جائحة كورونا حين فتكت بالثقافة وعطلت الإنتاج الإبداعي

جائحة كورونا حين فتكت بالثقافة وعطلت الإنتاج الإبداعي


31/12/2020

خيّم فيروس كورونا على كافة دول العالم، بدرجات متفاوتة، ما دفع  خبراء الاقتصاد والمنظّمات الدولية لتقييم آثاره التنموية على  اقتصاديات ومعدّلات نموّ الدول.

قليلة هي الدراسات التي تناولت آثاره على الإنتاج الثقافيّ العالميّ، الذي تأثّر بدوره، بداية من القطاعات الصحفية، إلى عالم النشر والكتب، انتهاء بالسينما والمهرجانات العالمية، التي كانت تلغَى تباعاً للمرّة الأولى في تاريخها.

تسبّبت جائحة كورونا في تفاقم أزمة الصحافة الورقية، القائمة بدورها منذ سنوات، بعد اجتياح منصّات الصحافة الإلكترونيّة، ووجودها كبديل أسهل للتداول والتفاعل

تتألف القطاعات الثقافية والإبداعية إلى حدّ كبير من الشركات الصغيرة والمنظمات غير الهادفة للربح والمهنيين المبدعين، الذين يعملون غالباً على هامش الاستدامة المالية.

تعتمد المؤسسات والشركات الثقافية، العامة والخاصة، الكبيرة على هذا النظام البيئي الثقافي الديناميكي، لتأمين السلع والخدمات الإبداعية، التي تساهم بدورها في الناتج الاقتصادي المحلي.

كان أكثر المبدعين تضرراً من دول العالم النامي، بالتأكيد، نتيجة عدم توافر موارد الدعم النظامية التي تحمي صنّاع الثقافة من أزمات طارئة كالتي ما نزال نعيشها.

النشر الإلكترونيّ وصناعة الكتاب

استهلّت العاصمة المصريّة عامها الجديد، بافتتاح معرض القاهرة الدّولي للكتاب، واختتمته بتأجيل المعرض، الذي يعقد في كانون الثاني (يناير) من كلّ عام، ليكون في الثلاثين من (حزيران) يونيو 2021، وقررت وزارة الثقافة المصرية، تعليق جميع الأنشطة، الفنيّة والثقافية، التي من شأنها إشراك مجموعات كبيرة من الناس، كإجراء احترازي لاحتواء انتشار فيروس كورونا، وذلك في منتصف آذار (مارس) الماضي، ونتيجة لحالة الذعر التي سادت العالم، بعد أحاديث وسائل الإعلام عن انتقال العدوى عبر اللّمس، وأنّ الورق أصبح وسيلة لنقل العدوى، أصيبت حركة النشر ومبيعات الكتب بالشلل، نتيجة تأخّر عملية الطباعة وإلغاء المحافل الأدبية ومعارض الكتب الدولية، التي تعدّ أهم المصادر الأساسية لخزائن الناشرين.

الناشر محمد البعلي

ومع توقّف عالم الثقافة عن الحركة، توجّه الجماهير إلى البدائل الإلكترونية، وهي الأكثر أماناً وسرعة في الحصول عليها، وبحسب مدير "دار صفصافة للنشر"، ومؤسّس مهرجان القاهرة الأدبيّ، الناشر محمد البعلي؛ فإنّ الأزمة المالية التي سببتها الجائحة للناشرين والكُتّاب، لم يكن لها مثيل في تاريخنا الحديث، كانت مفاجئة وسريعة، ومع قسوتها، فإنّها فتحت أفقاً جديدة أمام أصحاب المشروعات الثقافية، للبحث عن بدائل، وتفعيل خطط للأزمات يجب أن يتم العمل بمقتضاها.

اقرأ أيضاً: "رهينة كورونا".. ما الذي ينتظر اقتصاد العالم في 2021؟

يتابع البعلي، في تصريح لـ "حفريات": "بعد انعقاد معرض القاهرة الدوليّ للكتاب، فوجئنا بإلغاء العديد من المعارض، بعد انتهاء معرض مسقط الدولي للكتاب، والذي  كان سيئاً للغاية، بسبب امتناع الناس عن القدوم نتيجة خوفهم من تفشّي الفيروس، وسرعان ما تمّ تعليق كافة الفاعليات الثقافية بما فيها المهرجانات الأدبية، ومع تراجع نسبة مبيعات الكتب بالمكتبات، نتيجة توجّه الجمهور للإلكتروني، تمّ تأجيل العديد من مشاريع النشر التي كانت قائمة بالفعل، وهو ما سبّب أزمة حقيقة للكتّاب والناشرين على حدّ سواء، لكن على الصعيد الآخر؛ انتعشت مبيعات الكتب الإلكترونيّة، بشكل غير مسبوق، وهو ما لفت أنظار الناشرين إلى التغيّر المستقبلي الذي ستفرضه الجائحة، والذي يجب أن يتواءم معه صنّاع الثقافة بشكلها التقليديّ، بالالتفات إلى البدائل التي بدأ الجمهور بالفعل في التوجّه إليها".

اقرأ أيضاً: كيف تُحقق الإمارات مناعة وطنية ضد كورونا؟.. "فايننشال تايمز" تجيب

تعدّ القطاعات الثقافية والوظائف الإبداعية من بين أكثر القطاعات تضرراً من الأزمة الحالية؛ حيث تتراوح الوظائف المعرضة للخطر بين 0.8 إلى 5.5٪ من العمال، وذلك عبر مناطق منظمة التعاون الاقتصاديّ والتنمية، حسبما نشرت المنظّمة في تقرير لها، مطلع أيلول (سبتمبر) الماضي.

شهادة وفاة الصحف الورقية

تسبّبت الأزمة الناجمة عن انتشار الفيروس، في تفاقم أزمة الصحافة الورقية، القائمة بدورها منذ سنوات، بعد اجتياح منصّات الصحافة الإلكترونيّة، ووجودها كبديل أسهل في التواجد، وأوسع انتشاراً، ويعزي وكيل نقابة الصحفيين المصريين، ورئيس لجنة الحريات بالنقابة، عمرو بدر، إلى أنّ الأزمة العالمية، قد سرّعت من وتيرة أزمة الصحافة الورقية، وجعلت الصحفيين جميعاً أمام اختبار حقيقي متعلق بالبحث عن بدائل لإحياء الصحافة الورقية إلى جانب الإلكترونية، وليس الحكم بالإعدام عليها، كما يحاول البعض أن يروّج لهذه الفكرة، ويقول، في تصريحه لـ "حفريات": "حقيقة الأمر أنّ الصحافة الورقية، لم تكن وحدها في أزمة، فالصحف الإلكترونية أيضاً، في مصر ودول كثيرة حول العالم، طالتها أزمات بسبب الوباء، بدأت بتسريح أعداد كبيرة من الصحفيين، مروراً بتخفيض رواتب من بقي منهم، والعمل تحت ظروف ضاغطة لا تساعد الصحفيين على إتمام رسالتهم المهنيّة".

وكيل نقابة الصحفيين المصريين عمرو بدر

يتابع بدر: "رغم أنّ الحدث يبدو محبطاً، مع قلّة توزيع أعداد الصحف الورقية، والضغوط التي يواجهها العاملون بالمهنة، إلّا أنّ الواقع أصبح يفرض علينا المضي قدماً، للبحث عن بدائل تحافظ على الصحافة ومؤسساتها، وتضمن للصحفيين بيئة عمل سليمة، بداية من المؤسسة التي تتبنى إستراتيجية قائمة على خطط مواجهة الأزمات، وانتهاء بالحريات الممنوحة للصحفيين، والذين هم من دونها كالجنديّ بلا سلاح".

المخرج عماد البهّات لـ "حفريات": كيف يمكن للدولة أن تتدخّل في صناعة السينما لتحافظ على توازنها من الاختلال، في ظلّ ظروف استثنائية كهذه؟

ومن القطاعات الثقافية الأكثر تضرراً من تدابير التباعد الاجتماعي: المتاحف، والفنون المسرحيّة، والموسيقى الحيّة، والمهرجانات، ومباريات كرة القدم، ومع انخفاض الأرباح، بدأت عمليات واسعة من تسريح العمالة، وتخفيض أجور من تبقى من العاملين في هذه القطاعات، فيما استفادت بعض القطاعات الثقافية، بدايةً من منصات المحتوى عبر الإنترنت، التي شهدت زيادة الطلب على المحتوى الثقافي أثناء الإغلاق، لكنّ الفوائد من هذا الطلب الإضافيّ تعود على أكبر الشركات في هذه الصناعة.

لا سجّادات حمراء في المدينة

للمرة الثانية، عبر تاريخه الطويل، يتمّ تأجيل مهرجان "كان" السينمائي الدولي، بعد أن تمّ تأجيله عام 1939، بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، وسارت على نهج "كان" كلّ مهرجانات العالم، التي وجدت استحالة إقامة فعالياتها بسبب الإغلاق التام لحركة الطيران، فيما كان صنّاع السينما على موعد مع إلغاء عروض أفلامهم. ومع تزامن شهر رمضان المبارك، لشهور الإغلاق، كان صناع الدراما التلفزيونية، والتي يعدّ شهر رمضان هو موسم عملها المفضّل، كانت فترة الحجر الصحيّ، قد عطّلت استكمال بعض المسلسلات، فيما أغلقت دور السينما وتمّ رفع العديد من الأفلام الجديدة، بعد أيام أو أسابيع قليلة من عرضها، من بين هذه العروض، كان الفيلم المصري "صندوق الدنيا"، للمخرج عماد البهّات، الذي لم يستمر عرض فيلمه في دور السينما سوى أيام قليلة، وسرعان ما تمّ إلغاء العروض، مع إغلاق دور السينما، وإلغاء عروضه في المهرجانات، المحليّة والدوليّة.

المخرج عماد البهّات

يتابع البهّات، في تصريح لـ "حفريات": "كانت سنة كارثية بالفعل على صناع السينما وشركات الإنتاج؛ بداية من العروض التي تمّ إلغاؤها، مروراً بالأفلام التي لم يتمّ استكمال تصويرها، وهو ما يوجه النظر إلى أمرين في غاية الخطورة؛ الأول: كيف يمكن للدولة أن تتدخّل في صناعة السينما لتحافظ على توازنها من الاختلال، في ظلّ ظروف استثنائية مثل الظرف الراهن؟ والثاني: الشكل التقليدي للسينما والمهرجانات، الذي بدأ الحديث عن إحلاله، بالديجيتال، ورأينا فترة الأزمة، كيف حلّت منصات مثل "شاهد" و"نتفليكس" محلّ السينما، واحتكارها للعروض الأولى للأفلام، كلّ هذا يلفت النظر إلى تغيير حادث، لكن يجب أن يلتفت إليه أهل الصناعة".

بالفعل، أضرّت الأزمة بقطاع الثقافة وكوادره بشكل كبير، لكن أهمّ ما يجب أن يلتفت إليه العاملون في الحقول الإبداعية، كيف يطوّرون مهاراتهم، لأنّ العالم بعد الكارثة ليس كما قبله، ولن يكون.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية