خطة مارشال صينية… ما هي محددات الدور الصيني في إعادة إعمار الشرق الأوسط؟

خطة مارشال صينية… ما هي محددات الدور الصيني في إعادة إعمار الشرق الأوسط؟


29/09/2020

محمد العربي

تقوم عملية إعادة الإعمار، بمفهومها الاقتصادي، بالأساس على استئناف عملية التنمية المتوقفة بسبب الصراع الأهلي وانسحاب الاستثمارات الأجنبية وتدهور البنية التحتية، إلى جانب الأضرار الإنسانية والاجتماعية الناتجة عن انتشار العنف وتفكك النسيج الاجتماعي وهجرة اللاجئين، وما يرتبط بذلك من تدهور في الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وغيرها.

تبدو الصين الطرف الدولي الأكثر قدرة على التعامل مع ملف “إعادة الإعمار” في الشرق الأوسط. يعود هذا إلى حقيقة أن بيچين تمتلك الموارد المادية اللازمة لتحمل الكثير من أعباء إعادة إعمار البلدات المتضررة من الحروب الأهلية في المنطقة وهي سوريا وليبيا واليمن والعراق. فضلاً عن هذا، فإن إعادة الإعمار تتوافق مع مفهوم الصين حول “السلام التنموي” أو “السلام من خلال التنمية” التـي أوضحناها سابقًا باعتبارها أحد مكونات رؤية الصين عن المنطقة.

ومع ذلك، فإن عملية إعادة الإعمار في سياق ما بعد الصراعات دائمًا ما تكون عملية “سياسية” يتم فيها توزيع القيم والمكاسب على المشاركين فيها، وهو ما يعنـي أيضًا حرمان بعض الأطراف منها؛ وفقًا للمواقف السياسية ونتائج ما بعد الحرب. وبالتالي، لن يكون تواجد الصين في هذا الملف كمجرد ممول أو مستثمر في البنية التحتية، بل كفاعل سياسـي؛ على مستوى كل دولة، أو على مستوى الإقليم.

لقد تحدد الدور الجيوسياسـي للولايات المتحدة في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية من خلال خطة مارشال التـي تضمنت حزم مساعدات لإعادة بناء البنية التحتية في أوروبا، والتـي استهدفت أيضًا الحد من نفوذ الاتحاد السوفيياتي والأحزاب الاشتراكية الموالية له في أوروبا.

وفي سياق الشرق الأوسط، كانت إعادة إعمار لبنان بعد سنوات الحرب الأهلية التـي دامت خمسة عشر عامًا في أعقاب مؤتمر الطائف (١٩8٩) بمثابة إعادة رسم لخريطة النفوذ الإقليمي في البلاد. كذلك، ارتبط تدهور النفوذ الأمريكي في المنطقة في أعقاب غزو العراق، بتخبط إدارة واشنطن لخطة إعادة إعمار العراق، وهو ما منح خصومها الإقليميين، مثل إيران، والدوليين، مثل الصين الفرصة لتوطيد وجودهم السياسـي والاقتصادي في البلاد.

وبالتالي، قد تكون إعادة الإعمار امتدادًا للتنافس الدولي والإقليمي على النفوذ في المنطقة، وهو ما أشرنا إليه في موضع آخر بجيو-اقتصاديات إعادة الإعمار.[1] وبقدر ما تندفع الصين بحذر إلى المنطقة لجنـي مكاسب إعادة الإعمار، فعلى الأرجح أن دورها في هذا الملف ستحدده آليات التنافس على المنطقة، وإمكانية وجود شركاء فاعلين لتحمل أعباء إعادة البناء.

إعادة الإعمار في مفهوم الصين عن “السلام التنموي”

لم تعبر الصين عن سياسة موحدة لإعادة إعمار المنطقة. قد يعود هذا إلى السياسة الحذرة، وحرص بيچين على الدور الهادئ. إلا أه يمكن استنباط رؤية الصين لدورها من خلال سياسة “السلام التنموي”[2].

بداية، تدرك الصين أن عملية إعادة الإعمار ضرورية لإرساء الاستقرار في المنطقة، وبالتالي ضمان عدم وجود أية اضطرابات في موارد الطاقة، وفي مسارات تجارتها البحرية والبرية، فضلاً عن عدم توقف استثماراتها. وبالتالي، يضمن استقرار العراق وليبيا، استمرار تدفق الطاقة للصين، في الوقت الذي يحقق فيه استقرار اليمن وسوريا فرص أوسع للاستثمار وضمان المنافذ التجارية الضرورية لاستكمال مبادرة “الحزام والطريق”.

على هذا، تدرك الصين أنها لن تتحمل أعباء إعادة الإعمار وحدها، فهي في النهاية ليست مسؤولة عن الصراعات الجارية في المنطقة. لذا تتعامل مع هذا الملف من خلال نسج شراكات مع بقية القوى التـي تدرك هي الأخرى. أنها لا تملك الموارد الكافية للاضطلاع بأعباء إعادة الإعمار.

على سبيل المثال، على الرغم من الدور الحاسم للتدخل العسكري الروسـي في سوريا بجانب نظام الأسد منذ ٢٠١٥، إلا أن موسكو أعلنت منذ البداية أنها لن تتحمل وحدها عبء إعادة إعمار البلاد، والتـي بلغت وفقًا لتقدير البنك الدولي في ٢٠١٨ حوالي ٢٥٠ مليار دولار، ودعت بقية الأطراف الدولية للمشاركة؛ خاصة دول الخليج والصين. وأكدت الصين في ذلك الوقت على لسان مبعوثها السابق للسلام في الشرق الأوسط شيه شياويان استعداها للتعاون في هذا الملف.

وفقًا لهذا التصور، ترى الصين أن دورها في إعادة الإعمار إنما سيكون من خلال استثمارات مباشرة تضمن عوائد مشتركة لصالحها ولصالح البلد المعنـي. وفي ٢٠١٨، وفي حضور ممثلين عن الدول العربية، أعلن الرئيس شـي جينبيغ أن بلاده ستضخ ٢٠ مليار دولار كقروض لتحفيز اقتصاد المنطقة، بالإضافة إلى ١٠٦ مليون دولار كمساعدات مقسمة بين فلسطين وسوريا واليمن والأردن ولبنان، وموجهة لإعادة البناء الاقتصادي وتحفيز قطاعات الصناعة والطاقة[3] فضلاً عن المساعدات الإنسانية.

من ناحية، يعزز موقف الصين في مرحلة ما بعد الصراعات، عدم ربطها حزم الاستثمارات والمساعدات بأجندة سياسية. وهو ما يجعلها شريكًا ملائمًا لمعظم حكومات المنطقة، بدلاً من الأطراف الغربية التـي تضع شروطًا سياسيًّا كأساس للمساعدات أو الإسهام في إعادة الإعمار، خاصة في القطاعات ذات العوائد الاستثمارية بعيدة المدى.

بالطبع يعتبر هذا الموقف امتدادًا لسياسة الحياد وعدم التدخل، فضلاً عن أولوية الاستقرار بدلاً من التغير السياسـي. ومع ذلك، تحرص الصين في تعاقداتها الاستثمارية على منح الأولوية للعمال والموظفين الصينيين في مقابل العمالة الوطنية. وهو ما يمكن تفسيره بسياسات التشغيل الصينية وتشبع السوق الوطنية وحرص الصين على تصدير العمالة للخارج.

وبالتالي، لا تتصور الصين نفسها في المنطقة كمانح المساعدات غير المشروطة، فهو دور المؤسسات الأممية التـي لا يخلو أيضًا عملها من الاعتبارات السياسية، بل كمستثمر يستهدف تحقيق مكاسب اقتصادية مباشرة وجيوسياسية بعيدة المدى. ومنطق هذا الدور يختلف جذريًّا عن منطق مشروع مارشال الأمريكي أو غيره من حزم المساعدات الغربية، التـي كانت تقايض المنافع الاقتصادية بالمكاسب السياسية. وبهذا يختلف استعدادها وموقفها في كل بلد على حسب عدد من المحددات.

ما هي محددات دور الصين في إعادة إعمار المنطقة؟

يمكن استشراف الدور الصينـي في إعادة الإعمار في الدول التـي تعاني من الحروب الأهلية أو في مرحلة ما بعد الحرب (ليبيا وسوريا واليمن والعراق) من خلال عدة عوامل:

مدى أهمية كل بلد لخطط الصين المستقبلية من حيث محوري البترول والطاقة، ومبادرة الحزام والطريق

طبيعة وحجم التواجد الاقتصادي للصين في الدولة المعنية قبل اندلاع الحرب

الموقف السياسـي للصين من الصراع

إمكانية التعاون مع أطراف دولية أخرى في إعادة الإعمار

على هذا الأساس يمكن دراسة موقف الصين من إعادة الإعمار في البلدان الأربعة على النحو التالي:

 العراق

تواجدت شركات النفط الصينية في العراقية في مرحلة مبكرة منذ الثمانينيات. ومع سقوط نظام حزب البعث، واندفاع الشركات الأمريكية للفوز بعقود إعادة الإعمار، تم استبعاد الشركات الصينية على نحو ممنهج. إلا أن تعثر نموذج إعادة الإعمار بسبب اندلاع الحرب الأهلية والعنف الطائفي على نحو أدى إلى هروب الشركات الغربية التـي عانت أيضًا بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية، أفسح المجال لعودة الشركات الصينية إلى العراق. أسرعت الصين بالانضمام إلى شراكة “الاتفاق الدولي مع العراق” مع حكومة بغداد والأمم المتحدة في ٢٠٠٧ بهدف مساعدة العراق في إعادة الإعمار الاقتصادي والاستقرار والأمن.

في الفترة ما بين ٢٠٠٨ و٢٠١٠، أصبحت الشركات الصينية شريكة أو مشرفة على تنفيذ العديد من التعاقدات؛ خاصة من خلال شركة النفط الصينية، والشركات التابعة لها مثل CNPC والتـي أعادت التفاوض على تشغيل عدد من الحقول الضخمة في الجنوب. كما حصلت الشركة في ٢٠٠٩ على حقوق استكشاف حقول الغاز والبترول في الرميلة بالشراكة مع شركة “بريتيش بوتروليوم”، وحصلت على عقد آخر لتطوير حقل الحلفية بالشراكة مع توتال الفرنسية وبتروناس الماليزية. وتمكنت شركة “سينوبك” من الاستحواذ على عمليات شركة آداكس في منطقة كردستان. وفي السنوات التالية، عقدت بيجين اتفاقًا شاملاً مع حكومة المالكي للمساهمة في إعادة الإعمار والتوسع في تطوير قطاع النفط والغاز. وفي ٢٠١٣، تمكنت الصين من إزاحة الولايات المتحدة باعتبارها الشريك الاقتصادي الأول والمستثمر الأول في العراق.

لم يؤد استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على أراضِ بشمال العراق في صيف ٢٠١٤ إلى تعطيل خطط الصين الاقتصادية أو إجلاء الآلاف من عمالها. كما أن بيجين حرصت على عدم الانخراط في أية عمليات أمنية أو في التحالف الدولي ضد التنظيم، واكتفت بتقدم المساعدات الإنسانية، والاستمرار في تطوير البنية التحتية.

وتوصلت الحكومات في ٢٠١٥ إلى اتفاق يقوم على مبدأ “البترول في مقابل البناء” وذلك لتضمين العراق في مبادرة الحزام والطريق بما يضمن ضخ استثمارات صينية في البنية التحتية العراقية في مقابل واردات البترول. ومع ذلك، حال تدهور الأوضاع الأمنية دون تحقيق الاتفاق. وبعد دحر تنظيم “الدولة الإسلامية” واستعادة الموصل، كانت الصين هي الشريك الدولي الأول بالنسبة لبغداد لدعم إعادة الإعمار.

بالنسبة لبيجين، فالعراق تمثل أولوية في خطط المساهمة في إعادة الإعمار من خلال الاستثمارات التـي وصلت إلى ٢٠ مليار دولار أغلبها في مجال النفط. فالأوضاع السياسية في العراق تتمتع باستقرار نسبـي قياسًا بالحالات الأخرى في المنطقة. ويمثل استمرار ضمان تدفق النقط العراقي عامل جذب لضخ مزيد من الاستثمارات الصينية في العراق ربما دون الحاجة إلى شركاء من الخارج لتمويل إعادة الإعمار.

من ناحية أخرى، أثبتت الشركات الصينية قدرتها في التطوير السريع لحقول النفط العراقية حتـى في ظل المخاطر الأمنية، على العكس من الشركات الغربية. لذا، من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة اتجاه الصين لتوسيع عملياتها الاستثمارية في العراق لتتجاوز قطاع النفط، خاصة مع انخراطها في تطوير شبكات الطرق والسكك الحديدية، ضمن مبادرة الحزام والطريق، في إيران الجارة الشرقية للعراق.

سوريا

على الرغم من تواضع أهمية سوريا الاقتصادية والجيوسياسية بالنسبة للصين، فقد قدمت الصين دعمًا دبلوماسيًّا واضحًا لدمشق من خلال التصويت بالرفض على القرارات الأممية التـي تضمنت فرض عقوبات على نظام الأسد؛ ورفضها إلى جانب روسيا للتدخل العسكري الغربي في سوريا، أو محاولة الإطاحة بالنظام الحاكم على غرار ما حدث في ليبيا. ومع ذلك، تدعو الصين إلى الحوار بين النظام والمعارضة السلمية. ومن هذا المنطلق، شاركت بيجين في مجموعات العمل الدولية حول سوريا، دون أن تترجم هذا الموقف إلى تدخل حقيقي.

كما أسلفنا، تدرك الصين أهمية المشاركة الدولية في إعادة إعمار سوريا. إلا أن هذه المشاركة تجد رفضًا من الدول الغربية التـي تؤكد ربط مساعدات إعادة الإعمار بإسقاط نظام الأسد، أو ضمان عدم إفادته من المساعدات، وهو مسعى غير واقعي وفقًا لنتائج الحرب الأهلية. وبهذا، تمثل إيران وسوريا أفضل شريكين متاحين لإعادة إعمار سوريا. ومع ذلك، لا يبدو أن مشاركة الأطراف الثلاثة كفيلة بالقيام ببرامج إعادة الإعمار مع الأخذ في الاعتبار تدهور الأوضاع الاقتصادية لإيران وتراكم نفقات الحرب، ووجود خلافات بين موسكو ونظام الأسد حول ترتيبات ما بعد الحرب.

ترى الصين في سوريا ما بعد الحرب فرصة محتملة لتعزيز وجودها في شرقي المتوسط. لذا بدأت في الاهتمام بالفرص المحتملة لإعادة الإعمار في سوريا من خلال زيارات رسمية قامت بها وفود من رجال الأعمال والمسؤولين الصينيين إلى المدن السورية الكبرى مثل دمشق وحمص منذ ٢٠١٧. كما استضافت بيجين في العام نفسه معرض التجارة وإعادة الإعمار في سوريا، حيث أعلنت أكثر من ٢٠٠ شركة صينية استعدادها للعمل في سوريا، مع تعهد الحكومة الصينية بتقديم مساعدات ضرورية لسوريا تصل إلى ٢ مليار دولار. وفي العام التالي، شاركت العشرات من الشركات الصينية المملوكة للدولة في معرض دمشق للتجارة الدولية.

ومع استحواذ شركات النفط الروسية على الحصة الأكبر من عقود التنقيب عن الغاز والنفط في سوريا، تتجه الشركات الصينية لقطاعات البنية التحتية والمواصلات. ترى بيجين أن سوريا، إلى جانب العراق وإيران، كانت معبرًا أساسيّا لطريق الحرير القديم، وهو ما يجب تكراره مع مبادرة الحزام والطريق. ويخطط المستثمرون الصينيون إلى إنشاء ممر تجاري داخل الشام يوازي شرق المتوسط ويبدأ من ميناء طرابلس اللبناني عبر حمص وصولاً بطرطوس. وتستهدف شركة الموانئ الصينية CHEC إعادة تشغيل خط السكة الحديدية بين طرابلس وحمص كبداية لتنفيذ هذا الممر داخل سوريا.

وفي كل الأحوال، ستبقى الاستثمارات الصينية في سوريا محدودة وليس من المتوقع توسعها في مجالات أخرى ضرورية لإعادة الإعمار في حال استمر إحجام المجتمع الدولي عن مساعدة سوريا، وربط هذه المساعدات بالتغيير السياسـي. إلا أن عودة الاستثمارات الخليجية إلى سوريا قد تقنع بيجين ببذل مزيد من الاستثمارات في سوريا.

ليبيا

عشية الإطاحة بنظام القذافي، تواجدت في ليبيا ٧٥ شركة صينية ضمت ٣٦ ألف موظف وعملت في ٥٠ مشروعًا في مجالات البناء والبنية التحتية والعقارات. كما كان لأكبر شركات النفط الصينية وهي “CNPC” و”سينوبيك” و”CNOOC” مشروعات هندسية دون أن تشارك في عمليات الاستخراج. ومثلت حجم واردات الصين من النفط الليبـي حوالي ٣٪ من مجمل وارداتها. وبالتالي، لم تكن ليبيا ذات أهمية قصوى بالنسبة للصين. ومع ذلك، رفضت الصين استخدام التحالف الغربي للقرار ١٩٧٣ لإسقاط نظام القذافي، وتصورت أن تقديم الدعم للمسلحين سوف يفضـي لمزيد من الفوضـى. وتصورت بيجين إمكانية العودة التدريجية لأنشطتها الاقتصادية في ليبيا. إلا أن انقسام البلاد منذ ٢٠١٤، وتعقد التسوية السياسية حال دون ذلك.

على الرغم من اعتراف الصين بحكومة الوفاق، بسبب الاعتراف الأممي وسيطرة طرابلس على التعاقدات الرسمية، إلا أنها تفضل الحياد الفعلي تجاه طرفي النزاع؛ خاصة مع قدرة أي منهما على حسم الصراع سياسًّا وعسكريًّا. واقتصاديًّا، تعهدت الصين في ٢٠١٦ لحكومة طبرق ببناء ميناء بحري ومطار تجاري وخطوط سكك حديد في شرقي ليبيا.

 من ناحية أخرى، وقعت بيجين مع حكومة الوفاق على مذكرة تفاهم لتضمين ليبيا في مبادرة الحزام والطريق. وبالتالي، ستقوم الصين بالاستثمار في الموانئ الليبية وشبكات النقل والاتصال الضرورية لتعزيز التجارة عبر ليبيا وجنوب المتوسط. كما ازدادت واردات الصين من البترول الليبـي ووصلت في ٢٠١٩ ل٤ مليون برميل. في الوقت الذي ارتفعت فيه التجارة البينية بين الطرفين إلى حوالي ٦.٢ مليار دولار.

كانت مشاركة الصين في مؤتمر برلين في يناير الماضـي بمثابة تأكيد على رؤيتها لضرورة المشاركة الدولية والإقليمية في حل الصراع. نجحت الصراع في مراحل الصراع المختلفة في تجنب أي تورط أو التزام أمنـي، في الوقت الذي سعت فيه أطراف أخرى مثل روسيا وتركيا فضلاً عن فرنسا وإيطاليا، والأطراف العربية لاقتسام النفوذ في ليبيا من خلال الدعم المباشر والمادي لأطراف الصراع.

وبالتالي، ترى أن هذه الأطراف عليها تحمل الكلفة الأمنية للصراع، في الوقت الذي تحقق فيه بيجين مكاسب اقتصادية مشتركة بدون مخاطر استثمارية. وبالتالي، فمن المتوقع أن تستمر الصين في سياسة الحذر حتـى مع انخراطها في ملف إعادة الإعمار في ليبيا. فعلى العكس من القوى الدولية التـي ترى في ليبيا قاعدة للنفوذ في منطقة الساحل والصحراء، فإن الصين، قد نجحت في تأسيس قاعدة للنفوذ في أفريقيا من خلال القرن الأفريقي وشرق أفريقيا. وبالتالي، لن تكون ليبيا في أولويات سياسات الصين الأفريقية.

اليمن

تمثل اليمن أهمية جيو-اقتصادية قصوى للصين. فالبلد يقع على رأس المثلث الشرقي للمضايق الاستراتيجية الهامة لحركة التجارة الصينية في المحيط الهندي. كما أن لمضيق باب المندب أهمية بالغة لطرق التجارة الدولية عبر البحر الأحمر وقناة السويس وشرق أفريقيا. وبالتالي، يضمن التواجد الصينـي في اليمن الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في القارة الأفريقية، وعبر خليج عدن وفي الجزيرة العربية، وهي محاور هامة لمبادرة الحزام والطريق.

ويعود التواجد الاقتصادي للصين في اليمن منذ الخمسينيات حيث ساهمت الصين في بناء طرق بين صنعاء وميناء الحديدة جنوبًا. كما ساهم عملاق الاتصالات الصينية هواواي في تطوير شبكة الاتصالات اليمنية منذ ١٩٩٩. كما تم إنشاء عدد من المشروعات المشتركة مثل الشركة الصلب اليمنية الصينية (ستار).

وعلى الرغم من افتقار اليمن لموارد الطاقة الهائلة، فقد قامت شركات الصينية مثل “سينوبك” و”سينوتشيم” بتطوير عدد من حقول النفط. ورأت الصين ضرورة الإبقاء على مشروعاتها بعد تنحي علي عبد الله صالح. وفي ٢٠١٢، أعلنت الشركة الصينية للتعاون الاقتصادي الخارجي على تطوير محطات للطاقة المشغلة بالغاز الطبيعي.

كامتداد لسياسة الحياد، وعدم التدخل، لم تعلن الصين تحيزها لأي من أطراف الصراع الذي نشب مع استيلاء الحوثيين على صنعاء في سبتمبر ٢٠١٤. عزز هذا الموقف طبيعة العلاقات الجيواقتصادية القوية بين الصين والسعودية والإمارات من ناحية، والصين وإيران من ناحية أخرى.

 كمثل الحال في ليبيا، تعترف بيجين بحكومة منصور هادي باعتبارها الحكومة الشرعية. وعلى الرغم من تصويتها لصالح القرار ٢٢١٦ الذي أدان انقلاب الحوثيين، إلا أنها أبقت على صلات قوية مع الحركة وكذلك مع المجلس الانتقالي الجنوبي. وذلك حرصًا على كسب ثقة كافة الأطراف وضمان توطيد الاقتصادي المستقبلي. ومع احتدام الأزمة الإنسانية في اليمن نتيجة الصراع، أخدت الصين في تسيير عدد من المساعدات الإنسانية والصحية خاصة لمواجهة وبائي الكوليرا ثم كورونا.

كانت دعوة مندوب الصين في الأمم المتحدة شانغ جون في نوفمبر ٢٠١٩ المجتمع الدولي لتقديم مساعدات مفصلة لليمن بمثابة تأكيد على اقتراب بيجين في التعامل مع قضية إعادة الإعمار؛ وذلك من خلال حشد الأطراف الدولية، مع الاستمرار في ضخ الاستثمارات في قطاعات البنية التحتية، اليمنية والتـي قد تصل تكلفتها وفقًا للبنك الدولي إلى ٣٠ مليار دولار. ذلك، وفي حال التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب، فمن المتوقع أن تساهم الصين بالمشاركة مع الإمارات لتحسين موانئ اليمن الجنوبية الضروري لمبادرة الحزام والطريق، وتكثيف ضخ الاستثمارات في شمال اليمن في مجالات الطاقة والطرق والاتصالات، ربما بتعاون مع السعودية. وفي كل الأحوال، ستمثل إعادة الإعمار في اليمن على رأس أولويات إدارة سياستها في خليج عدن والقرن الأفريقي.

وفقًا لهذا العرض، فالعراق هو أكثر البلدان العربية التـي قد تجتذب الاستثمارات الصينية، نظرًا لأهميته لسياسة النفط الصينية في المنطقة، ولمبادرة الحزام والطريق، ووجود عملية سياسية وحالة نسبية من الاستقرار، فضلاً عن حجم التواجد الاقتصادي الصيني في سوق النفط العراقية التـي ستغطي الحصة الأكبر من نفقات إعادة الإعمار، فضلاً عن وجود شراكة بين بيجين وبغداد، وإمكانية التعاون مع أطراف دولية أخرى لتطوير البنية التحتية.

يلي العراق في هذه السياق اليمن، بسبب أهميته القصوى لمبادرة الحزام والطريق، وإمكانية التعاون مع الأطراف الخليجية، فسوريا وليبيا. وسيبقى التأكيد على أن دور الصين في إعادة الإعمار في المنطقة سيظل رهينًا لسياسة الصين الانتقائية وتحديدها لمصالحها الحيوية في كل بلد، وأولوية كل حالة لخططها في المنطقة مع تجنب دفع تكاليف أو بذل استثمارات دون عوائد حقيقية، ودون مشاركة من أطراف دولية أخرى.

عن "مركز الإنذار المبكر"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية