حماس والأعرابي: ما الذي كشفه مقتل قاسم سليماني؟

حماس والأعرابي: ما الذي كشفه مقتل قاسم سليماني؟


06/01/2020

مات قائد "فيلق القدس"، قاسم سليماني، مقتولاً على يد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ليلحق بضحيته السابق أبو بكر البغدادي، كما مات أسامة بن لادن، على يد الرئيس السابق باراك أوباما، مقتولاً أيضاً، وجاء مقتل أبو مصعب الزرقاوي على يد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش.

اقرأ أيضاً: ما سر دعم إيران لحركتي حماس والجهاد؟
ثلاث علامات فارقة، لكنّ مقتل سليماني بدا حدثاً أكثر جدلاً، ربما لأنّ سليماني ليس شخصية تمثل تياراً أو جماعة أو تنظيماً ما؛ بل لأنّه رجل دولة يكتسب قيمة اعتبارية كبيرة لدى كيانات متعددة، أعني تماماً أنّه رجل جمهورية إيران القوي، الذي يعبّر عن رمزية رسمية لدى النظام العراقي والنظام السوري، ولدى حزب الله في لبنان، ولدى جماعة الحوثيين في اليمن، ولدى حركة حماس الفلسطينية، بمعنى أنّ هناك من يستطيع حمل عبء الثأر له.

 

 

هل تحتاج إيران لمقتل سليماني؟

خلال متابعتي لحجم التوظيف السياسي الإيراني لمقتل سليماني وحجم المراسم الجنائزية التي تشبه المشاهد العاشورائية تماماً، وحجم الحشود التي جمعها النظام الإيراني في سابقة لم تحدث لإيراني، منذ وفاة المرشد السابق للجمهورية، ودموع المرشد علي خامنئي وهو يؤم المصلين، وأنا أتابع كل هذا أتساءل، هل كانت إيران تحتاج فعلاً لمقتل أحد بحجم قاسم سليماني؟

استفادت إيران من مقتل قاسم سليماني في سياق إعادة شحن الوجدان الديني الشعبي وتذويب حالة الاحتجاجات

الجواب، الذي أجده مناسباً ومنسجماً مع سياق الأحداث، هو أنّ إيران كانت فعلاً تحتاج لمقتل سليماني؛ لأسباب تعود لما ذُكر سابقاً، من أجواء التحشيد والتوظيف السياسي والمراسم الجنائزية التي تعيد شحن الوجدان الديني الشيعي داخل إيران وخارجها، بمعنى أنّ إيران تحقق فائدتين كبيرتين من مقتل سليماني؛ الأولى هي التوظيف السياسي الخارجي، خاصة مع التحوّل الشعبي الذي يشهده العراق تجاه الوجود الإيراني، وأما الفائدة الثانية فهي التوظيف الديني الداخلي، في سياق إعادة شحن الوجدان الديني الشعبي، وتذويب حالة الاحتجاج التي تصعد تارة إلى مستويات قياسية وتخبو تارة أخرى، بالإضافة إلى محاولة خلق حالة التفاف شعبي حول القيادات والمرجعيات السياسية والدينية.
حماس والأعرابي
ارتبطت حماس بعلاقات وثيقة مع إيران ومرجعياتها؛ الدينية والسياسة، واقتربت أكثر من محاولة تمثيل السياسة الإيرانية وتقمصها والاستجابة لخياراتها، زعماً بأنّ إيران تُقدّم استجابات مماثلة لخيارات المقاومة الفلسطينية التي تقودها حماس، وقد تعمّقت العلاقات على مدى الأعوام القليلة الماضية، بحجة أنّ إيران هي الباب الوحيد الذي بقي مفتوحاً أمام حماس، والرصيد المالي الضخم المتوفر في حساباتها، ولعل استجابة حماس لحادثة مقتل سليماني كانت استجابة كاشفة لعمق الانفصام عن الهوية والمنظومة القيمية التي تستند إليها، والتي بالضرورة لا تقبل أن تقر حجم طاغية، وتعمي عيونها عن جرائم مجرم حرب، وتصم آذانها عن أصوات ويلات المكلومين والمعذبين الذين تركهم سليماني خلفه في سوريا والعراق وحتى في إيران نفسها.

ارتبطت حماس بعلاقات وثيقة مع إيران ومرجعياتها الدينية والسياسة واقتربت أكثر من محاولة تمثيل السياسة الإيرانية وتقمصها

لم يخن رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، التعبير، حين وصف حادثة اغتيال قاسم سليماني، حرفياً، بأنّها "جريمة نكراء تغطي على كل جرائم سفك الدماء"، فحسب المعطيات التي تُقدّمها الصيغة السياسية لتعامل حماس مع الحادثة فإنّ الأخيرة لم تنظر لحجم الدماء التي سفكها سليماني في كل مكان حارب فيه، وحسب الاعتمادات القيمية الجديدة لها، فإنّه ما دام سليماني لم يعبث في دم أهل غزة، وما دامت خيراته وهباته المالية تصل جيوبها بلا عناء فإنّ مقتله حتماً يشكل جريمة نكراء.
الفكرة الأخلاقية التي تجرأت حماس على اقتراف نقيضها أنّها اعتبرت كل دم عربي مسلم بلا حجة، مقابل حجة دم حمساوي واحد في غزة، فكل الدماء التي سالت في سوريا والعراق، لا تعني لها شيئاً، هكذا يصبح دم القاتل دماً نبيلاً حين تعتبره حماس بطلاً وشهيداً وفاتحاً، متناسية تماماً كيف تجوّل في أزقة وحارات حلب بعد خروج أهلها منها، وفي البوكمال يحيط به النجباء، وفي أم جريص العراقية التي تعتبر باب مضارب عشيرة شمّر بعد سيطرة ميليشيات الحشد الشعبي عليها.

اقرأ أيضاً: ترند "مر أعرابي".. السخرية الاجتماعية تدخل معركة التراث
أما الأعرابي فتلك قصة تختصر عبء القول الكثير، فقد جاء في تاريخ دمشق لابن عساكر أنّ رجُلاً من الأعراب سعى في الزواج مِنَ ابنة عم له، اسمها الرباب، فأكثر عليه أبوها في المهر ليحول بينه وبين غرضه، فسعى الأعرابي في طلب المهر بين قومه فلم يُنجِده منهم أحد، فلما ضاقَ بهِ الحال قصدَ رجُلاً من المجوس فأنجدَهُ وأعانه، حتى تزوج من ابنة عمه، فرح الأعرابي بالرجل المجوسي الداعم له فرحاً كبيراً، إلى أن فخر به شعراً قال فيه:
كفاني المجوسيُ مهرَ الرباب
فِدىً للمجوسي خال وعٙم!
وأشهدُ أنكَ رطب المشاش
وأن أباكَ الجوادُ الخضٙم
وأنكَ سيدُ أهل الجحيم
إذا ما ترديتَ فيمٙن ظلٙم
تُجاورُ قارون في قعرها
وفِرعونَ والمُكتني بالحكٙم
فقال له المجوسي: أعنتُكَ بالمهر على ابنة عمك ثُمّ كافأتني بأن جعلتني في الجحيم؟، فقال له الأعرابي: أما يُرضيكَ أني جعلتُكَ مع ساداتها، فرعون وقارون وأبي جهل!
الخلاصة أنّ الأعرابي لم يداهن، ولم يخرج من حيز الاعتبارات الأخلاقية والقيمية التي تحكم وعيه وسلوكه ونظرته وأحكامه على المواقف والأشخاص.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية