حرب أردوغان في إدلب: حسابات الربح والخسارة بين أنقرة وموسكو

حرب أردوغان في إدلب: حسابات الربح والخسارة بين أنقرة وموسكو


08/10/2020

يتصاعد التوتّر السياسي والميداني، في محافظة إدلب، مؤخراً، حيث تقوم القوات التركية بحشد عسكري هائل، ما ينذر بمواجهة إقليمية بين أنقرة وموسكو، بعد فترات قلقة بين الطرفين، شهدت هدوءاً حذراً، وتفاهمات محدودة، على تلك المنطقة الواقعة في شمال سوريا، والتي تعدّ أحد أبرز النقاط المركزية الأخيرة في الأزمة السورية، الأمر الذي يعكس سيناريوهات عديدة ومتفاوتة في نطاق الصراع على النفوذ الجيوسياسي بين النظام السوري، المدعوم من روسيا وإيران، من جهة، والجماعات المسلّحة، المدعومة من عدة أطراف إقليمية، من جهة أخرى.

تركيا وروسيا.. مواجهة مفتوحة

وقد كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان؛ أنّ القوات التركية الموجودة في معسكر "طلائع البعث"، في المسطومة، ريف إدلب، استهدفت تمركزات للجيش السوري، في مدينة سراقب، الواقعة في ريف إدلب الشرقي، إضافة إلى قصف مدفعي على عدة نقاط خاضعة لسيطرة النظام، وذلك بالتزامن مع التعزيزات العسكرية التي تقوم بها تركيا، والتي تمثّل خرقاً لاتفاق وقف إطلاق العمليات القتالية، وإعلان التهدئة، بين روسيا وتركيا، قبل نحو ستة أشهر.

لا تعدّ تهديدات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل أيام قليلة، حول احتمالية الهجوم العسكري على إدلب، حادثة جديدة أو طارئة، لكن ثمّة سوابق عديدة لذلك، تشير في مجملها إلى وجود صراع تكتيكي، وتبدّل الأولويات السياسية بين الأطراف الإقليمية الفاعلة في المشهد السوري، ما ينعكس على الوكلاء المحليين، وتحركاتهم الميدانية، ومن ثمّ عدم الوصول لتفاهمات نهائية، كما تبرز مخاوف متباينة، وشكوك جمّة، فيما يتّصل بتقاسم النفوذ الإقليمي والدولي على الخريطة السورية.

الرئيس التركي أعلن دخول قافلة عسكرية تركية، قبل أيام قليلة، إضافة إلى أكثر من 25 عربة مدرّعة وشاحنة، تحمل موادَّ لوجستية، إلى شمال غرب إدلب

وعليه، لا يوجد جديد في الصراع السوري، كما يشير الكاتب الصحفي، زكي الدروبي، في حديثه لـ "حفريات"؛ إذ إنّ "تعزيز القوات التركية في إدلب مستمرّ، وكلّ فترة تدخل قوات تركية إضافية للمنطقة، كما أنّ التصريحات الأمريكية الداعمة للموقف التركي ما تزال مستمرة كذلك، منذ العملية الأخيرة التي توقفت إثر ضغوطات خارجية، التي استخدمت فيها تركيا الطائرات المسيّرة ضدّ قوات النظام".

اقرأ أيضاً: هل تخطط تركيا لشن هجمات جديدة في سوريا؟

  لكنّ الدروبي، في الوقت ذاته، يلفت إلى أهمية ما أعلنه رئيس النظام السوري، بشار الأسد، صراحة، بمنع اللجنة الدستورية من إنجاز أيّ تغيير حقيقيّ، يستهدف عزله أو إخراجه من السلطة، متذرعاً بأنّ هذا يزعزع الاستقرار في سوريا.

سيناريوهات الصراع

ويرفض الدروبي الخطابات التي يمرّرها النظام، والذي يربط استخدامه العنف المسلح بدعوى محاربة الإرهاب، حيث يقول: "للمصادفة، فإنّ أيّة عمليّة عسكريّة قام بها الأسد ضدّ المجاميع الإرهابية المصنّعة في أجهزة مخابراته، ومخابرات شركائه الإيرانيين، كانت نتيجتها الميدانية تسليم المنطقة للميلشيات الطائفية، الأمر الذي لا تمكن مقارنته بالمواجهة الشرسة ضدّ القوى المدنية، في أوقات سابقة، وكذا ضدّ المعارضين السياسيين".

في آذار (مارس) الماضي، دشّنت القوات التركية عملية عسكرية باسم "درع الربيع" ضدّ النظام السوري في إدلب، وذلك بعد مقتل أكثر من 30 جندياً تركياً في غارة جوية، بيد أنّ أنقرة أشارت، في الوقت ذاته، إلى عدم "نيتها" توسيع الهجوم العسكري لتجنّب "الدخول في مواجهة مع موسكو"، وذلك بحسب ما قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار.

اقرأ أيضاً: أدوات الحرب التركية.. دروب المرتزقة من سوريا إلى أذربيجان

ورغم الوصول لاتفاق بين أنقرة وموسكو، في نيسان (أبريل) الماضي، على وقف القتال بشمال سوريا، والذي جمّد عمليات القصف المدفعي التي قام بها جيش النظام بدعم روسي، وقد تسبّب في نزوح ما يزيد عن مليون شخص، في المنطقة المتاخمة لتركيا، إلا أنّ الرئيس التركي، أعلن دخول قافلة عسكرية تركية، قبل أيام قليلة، إضافة إلى أكثر من 25 عربة مدرّعة وشاحنة تحمل مواد لوجستية، إلى شمال غرب إدلب، لجهة تعزيز النقاط العسكرية التركية في المنطقة.

اقرأ أيضاً: لماذا يفرض نظام الأسد 100 دولار على العائدين إلى سوريا؟

كما هدّد أردوغان بمواصلة العمليات العسكرية في سوريا، في حال "لم تحصل تركيا على الوعود المقدمة لها"، مشدداً على أنّ "الوضع في محافظة إدلب سيبقى دون تغيير"، بحسب ما نقلته وكالة أنباء "الأناضول".

فشل الاتفاق التركي الروسي

وتابع: "الأطراف التي تلتزم الصمت إزاء التنظيمات الإرهابية والدول الداعمة لها، تضع كلّ المبادئ الأخلاقية والقانونية والحقوقية جانباً عندما يتعلّق الأمر بتركيا".

وفيما يبدو؛ فإنّ الرئيس التركي، الذي يقف على أطرافه في إدلب، ويلمح إلى ابتعاد حلفاء له عن الاصطفاف السياسي والعسكري معه، يواجه منذ النصف الثاني لشهر أيلول (سبتمبر)، صعوبات وتحدّيات جمّة؛ إذ تعرّضت مواقع عسكرية للتنظيمات المسلحة إلى هجوم عسكري من قبل قوات النظام، ما نجم عنه غياب الدوريات العسكرية التي كانت تسيّرها أنقرة، في المنطقة الواقعة شمال غرب سوريا.

الصحفي السوري علي بكاري لـ "حفريات": هناك سببان لدى أردوغان للحرب؛ الأول إثبات وجوده وإرضاء ذاته على خلفية مشاريعه التوسعية في المنطقة. والثاني محاولة تصفير مشكلاته

وبحسب مصادر لـموقع "العربية نت"؛ فإنّ ثمة مفاوضات روسية تركية، جرت بهدف بحث التطورات الأخيرة في إدلب، وشرق الفرات وغربه؛ حيث المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، توصّلت إلى أنّ "روسيا وتركيا وافقتا على إبقاء الوضع الميداني كما هو، في إدلب وشرق الفرات، وذلك بعد رفض الأولى السماح للقوات التركية بشنّ هجوم عسكري جديد، للسيطرة على بلدَتي تل رفعت ومنبج، اللتين يتواجد فيهما مقاتلون أكراد".

ومن جهة أخرى، قال المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا، جيمس جيفري، في مقابلة مع "معهد بيروت": إنّ نظام الأسد لن يسيطر على المزيد من الأراضي في سوريا، ويجب عليه التأقلم مع هذا الواقع، عاجلاً أم آجلاً، مضيفاً أنّ "الولايات المتحدة ساهمت، وبشكل أساسي، في فرض وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد".

اقرأ أيضاً: ما الإستراتيجيات العربية لتجفيف الوجود الإيراني في سوريا؟

ووفق المبعوث الأمريكي؛ فإنّ سوريا أصبحت مستنقعاً، وجهدنا في الوقت الحالي منصبّ على إبقاء الأمور كما هي دونما تغيير، وذلك حتى تتمّ العملية السياسية، مشدّداً على ضرورة "محاسبة الأسد على أفعاله وجرائمه التي ارتكبها بحقّ شعبه، وكذا ممارسته لكلّ الطرق الوحشيّة لقمع السكان".

عزوف روسي واتهامات تركيّة للناتو

وأضاف جيفري: "روسيا لا يمكنها أن تطمح بوضع نظام أمنيّ إقليميّ يستبدل النظام الذي وضعناه مع أصدقائنا العرب والأتراك وإسرائيل وغيرهم، وندير المنطقة من خلاله منذ السبعينيات".

وإلى ذلك، قال وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو: إنّ "حلف شمال الأطلسي امتنع عن دعم تركيا في منطقة إدلب السورية"، وأضاف في مؤتمر صحفي مع أمين عام الحلف، ينس ستولتنبرغ: "تركيا تقدّمت إلى الحلف بطلب دعم في سوريا في إدلب، لكن أقولها، بكلّ أسف، إنّ حلفاءنا امتنعوا عن تقديم هذا الدعم لأسباب مختلفة".

ولفت تشاووش أوغلو إلى أنّ بعض الحلفاء في الناتو ينتهكون القانون الدولي، بشكل صارخ، بتقديمهم الدعم إلى تنظيم قوات سوريا الديمقراطية، والتي تصنّفها أنقرة ضمن التنظيمات الإرهابية.

يوضح الصحفي السوري، علي بكاري، أنّ "حكومة العدالة والتنمية، أضحى هدفها خوض المعارك، والتواجد في أيّ صراع، ومن ثم البحث عن نتائج ذلك في إطار تطلعاتها وأطماعها، الإقليمية والسياسية والأمنية"، مضيفاً لـ "حفريات": "هناك سببان لدى أردوغان للخوض في هذه المعارك؛ الأول إثبات وجوده وإرضاء ذاته المتعطشة للحروب، وذلك على خلفية مشاريعه التوسعية في المنطقة، والبحث عن ثرواتها، والثاني يتمثّل في محاولة تصفير مشكلاته، المحلية والداخلية، بواسطة إشغال الجيش وإنهاكه في المعارك الخارجية".

اقرأ أيضاً: هل تتمخض الفوضى في سوريا عن نظام جديد؟

وبسؤال الصحفي السوري حول توصيف بعض المراقبين للتصعيد في إدلب، بأنّه سيكون "حرباً إقليمية"، يجيب: "لا أستبعد حدوث تلك المواجهة بهذا المستوى، وربما نستطيع أن نقول إنّها ستكون بمثابة جولة أخرى من الجولات العديدة لتكريس المحاصصة بين القوى الإقليمية النافذة في الصراع السوري، ومن ثمّ، إعادة رسم التوازنات في الجغرافيّة السوريّة.

اقرأ أيضاً: سوريا.. هل ينهي التصعيد الروسي الأخير "هدنة إدلب" الحساسة؟

وبحسب التجارب السابقة؛ فهذه المرة أيضاً ستترتّب عليها سيطرة النظام السوري، ومن قبله روسيا، على مساحات أخرى من ريف إدلب، كما قد يحصل أردوغان على شيء مقابل ذلك خارج الحدود السورية، خاصة أنّ الصراع محتدم بين أرمينيا، التي هي على قائمة أعداء أردوغان، وأذربيجان حليفته؛ حيث يعمد الأخير، طوال الوقت، إلى استخدام مناطق تخضع تحت نفوذه لتحقيق مكاسب في مناطق أخرى".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية