خريف الإسلام السياسي

خريف الإسلام السياسي


14/09/2021

رفيق خوري

خريف نيويورك "الدولي" كئيب هذا العام، مجلس الأمن شبه مشلول بالصراع بين أميركا وروسيا والصين على قمة العالم، ولا شيء في هذا الخريف يشبه ما كان عليه في خريف 2001، حيث الغضب وشعار "كلنا أميركا" رداً على قيام تنظيم "القاعدة" بأكبر عملية إرهابية هي تفجير البرجين في مركز التجارة العالمي.

لا أميركا هي ما كانت عليه، ولا روسيا ولا الصين، لا أفغانستان التي عادت إلى حكمها حركة "طالبان" بعد 20 سنة من قيام أميركا بإسقاطها وطرد "القاعدة" هي ما كانت عليه، وإن بدت في الشكل كأنها تعود إليه، لا الانسحاب الأميركي "المهين" هو وحده الصورة الكبيرة في المشهد، ولا المشهد يختصره ما جرى في "الحرب الكونية" على الإرهاب وما حدث لحركات الإسلام السياسي من جزر بعد مد.

أميركا هزمت نفسها

ذلك أن أميركا هزمت نفسها، وحركة "طالبان" هزمت شعبها، وبدأت تحرمه مما حصل عليه خلال 20 سنة من الاهتمام الأميركي والدولي، لكن المشهد على القمة، كما على السفح، معقد جداً، ومن الوهم تبسيطه من خلال أربع صور أمامنا: صورة الأفول الأميركي والصعود الصيني والعودة الروسية، وصورة التهليل نكاية بأميركا لعودة "طالبان" وعودة الروح إلى "القاعدة" وقدرة تنظيم "داعش - ولاية خراسان" على القيام بعمليات إرهابية خلال الانسحاب الأميركي، وصورة الانتكاسات المتتابعة لحركات الإسلام السياسي في البلدان العربية، وصورة التمدد الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن مباشرة، وعبر وكلائه المسلحين.

رمال متحركة

فهي صور في رمال متحركة، وليست ثابتة، إن لم تكن خادعة، وليس في "لعبة الأمم" مبدأ ميكانيكي اسمه: كل فشل لطرف هو نجاح لطرف آخر، أو كل خسارة للاعب هي ربح للاعب آخر.

أحدث صفقة قاسية لحركات الإسلام السياسي المسماة "معتدلة" جاءت من المغرب. الناخبون عاقبوا حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي الذي تولى رئاسة الحكومة على مدى 10 سنين، فلم يحصد سوى 13 مقعداً، بعد أن كان له 125 في مجلس نيابي من 395، فالسلطة قاتلة لمن يخدع الناس بالشعارات الإسلامية الجذابة ويفشل في فهم الحوكمة وآليات إدارة التنمية والخدمة، ولا يقلل من خسارة مكتب الأمانة العامة للحزب الذي استقال كل أعضائه، كون الحكم في المغرب هو منذ 1666 في يد "المخزن"، أي القصر، وما سبق خسارة "العدالة والتنمية" كان سلسلة خسائر لـ"الإخوان المسلمين" في مصر وتونس والسودان وليبيا.

التنظيمات الإرهابية

أما التنظيمات الإرهابية باسم الإسلام، فإنها تلقت ضربة أقوى من الضربات الأمنية والعسكرية كما حدث لتنظيم "القاعدة" ثم "دولة الخلافة" الداعشية، وهي خسارة الحرب الفكرية. فالإرهاب، كما يقول البروفيسور جوزف ناي، "مسرح يفوز فيه من تربح روايته"، والذين تخوفوا من التصدي بالفكر لجماعات "التكفير" صاروا في منتهى الجرأة على المواجهة، فلا شيء لدى الإرهابيين سوى القتل، ولم يعد حتى البسطاء يتقبلون سياسة قتل الناجحين لأن الإرهابيين فاشلون في اللحاق بالعصر، ويريدون التحرك إلى الوراء، ومن الصعب أن تلعب "طالبان" دور "القلعة" لحركات الإسلام السياسي السني، فهو تنظيم محلي بامتياز، والتجربة علمته أنه يخسر رأسه حين يمده خارج حدود أفغانستان.

"القلعة"

أما الإسلام السياسي الشيعي الذي تلعب إيران دور "القلعة" له، كما كان الاتحاد السوفياتي "قلعة الاشتراكية"، فإن امتداده الظاهر مؤقت، فلا إيران أقوى من الاتحاد السوفياتي الذي قاد انهياره إلى سقوط المعسكر الاشتراكي في أوروبا الشرقية، ولا الأيديولوجيا التي تحرك الإسلام السياسي الشيعي قادرة على تجاوز بيئات مذهبية محددة هي في النهاية أقليات ضمن أكثرية سنية، وآخر ما يفيد الإسلام السياسي الشيعي هو تراجع حركات الإسلام السياسي السني، لأن العكس هو الصحيح: التراجع هنا يساهم في التراجع هناك، وما يصعب أن تفعله القوة أو أن يفعله الفكر تنجح في فعله الحياة ومطالبها التي لا تتوقف، وليس ما قاد إليه تحويل "الربيع العربي" إلى "شتاء إسلامي" سوى الوصول إلى خريف الإسلام السياسي.

عن "اندبندنت عربية"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية