ثورة يناير: كيف قوّضت تناقضات الإخوان مساعي الديمقراطية في مصر؟

ثورة يناير: كيف قوّضت تناقضات الإخوان مساعي الديمقراطية في مصر؟


26/01/2021

يحتفل المصريون، الشهر الجاري، بمرور عشر سنوات على ثورة كانون الأول (يناير) 2011، فيما يرى البعض أنّ ثمة فرصة لتقييم التجربة كاملة، بعد انقضاء عقد كامل على اندلاع الثورة، ويرى آخرون أنّ التجربة ما تزال "قيد الاختمار"، وأنّ مصر تتحسس خطاها على المسار الديمقراطي الذي اندلعت الثورة لتطالب به.
بعد مرور عشر سنوات، كانت فرصة كافية لتقييم تجربة الإخوان المسلمين قبل وخلال وبعد انتهاء الأحداث، بعد أن كانت سبباً في صعودهم الأول لعرش مصر.

خلل علاقة الإخوان المسلمين بالمجتمع والواقع السياسي، تمّ اختباره على نحو مأساوي منذ ثورة 25 يناير، وصولًا إلى ثورة 30 يونيو

كما أنّ تتبع مسار تناقضات الإخوان يوضح كيف ساهمت هذه الحالة في تشتيت الآمال الديمقراطية لمصر، بعد ثلاثة عقود من الجمود والركود السياسيّ، أدّى إليها حكم الرئيس المخلوع، حسني مبارك، الذي ترأس الحزب الوطني المنحلّ والمتحكّم الرئيس في الحياة السياسية المصرية، منذ انطلاقته الأولى على يد الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

براغماتية الجماعة وهوس السلطة

لا يمكن فصل تجربة الإخوان المسلمين خلال ثورة يناير عن كامل التجربة التي بدأت بإطلاق سراح كلّ معتقلي الجماعة، على يد الرئيس الراحل أنور السادات، عام 1971، بعد سنوات السجن في عهد الرئيس جمال عبدالناصر.

 جاء السادات بمسار سياسي مغاير لما كان عليه حكم سلفه، فأطلق سراح أعضاء الجماعات الإسلامية وأعادهم إلى وظائفهم، مع تعويضهم مادياً عن الفترة التي تمّ اعتقالهم فيها، وقبيل اغتياله بأسابيع، ألقى السادات خطابه المشهور في مجلس النواب المصري، في الخامس من أيلول (سبتمبر) 1981، معلّقاً على تناقضات الجماعة، والتطرّق إلى مبدأ التقيّة (اتقاء شرّ الحاكم والخوف من انتقاده) الذي تنتهجه القيادات مع الرئيس، وهو مبدأ رسّخه مؤسس الجماعة، حسن البنا، واستمرّ معهم حتى اللحظات الأخيرة قبل السقوط.

اقرأ أيضاً: "الفوضى".. حلم إخوان مصر يتجدد في ذكرى 25 يناير

كان اغتيال السادات، في السادس من تشرين الأول (أكتوبر) 1981، أبرز تجليّات العنف التي أظهرتها الجماعات الإسلامية في ذلك الوقت، والتي ستتبعها بملامح دموية أخرى في فترة التسعينيات من القرن الماضي، لكنّ عودتهم للمشهد السياسي تدريجياً جاءت بالتوازي مع بداية الأزمات السياسية التي وقع فيها نظام مبارك، وبداية إشراكهم في السلطة خلال  برلمان 1995، بعد فوز مرشّح واحد من الجماعة، ثمّ برلمان 2000، الذي ضمّ 17 نائباً عن جماعة الإخوان، ومع توسّع دائرة تواجد الجماعة داخل السلطة التشريعية، كان سقف طموحاتهم يرتفع، دون الالتفات الحقيقي إلى مشكلات الشعب مع السلطة الحاكمة في ذلك الوقت، والتي كان أبرز معالمها تفشي الفساد، والقمع الأمني، ومشروع التوريث، الذي كان أهم أسباب اندلاع الثورة.

يرفض الإخوان مبدأ الثورة في أدبياتهم، وهو ما دفعهم للمراوغة وعدم توضيح موقفهم من المشاركة في التظاهرات التي دعت إليها عدّة قوى سياسية في مصر، واكتفوا بالقول إنّه لم تتّم دعوتهم رسمياً، لكنّهم لا يمانعون من مشاركة أعضائهم بشكل شخصيّ، دون أن يكون للتنظيم وجود رسمي في الوقفات الاحتجاجية.

ماذا قدّم الإخوان للثورة؟

مثّل مشروع توريث الحكم لجمال مبارك، إلى جانب مقتل الشاب السكندري خالد سعيد، على يد أفراد الأمن، القشّة التي قصمت ظهر الشعب المصري ودفعته للخروج، لكنّ الجماعة، التي تبنّت وادّعت لاحقاً أنّها شعلة الثورة وحاميتها، لم يكونوا ضدّ ترشح جمال مبارك للرئاسة، لكن بشرط الشفافية والنزاهة، وهو أمر يستحيل حدوثه في ظلّ سيطرة الحزب الواحد على مفاصل السلطة، ومع تصاعد الأحداث واعتصام المتظاهرين في ميدان التحرير، بدأ الإخوان في الانقلاب على عقبهم، وشاركوا رسمياً قبل أن تضيع فرصتهم الذهبية، وكانت هذه أولى محطات الشقاق والتراجع الحقيقي لقوى الثورة، والذي يصفه الكاتب الصحفي ورئيس تحرير قناة "القاهرة والناس"، الدكتور ياسر ثابت، بالإخفاق التاريخي للجماعة، الذي قوَّض الآمال في الانتقال إلى حُكم مدني ديمقراطي وثقافة مدنية، وانقض مراراً وتكراراً على مفهوم بناء التوافقات والأرضيات المشتركة، وذلك من خلال سلسلة من الممارسات، لعلّنا نذكر منها؛ غياب المصداقية، ونقض العهود والوعود التي قطعوها على أنفسهم.

 الدكتور ياسر ثابت

يتابع ثابت، في تصريح لـ "حفريات": "أخفقت الجماعة في اختبارات متتالية، بدءاً من موقفها الملتبس من المشاركة في ثورة يناير، منذ بدايتها، وتصريح عصام العريان عن اعتزام الإخوان عدم المشاركة في مظاهرة 25 يناير، التي دعت إليها حركة 6 أبريل، ومروراً بموقفها المتخاذل من حماية الثورة والثوار خلال فترة ما بعد تنحي مبارك، ودعمها خيار "الانتخابات أولاً"، بدلاً من "الدستور أولاً"، الأمر الذي أسهم في تعقيد الفترة الانتقالية وضبابية المشهد، ودخول آلية التآمر والصفقات، وانتهاء بمرحلة وصولها إلى السلطة عبر أول رئيس مدني منتخب، ولعلّه من المفيد أن نتذكر جيداً كيف كانت البداية، فقد أعلنوا أنّهم لن يرشّحوا واحداً منهم على منصب الرئيس، على اعتبار أنّهم لا يريدون تصدّر المشهد السياسي، وكان لذلك أثره المطمئن للرأي العام".

د. ياسر ثابت لـ"حفريات": الجماعة وقعت في خطيئة "الاعتصام في الزمان"، قبل أن تعاند وتكابر وتعتصم لاحقـاً في المكان، رابعة العدوية والنهضة مثالاً

كرّر المرشد العام للإخوان المسلمين هذا الموقف في أكثر من مناسبة، كان أكثرها وضوحـاً في لقاء له مع وائل الإبراشي على قناة "دريم"، عام 2012، مصرحاً بأنّ الجماعة لن تقدم مرشحـاً من الإخوان، وكنّا نتمنى ألّا يترشّح أحد من المنتمين إلى التيار الإسلامي، حرصـاً على مصلحة مصر.

الإخوان في السلطة

نُصّب محمد مرسي رئيساً لمصر، في الأول من تموز (يوليو) 2012، في لحظة تاريخية للجماعة التي ذاقت الويلات وصولاً إلى هذه اللحظة، ولعلّ تصريحات القيادي الإخواني، عصام العريان، قبيل الانتخابات الرئاسية، والذي قال في مستهلّ مشاركته في ندوة: "نحن لسنا مجانين لنحكم مصر في هذه الظروف، ثم نحن غير مهيّئين لذلك"، هي خير برهان على جنون الجماعة التي حفرت قبرها بيد قياداتها.

اقرأ أيضاً: بعد 10 أعوام على الثورة المصرية أين ذهبت حركات الإخوان المسلحة؟

 ويتعيّن الحديث، بحسب ثابت، عن "ضبابية رؤية جماعة الإخوان المسلمين للممارسة الديمقراطية، وعدم استيعابها لمتغيرات العصر، وحاجاته إلى مشروع وطني عابر للجماعات والطوائف والفرق والأعراق، وانغلاقها على مشروعها الذي لم يلامس تطلعات المصريين بعد ثورة 25 يناير، فضلاً عن نكوص تعهّداتها السابقة التي تتعلق بالالتزام بمبدأ الشراكة السياسيّة والسلم الاجتماعيّ ومدنيّة الدّولة، ولعلّ أخطر مستوى لإخفاق الإخوان المسلمين هو فشلهم في أن يكونوا جزءاً من الزمن، من تقدمه وتطوراته ومن سرعته.

وربّما جاز القول إنّ الجماعة وقعت في خطيئة "الاعتصام في الزمان"، قبل أن تعاند وتكابر وتعتصم لاحقـاً في المكان، رابعة العدوية والنهضة مثالاً، لتصبح فريسة التشوش الذهني، أو حتى ما يمكن وصفه بـ "التسوس الفكري"، الذي أجهز على الجماعة، فلم يُبق ولم يذر".

اقرأ أيضاً: كيف تغيّرت السّياسة الخارجيّة لمصر بعد 25 يناير؟

خرج الإخوان من حكم مصر، بعد عامٍ واحد من الإخفاق والسقوط المدوي، للمشروع التنموي الوهمي الذي لطالما روّجوا له، اختارت الجماعة استعراض عضلاتها السياسية، واستبعاد القوى الثورية الأخرى، والنظر لها باستخفافٍ بالغ، وبشكل عام دفعت الجماعة كافة القوى الإسلامية، للإلقاء بثقلهم وراء مسار انتخابي يهدف إلى جعلهم القوّة الرئيسة داخل المؤسسات المنتخبة.

مقومّات الانهيار الكبير

حرصت الجماعة على الإمساك بمفاصل الدولة، وتجلّى ذلك في موقفهم من استفتاء آذار (مارس) المشهور، الذي أرجأ كتابة الدستور الجديد إلى ما بعد الانتخابات التشريعية، التي فاز فيها الإسلاميون باكتساح، كان محطّة أولى لتوثيق الفشل الذريع، واعتقد الإخوان المسلمون أنّ فوزهم القويّ في الانتخابات كان كافياً لإضفاء الشرعية الشعبية على موقعهم السياسي المهيمن الذي اكتسبوه حديثاً، لكن الواقع أثبت أنّ هذا خطأ خطير في التقدير، فربما لا تتمتع النخب الليبرالية والقومية واليسارية بالنفوذ الانتخابي نفسه للإخوان والسلفيين، لكنّ هذا لا يعني أنهم سيقبلون بسهولة النتيجة الانتخابية، غير المتوقّعة والمقلقة، لاستيلاء الإخوان على البرلمان والرئاسة والدستور في مصر.

كما كانت معارضة النخب للإخوان متجذّرة في عدم التوافق الأساسيّ بين وجهات النظر العلمانية والإسلامية للمجتمع المصري الجديد، وقد جعل ذلك النخب شديدة الحساسية لخطر استيلاء الإسلاميين على السلطة، الذين اعتقدوا أنّه سيقوّض حرّياتهم وتطلعات الشعب المصري ما بعد مبارك، والذي ربّما يؤدّي إلى تقسيم البلاد وإشعال فتنة اجتماعية، في حين كان من المحتمل أن تعيش هذه النخب مع حركة تدريجية للإخوان في السياسة، إلا أنّ مخاوف النخب كانت مبررة من خلال نهج الجماعة الإقصائي والاستعلائي، الذي شكّل تهديداً وشيكاً رفضت النخب قبوله.

اقرأ أيضاً: بعد التقارب بين مصر وقطر .. هل تتخلى الدوحة عن الإخوان؟

من المرجّح أن يكون لهذا الفشل دور في سرعة تهاوي نظامهم واستهلاك حقبتهم، والحال أنّ خلل علاقة الإخوان المسلمين بالمجتمع والواقع السياسي، تمّ اختباره على نحو مأساوي منذ ثورة 25 يناير، وصولًا إلى ثورة 30 يونيو، فقد سقطوا في فخّ السلطة، وانتهجوا سياسات إقصائية، حتى ينفردوا بالمشهد السياسيّ، إلى أن تعثروا وانهاروا في اختبار الإرادة الشعبية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية