خطاب نصرالله... مرافعة دفاعية بلا أدلة

خطاب نصرالله... مرافعة دفاعية بلا أدلة


05/01/2022

في خطاب جديد لزعيم "حزب الله" اللبناني حسن نصر الله، على هامش احتفالات الحزب بالذكرى الثانية لاغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، كان واضحاً انسجامه مع المفاوضات التي تجريها طهران مع القوى الدولية وأمريكا في فيينا لإنجاز صفقة نووية جديدة، يدلّ الكثير من المؤشرات والمعطيات على أنّها قطعت أشواطاً في طريق إنجازها، وهو ما عكسته تصريحات إيرانية وغربية وحتى إسرائيلية بعد انطلاق الجولة الجديدة، غابت عنها مفردات التهديد والوعيد، رغم استمرار تداولها في بعض الدوائر الإيرانية من قبل الحرس الثوري الإيراني، وأوساط إسرائيلية، في إطار مقاربة عضّ الأصابع.

اقرأ أيضاً: نصرالله "أنا لبنان"

خطاب نصر الله، الذي يستحضر جدالات تحاكي وقائع تاريخية كمعركتي صفين والجمل، غابت عنه مفردات التهديد والوعيد والتعبئة الجهادية والشعبية، وتأكيد انتصار محور الممانعة، بل جاء في إطار جردة حساب ومرافعة دفاعية عن إيران ودورها الإقليمي في العراق وسوريا ولبنان وأدوار وكلائها، وأنّها وقفت بمواجهة الإرهاب السنّي وعنوانه "القاعدة وداعش"، وإعادة إنتاج لمقولات "لم تعد قائمة" فيما يتعلق بعلاقة السعودية مع الإرهاب، فيما كانت مفردات "التبرير والإنكار ونفي التهم" أبرز ما يمكن استخلاصه في مرافعة نصر الله عن مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في لبنان، وهو ما يعكس حقيقة وضع الحزب في الخريطة الحالية للمشهد السياسي في لبنان، وكيف تحوّل الحزب إلى خاطف للبنان لمصلحة إيران، وبمواجهة مع غالبية اللبنانيين، بما في ذلك الشكوك حول مستقبل تحالفه مع التيار الوطني الحر بقيادة "جبران باسيل".

لم يقدّم خطاب نصر الله جديداً سوى إعلانه عن أزمات مركّبة ومعقدة وسيناريوهات قادمة يدرك أنّ مخرجاتها لن تكون لصالحه

مدونة نصر الله الدفاعية من السهل تفكيكها والرد عليها، فعلى صعيد علاقة أمريكا بداعش، وهي اتهامات مرتبطة بمرجعيات نظرية المؤامرة، ربما فات نصر الله أنّ داعش منتج عربي وإسلامي تشترك إيران مع أمريكا في سبب ظهوره، ذلك أنّ إيران صاغت الصراع في المنطقة وفق عناوين مذهبية، واستثمرت طهران وكذلك واشنطن بالإرهاب لتحقيق أهدافها، وكان حزب الله ممّن عقد الصفقات مع القاعدة في الخروج "الآمن من لبنان"، وكان استيلاء داعش على أكثر من ثلث أراضي العراق عام 2014 بتواطؤ وتنسيق إيراني، وقد نفذته حكومة "نوري المالكي" لإنشاء الحشد الشعبي العراقي، وهناك الكثير من الشواهد اللاحقة على كيفية دخول تنظيم داعش إلى سوريا، وتعاونه مع الميليشيات الإيرانية.

اقرأ أيضاً: لا أهلاً ولا سهلاً: لماذا رفض نصرالله استقبال مشعل؟

المملكة العربية السعودية حاضرة في خطاب نصر الله، وبمرجعيات تتجاوز فضاءات المفاوضات الإيرانية السعودية "ترطيب الأجواء"، وتقدّم مقارنة بينها وبين إيران، وما قدّمته طهران والرياض في مناطق الصراعات، وبقوالب اتهامية جاهزة تقفز على الحقائق والتحولات التي شهدتها المملكة العربية السعودية، بدءاً من العلاقة مع داعش، دون الإشارة إلى أنّ الإرهاب الذي استهدف السعودية كان أضعاف ما استهدف إيران، وقد أجابت نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة، وقبلها انتفاضات العراق في بغداد ومحافظات العراق الجنوبية والوسطى" المحسوبة مذهبياً على القيادة الإيرانية"، أجابت عن مواقف العراقيين تجاه ما يوصف بـ"الاحتلال الإيراني"، والمشاريع الاقتصادية والمساعدات والاستثمارات السعودية بالعراق، وربما شارك سعوديون في العمليات الانتحارية التي شهدها العراق من قبل المقاومة "المدعومة من إيران" إلّا أنّ المؤكد هو أنّ "الداعشية" اليوم صناعة إيرانية في العراق وسوريا.

كان لبنان حاضراً في خطاب نصرالله بمرجعية اختطافه لصالح إيران، وبالمزيد من التأزيم مع السعودية، وهو ما أدركه ميقاتي في إعلان رفضه المباشر والسريع للخطاب والتصعيد مع المملكة

لقد كان واضحاً أنّ نصر الله قد جهد في تحميل السعودية وأمريكا مسؤولية ما تشهده المنطقة، رغم أنّ هذه المقاربة تتجاوز التحوّلات التي تشهدها السعودية، بما فيها علاقاتها "غير الدافئة" مع أمريكا، وفي الوقت نفسه تؤكد إدراك نصر الله أنّ التيارات المؤيدة لأمريكا في أوساط الشعوب والحكومات العربية والإسلامية بازدياد، تطرح تساؤلات فيما إذا كان هدف الهجوم على السعودية وأمريكا يهدف لإعفاء إسرائيل من المسؤولية، وهل تمهّد لأيّ علاقة قادمة بين إيران وأمريكا بعد الصفقة الجديدة المفترضة، لا سيّما أنّ محمولات الخطاب تستنكر الرفض العربي والإسلامي الذي لا يرى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية نموذجاً يُحتذى.

اقرأ أيضاً: البطريرك الراعي موبّخاً نصرالله: الكرامة مرتبطة بالحكمة وليس بالعناد

باستثناء مهاجمة المملكة العربية السعودية بإعادة إنتاج الخطاب الاتهامي التاريخي، الذي تجاوزته التطورات التي شهدتها السعودية والمنطقة، لم يقدّم خطاب نصر الله جديداً، سوى إعلانه عن أزمات مركّبة ومعقدة، وسيناريوهات قادمة يدرك أنّ مخرجاتها لن تكون لصالحه، فيما كان لبنان حاضراً في الخطاب بمرجعية اختطافه لصالح إيران، (ولكن بلا ناقلات نفط إيرانية، ولا استثمارات سعودية)، وبالمزيد من التأزيم مع السعودية، وهو ما أدركه رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في إعلان رفضه المباشر والسريع للخطاب والتصعيد مع السعودية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية