حوار الطيب والخشت.. أي إصلاح ديني نريد؟

حوار الطيب والخشت.. أي إصلاح ديني نريد؟


05/02/2020

يمثل الأزهر الشريف إحدى القوى الناعمة المؤثرة في الدولة المصرية، والذي يتجاوز حدودها إلى آفاق العالم الإسلامي، وتاريخياً ينتمي إليه معظم الأعلام المجدِّدين الذين أثّروا ومازالوا يؤثرون في العالم الإسلامي، من أمثال؛ رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وعبد المتعال الصعيدي ومحمود شلتوت ومحمد البهي ومحمد عبد الله دراز وعبد الحليم محمود ومحمود زقزوق وغيرهم كثير؛ فالأزهر تاريخ كبير في مصر، وتاريخ من الصراع بين المجدّدين والمحافظين فيه.

اقرأ أيضاً: لماذا يُعد "أمير كبير" رجل الإصلاح والتحديث في إيران؟
في هذا السياق، اختُتم مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي في 28 كانون الثاني (يناير) الماضي، بجدال مشهود بين شيخ الأزهر أحمد الطيب، ورئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت، مما أثار اهتماماً وردود أفعال غير مسبوقة، وربما لولا هذه الحادثة لمرّ هذا المؤتمر بـ"سلام" كما تجري العادة مع مثل هذه الفعاليات العلمية المتخصصة.

اختُتم مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي بجدال مشهود بين شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة

حين نسأل عموم المصريين هل أنت مسلم سنّي أشعري أم تنتمي إلى أي مذهب؟ لن يقول لك سوى كلمة واحدة: أنا مسلم سنّي وفقط، وذلك بخلاف وعي المسلم الشيعي بهويته، أو وعي السلفي والإباضي بهويتهما، ولذلك فإنّ تلك النقاشات الأكاديمية لا تهم سائر عموم الناس، ورغم ذلك وبعد هدوء العاصفة لنا أن نتناقش فيما جاء حول هذا الحوار.
بدا واضحاً مدى الضعف الذي كان عليه حديث الخشت والارتباك – بحكم المشهد الذي أمامه - والذي كان ينبغي عليه أن يكون متسلحاً بالثقافة الأصولية وهو متجه إلى الحوار مع معقل الثقافة الأصولية في العالم الإسلامي، وأن يعي طبيعة الخطاب السائد والحاكم في الأزهر، حتى يكون حديثه متمتعاً بالقوة المعرفية.
فحين قال الدكتور الخشت إنّ العقيدة الأشعرية اعتمدت كثيراً على أحاديث الآحاد، رد عليه الإمام: إنّ الأشعرية لا تعتمد على أحاديث الآحاد في العقيدة، وهذا كلام مردود عليه، فمن أصّل للفرقة الناجية على أنّهم أهل السنّة والجماعة كان هم الأشاعرة بحديث مشكوك في صحته كما ذهب إلى ذلك الإمام ابن حزم الظاهري، ولكننا نجد في أعمال أعلام الأشاعرة مثل؛ عبد القاهر البغدادي، والملطي، والاسفراييني، والشهرستاني وغيرهم اعتماداً واضحاً على هذا الحديث، مؤكدين أنّ الحق بجانبهم كممثلين لأهل السنّة والجماعة، واعتمدوا رواية للحديث توافق كونهم هم الفرقة الناجية، والباقي هلكى، وأسسوا على ذلك مدونات الملل والنحل لديهم، ولذلك يقول أبو إسحاق الشيرازي: من اعتقد غير ما أشرنا إليه من أهل الحق المنتمين إلى الإمام أبي الحسن الأشعري فهو كافر، ولكن أبو حامد الغزالي كان الوحيد من الأشاعرة الذي قال إنّ الحديث لا يصح من جهة الإسناد.

اقرأ أيضاً: لحظة الإصلاح اليتيمة في الفقه السياسي الشيعي
حَمل التراث الأشعري في مدونات الملل والنحل على الفرق والمذاهب الإسلامية الأخرى موظِّفاً في ذلك السُّنة الآحادية والضعيفة، مثل "القدرية مجوس هذه الأمة" و"المشبهة يهود هذه الأمة والروافض نصاراها" أو "القدرية خصماء الله في القدر" و"القدرية مجوس هذه الأمة فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوا عليهم"، وحديث المارقة عن الخوارج، وقد حملَ ذلك الفرق الأخرى إلى وضع الأحاديث التي توافق مشربها وتوجهها الخاص أيضاً، وقد حدث ذلك عند الشيعة خاصة.

توظيف الأحاديث الضعيفة والآحادية موجود في كل الفرق الإسلامية وليس قاصراً على المذهب الأشعري

وهنا نقول إنّ توظيف الأحاديث الضعيفة والآحادية موجود في كل الفرق الإسلامية، وليس بقاصر على المذهب الأشعري، فقد أسس الصراع المذهبي بين الفرق الإسلامية إلى توظيف الضعيف من السنّة من أجل إثبات كل فرقة بأنّ الحق معها، وتوظيف كل فرقة لأحاديث موضوعة لتشويه وتكفير الفرق الأخرى المغايرة لها في الاعتقاد الديني، ولذلك أخذ المفكر الجزائري، مالك بن نبي، على حركة الإصلاح الديني أنّها انطلقت من قوالب علم الكلام الجامدة، ولم تسع إلى حيوية التوحيد كما أوتي به في صدر الإسلام، وكذلك انتقد الإمام عبد الحليم محمود علم الكلام أو علم التوحيد ففي كتابه "الإسلام والعقل" قال: "يطلقون عليه علم التوحيد، وما هو من التوحيد في شيء".
ولقد أرسى التقليد الأشعري في العقائد صناعة التكفير للآخر المغاير في المذهب؛ فرغم عدم تكفير أبي الحسن الأشعري للفرق الأخرى إلا أنه قال في كتابه "الإبانة" إنّ الحق مع أهل السنّة، وإنّ جميع أهل البدع من الجهمية والمرجئة والحرورية وأهل الزيغ فيما ابتدعوا خالفوا الكتاب والسنّة، واتهم الملطي الشيعة الإمامية بالكفر والخروج من الإسلام، وكذلك يكفّر عبد القاهر البغدادي غلاة الشيعة، وكذلك تم تكفير المعتزلة في مدونات الملل والنحل للأشاعرة.
وقد سار الأشاعرة في ذلك على نهج السلفيين في تكفير الآخر المغاير لهم في المذهب، بل إنّ الحنابلة دار بينهم وبين الأشاعرة تكفير متبادل، كان هذا التكفير نابعاً من سعي كل فريق للحديث باسم أهل السنّة.

اقرأ أيضاً: رشيد رضا والإصلاح الديني ... انقلاب على الانقلاب
ومن جانب آخر فقد قام ابن حزم في كتابه "الفصل في الأهواء والملل والنحل" بتكفير كل الفرق الإسلامية المغايرة لأهل السنّة، ولم يقف عند هذا الحدود بل قام بتكفير أعلام الأشاعرة، واتهمهم بأقوال وآراء لم يقولوها في كتبهم، وكان ذلك من أجل أن يسود المذهب الظاهري في العقائد، فصناعة التكفير كانت قائمة داخل قطاع أهل السنّة بين الحنابلة والأشاعرة، وبين الأشاعرة والظاهرية، دع عنك قيام الشيعة أيضاً بتكفير أهل السنّة فيذهب الكليني في كتابه "الكافي" إلى القول إنّ كل المسلمين ارتدّوا بعد الرسول، صلى الله عليه وسلم، مؤكداً صراحة على كفر كل من لم يؤمن بأئمة الشيعة الاثني عشرية.

اقرأ أيضاً: الحركة الإصلاحية الإيرانية.. وهمٌ في ظل المرشد
وهنا نجد الغزالي يطرح مشكلة التكفير في كتابه "فيصل التفرقة" فيقول: "كل فرقة تكفّر مخالفها وتنسبه إلى تكذيب الرسول، فالحنبلي يكفّر الأشعري زاعماً أنّه كذّب الرسول في الاستواء على العرش، والأشعري يكفّره في إثبات الفوق لله تعالى، والأشعري يكفّره زاعماً أنه مُشبِّه وكذب الرسول في أنه ليس كمثله شيء، والأشعري يكفر المعتزلي في أنّه كذب رسول الله في عدم جواز رؤية الله وفي نفي إثبات العلم والقدرة والصفات، والمعتزلي يكفر الأشاعرة زاعماً أنّ إثبات الصفات تكفير للقدماء، وتكذيب للرسول في التوحيد، ولا ينجيك من هذه الورطة إلا أن تعرف حد التكذيب والتصديق، وحقيقتهما فيه فينكشف لك غلو هذه الفرق وإسرافها في تكفير بعضها بعض".

الحراك الشعبي القائم في لبنان وإجهاضه ليس بعيداً عن المحاصصة الطائفية والمذهبية القائمة هناك

وبناء على ما سبق يمكن القول إنّ ميراث علم الكلام أو علم أصول الدين قد رسّخ للصراع المذهبي في تاريخ الإسلام، كما رسّخ للإقصاء المتبادل بين الفرق والمذاهب الإسلامية، وهو ما كان له نتائج وخيمة في تاريخ الإسلام.
كما أنّنا لا ينبغي أن نتغافل عن رؤية الصراعات السائدة في المنطقة الآن بمعزل عن الصراع السنّي الشيعي، كالقائم حالياً في اليمن، أو بين شيعة العلويين وحزب الله من ناحية والسنّة من ناحية أخرى في بلاد الشام، كما أنّ الحراك الشعبي القائم في لبنان وإجهاضه ليس بعيداً عن المحاصصة الطائفية والمذهبية القائمة هناك حيث يلعب الغرب وإسرائيل على الخلاف السنّي الشيعي لتفكيك المنطقة، ولذلك حين يقول فضيلة الإمام "نحن نشتري السلاح بفلوسنا لصناعة الموت"، فنكمل له قوله بأنّ الصراع المذهبي الديني يقف خلف صناعة الموت ليعطي لها غطاء دينياً.

اقرأ أيضاً: أوهام الإصلاح الديني لدى العلمانيين
ونختم بما قاله شيخ أزهري وهو الشيخ الصعيدي في سيادة المذهب الأشعري في الأزهر فيقول: "إنّ أول أسباب الجمود في الأزهر هو التقيّد في العقائد بمذهب الأشعرية؛ فيتربى الطلاب في الأزهر على الجمود على هذه العقيدة، وتأخذهم كتب التوحيد بالتعصب لها، وهذا الجمود على عقيدة الأشعري يجعل الأزهريين لا يطيقون أن يروا مخالفاً لها لأنهم يرون كل من يخالفها فاسقاً آثماً مع أن في العقيدة مسائل كثيرة محل للاجتهاد". وقبله أخذ الإمام محمد عبده بقول المعتزلة في نظرية العدل ونادى باستقلال الإرادة الإنسانية، وبأنّ إدراك الخير والشر بالعقل لا بالنقل.
إنّ الدعوة إلى تجديد النظر في علم أصول الدين جزء من كلّ في تجديد الفكر الديني؛ نحن في حاجة ماسّة إليها لأنّ الاختلاف بين المسلمين في أصول الدين يؤدي إلى التكفير المتبادل، والإقصاء المتبادل وهو ما رسخ له علم الكلام وخاصة في مرحلته المتأخرة، كما أنّنا بحاجة الآن إلى إحياء دعوة الشيخ شلتوت للتقريب بين المذاهب الإسلامية، فلمَ لا نعيد خطّي الإصلاح والتجديد من داخل الأزهر ومن داخل تاريخ المجددين فيه؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية