تونس: هل تفقد حركة النهضة سيطرتها على البرلمان؟

تونس

تونس: هل تفقد حركة النهضة سيطرتها على البرلمان؟


02/10/2019

أعلنت تشبّثها بالهويّة الإسلامية، ثم تراجعت وأعلنت توجّهها إلى المدني، وقالت إنّها ستقطع نهائياً مع النظام السابق، ثم تصالحت معه، وبعدها طلّقته، لتعود الأسبوع الماضي إلى مربّع الأيديولوجيا؛ حيث صراعها الأزلي. هكذا ظلّت حركة النهضة الإسلاميّة التونسية تتأرجح بين الإسلامي والمدني، وظلّت مسألة الهويّة تمزّق وحدة خزّانها الانتخابي، حتّى تشتّت، وانتشر في كلّ الاتّجاهات.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة في القفص
عدم ثبات الحركة على مبدأ واحد، ومهاجرة قواعدها إلى مرشحين آخرين، قد يضع التونسيين على موعد مع مفاجأةٍ جديدةٍ، في السادس من الشهر الجاري، حين يتوجّهون إلى مكاتب الاقتراع لاختيار ممثليهم في البرلمان، عبر الانتخابات التشريعية، كتلك التي عاشت على وقعها تونس منذ 15 الماضي حتّى اليوم، بخروج مرشحي الأحزاب الكبرى في البلاد من الدور الأوّل من السباق الرئاسي، في مقدّمتهم مرشّح النهضة، عبد الفتّاح مورو، ورئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، ورؤساء حكومات سابقين، لصالح مرشحَيْن من خارج المنظومة.
هزيمة قاسية منيت بها حركة النهضة في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية

الغنّوشي يعزف على كلّ الأوتار
وتبدو حالة الذعر من الهزيمة في الانتخابات التشريعية جليّةً على كلّ نشاطات زعيم الحركة، راشد الغنّوشي، الذي تُحمّله قيادات حركته مسؤولية الفشل الذي مُنيت به النّهضة، وهو ما دفعه، بحسب تحليلاتٍ متطابقةٍ للمشهد التونسي، إلى "التخبّط" في كلّ الاتّجاهات، من أجل إعادة قواعد الحركة التي انفضّت من حولها.

"النهضة" ظلّت تتأرجح بين الإسلامي والمدني وظلّت مسألة الهوية تمزّق وحدة خزانها الانتخابي حتى تشتّت وانتشر في كلّ الاتجاهات

ومن المواقف التي استجدّت على تصريحات الغنّوشي قبل أسبوعٍ فقط عن الاستحقاق البرلماني، اتّهامه المباشر لحليفه السابق (نداء تونس) العلماني، بالتسبّب في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، التي مرّت بها البلاد، فقد رأى أثناء إشرافه على الحملة الانتخابية للحركة؛ أنّ "سؤال ماذا فعلتم لنا طيلة 5 أعوام لا يُوجه إلى حركة النهضة، وإنّما إلى نداء تونس؛ لأنّ النداء هو الذي كان له الرئاسات الثلاث عام 2014، وكانت بيده أيضاً أهم الوزارات"، بحسب تعبيره.
وأشار الغنّوشي في سياقٍ متّصلٍ، إلى أنّ النّهضة التصقت بجماعة النظام القديم، ومنعت تونس من حمّام دمٍ، ومن تحويلها إلى أرضٍ ليبيةٍ أو عراقيةٍ أو يمنيةٍ أو غيرها، وهو ما دفعه لسياسة التوافق مع رئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي.
ورغم أنّ الحركة أعلنت دعمها للمرشّح للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، قيس سعيّد، إلّا أنّه شكّك في نتائجها، بسبب وجود أحد المرشّحيْن (نبيل القروي) في السّجن.
ودعا الغنوشي إلى بعث "مؤسّسةٍ وطنيةٍ للزكاة" لمقاومة الفقر، وسدّ الإخلالات الموجودة في البنية الاجتماعية، عن طريق هيئةٍ منتخبةٍ من البرلمان، توكل إليها مهام مكافحة الفقر، وإيجاد توازناتٍ بين الجهات، وتقديم قروضٍ للطلبة وأخرى للتشغيل، وهو ما اعتُبر عودةً قويّةً لأصل الحركة الدعوي.

اقرأ أيضاً: ازدواجية الخطاب تُدخل النهضة في أزمة هوية تهدد مستقبلها
من جهةٍ أخرى؛ نبّه الغنوشي من انتخاب المستقلّين والأحزاب الصغرى، تفادياً للتشتّت الذي يفضي حتماً إلى إعادة الانتخابات، وحثّ أنصار حزبه على انتخاب ما وصفها بـ "أحزاب الثورةّ"، وعلى رأسها النهضة، مؤكداً أنّ "التوافق مفروض على كلّ الأحزاب الفائزة؛ لأنّ نظام الحكم برلماني".
وشدّد في تصريحاتٍ لاحقةٍ على أنّ حركته ستبني تحالفاتٍ فقط مع الأحزاب الثورية، التي ليس لها تحالفات مع الفساد، وأنّ هذه التحالفات ستكون على أساس القضاء على الفساد والفقر.
هذه التصريحات وصفها المحلّل السياسي، رافع الطبيب بـ "التعبيرات الشعبوية" للإسلام السياسي التقليدي، وأوضح في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ "تململ الشقّ المتشدّد للحركة، وبحثه عن استقلالية له، وعن تموقعٍ انتخابي، دفعا الغنّوشي إلى البحث عن خطابٍ جديدٍ يبتعد خلاله عن التوافقات المبنية، للعودة إلى مربّع الأيديولوجيا الذي انطلقت منه، وهو حلٌّ متأخرٌ جدّاً؛ لأنّ التونسي لم يعد يهتم للشعارات الانتخابية، بقدر جنوحه إلى تمثّلاتٍ وتصوّراتٍ يصنعها هو في مخيّلته، ثم يصوّت لها".
 تراجع الحركة شعبياً

النّهضة تفقد خزّانها الانتخابي
ومن المرجّح، وفق التوقعات التي يبديها المحلّلون محليّاً؛ أن تلقي نتيجة الانتخابات الرئاسية بظلالها على التشريعية، وأن يتواصل ما وُصف بـ "التصويت العقابي" ضدّ منظومة الحكم، لصالح قوى جديدةً، تفقد خلالها الأحزاب التي تصدّرت المشهد منذ 2011، في مقدّمتها حركة النّهضة، سيطرتها على البرلمان.

الأكاديمي المختص في التاريخ السياسي المعاصر خالد عبيد: النهضة ستكون موجودةً في البرلمان غير أنّها ستكون منحسرةً لأنّها تراجعت

وشكّلت "النهضة"، منذ 2011، جزءاً من المشهد السياسي التونسي، بعد فوزها بثاني أكبر كتلةٍ برلمانية في انتخابات 2014، وتسعى إلى الحفاظ على عدد المقاعد نفسه في البرلمان (69 من أصل 217) في الانتخابات التشريعية، غير أنّه من المستبعَد تحقيق ذلك، بعد أن تراجع ناخبوها من قرابة المليون ونصف المليون عام 2011 إلى أقل من 500 ألف في الدور الأوّل من الانتخابات الرئاسية.
وقد أقرّ الغنّوشي نفسه بهذا التراجع؛ إذ أكّد في حوار بثه تلفزيون "الزيتونة" الخاص، أنّ "ما بين 15 و20% من شباب النهضة وقواعدها لم يصوتوا لمرشحها عبد الفتاح مورو"، وتسبّب عدم مروره للدور الثاني في تفاقم الخلافات الداخلية، خاصّة بعد أن أعلن زبير الشهودي، مدير المكتب السابق للغنوشي، استقالته من كلّ مهامه القيادية، مطالباً الغنوشي بـ "اعتزال السياسة".
وتأتي هذه الاستقالة بعد استقالةٍ سابقة للطفي زيتون، المستشار السياسي لرئيس الحركة، دون ذكر الأسباب، لكن بحسب بعض التسريبات يبدو أنّ استقالة زيتون تأتي بسبب اختلاف وجهات نظره مع الغنوشي الذي قال مراقبون إنّه "يحتكر سلطة القرار".

اقرأ أيضاً: التونسيون يقلبون الطاولة على "النهضة" والطبقة السياسية
كما شهدت النهضة خلافاتٍ داخلها؛ بسبب إدخال الغنوشي تغييراتٍ على قوائم المرشحين للانتخابات التشريعية للحركة، طبقاً لصلاحيات المكتب التنفيذي، لكنّ قياديين بالحركة اعتبروا ذلك تعسفاً على إرادة الناخبين الكبار وحرية اختيارهم.
من جانبه، شدّد الحقوقي شكيب درويش، في تصريحه لـ "حفريات"، على وجود معطياتٍ ثابتةٍ بأنّ من صوتوا للنّهضة عامَي 2011 و2014، لم يصوتوا لها في الانتخابات الرئاسية الماضية، التي جرت في 15 أيلول (سبتمبر) 2019، ولفت إلى وجود تراجعٍ "ثقيلٍ" في عدد ناخبيها.
وأشار إلى أنّ قواعدها انقسمت إلى عدّة أجزاء؛ صوّت بعضهم لمرشّحين قريبين من الفكر الإسلامي، مثل المرشّح حمادي الجبالي، وسيف الدين مخلوف، وقيس سعيّد، فيما صوّت آخرون للمرشّح السجين نبيل القروي، الذي يتعارض كلياً مع النهضة، بل ويعاديها، مرجّحاً أن تجد الحركة صعوبةً في تعبئة خزّانها الانتخابي الذي فقدته.
وأوضح درويش؛ أنّ جزءاً من قواعدها المحافظين مستاؤون من مواقف الحركة المتعلقة بالهوية، والأيديولوجيا، خاصّةً بعد أن خلعت عنها محافظتها، فيما يتعلّق بمواقفها السلبية مع مبادرة زواج المسلمة بغير المسلم، والمساواة في الميراث، وهو ما جعلهم يتركونها، ويبحثون عمّن يعوضها، فهاجر بعضهم نحو ائتلاف الكرامة (مجموعة من الناشطين المتشبثين بمبادئ الثورة، وبالهوية الإسلامية البلاد والشعب).

النهضة تخيّب آمال ناخبيها
أسبابٌ كثيرة تقف وراء تراجع الحركة شعبياً، وتآكل خزّانها الانتخابي، ويبدو تطبيعها مع محيطها السياسي الداخلي، في مقدمتها؛ إذ تتفق الرؤى السياسية والاجتماعية في تونس، على أنّ توافق النهضة مع النخبة التحديثية، و"تطبيعها" مع العائلة السياسية الديمقراطية، قد أضرّ بامتدادها الشعبي النابض من روح الأيديولوجيا الدينية، وهو ما أنتج نوعاً من الفتور الذي بات يحكم العلاقة بين قياداتها وقواعدها الشعبية.
كما تسبّب قرار المؤتمر العاشر للحركة، عام 2016، بفصل الخطّ الدعوي عن الخطّ السياسي، والتوجّه نحو المدنية، النهضة في مقتل، وأفرغ قاعدتها الشعبية الغاضبة من سياستها الجديدة، وفق ما أكّده المؤرّخ الجامعي المختص في التاريخ السياسي المعاصر، خالد عبيد لـ "حفريات".
وأكّد عبيد؛ أنّ النّهضة لن تفوز بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية، وأنّها ستشهد تراجعاً كبيراً في عدد المقاعد التي ستحصل عليها، وقال إنّها ستكون موجودةً في البرلمان، غير أنّها ستكون منحسرةً؛ لأنّ نفوذها تراجع، ووجودها في المشهد السياسي ككلّ خفت، بسبب مواقفها المتناقضة خلال الأعوام الأخيرة، مضيفاً أنّ ذلك تسبّب في غضب أنصارها، وتوجّههم نحو دعم مرشّحين آخرين، يرون أنّهم أصبحوا أقرب إليهم من حركتهم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية