حركة "النهضة" تختنق: هل انتهى الغنوشي سياسياً؟

حركة "النهضة" تختنق: هل انتهى الغنوشي سياسياً؟


25/09/2021

كشفت القرارات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس التونسي، قيس سعيّد، بتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن نوّابه، عمق الأزمة الداخلية التي تعرفها حركة النهضة، منذ إعلان زعيمها، راشد الغنوشي، نيّته التمديد على رأس الحركة، وذلك في تجاهل تام لمقتضيات النظام الداخلي للحزب، الذي لا يسمح له بالترشح لرئاسة الحزب للمرة الثالثة على التوالي.

كما كشفت قرارات سعيّد تخبّط النهضة في مواجهة الواقع الذي أنتجته منذ عودتها إلى تونس، عام 2011، خصوصاً أنّ قياداتها لا تنفي عنها المسؤولية في الفشل التونسي، وذلك بعد خروج انتقادات كثيرة من قيادات الحركة ونشطائها مجدداً إلى العلن، مع تبادل الاتهامات بمسؤوليته عن الأخطاء السياسية التي ارتكبتها رئاسة الحركة وكوادرها ووزراؤها في الحكومات المتعاقبة.

الغنوشي يهدّد تونس بالإرهاب وأوروبا بالمهاجرين

تتصاعد الانتقادات وحالة التململ داخل النهضة، بعد تصريحات زعيمها راشد الغنوشي العدائية ضدّ المؤسسات التونسية، ملوّحاً باستخدام العنف في الشارع من أجل إجبار الرئيس، قيس سعيّد، للتفاوض أو التراجع عن المسار التصحيحي، الذي بدأ منذ الخامس والعشرين من تموز (يوليو) الجاري.

وفي إجابة عن سؤال: "هل ترى عنفاً في الأفق؟"، قال راشد الغنوشي: "أكيد، إذا استمرّ الانقلاب وقوات الأمن بدأت في ممارسات دكتاتورية، فسنبذل كلّ قوتنا لتلافي ذلك".

وقال الغنوشي، في حديث لصحيفة "كورياري ديلا سيرا" الإيطالية، نُشر الجمعة، إنّ مئات آلاف المهاجرين غير القانونيين سيطرقون أبواب إيطاليا الجنوبية".

وتابع: "كلّنا في مركب واحد، نحن التونسيين والأوروبيين، وتحديداً أنتم الإيطاليين، فإذا لم تعد الديمقراطية إلى تونس في أقرب وقت، فسريعاً سننزلق إلى الهاوية".

وأردف: "يمكن أن يتصاعد التهديد الإرهابي، وعندها تسود حالة من عدم الاستقرار تجبر الناس على الرحيل، هناك أكثر من 500 ألف مهاجر محتمل سيتوجهون إلى السواحل الإيطالية في وقت سريع".

من الضروري تفعيل الفصل 163، الذي يقضي بحلّ كلّ الأحزاب المتهمة بتلقي أموال من الخارج، مثل النهضة وحليفها حزب قلب تونس وكتلة عيش تونسي

في المقابل، حذر الرئيس التونسي من دعوة زعيم حركة "النهضة"، إلى النزول في الشارع، مؤكداً في الوقت نفسه أنه لن يتحول أبداً إلى ديكتاتور جديد.

وقال سعيد، لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية: "تونس رغم الأزمة التي تعيشها تعمل على ضمان الحقوق والحريات، وما تم هو جزء من الدستور، وليس من خارجه، حرية التعبير مضمونة ولا مساس بالحريات، أعلم النصوص الدستورية جيداً وأحترمها ودرستها، ولن أتحول بعد هذه المدة كلها إلى ديكتاتور".

وفي سياق آخر، جدّد الرئيس التونسي، أمس الأحد، موقف بلاده الداعي إلى معالجة مسألة الهجرة غير الشرعية والتصدي لشبكات الاتجار بالبشر.

ورأى المحلّل السياسي، عبد الجبار المدوري، أنّ تصريحات الغنوشي يائسة ومجرّد محاولة للضغط على الغرب لمساندته، لافتاً إلى أنّ الغنوشي انتهى سياسياً، وتصريحاته تؤكّد أنّه لم تعد لديه خيارات كثيرة، وهو الآن يحاول استرجاع مكانته عبر عدّة طرقٍ غير ناجحة.

عبد الجبار المدوري

وأكّد المدوري لـ "حفريات"؛ أنّ الغنوشي خرّب حركة النهضة وفشل في قيادتها، كما فشل كرئيس للبرلمان، ولم تعد له أيّة شعبية، معتبراً أنّ النهضة انتهت ودخلت في مرحلة ما بعد الغنوشي، وأنّ تونس دخلت مرحلة ما بعد النهضة.

تمرّد ضدّ الغنوشي

تعليقاً على هذه التصريحات، أكّد القيادي التاريخي بالحركة، سمير ديلو، أنّه ضدّ دعوة الغنوشي لأنصار الحركة بالنزول إلى الشوارع، وأنّ اللجوء للعنف وتعريض حياة التونسيين للخطر ومواجهة قوات الأمن "خطّ أحمر".

وتابع: "كلّ ما يعرّض السلم الأهلي للخطر، أو يدفع التونسيين للتقاتل أو إعلاء المصلحة الحزبية، كلّ من يقوم بذلك أضاع فرصة ذهبية للصمت"، مضيفاً: "أرغب في أن يكون صوتي مسموعاً داخل النهضة، لأنّني لست الشخص الوحيد الحكيم في الحركة، هناك تيار قوي تأكّدت مواقفه بعد 25 تموز (يوليو)، يرى أنّه لا يجب أن نحبس أنفسنا داخل حالة من الإنكار".

اقرأ أيضاً: تونس الجديدة تنتفض ضد "الإخوان"

وأكّد أنّه على قياديي النهضة أن "يتساءلوا لماذا تمّ حرق مقرّاتنا فقط في كامل ولايات الجمهورية؟ ولماذا خرج التونسيون للاحتفال بعد إجراءات رئيس الجمهورية قيس سعيّد بشكل عفوي".

من جانبه، قال النائب والقيادي في حركة النهضة، محمد القوماني، في تدوينة له على صفحته الخاصة بالفيسبوك؛ إنّه لا بدّ من الإقرار، بدايةً ومجدّداً، بتحمّل حركة النهضة لجزء مهمّ من مسؤولية الحكم خلال فترة ما بعد الثورة، والاعتراف بارتكاب قيادتها أخطاء غير قليلة، ذات تداعيات سلبية على جماهيريتها ورصيدها الانتخابي المتراجع، وأيضاً على ما انتهت إليه الأوضاع من تردٍّ على أكثر من صعيد.

اقرأ أيضاً: كيف منح الإخوان الشرعية للرئيس التونسي؟

وشدّد القوماني على ضرورة أن تسارع قيادة النهضة بالاعتذار للشعب التونسي، التي أعطاها أكثر من فرصة، ومنحها المرتبة الأولى في الانتخابات، مضيفاً أنّه على الحركة القيام بالمراجعات اللازمة بعد قرارات 25 تموز (يوليو).

استقالات

وضمن جملةٍ من الاستقالات، لم تعلن بعد، أعلن المكلَّف بالإعلام في الحركة، خليل البرعومي، استقالته من المكتب التنفيذي للحركة ومن مسؤولية الإشراف على الإعلام، احتجاجاً على ما وصفه بـ "عدم استيعاب قيادات حركة النهضة للرسائل الموجهة إليها يوم 25 تموز (يوليو)".

ورأى البرعومي؛ أنّ ما قام به الرئيس التونسي، قيس سعيّد، يمثل فرصة للنهضة من أجل القيام بمراجعات عميقة على المستويين السياسي والقيادي، وبشكل عاجل، وأعرب، في تدوينة نشرها على حسابه الرسمي على فيسبوك، عن أمله في "تشكّل مشهد سياسي ديمقراطي أفضل".

وتشير مصادر مقرّبة من الحركة، وفق ما نشره الإعلام المحلي، إلى وجود استقالات متتالية في الأيام القليلة القادمة، وحالة تململ واسعة بين قياداتها وقواعدها، فيما أكّد المحلّل السياسي، عبد الجبار المدوري، خروج عدّة قيادات من الحركة، دون الإعلان عن ذلك.

هذا وقد طالب 130 شاباً، بينهم عدد من النواب من أبناء الحركة، قيادة حزبهم، بحلّ المكتب التنفيذي للحزب لفشل خياراته بتلبية حاجات التونسيين، مطالبين زعيمها، راشد الغنوشي، بتغليب مصلحة تونس.

الكاتب والباحث التونسي محمد ذويب لـ"حفريات": عزل النهضة سيتعزّز بإيقاف قياداتها، وكلّ من تورّط في التسفير والإرهاب والتهرّب والفساد والعنف والاغتيالات السياسية

وتضمّن البيان جملة من النقاط، من بينها، دعوة القيادة الحالية لحركة النهضة لتحمّل المسؤولية عن التقصير في تحقيق مطالب الشعب التونسي، وتفهّم حالة الاحتقان والغليان؛ حيث لم تكن خيارات الحزب، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وطريقة إدارتها للتحالفات والأزمات السياسية ناجعة في تلبية حاجيات المواطن.

وطالب الموقّعون على البيان، مجلس الشورى الوطني، بتحمّل مسؤوليته وحلّ المكتب التنفيذي للحزب فوراً، وتكليف خلية أزمة قادرة على التعاطي مع الوضعية الحادّة التي تعيشها تونس لتأمين العودة السريعة لنشاط المؤسسات الدستورية، كما دعوا رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، إلى تغليب المصلحة الوطنية واتخاذ ما يلزم من إجراءات لتأمين عودة البرلمان إلى سيره العادي.

سعيّد يشدّ الخناق حول النهضة

وبعد تحريك قضية، الجمعة، بشأن شبهات تمويل أجنبي خلال الانتخابات الأخيرة ضدّ حركة النّهضة، للمرة الأولى، ضدّ أربعة أشخاص ينتمون إلى الحركة، بينهم عضو في مجلس الشورى (أعلى هيئة في الحزب)، وآخر ينتمي إلى طاقم التشريفات (البروتوكول)، التابع لرئيس الحركة ورئيس البرلمان، الغنوشي، والثالث كان حارسه الشخصيّ سابقاً، بسبب محاولة القيام بأعمال عنف أمام مقرّ البرلمان، عقب الإعلان عن القرارات الاستثنائية.

ونقل الإعلام المحلي التونسي؛ أنّ السلطات وضعت بشير العكرمي، وكيل الجمهورية الموقوف عن عمله منذ أسبوعين، قيد الإقامة الجبرية لمدة 40 يوماُ قابلة للتجديد.

وكان العكرمي، المحسوب على حركة النهضة، أوقف عن العمل، منتصف تموز (يوليو) الجاري، وتمّت إحالة ملفّه إلى التحقيق في تهم تتعلق بالتستّر على أكثر من 6 آلاف ملفّ وقضية إرهابية.

محمد ذويب

ويرى الكاتب والباحث التونسي، محمد ذويب، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ سعيّد استطاع التضييق على حركة النهضة، وأنّ الحديث عن تضييق الخناق عليها سيتعزّز بالمواصلة في إيقاف قياداتها، وكلّ من تورّط في التسفير والإرهاب والتهرب والفساد والعنف والاغتيالات السياسية، معتبراً أنّها تهم مؤكدة وتكاد ترتقي إلى وقائع.

وشدّد على ضرورة تفعيل الفصل 163، الذي يقضي بحلّ كلّ الأحزاب المتهمة بتلقي أموال من الخارج، وهذا ما يؤكّده تقرير دائرة المحاسبات، الذي يثبت تورّط النهضة وحليفها حزب قلب تونس وكتلة عيش تونسي في تلقي أموال من الخارج وتجاوز المصاريف التي يسمح بها القانون في إطار الحملة الانتخابية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية