حكومة حسان دياب: هل انتصرت إيران على ثورة اللبنانيين؟

لبنان

حكومة حسان دياب: هل انتصرت إيران على ثورة اللبنانيين؟


23/01/2020

لم يقبل لبنانيون غاضبون بتشكيلة الحكومة الجديدة؛ حيث تمثلت ردّة الفعل الشعبية الأولى في نزول العديد من المواطنين الى الشارع، وقد عمدوا إلى قطع طريق رئيسية في بيروت ومدن جبيل (وسط) وطرابلس (شمال) وصيدا (جنوب)، بالإطارات المشتعلة والعوائق.

اقرأ أيضاً: اللبنانيون يصعّدون رفضاً لحكومة دياب
وفي وسط العاصمة تجمّع مئات المتظاهرين أمام مدخل شارع يؤدّي إلى البرلمان الذي أحاطت به تعزيزات من الشرطة. وحاول المحتجون انتزاع الأسلاك الشائكة وألقوا حجارة على قوات الأمن التي رّدت عليهم بقنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، وفقاً لمصور في وكالة "فرانس برس".
وتضم الحكومة الجديدة 20 حقيبة وزارية يشغلها وزراء مدعومون من أحزاب ممثلة في البرلمان، كما ضمت الحكومة وللمرة الأولى في تاريخ البلاد 6 نساء، أبرزهن زينة عكر عدرا، التي تولت وزارة الدفاع، وهي أول أمرأة عربية تتولى هذا المنصب.
وجاءت الحكومة بعد احتجاجات اندلعت في لبنان في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، رافعة شعارات ضد الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد.

 

حكومة الوكلاء
المحتجّون اعتبروا أنّ الحكومة لا تتجاوب مع مطالبهم؛ لأنّ الأحزاب السياسية التي يرفضونها هي التي قامت بتسمية الوزراء. وأطلق آلاف المحتجين والنشطاء على التشكيلة الجديدة لقب "حكومة الوكلاء" واللون الواحد و"حكومة حزب الله".

دمشق أحد الرابحين من تشكيل الحكومة الجديدة فهي عادت وإن بقدرة وقوة غيرها، إلى المشهد السياسي في لبنان

وتوافق معلقون مع آراء المحتجين في كون الحكومة تألفت من فريق واحد يعتبر مقرّباً من "نهج المقاومة". وبالتالي، فهذه هي "حكومة الفريق الواحد الذي أعمَت عيونه جشع السلطة وطمعها، واضعاً نفسه في فخ الانهيار المالي والنقدي والاجتماعي والاقتصادي، وتتحمّل المسؤولية بالنيابة عن الحريرية السياسية وحلفائها، وبعض من 8 آذار"، كما كتب في صحيفة "الجمهورية" المعلق السياسي حسن خليل، الذي تساءل "لماذا رضي الرئيس المكلف، صاحب السجل الأكاديمي النظيف، أن يضع نفسه في هذا الموقع؟".

اقرأ أيضاً: هل تحظر النمسا حزب الله اللبناني؟
النائبة بولا يعقوبيان، المستقلّة والمتعاطفة مع الانتفاضة الشعبية، قالت في تغريدة على "تويتر" إنّ "الوجوه الجديدة هي كرقعة جديدة على ثوب قديم"، مضيفة أنّ حسّان دياب "لم يلتزم بوعده بتأليف حكومة مستقلّين".
وقد رفضت أحزاب عدّة المشاركة في الحكومة، على رأسها تيار المستقبل برئاسة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وحزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع. وبالتالي، انحصرت اتصالات دياب، خلال العمل على تشكيلة حكومته، بفريق واحد يتمثل في التيار الوطني الحر الذي يتزعمه رئيس الجمهورية ميشال عون ويرأسه صهره جبران باسيل، وكذلك حلفائه وأبرزهم حزب الله وحركة أمل التي يترأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري.

 

إطاحة جبران باسيل
اللافت في التشكيلة الحكومية اللبنانية الجديدة غياب جبران باسيل، الذي كان يتولى منصب وزير الخارجية في حكومة تسيير الأعمال اللبنانية.
وكانت إطاحة باسيل أحد أبرز مطالب المحتجين اللبنانيين في انتفاضتهم المستمرة منذ الـ17 من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كما اتهمه سياسيون لبنانيون بعرقلة تشكيل الحكومة بإصراره على "الثُلث المعطل"، وبتبنيه مواقف تنذر بدفع لبنان إلى الهاوية.

اقرأ أيضاً: العراق ولبنان.. وتحدي الطائفية
وفي المقابل، شكك مراقبون في قدرة وزير الخارجية الجديد ناصيف حتّي، في توفير مواعيد مهمة لرئيس الحكومة في الدول العربية وبعض دول الخليج؛ لأنّ مشكلته الكبرى ستكمن في سيطرة "حزب الله" الفعلية ليس على السياسة الإستراتيجية للحكومة فحسب، بل على السياسة الميدانية الخارجية أيضاً.
ورافق اسم ناصيف حتّي الجدل، حيث كشف مقال نشرته صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقربة من حزب الله، أنّ حتي أدلى بحديث صحفي إلى قناة تلفزيونية إسرائيلية عام 2013 عندما كان سفيراً للجامعة العربية في باريس. ولكن هذا الأخير قدم توضيحاً، كما ذكرت "مونت كارلو" قال بموجبه إنّ الصحفي كريستيان مالار الذي أجرى معه هذا الحديث هو صحفي فرنسي يعرفه معرفة جيدة بحكم اهتمام هذا الصحفي بشؤون العالم العربي. وأضاف حتّي يقول إنه لم يكن يعلم أن هذا الصحفي يعمل مع قناة " إسرائيل 24" التي بثت المقابلة والتي يملكها رجل الأعمال الفرنسي الإسرائيلي باتريك دراهي.

 

سياسة حزب الله الخارجية
ويتطرق كثيرون إلى أنّ "سياسة حزب الله الخارجية" التي تتفوّق على القدرات الدبلوماسية اللفظية والكتابية لحتّي، هي "بيت الداء" في علاقات لبنان مع الخارج ولا سيما مع دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية. ويتساءلون كيف ستترجم الحكومة الجديدة وعد "النأي بالنفس" في ظل قرار"صانعها الأول" المشاركة في حرب إخراج "الولايات المتحدة الأمريكية" عسكرياً من الشرق الأوسط، وفق التوجهات الإيرانية؟

الحكومة من تكليف رئيسها إلى تشكيلها، بدت موضع شك، ومصدر خوف وقلق، ولا تمتلك ذرة ثقة من الناس والشارع

ويوصف رئيس الحكومة الجديدة حسان دياب بأنّه محسوب على تيار حزب الله. وقالت وكالة "إيسنا" الإيرانية للأنباء إنّه حصل على الدعم اللازم من حزب الله ليشغل منصب رئيس وزراء لبنان. ووصفت العديدُ من الصحف الأمريكية والأوروبية الرئيس الجديد بـ"مرشح حزب الله"، كما ذكر تقرير لموقع "العربية".
واعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" أنّ اختيار دياب خطوة تخاطر بإثارة اضطرابات سياسية وتنفير الحلفاء الغربيين للبلاد. وأضافت الصحيفة أنّ إمكانية استمرار حسان دياب ضعيفة، سواء بمواجهة ردة الفعل الشعبية، أو رقابة المجتمع الدولي، لافتة إلى أنّ تعيينه لا يتعارض فقط مع تقليد لبنان الطويل في السياسة التوافقية، بل يؤكد أنّ حزب الله هو بالفعل أقوى لاعب سياسي في لبنان. كما رأت "واشنطن بوست" أنّ اعتبار دياب مرشحاً لحزب الله سيردع المساعدات الغربية في المستقبل.
"سي إن إن" وصفت دياب بأنّه "مدعوم من حزب الله"، وهو نفس الوصف الذي استخدمته صحيفة "فاينانشيال تايمز".
مساعي إحباط ثورة اللبنانيين
ويرى الكاتب في موقع "الحرة" فارس خشان أنّ من يدقق في ظروف ولادة الحكومة اللبنانية يرى أنّ "حزب الله" الذي كان قد رفع لواء إحباط الثورة، قد لعب دوراً حاسماً فيها، "فهو جمّع فريقه وأعطى أمر تسمية الدكتور حسّان دياب الذي أحاط نفسه بمقربين من الحزب، وهو أسقط، بعد خطاب مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي الأخير الذي دعا إلى إخراج "عملاء أمريكا" من حكومة لبنان، الحواجز التي كانت تمنع تشكيلها".
وهذا يعني، في نظر خشان، أنّ محاولة استيعاب الثورة تمهيداً لإطفائها لا تزال مستمرة، وأنّ الحكومة الجديدة خطوة جديدة في هذا المسار.
وفي السياق ذاته، يرى الكاتب محمد حجيري، في موقع "المدن"، أنّ "هذه الحكومة من تكليف رئيسها إلى تشكيلها، بدت موضع شك، ومصدر خوف وقلق، ولا تمتلك ذرة ثقة من الناس والشارع، ولا تمتلك أي مشروع إنقاذي، بل ربما جوهر وجودها هو أمني وكيدي. هي لا تشبه الحكومات في ولادتها، بل تبدو أقرب إلى حكومة في نهاية عهدها وقد أنهكها الفشل والزحطات. هي حكومة تصريف أعمال قبل أن تصل إلى مجلس النواب، وقبل أن تأخذ الثقة. هي حكومة الإكراه والتعسف، هذا إذ غضضنا النظر عن أسطوانة الميثاقية وما شابه. هي طبخة بحص ربما، طبخة مسمومة للرأي العام، مزينة بنصف دزينة من الجنس اللطيف، ناعمات إلى درجة الفتك، كأنهن الشرك الجاهز لأمر غامض.. حكومة يعول رئيسها على الكثير من "الأحلام"، وإن كان يعي مسبقاً أنها ذاهبة الى المجهول".

 

حكومة التوازنات المتداخلة
وتحت عنوان "حكومة التوازنات المتداخلة وانتصارات الحلفاء على بعضهم" كتب علي منتش في موقع "لبنان 24" أنّ التركيبة الحكومية الحالية تبعد كل البعد عن البساطة والعفوية، بل ترتبط بتوازنات دقيقة ستصيغ التسوية المقبلة في لبنان بين الفريقين التقليديين، 8 و14 آذار، وبين حلفاء الصفّ الواحد المقربين من "حزب الله".

"سي إن إن" وصفت دياب بأنه "مدعوم من حزب الله"، وهو نفس الوصف الذي استخدمته صحيفة "فاينانشيال تايمز"

في الصورة العامة، كما يقول الكاتب، حقق فريق حلفاء إيران تقدماً سياسياً على خصومهم، من خلال عدم الخضوع للهدف الأمريكي المباشر، أي إخراج "حزب الله" من السلطة التنفيذية، إذ بقي الحزب في الحكومة في حين خرج منها الحريري ومكونات 14 آذار، لكن النظر إلى لوحة السلطة ليست بهذه البساطة، إذ من الممكن اكتشاف الكثير من الرابحين وأكثر من الخاسرين عند الدخول في التفاصيل.
لعل النقطة الأساسية التي حققها فريق الثامن من آذار عبر تأليفه حكومته هي أنه بات قادراً على التفاوض مباشرةً تمهيداً للتسوية المقبلة التي ستكون مدخلاً حقيقياً للإنقاذ، ولإعادة رسم التوزانات السياسية في لبنان، إذ إنه يمتلك اليوم في حكومة اللون الواحد قدرة أكبر على المناورة ورفع السقوف وخفضها.

 

الثنائي الشيعي
الرابح الثاني، في نظر علي منتش، كان الثنائي الشيعي، إذ كرس ما بدأه في الحكومة الأخيرة، أنه أحد العوامل الأساسية في التأليف وأنّ المكون السني والماروني لا يتفردان بهذه العملية الدستورية، فبعدما كان "حزب الله" قد عطل الحكومة السابقة لفرض شرط توزير شخصية سنية قريبة منه، استطاع اليوم، وبالرغم من مناورة حلفائه، فرض كلمته في اللحظة الحاسمة عبر التلويح بسحب يده من التأليف، الأمر الذي ظهّر نفوذ "حزب الله" والرئيس برّي.
أما الرابح الثالث فهي دمشق، التي عادت وإن بقدرة وقوة غيرها، إلى المشهد السياسي في لبنان؛ إذ إنّ الدور الكبير والحاسم الذي لعبه النائب جميل السيد في عملية التأليف والذي حرص على تظهيره من خلال "سكوباته التويترية"، لا يمكن إلا أن يؤشر للمحاولة الجدية لدمشق في العودة إلى بيروت، ولعل حصول حلفائها اللصيقين على 5 وزراء زائد وزير الداخلية هو خير دليل على ذلك.
على المستوى الداخلي، يقدر الكاتب أنّ تشكيل الحكومة في ظل غياب أي غطاء سني وفاعل سواء من الرئيس سعد الحريري إلى الرئيس نجيب ميقاتي الذي غرّد رافضاً حكومة المحاصصة، إلى دار الفتوى الذي لم يتضح بعد ما اذا كان سيستقبل رئيس الحكومة أم لا، إلى الشارع السني الذي يشعر بغبن موصوف، وبغياب الشرعية عن حكومة قانونية، سينعكس على التوازنات، ما سيلزم "حزب الله" والمكونات السياسية المشاركة في الحكومة الحالية بالقبول بعودة الدور للسنية السياسية في الحكومة المقبلة التي من المتوقع أن تكون الحكومة الإنقاذية.. وحكومة التسوية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية