جماعات الإسلام السياسي.. هل تشوه القيم الإنسانية للأفراد والمجتمعات؟

جماعات الإسلام السياسي.. هل تشوه القيم الإنسانية للأفراد والمجتمعات؟

جماعات الإسلام السياسي.. هل تشوه القيم الإنسانية للأفراد والمجتمعات؟


20/02/2024

"أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا.."

تقوم فكرة "الإسلام السياسي"، كما كل الجماعات الدينية السياسية أيضاً، على تحويل قيم التدين والأخلاق والدوافع الفردية التي ينشئها ضمير الإنسان، إلى عمليات ومؤسسات اجتماعية وسياسية منظمة أو مؤسسية، وفي ذلك فإنّ الإسلام السياسي يفسد القيم الأساسية المنشئة لحياة الأفراد والجماعات، كما يفسد أيضاً العمليات المؤسسية والتنظيمية للدول والمجتمعات؛ لأن تحويل القيم الفردية إلى عمل جماعي منظم يقلل، إن لم يدمر، قدرتها الذاتية على التكوّن والعمل والتأثير، وفي الوقت نفسه، فإنّ القيم الجماعية عندما تخسر صفتها الأساسية كونها مستمدة من المصالح والأعمال واتجاهات وجدالات الطبقات والفئات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة فإنه ينزع منها مبرر وجودها، وتفقد قدرتها على الإبداع والتجديد.

اقرأ أيضاً: الإسلام السياسي ومستقبل الديمقراطية في العالم الإسلامي

إنّ فعل الخير و/أو الصواب، وتجنّب الشر و/أو الخطأ، لا يكون خلقاً إلا إذا كان فعلاً حراً بلا دافع أو حافز قانوني أو ديني، ولا يعود الفعل نفسه خلقاً حين يكون التزاماً قانونياً أو دينياً، وإن يظل بالطبع فعلاً للخير و/ أو الصوب وتجنباً للشر و/ أو الخطأ، وفي ذلك فإنّ الأخلاق هي الحرية الخالصة لذاتها بلا خوف أو منفعة.

الإسلام السياسي يفسد القيم الأساسية المنشئة لحياة الأفراد والجماعات، كما يفسد أيضاً العمليات المؤسسية والتنظيمية للدول والمجتمعات

والحرية هي الخير الخالص، بما هو كذلك مستقلاً عن الحوافز، وهي أيضاً جوهر الإنسان ومبتدأ تنظيم الدول والمجتمعات والسلطات والتشريعات؛ أي اعتبار الإنسان كائناً حراً يسعى إلى الخير دائماً، بما هو في الأصل جوهره وحقيقته خير خالص وجميل، وأنّ الخطأ أو فعل الشر هو استثناء.

إنّ أسوأ ما وقعت فيه الجماعات والسلطات السياسية والاجتماعية وما نتج عنها من قيم وسياسات وتشريعات وأفكار؛ هو اعتبار الإنسان كائناً تحركه المحفزات والدوافع المباشرة، أو عدم الافتراض أنّه ينزع إلى الخير بطبعه وجوهره، وأسوأ من ذلك بالطبع افتراض أنّه ينزع إلى الشر أو في عبارة عملية أخرى؛ تغليب الاستثناء على الأصل، وهذا لا يعني بالطبع عدم ردع أو محاسبة المخطئ.

اقرأ أيضاً: الصراعات الدينية.. كيف تستنزف جماعات الإسلام السياسي المجتمعات؟

الحاجة الأساسية للإنسان، التي تنشئ الغرائز والدوافع والاتجاهات، هي الحياة، كيف يبقى حياً؟ كيف يحمي نفسه من الموت أو ما يهدده بالموت؟ وفي ذلك فإنّ الغذاء والتكاثر كانتا حاجتين أساسيتين للبقاء، وتشكلت حولهما منظومة واسعة ومعقدة من الأفكار والعلاقات، وعندما يتجاوز الإنسان الخوف والتهديد فإنّ سلوكه يتجه بطبيعة الحال إلى تحسين البقاء والارتقاء.

هكذا فإنّ غاية الإنسان السامية هي تجاوز الخوف لأجل الارتقاء، فلا يمكن للإنسان أن يرتقي بذاته إلا إذا تجاوز الخوف أو الشعور بالخوف، وتكون أهمية الأخلاق وضرورتها في تجاوز الخوف وبناء الأمان والثقة. "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" (الحشر-9).

اقرأ أيضاً: لماذا سقط الرهان على "الإسلام السياسي" في المجتمعات العربية؟

ولذلك نلاحظ في الدول المتقدمة نمواً ضئيلاً في عدد السكان بسبب الشعور بالأمان، والعكس صحيح ففي المجتمعات الفقيرة وفي حالات الحروب والصراعات والكوارث يزيد التكاثر وحالات الزواج المبكر.

وفي تطور التشكيل الإنساني، أصبح الإنسان في حاجة إلى الخوف والمغامرة لإثارة وتحريك الرغبات، وهذا يفسر النزعة إلى تعدد العلاقات، على سبيل المثال؛ فالخوف والمغامرة تزيد الرغبة، والزواج بما هو أمان يقلل الشعور بالحاجة إليه. ويعرف المزارعون أنّ النباتات عندما تعطش تنتج البذور والعكس صحيح أيضاً، ولأجل التخلص من البذور في الثمار يحرصون على سقاية المزروعات للدرجة التي تجعلها لا تخاف، ويعطشونها لأجل الحصول على البذور.

اقرأ أيضاً: أولية العقل: نقد أطروحات الإسلام السياسي

وتكون وفق هذا المنظور العقلانية الاجتماعية والأخلاقية؛ أو الأخلاق؛ بما هي عمليات عقلانية أن يتحرر الإنسان من الخوف ويدير غرائزه واحتياجاته الأساسية، وفق التقدير العقلاني للحياة والبقاء والارتقاء بالحياة، وهكذا أيضاً فإنّ الحب الحقيقي بما هو مكون أساسي في الحياة في مستوى الخوف والبقاء أو في مستوى البقاء يرتقي من كونه غريزة للبقاء إلى عمليات عقلانية وأخلاقية لأجل بناء العلاقات الثنائية والاجتماعية على أساس من الالتزام والمعرفة والفهم المتبادل، .. وربما لا تخرج مشكلات الأسر والمجتمعات وسوء التفاهم عن قاعدة الخوف أو التحرر من الخوف.

اقرأ أيضاً: مستقبل الإسلام السياسي: مآزقه وخياراته

هكذا فإنّ الفرد في حريته واستقلاله ومسؤوليته ينشئ القيم الاجتماعية والأخلاقية بما هي حاجات فردية، وتكون وظيفة المجتمعات والمؤسسات السياسية والتنظيمية أن تجعل من هذه القيم أساساً أو محركاً لأهدافها الاجتماعية والتنظيمية، والتي هي أساساً تقوم حول الفرد وتهيئة الأفراد لوظائفهم ومواقعهم الاجتماعية، وهذا يفسر كيف تنشئ المجتمعات قيم "الفردية" برغم أنّها (الفردية) تتعارض مع المصالح والقيم الجماعية!

أسوأ ما وقعت به الجماعات السياسية اعتبار الإنسان كائناً تحركه الدوافع المباشرة، أو عدم الافتراض أنّه ينزع للخير بطبعه

لكن الجماعات الإسلامية السياسية "الإسلام السياسي" يمكن أن تمضي بالأفراد والمجتمعات إلى أسوأ من ذلك، عندما تزين الأهواء والمصالح وتمنحها صفة دينية وأخلاقية، فيقدم إلى المجتمعات والأفراد التنافس والسعي إلى السلطة والمصالح أو اللؤم والعيب، كما لو أنّه عمل صالح أو مروءة، وبمرور الزمن يتحول في أذهان الناس الخير إلى شر، والفضيلة إلى رذيلة، وتفقد الأعمال الصالحة جوهرها وحكمتها الأساسية، ولا تعود لها قيمة إلا في سياق العمل الجماعي المنظم، وتتحول الغايات المادية والأرضية للجماعات إلى دين ومقدسات.

على سبيل المثال، يكون من لا ينتخب مرشحي الإسلام السياسي في الانتخابات العامة آثماً، ومن يخالفهم يكون خارجاً من الدين أو خارجاً عليه، وتكون النجاحات الانتخابية مصداقاً لقوله تعالى: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"، ويفسر الفشل بقوله تعالى: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"، وأيضاً "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم وتلك الأيام نداولها بين الناس"، "فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون" .. ثم تغيب قيم الازدهار والتقدم والمراجعة باعتبارها الضامن الأساسي لنجاح العمل العام، لتحل مكانها سياسات ومصالح الجماعات سواء كانت أهواءً وفساداً وشرّاً، أو كانت خيراً ومصالح عامة، ويلتبس على الناس الخير بالشر، وما هو دين من عند الله وما ليس من عند الله.

الصفحة الرئيسية