"حزب الله" يستتبع لبنان للمحور الإيراني ... وميقاتي "يواجه" بلا بيئة حاضنة!

"حزب الله" يستتبع لبنان للمحور الإيراني ... وميقاتي "يواجه" بلا بيئة حاضنة!


06/11/2021

إبراهيم حيدر

لا مؤشرات تدل على أن الأزمة اللبنانية – الخليجية في طريقها إلى الحل. الواقع أن الأمور تخطت ما يمكن اعتباره أزمة يمكن معالجتها والتخفيف من تأثيراتها بعدما وصلت الأمور إلى مرحلة من التناقض السياسي والمواجهة المفتوحة. ورغم المواقف التي أعلنها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبينها التصعيد ضد "حزب الله" وطلبه إقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، وأيضاً التهديد بالاستقالة، فإن الأمور ذاهبة إلى مزيد من التأزم، أولاً لرفض "حزب الله" استقالة قرداحي واستمرار تعطيل الحكومة، وثانياً الصمت الذي يُطبق على مواقف رئيس الجمهورية ميشال عون، بما يعني تسليماً بموقف الحزب، أو عجزاً عن المبادرة، ولذا قد تبقى الأمور على حالها لفترة طويلة وقد تذهب إلى مزيد من التصعيد وتوترات سياسية وأمنية في انتظار تطورات إقليمية ودولية تتزامن مع عودة انطلاق المفاوضات حول الملف النووي الإيراني.

تُظهر المعطيات السياسية في ضوء الأزمة الراهنة، أن رئيس الحكومة غير قادر على فرض تصوره للحل مع السعودية ودول الخليج، فهو عاجز عن إقالة قرداحي، وكذلك استقالته، أو الدعوة إلى استئناف جلسات مجلس الوزراء، وقد رد عليه "حزب الله" عبر كتلته "الوفاء للمقاومة" ببيان تصعيدي، ليؤكد من دون مواربة أن "الحزب" يُمسك بالتوازنات اللبنانية بعدما كسر كل قواعدها، وبالقرار أيضاً، وهو وضع يعني أن لبنان بات مستتبعاً للإملاءات الإيرانية. وتدل الوقائع أيضاً على أن رئيس الجمهورية وتياره الوطني الحر يغطيان "حزب الله" وموقفه، إذ لا تُصرف التباينات المحدودة في الموقف الداخلي على القرار الخارجي والهيمنة شبه المطلقة في الداخل، والأخطر هو جرّ البلد كله إلى اللعبة الإقليمية، من دون أي اعتبار للوضع اللبناني العام ومرتكزاته وثوابته وتوازناته وموقعه العربي. ويأتي هذا الاستتباع في ظل تراجع الطرف السنّي القادر على إحداث توازنات ضمن الصيغة اللبنانية، فنجيب ميقاتي غير قادر في وضعه الحالي على إحداث تغيير في بيئته، ولا فرض التوازن، فإذا بـ"حزب الله" يقرر ويضغط ويحدد الوجهة التي يجب أن تسير عليها السياسات والدولة عموماً.

ظهرت القوة واضحة في ملف تحقيقات انفجار المرفأ. "حزب الله" عطّل مجلس الوزراء وهو مصر على تنحية المحقق العدلي طارق البيطار. وفي الأزمة التي فجرها قرداحي أصّر على حمايته ومنع استقالته، لا بل أنه صعّد من موقفه، ولم يكترث لكل تهديدات ميقاتي التي يعتبرها محاولة إرضاء للسعودية، طالما أنه حتى الآن قادر على فرض رؤيته من خلال هيمنته وتمتعه بالغطاء السياسي من أعلى هرم في الدولة، وطالما أن "حزب الله" يعتبر أن بنيته هي قوة إقليمية تتمتع بالدعم والغطاء الإيرانيين وعابرة للحدود، وقادر على تجاوز التوازنات اللبنانية بتدخله في الخارج. ولذا يصعب حتى الآن بلورة توافق داخلي لبناني على مخرج للأزمة مع السعودية وحتى للأزمات المتناسلة في العمق اللبناني، إذ يعرف "الحزب" أن تهديد ميقاتي بالاستقالة من رئاسة الحكومة ما هو إلا لاستدراج العروض وهو لن يفعلها لاعتبارات تتعلق بوضعه وبالواقع الاجتماعي والاقتصادي للبلد، ولن يذهب أكثر من ذلك إذا كان يراهن على مد جسور تواصل مع السعودية من خلال الاستقالة، طالما أن طرح اسمه لرئاسة الحكومة تم بتوافق فرنسي – إيراني، ولذا لم يكترث الحزب للأمر بفعل ما يمتلكه من عناصر قوة وهيمنة.

لا يبدو أن "حزب الله" سيتراجع عن موقفه بمنع إقالة قرداحي، طالما انه يحظى بالغطاء الرسمي لسياساته، فهو الطرف الوحيد المتحكم بمسار الأمور داخلياً والذي في إمكانه بفائض قوته إما جرّ لبنان الى قواعد الاشتباك الإقليمي أو سحبه، وإن كانت كل القوى السياسية لديها ارتباطات بالخارج. لكن "الحزب" لن يتراجع عما كرّسه بالاستتباع الإيراني بربط لبنان بمحور الممانعة الذي يعادي دول الخليج وأنظمتها على رافعة حلف الأقليات، وكلنا يذكر كيف تحوّل البلد منصة لإطلاق المواقف المعادية لتلك الدول، لا بل مشاركة الحزب وتدخله في دول المنطقة ومناطق الصراع المشتعلة إقليمياً، لا بل أضحت هذه السياسة رسمية بتغطية العهد لها ... الصامت اليوم على الرغم من أنه حاول في بداية الأزمة مع السعودية طلب وساطة أميركية لم تتقدم بسبب تعقيدات المشكلة، وهو موقف لم يرتقِ إلى مستوى الأزمة مع السعودية ودول الخليج، ويمكن اعتباره تهرباً من مواجهة هذا الوضع والبحث عن صيغ ملتوية لربح الوقت، لكنه يغطي موقف "حزب الله" لا بل ينتهج وجهة سياسية تتعارض مع مصلحة دول الخليج، التي قررت التصعيد بما ينسجم مع سياساتها.

الأجواء تشير إلى أن الأزمة قد تأخذ أبعاداً متعددة وخطيرة، بفعل ما وصل إليه الوضع اللبناني من تعنت وهيمنة واستتباع، واشتراط السعودية تقديم تنازلات جدية وفعلية، واتخاذ موقف واضح وكف يد "حزب الله" عن سيطرته على مفاصل القرار والدولة، وهي شروط لاستعادة التعاون، طالما أن الأزمة ليست دبلوماسية حصراً وليس هناك من حصار كما يشاع. فلبنان قد يدفع أثماناً باهظة إذا استمر إلحاق البلد بالمحور الإيراني، والتلاعب بالتوازنات اللبنانية وتغيير الهوية، على الرغم من أن هذه العناوين ستبقى تشكل عوامل صراع متفجر في الموزاييك اللبناني.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية