جهود رسمية وشعبية فلسطينية لاستكمال ترميم كنيسة المهد

فلسطين

جهود رسمية وشعبية فلسطينية لاستكمال ترميم كنيسة المهد


29/01/2019

في محاولة للحفاظ على ما تبقى من معالمها التاريخية والأثرية ومكانتها الدينية المقدسة؛ قامت السلطة الفلسطينية، ودول عربية وإسلامية وأوروبية، وشخصيات فلسطينية داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، بالتبرع لإعادة ترميم كنيسة المهد بمدينة بيت لحم، التي تعد من أقدم الكنائس وأكثرها قدسية في العالم، وتضمّ الطوائف المسيحية الثلاث؛ الكاثوليك والروم الأرثوذكس والأرمن، في مشهد يعبّر عن التعايش السلمي، وعن المصير المشترك الذي يجمع أتباع الديانتين السماويتين.

اقرأ أيضاً: مصر.. إمام مسجد ينقذ كنيسة

وتعرضت كنيسة المهد، خلال العام 2002، لحصار مشدّد خلال اجتياح الاحتلال لمدن الضفة الغربية المحتلة، في عملية أطلق عليها اسم "السور الواقي"، أدّى إلى إصابة الكنيسة بتصدعات كبيرة في جدرانها الداخلية، وتعرّض أرضيتها الفسيفسائية وبعض المنحوتات الخشبية للتلف، نتيجة عمليات القصف التي شهدتها المناطق المحيطة بها، بعد أن لجأ عدد من المسلحين الفلسطينيين للاحتماء داخلها.

جانب من عملية الترميم

عملية الترميم الأولى

الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية في القدس، حنّا عيسى، يقول لـ"حفريات": إنّ "كنيسة المهد تمّ بناؤها من قبل الإمبراطور قسطنطين الأول، خلال العام 326 ميلادي، فوق المغارة التي ولد فيها السيد المسيح، عيسى عليه السلام، وبدأت أعمال الترميم الحالية خلال العام 2013، وهي أول عملية ترميم تجري منذ نحو أكثر من 600 عام، ليتم إنقاذ الكنيسة وحمايتها من الانهيار، كي تبقى قبلة للسياح الوافدين إليها من كافة أنحاء العالم".

تم التعاقد مع شركة إيطالية لترميم الكنيسة على 3 مراحل تنتهي الأخيرة خلال العام الجاري

ويضيف "تتزين الكنيسة باللوحات الفسيفسائية والنجمة الفضية التي تقع تحت سقف الكنيسة، التي تشير إلى المكان الذي ولد فيه يسوع من مريم العذراء، وعلى جانبي الكنيسة توجد سبع لوحات من الفسيفساء، مصنوعة من أوراق من الذهب، وتم تثبيت كلّ لوحة بين نافذتين، لعراقة المكان الذي يدل على بداية الديانة المسيحية".

وبين عيسى أنّ "اللجنة الرئاسية المكلفة بترميم كنيسة المهد، بقرار من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تعاقدت مع شركة "بياشنتي" الإيطالية، لترميم الكنيسة كاملة على ثلاث مراحل؛ حيث تنتهي المرحلة الأخيرة خلال العام الجاري 2019، من أجل المحافظة على هذا المعلم الديني والحضاري والأثري، ولحماية التراث الفلسطيني من الاندثار، باعتبار الكنيسة من أقدس المواقع الدينية للطائفة المسيحية حول العالم".

تمّ إنجاز أكثر من 90% من أعمال الترميم الداخلية

المحافظة على الكنيسة وطابعها التاريخي

وتابع أنّ "الشركة الإيطالية ستقوم بترميم سقف الكنيسة المصنوع من الرصاص، وأرضيتها المرصعة بالفسيفساء، وترميم الأعمدة الرخامية والأبواب الحديدية الفرعية بداخل الكنيسة، إضافة إلى ترميم الباب الخشبي الرئيس لها، وقد تعرضت جميعها للتلف نتيجة للعوامل الجوية والتصدع بفعل الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية، للمحافظة على المكانة التاريخية والأثرية للكنيسة".

عيسى: ترميم كافة أجزاء الكنيسة يحتاج إلى أكثر من 10 ملايين دولار وبحاجة إلى المزيد من الدعم

ويؤكد عيسى أنّه "تمّ إنجاز أكثر من 90% من أعمال الترميم الداخلية، وتمّ تنظيف أكثر من 126 متراً مربعاً من لوحات الفسيفساء داخل الكنيسة، التي يبلغ عددها نحو ألفي لوحة، ووضِعت في العهد الصليبي، في الفترة بين عامَي 1154 حتى 1169ميلادي، ومع منتصف العام الحالي سيتم إنجاز كامل أعمال التأهيل اللازمة".

ويوضح أنّه "تمّ الانتهاء من ترميم السقف، الذي تعرض للتلف بسبب تسرب مياه الأمطار إليه للحفاظ على كافة عناصره الأساسية، وترميم النوافذ والباب الرئيس، وترميم اللوحات الفسيفسائية في صحن وجانبي الكنيسة الشمالي والجنوبي، وتركيب أنظمة إنذار من الحرائق والزلازل، وتجري الأعمال بحرفية كبيرة، للمحافظة على الشكل العام لهذا المَعلم المهم، وطابعه الأثري والتاريخي، واستبدال الأخشاب المتهالكة بأخرى قديمة، تمّ استيرادها من إيطاليا، ويبلغ عمرها أكثر من 200 عام".
عملية الترميم الأوسع منذ أعوام
واستدرك عيسى "ترميم كافة أجزاء الكنيسة يحتاج إلى أكثر من 10 ملايين دولار، وهي في حاجة إلى المزيد من الدعم الشعبي والدولي والرسمي، لاستكمال مسيرة التأهيل بوتيرة أسرع، لتبقى مقصداً للحجاج القادمين إليها من شتى بقاع العالم".

اقرأ أيضاً: إحباط محاولة تفجير كنيسة بالقاهرة.. التفاصيل الكاملة

ولفت إلى أنّ "كنيسة المهد تعرضت للتدمير إبان ثورة السامريين ضد البيزنطيين، وتمّت إعادة ترميمها وبنائها العام 535 ميلادي، وتعدّ عملية الترميم الحالية هي أكبر عملية تأهيل تشهدها الكنيسة منذ أكثر من 600 عام، ولم تؤثر منذ البدء بها على زيارة الحجاج المسيحيين من شتى أنحاء العالم، واستمرت الكنيسة في فتح أبوابها أمام الجميع احتفالاً بأعياد الميلاد المجيدة".

ويشير عيسى إلى أنّ "عدد المسيحيين في الأراضي الفلسطينية، في القدس الشرقية، والضفة الغربية المحتلة، وقطاع غزة، يبلغ 44 ألفاً و733 مسيحياً".

جانب من عملية الترميم

أخوة وعيش مشترك

أستاذ العقيدة الإسلامية، خليل الزيات، يقول لـ"حفريات": إنّ "العلاقة بين المسلمين والمسيحيين علاقة قائمة على الأخوّة والعيش المشترك، ونظّمت هذه العلاقة العهدة العمرية زمن الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عندما فتح المسلمون بلاد الشام، ومُنح المسيحيون الأمان على أنفسهم، وكنائسهم، وأموالهم، وصلبانهم، ولم يكرهوا على ترك دينهم، ولم يتضرّر أحد منهم".

الترميم يشمل سقف الكنيسة وأرضيتها المرصعة بالفسيفساء والأعمدة الرخامية والأبواب الحديدية والباب الخشبي الرئيس

ويضيف "العهدة العمرية قامت على أصول إسلامية صحيحة وقويمة معتمدة على كتاب الله تعالة وسنة رسوله الكريم، وقد نهى الرسول الكريم، صلّى الله عليه وسلّم، عن إيذاء المسيحيين، أو الإساءة إليهم، وأحلّ الزواج منهم، وتناول الطعام برفقتهم ومجادلتهم بالطريقة الحسنة، في علاقة تعبّر عن أسمى وأرقى العلاقات الإنسانية".
ويشير الزيات إلى أنّ "الإسلام دعا إلى صلة أرحام المسيحيين وزيارتهم، وقبول هداياهم، كما أنّ عبيد الله بن جحش، وهو ابن خالة النبي، صلى الله عليه وسلّم، مات وهو ما يزال مسيحياً بالحبشة، وتزوّج الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، أرملته أم حبيبة بعد وفاته، فالمسلمون منذ الفتح الإسلامي ينظرون إلى بيت المقدس والأماكن المقدسة في بلاد الشام، سواء كانت إسلامية أم مسيحية، على أنّها تراث ديني مقدس يستوجب حمايته والحفاظ عليه، وذلك لإظهار عمق العلاقة التي تربط الإسلام بالمسيحية في حالات عديدة".

اقرأ أيضاً: على أبواب عيد الميلاد..كنيسة المهد تستعيد رونقها
وتابع "ما يدل على وحدة الدم والمصير الواحد بين المسيحيين والمسلمين ما قامت به الكنيسة بيرفيريوس الأرثوذكسية بغزة، من فتح أبوابها أمام النازحين الفلسطينيين الهاربين من شدة القصف الإسرائيلي، إبان اندلاع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع، في صيف العام 2014، وفتحت البيوت المسيحية أبوابها أمامهم، يسهرون على خدمتهم، ويقدمون لهم وجبات السحور والفطور، ليظهر المسيحيون محبتهم لأتباع الدين الإسلامي".

اقرأ أيضاً: هذا ما فعلته مسلمات مصريات في كنيسة العذراء

وأكد الزيات أنّ "الحضارة العربية، منذ آلاف السنين، تمّ بناؤها برفقة المسلمين والمسيحيين على السواء، وتعدّ فلسطين، بكنائسها ومساجدها، منارة للتآخي الديني، ونموذجاً حياً للتعايش الإسلامي المسيحي، فتجد المسلمين والمسيحيين يعيشون في أحياء مشتركة إلى جانب بعضهم، ويشاركون بعضهم أفراحهم وأتراحهم ويتزاورون فيما بينهم".
الحضارة العربية، منذ آلاف السنين، تمّ بناؤها برفقة المسلمين والمسيحيين على السواء

دعم عربي متواصل
وكان رئيس دولة الإمارات العربية ‏‏المتحدة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تكفل في نيسان (أبريل) 2002، بنفقات ترميم وصيانة كنيسة المهد‏ ‏في مدينة بيت لحم، التي أصيبت بأضرار جسيمة جراء الاعتداءات المتواصلة التي ‏‏تعرضت لها، منذ بدء الحصار الذي فرضته قوات الاحتلال الإسرائيلي عليها، أثناء الاجتياح الإسرائيلي لمدن الضفة الغربية.

اقرأ أيضاً: 10 خصائص يجهلها الإرهابيون تمتاز بها مسطرد وكنيسة العذارء
وأعلن العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، في نيسان (أبريل) 2016، تبرعه بتكاليف ترميم "قبر السيد المسيح" بتكلفة متوقعة تبلغ نحو ثلاثة ملايين دولار، وتعترف إسرائيل بموجب معاهدة السلام مع الأردن، الموقعة العام 1994، بوصاية المملكة الهاشمية على المقدسات في القدس الشرقية، التي كانت ضمن مدن الضفة الغربية الخاضعة للسيادة الأردنية قبل أن تحتلها إسرائيل العام 1967.

وأدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلم "اليونسكو" كنيسة المهد في بيت لحم على لائحة التراث العالمي، العام 2012.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية