حين يصبح الغنوشي بورقيبياً متشدّداً مدافعاً عن المرأة

حين يصبح الغنوشي بورقيبياً متشدّداً مدافعاً عن المرأة


15/08/2019

وسام حمدي

التاريخ هو الثلاثاء 13 أغسطس 2019، والإطار احتفال التونسيات والتونسيين باليوم الوطني للمرأة، أما الحدث البارز؛ فقد اقتنصه زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، الذي بدا وهو يغازل ويمدح المرأة ويقول فيها ما لم يقله نزار قباني في بلقيس وما لم يقله عنترة في عبلة، بورقيبيا متشددا في دفاعه عن المرأة.

يقول راشد الغنوشي بمناسبة عيد المرأة التونسية، الذي جُعل له في تونس تاريخ الـ13 من أغسطس كلّ عام، وهو تاريخ إطلاق الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وثلة من المفكرين التونسيين مجلة الأحوال الشخصية التي بعثت أولى شرارات تحرير المرأة، “المرأة ليست نصف المجتمع بل هي المجتمع كلّه، لأن النصف الآخر يتربى في أحضانها أيضا، والانتصارُ لحقوقها هو جزء من المشروع الذي نناضل من أجله منذ عقود”.

ويضيف زعيم الحركة الإسلامية ” إن المرأة هي قوة التجدّد في الأمة وهي قوّة حفظ المجتمعات وعنصر التماسك فيها، وكل جهد يتجه إلى ضرب المرأة وترذيلها و إمتهان كرامتها وحرمانها من حقوقها الشرعية، إنما هو ضرب لمجتمعاتنا في الصميم وضرب لاستقرارها وتوازنها، وإن الانتصار لحقها في الحياة الشريفة الكريمة يقود إلى صون المجتمع والرفع من قيمة أفراده وتحصينه من شتى المخاطر المحدقة به “.

سامع هذا الكلام أو قارئه من بعد، يتراءى له وهو يستعد بينه وبين نفسه للإقدام على القيام بعملية فرز سياسي قبل حلول مواعيد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، أو بالأحرى يُخيّل إليه أن الغنوشي بهذا الخطاب المزدوج لم يعد ينقصه الآن وهو يخوض حملة انتخابية سابقة لأوانها سوى أن يعلن على الملأ بأنه تنويري أو أنه “بورقيبي الفكر”، أو أنه حافظ لأمانة وحامل حقيقي لما تركه الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي من وصايا تُشدد على وجوب تمرير مشروع قانون المساواة التامة بين الجنسين، الذي نسي الغنوشي أنه لم تتم المصادقة عليه في البرلمان التونسي الذي تقوده أغلبية يشكلها نواب حركة النهضة.

إن جوهر الموضوع في مثل هذه الحالة لا يُمكن البتة فصله أو مناقشته من الناحية الفكرية أو حتى السياسية، إلا بتذكّر ذلك البيت الشهير لأبي العلاء المعري الذي يقول فيه “لقد جاء قوم يدعون فضيلة/ وكلهم يبغي لمهجته نفعا * وما انخفضوا كي يرفعوكم وإنما/ رأوا خفضكم طول الحياة لهم رفعا”.

بالوقوف، أولا عند قول الغنوشي إن المرأة ليست نصف المجتمع بل هي المجتمع، يحاول زعيم حركة النهضة أن يظهر لجمهور الناخبين أن حركته تحوّلت من النقيض إلى النقيض في علاقة بالمرأة، وأنها أصبحت أكثر إيمانا أكثر من أي وقت مضى بأفكار وأطروحات الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة أو أنه ربما أصبح واحدا من أكثر البورقيبيين تشددا ومناصرة لتحرير المرأة من براثن وترسبات الفكر الإخواني الرّجعي وغير المواكب لتطورات العصر.

الغنوشي وهو يتحدث عن المرأة ومكانتها وهو يرتد أيضا على مقولة “المرأة نصف المجتمع”، ليتجاوزها إلى أكثر من ذلك بكثير بتشديده على أن المرأة هي المجتمع كله، نسي أو تناسى أن للتاريخ مهمة رئيسية وهي حفظ المدونات وكل ما يُكتب، فالرجل نذر وقته ومسيرته الدعوية والسياسية منذ تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي (فرع جماعة الإخوان في تونس) في ثمانينات القرن الماضي، ليحصر المرأة وأنشطتها ومكانتها في المجتمع على أنها لا تتجاوز في مهامها إلا أن تكون مجرد وعاء جنسي وتنحصر فقط في إرضاء غريزة الرجل وإشباعها قصد التكاثر ومن ثمة الاكتفاء بشؤون المنزل ورعاية الزوج والأولاد وصولا إلى المضي قدما في أدلجتهم وفق ما يتواءم مع ما تمليه الشريعة الإسلامية.

فهل نسي أيضا زعيم حركة النهضة وهو يلبس عباءة ليست على مقاسه، أنه نظّر وأطنب في الحط من كرامة المرأة، حين قال حرفيا في ذات كتاب له عنوانه “المرأة بين القرآن وواقع المسلمين”، إن المهام المجتمعية للمرأة تنحصر في كونها وعاء جنسيا.

ومن بين ما يذكره راشد الغنوشي في كتابه الشهير الصادر في عام 2005، بعد تفحّصه وتصفحه لأكثر من 250 آية قرآنية تخص النساء، “يتركز الاختلاف بين الجنسين في وظائفهما الجنسية، وميزات المرأة تتمحور حول وظائفها الجنسية. كل ميزة تمتاز بها المرأة لها علاقة بوظائفها الجنسية أو هي نتيجة لهذه الوظائف”.

ويمر المفكر الإخواني إلى أبعد من ذلك بكثير لكن بأكثر وضوح في المواقف وتحديدا في الصفحة 50 من الكتاب نفسه بقوله إن “الوظيفة الجنسية شيء أساسي بالنسبة للمرأة بينما هي عرض بالنسبة للرجل، وهذه الوظيفة هي أصل الطابع الأنوثي وكل صفة أخرى ثانوية تتغير بتغير الزي مهما بدت أساسية، مما يجعل الوظيفة الجنسية هي جوهر الأنثى”.

الأنكى والأكثر خطورة في المسألة، أنه بإمكان المرء المتتبع الجيد للسيرورة التاريخية لحركة النهضة الإسلامية منذ نشأتها أن يغفر للغنوشي أو يجد له تبريرا للمسوغات المغشوشة التي يريد إشاعتها بشأن تطور نظرة حركته للمرأة ما دام يلعب هذه الورقة في زحمة الانتخابات أين يتم استعمال كل الأسلحة لإحراج الخصوم، لكن ما لا يمكن المرور عليه هكذا دون مجادلة الرجل فكريا وتاريخيا حتما يكمن في قوله حرفيا “الانتصار لحقوق المرأة هو جزء من المشروع الذي نناضل من أجله منذ عقود”، فمنذ متى كانت جماعة الإخوان أو فروعها تناضل من أجل تحرير المرأة؟ فهل أصبحت سنوات الدفع لأسلمة المجتمع والزج بالمرأة في المنزل، أو إجبارها بقوة الشرع على الزواج من أي رجل كزوجة ثانية وثالثة ورابعة منجزات إخوانية تخدم المرأة؟ أم أن اعتبار صوت المرأة وشعرها وأظافرها عورة بات يصنف في خانة النضالات التقدمية المنتصرة لحرية المرأة وحقوقها؟

في الحقيقة ، إن المديح الأخير الذي نظمه الغنوشي في المرأة، ليس منفصلا عن مشروع إخواني كامل ومتكامل، فهو يأتي لإتمام ما بناه مشروع جماعة الإخوان التي جعلت في كل مراحلها المرأة بمثابة “ديكور” يُستعمل لمقارعة الخصوم السياسيين والأيديولوجيين، فالجماعة عمدت منذ انبعاثها على توظيف كل الأوراق لخدمة مشروعها الساعي، أولا لأسلمه المجتمع أو للوصول ثانيا للحكم.

إن زعيم حركة النهضة الذي استقبلته نساء تونس في 2011 وهو عائد من منفاه ببريطانيا بذعر محفوف بمخاطر إضاعة المنجزات التي حصلت عليها إبان دولة الاستقلال عن المستعمر الفرنسي، يحاول أن يقنعنا اليوم ودون أن يتبرأ خطيا وبصريح العبارة من الجماعة الأم الإخوان المسلمين، أنه يحيد بصفة تامة عما يتبناه مؤسس الجماعة، حسن البنا، في كل طروحاته التي تخص المرأة، خاصة عندما قال في كتاب “رسالة المرأة الإسلامية”، “ليست المرأة في حاجة إلى التبحّر في اللغات المختلفة، وليست في حاجة إلى الدراسات الفنية الخاصة، فستعلم عن قريب أنّ المرأة للمنزل أولاً وأخيراً، وليست المرأة في حاجة إلى التبحر في دراسة الحقوق والقوانين، وحسبها أن تعلم من ذلك ما يحتاج إليه عامة الناس.. علّموا المرأة ما هي في حاجة إليه بحكم مهمتها ووظيفتها التي خلقها الله لها: تدبير المنزل ورعاية الطفل”.

من ناحية، أخرى ما الذي يثبت للتونسيين على أرض الواقع أن حركة النهضة وزعيمها قد غيّرا فعلا من نظرتهما للمرأة، فالنهضة التي تقدّم نفسها اليوم بديلا مجتمعيا للتونسيين، لم تقدّم شيئا يذكر يخدم المرأة أو يدفع لجعلها متساوية مع الرجل في الحقوق والحريات، سوى تحريك ميليشياتها الفيسبوكية للتحريض ضد كل من يدعو للمساواة التامة بين الجنسين وضد كل من يدافع عن فكرة منع النقاب.

أبمثل هذه المنجزات يطرح الغنوشي اليوم نفسه راعيا لحقوق المرأة ومساندا لتحررها مما غرسته في ذهنه أدبيات إخوانية رجعية كان قد صال وجال في البلاد منذ سبعينات القرن الماضي لنشرها وتعميمها وإشاعتها بين الناس؟

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية