّد شهراً آخر في تجميد البرلمان وفق ما يكفله القانون، على أن يتولى حلّه لاحقاً ويجري انتخابات جديدة، لأنّ نصف أعضاء البرلمان لا يعارضون ما يقوم به.

منيرة العياري

من جانبها، ترى النائبة عن التيار الديمقراطي منيرة العياري في تصريح لـ"حفريات"، أنّ الرئيس تأخر كثيراً بإعلان رئيس حكومة جديدة يخلف حليف حركة النهضة هشام المشيشي، لافتةً إلى أنّ حزبها كان يعتقد أنّ الرئيس لجأ إلى الفصل 80 من الدستور بعد أنّ خطّط لكل شيء، ووضع برنامجاً واضحاً وجهّز رئيس حكومة مسبقاً، معتبرةً أنّ البقاء لأكثر من ثلاثة أسابيع دون رئيس حكومة وخريطة طريق واضحة "خطر على البلاد".

وقالت العياري، التي دعم حزبها قرارات سعيّد منذ اليوم الأول لإعلانها، إنّ خطوات قيس سعيّد لم تعد واضحة بحسب التحركات التي يجريها خلال الفترة الأخيرة.

تعليق العمل بالدستور

وبحسب تحركات سعيّد وتصريحات، ترجّح العياري أن يقوم سعيّد بإيقاف عدد من النواب وفرض إجراءات تحدّ من حرية البعض الآخر منهم ممن يشك في تورّطهم بقضايا فساد، على أنّ يطهّر البرلمان ويسمح بعودة نشاطه على أن يتم تعديل النظام الانتخابي ولم لا تعديل الدستور برمته.

ولا تستبعد العياري أن يقوم سعيّد بتنظيم السلطات مؤقتاً، ليستطيع حل البرلمان نهائياً، مع فتح المجال لتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، وتعليق العمل بالدستور بشكل نهائي، وذلك بعد إجراء استفتاء شعبي.

وعلى الرغم من أنّ الرئيس، لم يتخذ أية خطوات في تشكيل الحكومة الجديدة حيث لا تزال الأسماء المتداولة حبيسة الفرضيات، إلا أنّه أعلن عن تعيين مستشاره للأمن القومي رضا غرسلاوي، وزيراً للداخلية؛ حيث أدى أمامه اليمين الدستورية دون العودة إلى البرلمان، وهو ما يوحي بأنّ الرئيس لن يعرض الحكومة الجديدة على أنظار المجلس النيابي.

تغيير نظام الحكم

من جانبه، يؤكد محسن العرفاوي النائب عن حركة الشعب المقربة من الرئيس في تصريح لـ"حفريات"، أنّ سعيّد سيعلن عن الحكومة خلال الأسبوع القادم على أقصى تقدير، مشيراً إلى أنّ تعيين حكومة بالنسبة للرئيس ليست بالمسألة المهمة، بقدر أهمية إجراء حملة إقالات وتعيينات جديدة من أجل تنظيف المؤسسات التونسية من بعض الأطراف التي لها ولاءات حزبية، في إشارة إلى حركة النهضة، قبل تعيين حكومة جديدة.

محسن العرفاوي

وكشف العرفاوي بحسب معطياته أن يتم تعليق نشاط البرلمان لمدّة شهر آخر، مع إمكانية تعليق العمل بالدستور، وتنظيم مؤقت للسلطات العمومية، فضلاً عن وجود توجّه لتغيير النظام الانتخابي والنظام السياسي، بعد عرض كل التنقيحات الجديدة على الاستفتاء الشعبي.

وتذهب أغلب القراءات للمشهد التونسي إلى أنّ البلد مقبلة على عدة سيناريوهات، منها أن يدعو الرئيس إلى استفتاء شعبي لتنقيح القانون الانتخابي وتعديل الدستور بتغيير نظام الحكم من برلماني معدل إلى رئاسي، وتغيير صلاحيات رئيسيْ الجمهورية والحكومة، ثم الدعوة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها.

وحتى اليوم، لم يكشف الرئيس التونسي قيس سعيّد الذي يقود لقاءات متتالية مع القوى الوطنية الفاعلة في تونس خطته المرتقبة وتصوراته للمرحلة المقبلة وما إذا كان سيعيد عمل البرلمان أو سيدعو لانتخابات مبكرة، أو سيطبق وعده الانتخابي بتعديل الدستور وتغيير النظام الانتخابي واعتماد نظام الديمقراطية المباشرة (النظام المجالسي).

ويطرح تأخير إعلان رئيس حكومة، عدة تساؤلات في اتجاهات غير مطمئنة، تترك الباب مفتوحاً أمام التخوفات، التي تهدد مسار الديمقراطي، من نية قيس سعيّد، نحو الحكم الفردي، وإشرافه على كل دواليب الدولة، فيما يرى آخرون أنّ الرئيس التونسي يسعى للحفاظ على الغموض والمفاجأة لدى المساندين له.

دعم شعبي ورسائل طمأنة

وسط هذا الغموض وهذه الأزمة السياسية العاصفة في تونس، يبدو أنّ الرئيس التونسي سيواصل بحملته الواسعة لضرب المحتكرين والمهربين، حيث يتوالى بالتزامن إيقاف النواب المتهمين بالتهريب والمتعلقة بهم قضايا مختلفة، وإعفاء عدّة ولاة من مهامهم بسبب تقاعسهم في العمل، وتسهيل عمل المهربين والمحتكرين.

وطمأن الرئيس التونسيين من أنّه لن يتركهم فريسة لأحد، في إشارة منه إلى تهديد زعيم النهضة راشد الغنوشي لأوروبا بطوفان من المهاجرين، إذا لم يتراجع الرئيس التونسي عن قراراته التي أعلنها.

وبرغم أنّه لم يذكر أية تفاصيل إضافية عن خطته لإنقاذ البلاد من العجز المالي الذي ترتب عليها خلال الفترة الأخيرة، إلا أنّه أكد أنّه اختار الوقوف في صف الشعب للحفاظ على وحدة الدولة وحمايتها من الفساد الذي نخر مفاصلها، مشيراً إلى أنّه لن يتراجع عن الحقوق والحريات، حيث إنّه لا مجال للمساس بها أو الاعتداء عليها، وفق الرئاسة التونسية.

البرلمانية التونسية منيرة العياري لـ"حفريات": كنا نظن أنّ الرئيس خطّط لكل شيء. البقاء لأكثر من ثلاثة أسابيع دون رئيس حكومة وخريطة طريق واضحة خطرٌ على البلاد

وأكد إيمانه بالقدرة على تجاوز العقبات بفضل إرادة الشعب وبالوقفة الصادقة للدول الشقيقة والصديقة لسد الإخلالات في التوازنات المالية ومساعدة تونس على الوفاء بالتزاماتها المالية الداخلية والخارجية، وفقاً لقوله.

الرئيس شدّد أيضاً في عدّة مناسبات على أنّه يعمل دون هوادة حتى لا يظلم أحد، مشيراً إلى أنّه يحترم القانون وأنّه لن تتم مصادرة أموال من دون وجه حق، وأنّه لا مجال للظلم أو الابتزاز أو تهريب الأموال أو مصادرة الأموال في البلاد، ضامناً أن تحفظ حقوق الشعب في إطار القانون.

هذا وتصدر سعيّد نوايا التصويت واحتل المرتبة الأولى ب 91.9%، في حال أجريت انتخابات رئاسية اليوم في تونس، وذلك بحسب ما كشفه الباروميتر السياسي الشهري لمؤسسة سيغما كونساي ونشرته جريدة المغرب التونسية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية