حزب الله في أوروبا: "التشيّع" أداة طهران للتمدّد الناعم في الغرب

إيران وأوروبا

حزب الله في أوروبا: "التشيّع" أداة طهران للتمدّد الناعم في الغرب


07/01/2020

ثمة نشاط غير عادي لحزب الله في أوروبا، يثير العديد من المخاوف، ويستدعي معه أسئلة متباينة عن شبكة علاقاته وأنشطته والأدوار التي يقوم بها، التي تحتاج إلى فهم إستراتيجيته في التوسّع وآليات التمدّد الخارجي، فضلاً عن حجم نفوذه الذي يتمخض عنه جدل مستمر على المستويين؛ القانوني والسياسي، في الدوائر الرسمية والحكومية، حول ضرورة منع وتجميد تلك الأنشطة وملاحقتها، خاصة أنّ الجناح العسكري للحزب مصنف باعتباره "منظمة إرهابية"، في العديد من عواصم البلدان الأوروبية، لا سيما كندا وواشنطن ولندن.

ازدواجية أوروبا حيال حزب الله

قبل نهاية عام 2019، أثيرت نقاشات عديدة في ألمانيا حول خطورة وضع حزب الله المتنامي، والذي يقوم بأنشطة وصفتها تقارير صحفية بأنّها "غير مشروعة"، تتصل بتجنيد عناصر وأعضاء جدد في ميليشياته العسكرية، إضافة إلى جمع أموال لشراء الأسلحة، وتنفيذ الهجمات الإرهابية، مستغلاً الثغرات الموجودة في قوانين مكافحة تمويل الإرهاب.

كشفت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، خلال العام الماضي، في فرنسا وألمانيا وكندا، نشاط مراكز شيعية مقربة من إيران

وفي النصف الثاني من الشهر الأخير، العام الماضي، نشطت الكتل البرلمانية في ألمانيا، بهدف حظر حزب الله، ووضع طلب رسمي أمام البرلمان، لتنفيذ ذلك في شكل قرارات عملية، ومحاولة حلحلة الموقف الذي يفرق بين الجناح العسكري للحزب، المصنف "إرهابياً"، وجناحه السياسي.
وتبنّت عدة تيارات يمينية ويسارية هذا الاتجاه، كالحزب الاشتراكي الديمقراطي "يسار وسط"، وهو مشارك في الائتلاف الحاكم، والحزب الديمقراطي الحرّ "يمين وسط".

اقرأ أيضاً: إيران وحزب الله وأضعف الإيمان

تعدّ أوروبا أحد الملاذات الآمنة التي تشكّل مظلة قوية لحزب الله وأنشطته العديدة، السياسية والاقتصادية والأمنية، فينتشر بين عواصمها لتحقيق أهدافه؛ إذ يتسلل في العديد من الفعاليات السياسية التي يصرّ على التواجد والظهور فيها، بشكل قوي ومؤثر، مثل "مسيرة القدس"، التي تنطلق في الأول من حزيران (يونيو) كلّ عام، في برلين وعدد من العواصم العربية والأوروبية، وهي المسيرة التي دشّنتها ودعت إليها طهران منذ نصف قرن تقريباً.

مسيرة القدس

تتعدّد الفعاليات والأنشطة التي تعمد طهران وأذرعها إلى بناء تكتل وحشد جماهيري وسياسي، للترويج إلى سياستها والدعاية إلى مواقفها، وعلى ما يبدو؛ فإنّ مسارات هذا الانتشار تزداد وتتمدد، بشكل لافت، حيث كشف تقرير أصدرته وكالة الاستخبارات، في ولاية ساكسونيا، شرق ألمانيا، والتي يتواجد فيها وحدها نحو 150 عنصراً من عناصر حزب الله، أنّ عدد أعضاء حزب الله وأنصاره، ارتفع من 950 في العام 2017 إلى 1050 في العام 2018.

اقرأ أيضاً: "حزب الله" يتلاعب بديمقراطية لبنان
وفي التقرير ذاته؛ أوضح أنّ أتباع حزب الله يحافظون على تنظيمهم وأيديولوجيتهم وتماسكهم، في جمعيات مرتبطة بالمساجد المحلية التي يتمّ تمويلها بشكل أساسي من خلال التبرعات، إضافة إلى نشاطهم وتمركزهم في عدد من المدن والولايات الألمانية، مثل ولاية سكسونيا السفلى، وكذا، هانوفر وأوسنابروك وأولزين.
وبحسب تقرير آخر للاستخبارات الألمانية، الصادر خلال العام 2019، فهناك ما يقرب من 30 مسجداً ومركزاً ثقافياً في ألمانيا، على صلة بحزب الله، ويجتمع فيهم العملاء بانتظام، بحسب توصيف التقرير الاستخباراتي، وكلّهم قريبون من حزب الله أو أيديولوجيته".

اقرأ أيضاً: كيف ستكون تداعيات القصف الأمريكي لقواعد "كتائب حزب الله" في العراق؟
كما أنّ أعضاء حزب الله منتشرون في جميع أنحاء ألمانيا، بحسب التقرير الأخير، وعلى وجه التحديد، في ولاية شمال الراين ويستفاليا، التي تعدّ من بين أكبر الولايات الألمانية من حيث المساحة وعدد السكان، بيد أنّ هناك ما يقرب من 250 عنصراً في العاصمة الألمانية، برلين.
ومن جهة ثانية؛ تنتشر المراكز الثقافية والدينية في ألمانيا، كما في العديد من دول أوروبا، والتي تمارس دعايتها وتأثيراتها بين أواسط المهاجرين العرب والمسلمين، ومن بينها: مركز "الإمام رضا" الإسلامي، أحد المؤسسات الشيعية، الموجودة في ضاحية نيوكولن ببرلين.

مساجد "المرشد الأعلى"

وتضاف إلى ذلك مؤسسة أخرى، هي مسجد الإمام علي، الذي تمّ وقف نشاطه، خلال العام الماضي، والذي يخضع لما يعرف بـ "رابطة أهل البيت في كوبنهاغن"، وقد أوضح تقرير أصدرته الاستخبارات الألمانية عقب تجميد نشاطه أنّه: " ذراع دعاية مركزية للحكم الديني في إيران، كما يخضع لتوجهات المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في طهران".

اقرأ أيضاً: ما علاقة إيران وحزب الله بهجوم قاعدة "K1" في العراق؟
واللافت أنّ إحصائيات الموازنة الإيرانية تعنى بمثل تلك الأنشطة، لطالما يجري تخصيص مبالغ هائلة لدعمها، وتوفير كافة النفقات لنشاطها، فضلاً عن النخب الدينية والثقافية التي تعمل بها؛ إذ جرى تخصيص 31,1 تريليون ريال (853 مليون دولار) في الميزانية المنتهية، في آذار (مارس) عام 2019، وتوجهت إلى نحو 12 مؤسسة ثقافية ودينية، بغية تعزيز البرامج الأيديولوجية للنظام الإسلامي في طهران، وذلك بزيادة تقدر بنسبة 9% عن العام الماضي (2018).

اقرأ أيضاً: كيف يجند حزب الله الرجال في محافظة القنيطرة السورية؟
ويشير مدير وحدة الأبحاث في مركز ترندز، ريتشارد بورشيل، إلى أنّ هناك حاجة ملحّة وضروية إلى توسّع الاتحاد الأوروبي في تصنيفه لحزب الله على أنّه إرهابي؛ ليشمل التصنيف المنظمة بأكملها، بجناحَيها؛ السياسي والعسكري، خاصة مع تزايد سجل حزب الله في الأعمال الإرهابية، التي يقوم بها في أوروبا، منذ عام 1985، عندما اختطف طائرة كانت في طريقها من أثينا إلى روما.
وعام 2012، تعرضت حافلة سياحية في بلغاريا لهجوم إرهابي، أسفر عن مقتل ستة مدنيين، إضافة إلى إصابة أكثر من 30 آخرين، بحسب بورشيل، بينما في العام 2013، دانت محكمة في قبرص شخصاً كان بصدد الإعداد لهجمات إرهابية في قبرص، واعترف هذا الشخص بأنّه عضو في حزب الله.

هل تحظر أوروبا حزب الله وتجمّد نفوذ طهران؟

ومن جهته، يشير باسم راشد، الباحث في مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إلى أنّ الحكومة الألمانية اتخذت عدة قرارات بهدف تقويض بعض الأنشطة المشبوهة للجناح السياسي لـ "حزب الله" في ألمانيا، ومن بينها، حجب قناة "المنار" التلفزيونية، وحظر نشاط إحدى الجمعيات الخيرية للأطفال، باعتبارها أحد المصادر التي تستغلها للحصول على تبرعات مشبوهة، فضلاً عن منع رفع شعارات الحزب وأعلامه في المظاهرات العامة.

اقرأ أيضاً: اجتماع دولي لمواجهة أنشطة حزب الله
ويضيف راشد: "في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي، ثار الحديث مجدداً حول ضرورة حظر الجناح السياسي للحزب داخل ألمانيا، في ظلّ مزاعم، غير مؤكدة حتى الآن، باتفاق وزارات الداخلية والخارجية والعدل على حظر الحزب؛ حيث يعتقد أنّ قرار الحظر المحتمل نابع من عدة أسباب، لعلّ أبرزها؛ سعي الحكومة الألمانية لاتخاذ بعض الإجراءات العملية بهدف خفض مستوى معاداة السامية في ألمانيا، بعد اتهامات من الأحزاب المعارض بأنّ السماح بمظاهرات "حزب الله"، يمثل استعادة لروح معاداة السامية التي سادت ألمانيا تحت الحكم النازي".

 

رابطة العنف والدم
وإلى ذلك، يوضح الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، محمود أبو القاسم، أنّ النظام الإيراني يدعم بصورة مباشرة هذه المؤسسات والجمعيات، وذلك في إطار أجندة طموحة لتوسيع نفوذه وتأثيره على الساحة الأوروبية؛ لذا يحتلّ بعض مسؤولي الدولة في طهران، مناصب مهمة ومؤثرة في تلك الجمعيات والمؤسسات الناشطة في أوروبا؛ حيث يشغل، مثلاً، رجل الدين الإيراني، رضا رمضاني، وعضو مجلس خبراء القيادة، منصب رئيس "المركز الإسلامي" في هامبورغ، إضافة إلى منصب آخر هو رئيس "مجلس العلماء"، في الجمعية الإسلامية للتجمعات الشيعية بألمانيا.

الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، محمود أبو القاسم: إيران تدعم مؤسسات وجمعيات لتوسيع نفوذها وتأثيرها على الساحة الأوروبية

وكشفت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، خلال العام الماضي، في فرنسا وألمانيا وكندا، نشاط مراكز شيعية مقربة من إيران، تعمل في أوساط المهاجرين العرب والمسلمين، حسبما يوضح أبو القاسم لـ "حفريات"، كما بينت الوثائق الاستخباراتية التي أفصحت عنها السلطات الألمانية، في آذار (مارس) العام 2019، عقب حظر نشاط مؤسسة مسجد الإمام علي، التابع لمؤسسة رابطة أهل البيت في كوبنهاغن، وجود صلات بين هذا المسجد ومؤسسات شيعية في إيران، تخضع لسلطة المرشد الإيراني، علي خامنئي.

اقرأ أيضاً: إخراج "حزب الله" من الحكومة
ويختتم "نشاط تلك المراكز الثقافية والمؤسسات الدينية بما فيها المساجد في الخارج، لا يقع ضمن مسؤوليات وزارة الخارجية والثقافة فحسب؛ بل تخضع تلك المؤسسات لتأثير وتوجيه المؤسسات الأمنية والاستخباراتية الإيرانية، بما فيها الحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس، المسؤول عن تعزيز مكانة إيران وتأثيرها دولياً؛ حيث يعدّ "التشيع" أداة فعّالة في تعزيز نفوذ إيران على الساحة الدولية، فإيران إلى جانب البعد الثقافي الناعم للتشيّع، تعدّ رابطة المذهب أداة نفوذ خشن، للتأثير في مناطق مختلفة من العالم ومنها أوروبا".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية