خامنئي داعياً لمقاطعة آبل: تناقضات الولي الفقيه في قالب كوميدي

خامنئي داعياً لمقاطعة آبل: تناقضات الولي الفقيه في قالب كوميدي


25/08/2020

التغريدة التي نشرها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي تثير ما هو أبعد من السخرية والكوميديا السوداء، وتعكس أيّة هوة ينزلق إليها نظام الولي الفقيه الذي يجمع النقائض كلها، ويعتبر نفسه متسقاً وخطاب "الثورة" التي ينهمك النظام في تصديرها والتبشير بها.

خامنئي دعا الإيرانيين إلى مقاطعة شركة آبل الأمريكية، وعدم استيراد "الهواتف الأمريكية الفاخرة"، وجاءت تغريدته من خلال موقع "تويتر" الأمريكي، وعبر جهاز "آيفون" الأمريكي، وربما كان في مكتبه الفاخر مكيفات وأجهزة أمريكية عديدة يستخدمها في شتم الإدارة الأمريكية والعالم العربي ومجتمعات الكفر والفجور والرذيلة.

اقرأ أيضاً: المشروع الإيراني ومهمة مليشيات الخامنئي

تلكم هي حكاية نظام الفقيه الذي يعاني شعبه أقسى ظروف العيش، وتفتك به كورونا، حيث بلغ عدد المصابين بهذا الفيروس ثلاثة أضعاف الرقم المعلن رسمياً، وهو ما أفصح عنه، مطلع الشهر الجاري، تحقيق أجرته "بي بي سي الفارسية" توصل إلى أنّ عدد الوفيات الناجمة عن وباء كورونا في إيران هو ثلاثة أضعاف ما تدعيه الحكومة الإيرانية.

ويبدو أنّ السجلات الحكومية الخاصة تظهر أنّ نحو 42 ألف شخص ماتوا بسبب أعراض "كوفيد-19" حتى 20 تموز (يوليو)، مقابل 14405 شخصاً أبلغت عنهم وزارة الصحة رسمياً.

كما أنّ عدد الأشخاص المعروف أنهم مصابون هو أيضاً ضعف الأرقام الرسمية: 451,024 مقابل 278,827.

وكانت إيران واحدة من الدول الأكثر تضرراً بعد الصين بفيروس كورونا. وفي الأسابيع الأخيرة، عانت إيران من ارتفاع حاد ثاني في عدد الحالات.

ماذا لو كشفت شركة أمريكية عن لقاح لكورونا؟

وربما إذا كشفت شركة أمريكية عن لقاح لكورونا فإنّ أول من سيستخدمه هو المرشد خامنئي، ثم سيخرج على "تويتر" شاهراً عصيانه على الولايات المتحدة ومهددها بالويل والثبور، ولن ينسى في غضون ذلك أن يذكّر جمهوره بأنها "الشيطان الأكبر".

لماذا تُستهجن تغريدة المرشد الأعلى لمقاطعة الأجهزة والمنتجات الأمريكية. أليس من الأوْلى بمن يطالب شعبه بالمقاطعة أن يبتكر البديل المحلي الفعّال وأن يكف عن محاربة طواحين الهواء؟

وبالعودة إلى التغريدة العجيبة للمرشد الأعلى، قال موقع "راديو فاردا" إنّ خامنئي انتقد، خلال مؤتمر بالفيديو مع الرئيس الإيراني، حسن روحاني، قيام الإيرانيين بالإنفاق بكثافة على الهواتف الذكية الأمريكية، خلال السنة الإيرانية التي انتهت في 20 آذار (مارس). وأضاف خامنئي، وفق موقع "الحرة" أنّ "لا حاجة لاستيراد الهواتف" وأمر الحكومة بالتدخل لمنع ذلك.

وبعد ساعات قليلة من الاجتماع، تم حذف تصريحاته من النص الذي نشره مكتبه، وكذلك من حسابه على تويتر بالفارسية، إلا أنّ حسابه باللغة الروسية أورد التصريح الذي جاء فيه: "أحد معوقات الإنتاج هو تفشي استيراد السلع الكمالية. في العام الماضي، تم إنفاق حوالي نصف دولار مليار دولار على استيراد الهواتف الذكية الأمريكية فقط".

وكان لافتاً أنّ التغريدة مصدرها هاتف آيفون، بحسب ما يظهر في أسفلها.

موقع "راديو فاردا" أوضح أنّ الحسابات الأخرى لخامنئي تستخدم تطبيقات للتغريد مثل Twitter Web  وTweetDeck على هواتف أندرويد، أما حسابه باللغة الروسية، الذي أنشئ في كانون الثاني (يناير) 2020، فيستخدم آيفون.

وخامنئي متهم، كما يورد الخبر، بانتهاك سياسات تويتر الخاصة بالتحريض على العنف. وفي شباط (فبراير) عام 2017 أوقف تويتر حسابه؛ بسبب تأييده فتوى أطلقها المرشد السابق الخميني بقتل الكاتب البريطاني سلمان رشدي.

السياسات الإيرانية المتناقضة

السياسات الإيرانية المتناقضة لا تتبدى في تغريدة المرشد الأخيرة، بل تكاد تكون لسان حال نظام الولي الفقيه، وهو ما كشف عنه الباحث المصري عمرو حمزاوي في موقع مركز "كارنيغي" للشرق الأوسط؛ حيث "لإيران أدوار إقليمية تتناقض مع مصالح الشعوب العربية، إن في لبنان حيث تدعم وجود حزب الله كدولة فوق الدولة، أو في سوريا حيث تتورط مع الديكتاتور الحاكم في مقتلة بشعة ضحاياها مئات الآلاف من الشهداء وملايين اللاجئين والمهجرين والنازحين، أو في العراق حيث تسيطر القوى الطائفية المتحالفة مع طهران على مفاصل الدولة وتجرد مؤسساتها وأجهزتها من المصداقية بين أغلبية المواطنين شيعة وسنة، أو في اليمن حيث تساند تمويلاً وتسليحاً الحوثيين المشاركين في الحرب الدموية الدائرة اليوم".

اقرأ أيضاً: خامنئي يقر: البلاد في وضع مأساوي

وما زالت الوقائع الجارية تؤكد حالة التناقض والإرباك الذي يعيشها النظام الإيراني، حيث يُثير الاتفاق العسكري، الخاص بتطوير منظومة الدفاع الجوي السورية، المبرم بين إيران والنظام السوري في 8 تموز (يوليو) 2020، العديد من الأسئلة حول توقيته وأهدافه ومدى قدرة التكنولوجيا الإيرانية على منافسة القدرات الروسية التي تُعتبر الطرف المسيطر على السماء السورية، بالإضافة إلى فعالية المنظومة في منع إسرائيل من ضرب الأهداف الإيرانية في سوريا، حسبما تشير ورقة نقاشية نشرها مركز الإمارات للسياسات، في الخامس من الشهر الجاري.

اقرأ أيضاً: خامنئي بين صلح الحسن وشجاعته

 كما يُثير الاتفاق التساؤل عن انعكاساته على توازنات القوى القائمة في المنطقة، وأثره في حالة الإرباك التي يعيشها النظام الإيراني، واهتزاز صورته أمام الداخل والحلفاء الإقليميين نتيجة للهجمات التي تتعرض لها الأصول الإيرانية سواء في سوريا أو في داخل أراضيها.

قواعد الاشتباك والخطوة الدعائية

وبسؤال هل سيغير الاتفاق قواعد الاشتباك؟ يجيب المركز إنّ الاتفاق يؤشر إلى اتخاذ نظام الأسد وإيران قراراً بتغيير قواعد الاشتباك، وتفعيل التصدّي السوري للغارات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، في ظل تقاعس روسيا عن تشغيل منظومة "أس 300" لمواجهة الغارات الإسرائيلية المتكررة ضد مواقع سورية وإيرانية. غير أنّ مصادر إيرانية تؤكد أنّ الهدف أبعد من مجرد التصدي لغارات إسرائيلية متقطعة، وإنما يأتي في سياق استعداد إيران لمواجهة شاملة في المنطقة؛ حيث تعمل على تحصين جبهات المواجهة. وبالمقابل ترى المعارضة السورية أنّ الاتفاقية مجرد خطوة "دعائية" لن تؤثر في موازين القوى بقدر ما تهدف إلى الاستهلاك الإعلامي على الصعيدين الداخلي والخارجي في كلٍّ من إيران وسوريا، وذلك انطلاقاً من حقيقة أنّ أسلحة الدفاع الجوي الإيرانية متهالكة باعتبار أنها روسية محوَّرة ومن الصعوبة أن تصيب الطائرات الإسرائيلية الأمريكية الصنع، والتي تُعد الأكثر تطوراً في العالم.

الاتفاق الإيراني- السوري يشكّل أحد مظاهر لعبة "حافة الهاوية" كرد على التحديات التي توجهها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران. والهدف الإيراني هو نقل المواجهة إلى الساحة السورية

ويخلص تقرير مركز السياسات إلى أنّ الاتفاق الإيراني- السوري يشكّل أحد مظاهر لعبة "حافة الهاوية" كرد على التحديات التي توجهها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران. والهدف الإيراني هو نقل المواجهة، التي أصبحت مفروضة، في التقدير الإيراني، إلى الساحة السورية؛ حيث الخسائر ستكون أقل بكثير فيما لو استمرت الضربات ضد أهداف إيرانية داخلية، كما أنّ قدرة إيران على المناورة تبدو أكبر من خلال أدواتها في جنوب سوريا ولبنان، وتتلاقى هذه التوجهات مع حاجة النظام السوري إلى تحريك الأوضاع للخروج من المأزق الذي بات يعيشه، ورغم درجة المخاطر المرتفعة على نظام الأسد إلا أنه يدرك أنّ روسيا لن تسمح لإسرائيل بإسقاطه.

وبالنسبة لإيران، ليس مُهماً إظهار فاعلية في المواجهة، وحتى لو تم تدمير منظومات الصواريخ التي ستركبها؛ إذ يكفي إسقاط طائرة إسرائيلية أو أمريكية، أو حتى إحراج روسيا، فما يهمّ إيران هو كسر موجة الضربات التي تستهدفها في الداخل، وتمرير المرحلة إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية. وتؤشر حادثة اعتراض مقاتلة أمريكية من طراز "أف-15" لطائرة الركاب الإيرانية التابعة لشركة "ماهان" في الأجواء السورية في 24 الماضي، إلى احتمال تعمد إيران إرسالها من فوق قاعدة التَّنف لتوريط القوات الأمريكية بإسقاطها، وأخذ الأزمة إلى اتجاهات أخرى.

وإذا كان نظام هذا سلوكه وهذه قواعده في إدارة شؤونه الداخلية والخارحية، فلماذا تُستهجن تغريدة المرشد الأعلى لمقاطعة الأجهزة والمنتجات الأمريكية. وربما غاب أو تعمد الغياب أنّ من يطالب شعبه بالمقاطعة عليه أن يبتكر البديل المحلي الفعّال. ولكنّ نظام الولي الفقيه دأب على محاربة طواحين الهواء، والخاسر الأكبر هو شعبه الحزين، وأنصاره المخدوعون.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية